بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

 (الْحَاقَّةُ 1 مَا الْحَاقَّةُ 2)؟ أي الساعة؛ أو الحالة التي يحق وقوعها؛ أو التي تحق فيها الأمور، أي: تعرف حقيقتها؛ أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء، على الإسناد المجازي، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ 3) ؟ وأصله ما هي؟ أي: أي شيء هي؟ على التعظيم لشأنها والتهويل لها.

 

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ 4) بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة، (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ 5) وهي الصيحة؛ أو الرجفة لتكذيبهم بالقارعة؛ أو بسبب طغيانهم بالتكذيب وغيره. (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) أي شديدة الصوت، أو البرد (عَاتِيَةٍ 6) شديدة العصف، والعتو: ضد التيسير؛ وقيل: عتت على من أرسلت عليهم، ولم يكن لهم عليها سبيل. (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ )  سلطها عليهم بقدرته، (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) متتابعات؛ أو نحسات، حسمت كل خير واستأصلته؛ أو قاطعات قطعت دابرهم، (فَتَرَى الْقَوْمَ)  لو كنت حاضرهم؛ أو تصديقك للوحي، (فِيهَا صَرْعَى) موتى،(كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ) أصول نخل (خَاوِيَةٍ 7) متآكلة الأجواف؛ من خوي البطن: إذا خلا؛ وقيل: سـاقطة. (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ 8)؟ من بقية؛ أو نـفس بـاقية؛ أو بقاء.  (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) أي: ومن عنده من أتباعه، (وَالْمُؤْتَفِكَاتُ)  قرى قوم لوط، والمراد: أهلها، (بِالْخَاطِئَةِ 9) بالخطأ. (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) أي:  فعصى كل أمة رسولها، (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً 10) زائدة في الشدة بزيادة أعمالهم في القبح.

 

 

 

(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ) جاوز حده المعتاد، أو طغى على خزانه، وذلك في الطوفان، (حَمَلْنَاكُمْ ) أي: آباءكم وأنتم في أصلابهم، (فِي الْجَارِيَةِ 11) في سفينة نوح. (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ) لنجعل الفعلة، وهي إنجاء المؤمنين، وإغراق الكافرين، (تَذْكِرَةً) عبرة ودلالة على قدرة الصانع وحكمته، وكمال قهره ورحمته، (وَتَعِيَهَا) وتحفظها؛ وقيل: الوعي : أن تحفظ الشيء في نفسك؛ والإيعاء: أن تحفظه في غيرك، (أُذُنٌ وَاعِيَةٌ 12) من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه، بتذكره وإشاعته والتفكر فيه، والعمل بموجبه، كأنها وعاء لما يترك فيها.

 

 (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ 13) لما بالغ في تهويل يوم القيامة، وذكر ما للمكذبين بها، وتفخيما لشأنها، وتنبيها على إمكانها، عاد إلى شرحها؛ والمراد بها: النخة الأولى التي عندها خراب العالم. (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ) دفعت   من أماكنها لمجرد القدرة الكاملة، أو بتوسط زلزلة، أو ريح عاصفة، (فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً 14) فضربت الجملتان بعضـها ببعض ضربة، فيصير الـكل هباء، (فَيَوْمَئِذٍ) فحينئذ، (وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ 15) قامت القيامة،؟ لأن وقوع ما عداها مجاز لا حقيقة، فصارت هي على لعله الحقيقة الواقعة.

 

(وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ) لنزول الملائكة، (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ 16) ضعيفة مسترخية عما خلقت لأجله. (وَالْمَلَكُ) والجنس المتعارف بالمـلك (عَلَى أَرْجَائِهَا) على جوانبها، (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ). ومن كتب أصحابنا:  وأما العرش فالقول فيه كثير، وتسمية العرش: هو السرير، وليس ]المراد[  أن الله يوصف أنه كائن على العرش، وأن هذه الملائكة يحملونه، وإنما هذه الملائكة قد لعله تعبدت الله بحمل ذلك العرش؛ والله قبل العرش وقبل الملائكة، فكما كان في الأول كذلك لعله في آخر الأبد . (يَوْمَئذ ثَمَانِيَةٌ 17) قيل: ثمانية أجزاء من الملائكة كل جزء مثل الثقلين فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء، أو فوق الثمانية.

