بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 1 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ 2 ) لأن القول إذا لم  يصدق بالعمل فهو كذب؛ ولذلك توعد الله عليه، فقال: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ 3)المقت: أشد البغض.

 

قيل: كان المؤمنون يقولون: لو علمنا لعله أحب الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا؛ فدلهم الله تعالى على أحب الأعمال إليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) مصطفين (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ 4)في تراصهم من غير فرجة؛ والرص: اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه.

 

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) بما جئتكم من المعجزات؛ فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه، ويمنع إيذاءه، (فَلَمَّا زَاغُوا) عن الحق؛ (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ 5) هداية موصلة إلى معرفة الحق والعمل بمقتضاه.

 

(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) والمعنى: ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه، (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 6)أي: كذب بين.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ) أي: أي أحد أظلم ممن يدعى إلى الإسلام الظاهر حقيقته، المقتضي له خير الدارين، فيضع إجابته الافتراء على الله بتكذيب رسوله، وتسميته آياته سحرا، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 7)لا يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم.

 

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) يعني: دينه أو كتابه أو حجته (بِأَفْوَاهِهِمْ) بطعنهم فيه، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) مبلغ غايته بنشره وإعلائه على كل دين إلى يوم القيامة، (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 8) إرغاما لهم. (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى) بالقرآن، (وَدِينِ الْحَقِّ) والملة الحنيفية، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ليعيله على جميع الأديان، (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 9)بما فيه من محض التوحيد، وإبطال الشرك.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 10 تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 11)  إن كنتم من أهل العلم؛ إذ الجاهل لا يتعد بفعله السيء، ولا قوله الباطل. (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 12).

 

(وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا) ولكم إلى هذه النعمة المذكورة، نعمة أخرى عاجلة محبوبة. وفي تحبونها تعريض بأنه في طباعهم حب الحلال، ليقويهم على الانتقال به إلى الآجل، إذ قال: (تحبُّونها) وهو قوله: (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) عاجل (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ 13).

 

 

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) لإظهار دينه، اقتدوا بأهل دينه، لقوله: (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) أي: من جندي متوجها إلى نصرة الله، ليطابقوا قوله: (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) والحواريون: هم أصفياء قومه؛ (فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الذين تشمروا لنصرة نبيه، (وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) التي خذلته، (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ) بالحجة أو بالنصر، (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ 14) فصاروا غالبين بالحجة لا بالدولة فيما قيل.