بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى 1)  أقسم بخنس النجم والثريا؛ فإنه أغلب فيه إذا غرب، أو انتثر يوم القيامة؛ أو أنقص، أو أطلع، لعله أو النجم من نجوم القرآن، وقد نزل منجما، (إذَا هوى) إذا نزل. (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ) ما عدل محمد صلى الله عليه وسلم عن الطريق المستقيم، (وَمَا غَوَى 2) وما اعتقد باطلا؛ والمراد: نفي ما ينسبون إليه. (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى 3)  وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى.

 

(إِنْ هُوَ) ما القرآن، أو الذي ينطق به، (إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4)  يوحيه الله إليه. (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى 5)  ملك شـديد قـواه، وهو جبريل. (ذُو مِرَّةٍ) قوي، (فَاسْتَوَى 6)  استولى بقوته على ما جعل له من الأمر. (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى 7) أفق السماء؛ والضمير لجبريل.

 

(ثُمَّ دَنَا) من النبي (فَتَدَلَّى 8) قيل: تدلى من الأفق الأعلى، فدنا من الرسول. (فَكَانَ) جبريل، كقولك: ]هو[ مني معقد الإزار؛ أو المسافة بينهما، (قَابَ قَوْسَيْن)ِ مقدارهما، والقاب والقيب، والقاد والقيد، والقاس والقيس: المقدار، وأصله: فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، (أَوْ أَدْنَى 9)  أو أقرب؛ وذلك تحقيق لستماعه لما يوحى إليه بنفي البعد الملبس.

 

(فَأَوْحَى) جبريل، (إِلَى عَبْدِهِ) عبد الله (مَا أَوْحَى 10) جبريل؛ وفيه تفخيم الموحى به، أو الله إليه؛ وقيل: الضمائر كلها لله تعالى، وهو شديد القوى، كما قوله: (هُوَ الرزَّاق ذو القوَّة المتينُ)؛ ودنوه منه: ترفع مكانته، وتدليه: جذبه بشراشره على جنات القدس. (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى 11) ما رأى ببصره من أحـوال جبريل، وما أوحي إليه به، أو ما رآه بقلبه من الوحـي والإلـهام. (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى 12)؟ أفتجادلونه عليه، من المراء: وهو المجادلة؛ واشتقاقه من  ”مرى الناقة“، كأن كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه.

 

(وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى 13 ”  )فعلة“ من النزول، أقيمت مقام المرة، ونصبت نصبها إشعاراً بان الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى 14)  التي ينتهى إليها علم الخلائق وأعمالهم، أو ما ينزل من فوقها، وما يصعد من تحتها، ولعلها شبهت بالسدرة – وهي شجرة النبق- لأنهم يجتمعون في ظلها؛ والمنتهى: موضع الانتهاء، لم يجاوزها احد، وإليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم، ولا يعلم أحد ما وراءها؛ وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء؛ ويحتمل ما رآه في هذه النزلة بأحوال القيامة. (عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى 15)  الجنة التي يأوي إليها المتقون، أو أرواح الشهداء. (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى 16) تعظيم وتنكير لما يغشاها، بحيث لا يكتنهها نعت، ولا يحصيها عدد؛ وقيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة، يعبدون الله عندها.

 

(مَا زَاغَ الْبَصَرُ) ما مال بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه، (وَمَا طَغَى 17)وما تجاوزه، بل أثبته إثباتا صحيحا متيقنا؛ أو عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها. (لَقَدْ رَأَى) والله لقد رأى (مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى 18)  أي: والله لقد رأى الكبرى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج.

 

(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى 19 وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى 20) هي أصنام كانت لهم. (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى 21) إنكار لقولهم: الملائكة بنات الله. (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى 22) جائزة؛ حيث جعلتم له ما تستنكفون ]منه[، وهي ”فعلى“ من الضيز: وهو الجور. (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ) الضمير للأصنام، أي: ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء لعله وأمثال وصور تطلقونها عليها، لأنكم تقولون: إنها آلهة، وليس فيها شئ من معنى الألوهية؛ أو للصفة  التي تصفونها بها من كونها آلهة وبناتا وشفعاء؛ أو للأسماء المذكورة، فإنها كانوا يطلقون اللات عليها، باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها؛ والعزى لعزتها؛ ومناة: لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين، (سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ) بهواكم، (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) برهان تتعلقون به. (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) إلا التوهم أن ما هم عليه حق، تقليدا وتوهما باطـلا، (وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ) وما تشتهيه الأنفس؛ (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى 23)حججه وبراهينه.