 

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُون)َ بسببها للمحاسبة، (لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ 18) سريرة على الله حتى يكون الغرض الاطلاع عليها، وإنما المراد منه إفشاء (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه)ِ تفضيل للعرض، (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ 19) استبشارا بما فيه، وشوقا إليه. (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ 20) أي علمت؛ عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الاعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبا. (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ 21) ذات رضاء، وذلك لكونها صافية عن الشوائب، دائمة، مقرونة بالتعظيم، (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 22) مرتفعة المكان؛ أو الدرجات؛ أو الأبنية والأشجار؛ أو علو شرف. (قُطُوفُهَا) هو ما يجتنى، (دَانِيَةٌ 23) يتناولها القاعد. (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا) صاف بلا كدر، (بِمَا أَسْلَفْتُمْ) بما قدمتم من الأعمال الصالحة، (فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ 24)  الماضية من أيام الدنيا.

 

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ) لما يرى من قبح العمل، وسوء العاقبة: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ 25) لأنه وجد به ما يسوءه. (وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ 26 يَا ‎لَيْتَهَا) يا ليت الموتة التي متها. (كَانَتِ الْقَاضِيَةَ 27) القاطعة لأمري، فلم أبعث بعدها. (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ 28) مالي، لأنه لم يستعمله فيما يغنيه الغنى الحقيقي. (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ 29) ملكي وتسلطي على الناس؛ أو حجتي التي أحتج بها في الدنيا.

(خُذُوهُ) يقول الله تعالى لخزنة النار (فَغُلُّوهُ 30 ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ 31)  ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه ]كان[ يتعظم على الناس.( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا) لعله ولعل ذكر الطول عللا قدر عظم جثته،لتعاظم العذاب عليه، (فَاسْلُكُوهُ 32) فأدخلوه فيها، بأن يلقوها على جسده، وهو فيما بينهم لا يقدر على الفرار؛ قيل: تدخل من دبره وتخرج من فيه.

 

(إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ 33) إيمانا يدفع عنه ذلك العذاب. (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 34) ولا يحث على بذل طعامه، أو على إطعامه فضلا أن يبذل من ماله. (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ 35)  قريب يحميه.(وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ 36) قيل: غسالة أهل النار وصديدهم. (لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ 37) أصحاب الخطايا، من خطئ الرجل: إذا تعمد الذنب.

 

(فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ 38 وَمَا لَا تُبْصِرُونَ 39) بالمشاهدات والمغيبات؛ وذلك يناول الخالق والمخلوقات بأسرها. (إِنَّهُ) إن القرآن، (لَقَوْلُ رَسُولٍ) ينقله عن الله، (كَرِيمٍ 40) على الله وهو محمد، أو جبريل عليهما السلام. (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ 41) تصدقون. (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ) كما تدعون، (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ 42) من عدم الإيمان، أو ضعفه. (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ 43).

 

(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا) تخرص، واختلق محمد (بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ 44) سمى الافتراء تقولا، لأنه قول متكلف، والأقوال المفتراه: أقاويل، تحقيرا لها. (لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45) أي لأخذناه بالقوة. (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ 46) أي نياط قلبه بضرب عنقه؛ وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله المكوم لعله الملوك بمن يغضبون عليه؛ وقيل: اليمين بمعنى القوة. (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ) عن الـقتل (حَاجِزِينَ 47 وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ 48) لأنهم هم المنتفعون به لا غير.

(وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ 49) فنجازيهم على تكذيبهم. (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ 50) إذا رأوا ثواب المؤمنين. (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ 51) لليقين الذي لا ريب فيه. (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 52) .