بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

 (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ 1 وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ 2) أقسم سبحانه بالبلد الحرام، وقيده بحلول الرسول فيه إظهار لمزيد فضله، ( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ 3 لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ 4) في تعب ومشقة، من كبد الرجل كبدا، إذا وجعته كبده ومنه المكابدة، وذلك يعم المؤمن والكافر، وإذا كانت المكابدة لا بد منها، كان بذلها في الطاعة أولى، وإلا كانت مغرما على صاحبها.

 ( أَيَحْسَبُ) لبعضهم الذي يكابد منه أكثر؛ أو لكل أحد منهم؛ أو الإنـسان، ( أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ 5 يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا 6) على عـداوة مـحمد؛ ( أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ 7)  أيظن أن الله لم ير ذلك منه، ولم يسأله عن ماله من أين كسبه وأين أنفقه؟. يعني: إن الله يراه فيجازيه، ثم قرر ذلك بقوله: ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ 8) يبـصر بهــما، (وَلِسَانًا) يترجم به عن ضمــائره، (وَشَفَتَيْنِ 9) يستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغير ذلك، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ 10) طريقي الخير والشر.

 (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ 11) أي: فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة، وهو الارتقاء في مصاعب الامور على النفس، إلا أن فيه السلامة؛ والعقبة: الطريق في الجبل، استعارها لما فسرها به من الفك والإطعام في قوله: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ 12 فَكُّ رَقَبَةٍ 13 أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ 14) مجاعة، ( يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ 15) لعله ذا قرابة (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ 16) لعله شدة حال لما فيهما من مجاهدة النفس؛ وقوله: (وَمَا أَدرَاك مَا العقبةُ) اعتراض، معناه: إنك لم تدركنه صعوبتها وثوابها.

 (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا) لأن الكافر لا ينتفع بعمل، ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) وأوصى بعضهم بالصبر على طاعة الله، (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ 17) بالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمة الله، ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ 18) اليمين، أو اليمن.

 (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا) بما نصبناه دليلا على حق، من كتاب وحجة، أو إلـهام، (هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ 19) الشمال، أو الشؤم؛ قيل: لتكرير ذكر المؤمنين باسم الإشارة، والكفار بالضمير شأن لا يخفى، ( عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ 20) مطبقة، من أوصدت الباب إذا أطبقته وأغلقته.