بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ 1)؟ بالجزاء، ( فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ 2) يدفعه عن حقه وصلته دفعا عنيفا، ( وَلَا يَحُضُّ) غيره ( عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 3) لعدم اعتقاده بالجزاء.

 

 (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ 4 الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ 5) غافلون غير مبالين بها، (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ 6) يراءون النـاس بأعمالهم ليروهم الثناء عليـهم، (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ 7) اللازم من أموالهم؛ والمعنى: إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ، فالسهو عن الصلاة التي هي عماد الدين، والرياء الذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإسلام أحق بذلك، ولذلك رتب عليها الويل؛ أو للتنبيه على معنى: فويل لهم؛ وإنما وضع المصلين مع الضمير للدلالة على معاملتهم مع الخالق والخلق، لأنه إذا استقامت أحوالهم مع الخالق، استقامت مع الخلق، فإن فسدت مع الخالق كانت مع الخلق أفسد.

 

ومن تفسير جامع الجوامع: أي: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء والحساب، وينكر البعث من هو؟ إن لم تعرفه (فذَلِكَ الذِي) يكذب بالجزاء وهو (يدعُّ اليتيم)، أي: يدفعه دفعا عنيفا، بجفوة وغلظة، ويرده ردا قبيحا بزجر وخشونة، (وَلاَ يَحضُّ) ولا يبعث أهله (عَلَى) بذل (طعام المسكين)، فلا يطعمه ولا يأمر بإطعامه. جعل الله سبحانه علم التكذيب بالجزاء منع المعروف، والإقدام على إيذاء الضعيف؛ يعني: أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالحسنات ورجا الثواب، وخاف العقاب، لما قدم على ذلك، علم أنه مكذب. فما أشد هذا من كلام، وما أخوفه من مقام، وما أبلغه في التحذير من ارتكاب المعاصي والآثام؛ وإنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان؛ ثم وصل به قوله: (فويلٌ لِّلمصلِّين) كأنه قال: فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلى مبالاة بها حتى تفوتهم أو يخرج وقتها؛ أو يستخفون بأفعالها، فلا يصلونها كما أمروا في تأدية أركانها، والقيام بحقوقها وحدودها؛ لكن ينقرونها نقر الغراب من غير خشوع وإخبات، واجتناب المكروهات من العبث بالشعر والتثاؤب والتمطي والالتفات، الذين عادتهم الرياء والسمعة بأعمالهم، ولا يقصدون بها الإخلاص والتقرب إلى الله على وجه الاختصاص، ويمنعون حقوق الله تعالى في أموالهم؛ والمعنى: إن هؤلاء هم الإحقاء بأن يكونوا ساهين عن الصلاة التي هي عماد الدين، والفرق بين الإيمان والكفر؛ وملتبسين بالرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومانعين للزكاة التي هي قنطرة الإسلام، وتكون صفاتهم هذه علما على أنهم مكذبون بالدين، مفارقون لليقين.

 

وعن أنس: الحمد لله على أن لم يقل: في صلاتهم  . والمراءاة: مفاعلة من الإرادة، لأن المرائي يري الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة، فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله عليه السلام: ولا غمة في فرائض الله لأنها شعائر الدين وأعلام الإسلام؛ وقوله عليه السلام: من صلى الصلوات الخمس جماعة، فظنوا به كل خير ؛ وقوله عليه السلام لأقوام لم يحضروا الجماعة:لتحضرن المسجد أو لأحرقن عليكم منازلكم؛ ولأن تاركها يستحق الذم والتوبيخ، فوجبت إماطة التهمة بالإظهار. وإن كان تطوعا فالأولى فيه الإخفاء، لأنه مما لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فيكون أبعد من الرياء؛ فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان حسنا؛ فإنما الرياء أن يقصد بإظهاره أن يراه الناس فيثنوا عليه بالصلاح؛ على أن اجتناب الرياء أمر صعب غلا على المخلصين، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود.

 

واختلف في الماعون، فقيل: الزكاة؛ وقيل: هو ما يتعاون الناس بينهم، من الدلو والفأس والقدر، وما لا يمنع كالماء والملح. انتهى الذي من كتاب ”جامع الجوامع“.ش