بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

 (وَالْفَجْرِ 1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ 2) ذي الحجة فيما قيل،  (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ 3) والأشياء كلها شفعها ووترها؛ أو بالخـلق _ كقوله: (ومِن كلِّ شيء خلقنا زوجين) - والخالق لأنه فرد. ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ 4) إذا سار وذهب، ( هَلْ فِي ذَلِكَ) القسم أو المقسم به، ( قَسَمٌ) حلف، أو محلوف، ( لِذِي حِجْرٍ 5)؟ يعتبره ويؤكد به ما يريد تحقيقه؛ والحجر: العقل، سمي، لأنه يحجر عما لا ينبغي، كما سمي عقلا.

 (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ 6 إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ 7) ذات البناء الرفيع؛ قيل: كان لعاد ابنان: شديد، فملكا وقهرا، ثم مات شديد، فخلص الأمر لشداد، وملك المعمورة، ودانت له ملوكها؛ فسمع بذكر الجنة فبنى على مثلها في بعض صحاري عدن جنة، وسماها ”إرم“، ثم سار إليها بأهله؛فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا؛ وقيل: إنه خرج في طلب إبله فوقع عليها. (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ 8 وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ) قطعوه واتخذوه منازل، كقوله: (وتنحتون مِنَ الجبال بيوتا) (بِالْوَادِ 9)

 (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ 10) لكثرة جنوده، ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا، أو لنعذبنه بالأوتاد، ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ 11) صفة للمذكورين عاد وثمود وفرعون، ( فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ 12) بالكفر والظلم ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ 13) ما خلط لهم من أنواع العذاب، وأصله الخلط؛ ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ 14) المكان الذي يترقب فيه الرصد، وهو تمثيل لإرصاده العصاة بالعذاب الأدنى والآخرة.

 (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ) متصل بقوله (إنِّ رَبَّك لَبالمرصاد) كأنه قيل: إنه لبالمرصاد من الآخرة، فلا يريد منه إلا السعي لها، فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذتها، ( إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ) اختبره بالغنى واليسر، ( فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) بالجاه والمال، ( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ 15) فضلني بما أعطاني باستحقاقي، لا يرى الكرامة من الله إلا بكثرة الحظ من الدنيا.

 (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) إذ التقدير: وأما الإنسان إذا ما ابتلاه، أي: بالفقر والتقدير ليوازن قسمه، ( فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ 16) لقصور نظره، وسوء فكره، فإن التقدير يؤدي إلى كرامة الدارين؛ إذ التوسعة قد تقضي إلى قصد الأعداء، والانهماك في حب الدنيا؛ ولذلك ذمة على قوليه، وردعه عنـه بقوله:  (كَلَّا) لعله كذبهما بقوله: (كَلاَّ)، ويقول: ليس هذا بكرامتي، ولا هذا بهواني؛ ولكن التكريم من أكرمته بطاعتي، غنيا كان أو فقيرا؛ ( بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 18) بل فعلهم أسوء من قولهم، وأدل على تهالكهم بالمال، وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والمبرة، ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلا عن غيرهم.

 (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ) الميراث، وأصله وراث، ( أَكْلًا لَمًّا 19) ذا لم: أي جمع بين الحلال والحرام، فإنهم لا يطهرونه من الحقوق والوصايا؛ أو يأكلون أنصباءهم وأنصباء شركائهم لعله الضعفاء؛ أو يأكلون ما جمعه الموروث من حلال وحرام مع علمهم بذلك؛ وقيل: الأكل اللم: الذي يأكل كل شيء يجده، لا يسأل عنه أحلال أم حرام؛ ويأكل الذي له ولغيره؛ يقال: لعله لممت ما على الجواب ]كذا[: إذا أتيت ما عليه حتى أكلته.

 (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا 20) كثيرا مع حرص وشره، وهو من صفاتهم المذمومة، لأنهم أمروا بحب الله وطاعته، ولا يتفق حبهم لهذا وهذا، لأنها أضداد لا تكاد تتفق.

 (كَلَّا) ردع لهم عن ذلك وإنكار، وما بعده وعيد عليه، ( إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا 21) دكا بعد دك، حتى صارت هباء منبثا، ( وَجَاءَ رَبُّكَ) أي: ظهرت آيات قدرته، وآثار قهره؛ مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته وسياسته، ( وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 22) بحسب منازلهم ومراتبهم، لعله هكذا أخبر الله عن يوم القيامة أن الملائكة تكون يوم العروض صفوفا، ويأتي أمر الله بما قد حكم وقضى وقسم من أهوال يوم القيامة، ( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) لقوله: (وبُرِّزت الجحيم لِمَن يرى).

 (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ) أي: يتذكر معاصيه؛ أو يتعظ، لأنه يعلم قبحها فيندم عليها، ( وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى 23) لعله ومن أين له التوبة؟ أي: منفعة الذكرى.

(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي 24) أي: لحياتي الأبدية، فإن غيرها ليست بحياة في الحـقيقة ( فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ 25 وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ 26) الهاء لله، أي: لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه، إذ الأمر كله له.

 ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ 27) على إرادة القول، وهي التي اطمأنت بذكر الله، فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب إلى الواجب لذاته، ( ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) إلى أمره، أو موعده بالموت؛ لعله وقيل: يقال لها عند الموت وخروجها من الدنيـا: رضي عنها ربها؛ فإذا كان يوم القيـامة قيل لها: ادخـلي في عبـادي، (رَاضِيَةً) بما أوتيت، ( مَرْضِيَّةً 28) عند الله، ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي 29) الصالحين، ( وَادْخُلِي جَنَّتِي 30) معهم.