بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

  (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) قيل: حرم على نفسه جاريته ”مارية“ ابتغاء مرضاة أزواجه ليس لله، ولذلك عاتبه، (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 1)  غفر لك ما تقدم من التحريم؛ ثم فسر الحكم بقوله: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) قد شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقدته بالكفارة، (وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ) متول أموركم، (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بما يصلحكم، (الْحَكِيمُ 2) المتقن في أحكامه وأفعاله.

 

(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ) قيل: حفصة، (حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) وأطلع النبي صلى الله عليه وسلم على الحديث، أي: على إفشائه، (عَرَّفَ بَعْضَهُ) قيل: عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت، (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) عن إعلام بعض تكرما، (فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ 3)فإنه أصدق الصادقين.

 

(إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ) قيل: خطاب لحفصة وعائشة، على الالتفات للمبالغة في المعاتبة، (فَقَدْ صَغَتْ) مالت عن الاستقامة، (قُلُوبُكُمَا) فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب، من مخالصة الرسول، بحب ما يحبه مما أحله الله له، وكراهة ما يكرهه، (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) وإن تتظاهرا عليه بما يسوءه لعله لا بذنب سبق منه، بل بما أباحه الله له، بدليل قوله: (لمَ تُحرِّم ما أحلَّ اللهُ لَكَ) (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين، فإن الله ناصره وجبريل، ومن صلح من المؤمنين: أتباعه وأعوانه، (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ 4)متظاهرون، وتخصيص جبريل لتعظيمه؛ وهذه الآية ناعية على كل من ظاهر على عداوة أحد من أهل الإيمان بغير حق، وبشارة لكل من فعل به ذلك.

 

(عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) إن لم تتبن، (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ) مقرات مخلصات؛ أو منقادات مصدقات، (قَانِتَاتٍ) مصليات؛ أو مواظبات على الطاعة، (تَائِبَاتٍ) عن الذنوب، (عَابِدَاتٍ) متعبدات؛ أو متذللات لأمر الرسول، (سَائِحَاتٍ) السياحة: الذهاب في الأرض للعبادة والتفكر والتذكر، والاعتبار بما فيها من الآيات، ويكون ذلك بالقلوب، ويكون بالأبدان، (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا 5) .

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) بترك المعاصي وفعل الطاعات، (وَأَهْلِيكُمْ) بالنصح والتأديب، من كان منهم موافقا لكم، وترجون من القبول، لقوله تعالى لنوح عليه السلام: (إنَّه ليس من أهلك) . (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب، (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ) تلي أمرها، وهم الزبانية (غِلَاظٌ شِدَادٌ) غلاظ الأقوال شداد الأفعال؛ أو غلاظ الخلق، شداد الأفعال، (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 6) .

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 7)  أي: يقال لهم ذلك عند دخولهم النار؛ والنهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم، أو العذر لا ينفعهم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) بالغة في النصح، وهو صفة التائب بأنه ينصح نفسه بالتوبة؛ وقيل: التوبة النصوح: أن يكون له خوف أن لا يقبل، ورجاء أن يقبل؛ وقيل: وهي رد المظالم وإدمان الطاعة؛ وقيل: يبغضها فاعلها كما أحبها؛ (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 8) .

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ) بالحجة، فإن ردعت وإلا فالسيف، (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) واستعمل الخشونة فيما تجاهدهم إذا بلغ الرفق مداه، (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 9)  جهنم.

 

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) يعني نوحا ولوطا، (وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ 10)  .

 

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) من نفسه وعمله الخبيثين، (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 11).

 

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) من الرجال، من الحـلال والحرام، (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا) أي: صدقت بما أقام عليها من الحجج والآيات، ولم ترد حجة أقامها عليها؛ (وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ 12)

 من عداد المواظبين على الطاعة؛ والتذكرة للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر على طاعة الرجال الكاملين، حتى عدت من جملتهم.