بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) لعله لمحض الصفاوة؛ وقيل: تلقون إليهم أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كقوله: (تسرُّون إليهم بالمودَّة) . (وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا) لعله أي: لأن آمنتم أيها المؤمنون (بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) عن أوطانكم (جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ 1) أخطأه.

 

(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) يظفروا بكم، (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً) ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم، (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) ما يسوؤكم كالقتل والشتم، (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ 2 )وتمنوا ارتدادكم. (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ) قرباتكم (وَلَا أَوْلَادُكُمْ) الذين توالون المشركين لأجلهم، (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) يفرق بينكم بما عراكم من الهول، فيفر بعضكم من بعض، فما لكم ترفضون حق الله لمن يفر عنكم غدا؟! (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 3) فيجازيكم عليه.

 

(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قدوة، اسم لما يؤتسى به، (فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين، (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ) أي: بدينكم، أو مـعبودكم، أو بكم وبه، فلا نعتد بشأنكم وآلـهتكم، (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ) لا تزول (أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) فتنقلب العداوة والبغضاء ألفة ومحبة؛ (إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) استثناء من قوله: (أسوة حسنة) فإن استغفاره لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن يتأسوا به، فإنه كان قبل النهي، أو لموعدة وعدها إياه، (وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) من شيء إن لم تؤمن به.

 

(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ 4)متصل بما قبل الاستثناء؛ أو أمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه، تتميما لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار. (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بأن تسلطهم علينا فيفتنوننا بعذاب لا نحتمله، (وَاغْفِرْ لَنَا) ما فرط ]منا[،(رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 5) ومن كان كذلك كان حقيقا بأن يجير المتوكل، ويجيب الداعي.

 

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) تكرير لمزيد الحث على التأسي بإبراهيم والمؤمنين، (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ) على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم، وأن تركه مؤذن بسوء العقيدة، ولذلك عقبه بقوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ 6 عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 7) .

 

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8) العادلين. (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ) كمشركي مكة، فإن بعضهم سعوا في إخراج المؤمنين، وبعضهم أعانوا المخرجين، (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9)  لوضعهم الولاية غير موضعها.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهن لسانهن في الإيمان، (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) فإنه المطلع على ما ]في[ قلوبهن، لستم أنتم مخاطبين به، (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) العلم الذي يمكنكم تحصيله، وهو إمارات الإيمان مع ارتفاع التهمة؛ وإنما سماه علما إيذانا أنه كالعلم في وجوب العمل به، (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) أي: إلى أوزاجهن الكفرة، لقوله: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا) أي: وآتوا أزواجهن ما أنفقوا عليهن، (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار، (إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) بما تعتصم به الكافرات من عقد وسبب؛ جمع عصمة، والمراد: نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات، (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ) من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار، (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) من مهور أزواجهن المهاجرات، (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ)  يعني: جميع ما ذكر في الآية، (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 10) بشرع ما تقتضيه حكمته.

 

(وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ) وإن سبقكم، وانفلت منكم شيء (مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ 11) فإن الإيمان به مما يقتضي التقوى منه.

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) قيل: لما فرغ عليه السلام من بيعة الرجال، أخذ في بيعة النساء، (وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) قيل: هي أن تقذف ولدا على زوجها ليس منه، (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) في طاعة تأمرهن بها، (فَبَايِعْهُنَّ) إذا بايعنك بضمان حقوق لعله الإسلام، أو الثواب على الوفاء بهذه الأشياء، (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 12).

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ) لكفرهم بها، أو لعلمهم بأنه لا حظ لهم فيها؛ لاستكبارهم عن الحق. (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ 13)  أن يبعثوا.