بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 1 ) لعله قيل: هذه آية بسبعمائة لعله آية في ..... . (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) أي: في العرب، لأن منهم ]من[ لا يقرأ ولا يكتب، (رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ) مع كونه أميا، ومثله لم يعهد منه قراءة ولا تعلم، (وَيُزَكِّيهِمْ) من خبائث العقائد والأعمال، (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) القرآن والشريعة، أو معالم الدين من المنقول، ولو لم يكن سواه معجزة لكفاه. (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ 2 )من الشرك وخبث الجاهلية؛ وهو بيان لشدة احتياجهم إلى نبي يرشدهم.

 

(وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ) عطف على الأميين، أو المنصوب في يعلمهم، وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع؛ (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) لم يلحقوا بهم بعد، وسيلحقون، (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في تمكنه من هذا الأمر الخارق للعادة، (الْحَكِيمُ 3)  في اختياره وتعليمه. (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ) ذلك الفضل الذي امتاز به عن أقرانه، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) تفضلا وعطية، (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 4) الذي تستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة.

 

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ) علموها وكلفوا العمل بها، (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) لم يعلموا بها ولم ينتفعوا بما فيها، (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) كتبا من العلم يتعب في حملها، لعله وهذا المثل يعم كل عامل لا ينتفع بعمله، فهو معذب بعمله، كان أمرا دينيا أو دنياويا، وذلك قوله: ولا ينتفع بها ويتعذب، (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ) أي: كل من كذب بآيات الله لعله فهو داخل في هذا المثل، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5 )لعله لشيء ينفعهم؛ لأن رحمة الله لا .... لهم في الدارين.

 

(قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) إذ كانوا يقولون: نحن أولياء الله وأحباؤه، (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فتمنوا من الله أن يميتكم، وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة، ومن دار التعبد إلى دار الجزاء (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 6)  لأن من كان على حقيقة من أمره، يتمنى الانتقال من دار المكابدة والخوف إلى دار الجزاء والأمن؛ لأن المؤمن لا يأمن تقلب الأحوال به، لأنه لا تدري نفس ماذا تكسب غدا، (فلا يأمن مَكر الله إلاَّ القوم الخاسرون) ، (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 7) فيجازيهم على أعمالهم.

 

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بعملكم، (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) لا تفوتونه، ]وهو[ لاحق بكم، (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 8) بأن يجازيكم عليه.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فامضوا إليه مسرعين قصدا؛ لأن الصلاة مجموع ذكره لمن حضرها بقلب فارغ، أو ألقى السمع وهو شهيد، (وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أي: السعي إلى ذكر الله خير لكم من المعاملة، فإن نفع الآخرة خير وأبقى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 9)  الخير والشر الحقيقين. (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) إطلاق لما حظر عليهم في طلب الرزق، أو طلب العلم، (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) واذكروه في مجامع أحوالكم، ولا تخصوا ذكره بالصلاة وحدها؛ ومن ملازمتهم لذكره: القيام بما تعبدهم به؛ لأنهم يصيرون بذلك حامدين الله، ومسبحين له في الدارين، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 10) بخير الدارين.

 

(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) على المنبر تخطب، (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ) من خزائن رزقه ورحمته (خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) فإن ذلكم محقق مخلد بخلاف الأمور الدنياوية، (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 11) فتوكلوا عليه، واطلبوا الرزق منه؛ فإن رزق من توكل عليه خير من رزق من يكله إلى نفسه.