 

(أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى 24)  أي: ليس ] له[ ما يتمناه؛ والمراد: نفي طمعهم في شفاعة الآلهة؛ وقولهم: (ولئن رُّجِعتُ إِلىَ رَبِّي إنَّ لي عنده لَلحُسَنى). (فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى 25) يعطي منهما ما يشاء لمن يريد، وليس لأحد أن يتحكم في شيء منهما. (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئا ولا تنفع، (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ) في الشفاعة، (لِمَنْ يَشَاءُ) من الناس أن يشفع له (وَيَرْضَى 26) ويراه أهلا لذلك؛ فكيف تشفع الأصنام لعبدتهم؟!.

 

(إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ) أي: كل واحد منهم، (تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى 27)  بأن سموه بنتا. (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي: مما يقولون، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا 28) فإن الحق الذي هو حقيقة الشيء لا يدرك إلا بالعلم؛ والظن لا اعتبار له في المعارف الحقيقية؛ وإنما العبرة في العمليات وما يكون وصله إليها.

 

(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا 29)  فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه، فإن من غفل عن أمر الله، وأعرض عن ذكره، وانهمك في الدنيا، بحيث كانت منتهى همته، ومبلغ علمه، لا تزيده الدعوة إلا عنادا، وإصرارا على الباطل؛ أو اعرض عمن تولى ودعاك إلى باطل، أو دعوته إلى حق فلم يقبل. (ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) لا يتجاوزه علمهم إلى الأمر الأخروي، لأنهم لم يؤمنوا به إيمانا حقيقا، لذلك نهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة؛ وقيل: ولم يبلغوا من العلم إلا علما ظنيا لأمر لعله الآخرة، (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى 30)  تعليل لأمر بالإعراض، أي: إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب؛ فلا تتعب نفسك في دعوتهم، إذ ما عليك إلا البلاغ.

 

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا) بعقاب ما عملوا من السوء، أو بمثله؛ أو سبب ما عملوا من السوء، وهو علة لما دل عليه ما قبله؛ أي: خلق العالم وسواه للجزاء؛ أم ميز الضال من المهتدي، وحفظ أحوالهم، كذلك. (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى 31)  بالمثوبة الحسنى. (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ) ما يكبر عقابه من الذنوب، وهو ما رتب الوعيد عليه بخصوصه، (وَالْفَوَاحِشَ) وما فحش من الذنوب، (إِلَّا اللَّمَمَ) وهو ما صغر، فإنه مغفور عن مجتنبي الكبائر؛ وقيل: ما لم على القلب، أي: خطر، (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) أعلم بأحوالكم منكم، (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) علم أحوالكم ومصارف أموركم، حين ابتدأ خلقكم مكن التراب بخلق آدم، وحينما صوركم في الأرحام، (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير، أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل؛ والمعنى: لا تشهدوا لها بجنة على القطع، فإن ذلك من علم الغيب، ولم يأذن الله به، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى 32)فإنه يعلم التقي وغيره منكم، قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام.

 

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى 33)  عن اتباع الحق والثبات عليه، (وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى 34) وقطع العطاء وأمسك، (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى 35)  ما غاب عنه؟.(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى 36 وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى 37)   وفر وأتم ما لزمه وأمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله؛ وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره.

 

(أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى 38 وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى 39)  فليس لأحد من الآخرة إلا ما تزود من الدنيا. (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى 40 ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى 41) أي: يجزى العبد سعيه بالجزاء الأوفر. (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى 42) انتهاء الخلائق.

 

(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ) من شاء من خلقه بالرحمة، (وَأَبْكَى 43) من شاء من خلقه بالعذاب. (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا 44) لا يقدر على الإماتة والأحياء غيره؛ فإن القاتل ينقض البنية، والموت يحصل عنده بفعل الله على سبيل العادة؛ وقيل: أماته بالكفر، وأحياه بالإسلام. (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى 45 مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى 46)  تدفق في الرحم. (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى 47)  إلاحياء بعد الموت، وفاء بعهده. (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى 48)أعطى القنية، وهي المؤثل المدخر؛ وقيل: أقنى أي: أرضى بما أعطى. (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى 49) يعني: العبور، وهي أشد ضياء من الغميصاء.

 

(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى 50)القدماء، لأنهم أول الأمم هلاكا بعد نوح؛ وقيل: عاد الأولى: قوم هود، وعـاد الأخرى: إرم. (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى 51) الفريقين. (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى 52) من الفريقين. (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) والقرى التي ائتفكت بأهلها، أي: انقلبت، وهي قوم لوط، (أَهْوَى 53) بعد أن رفعها فقلبها. (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى 54)  فيه تهويل وتعميم لما أصابهم.

 

(فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى 55)  تتشكك؛ والخطاب للرسول، أو لكل واحد. والمعدودات وإن كانت نعما ونقما، سماها: آلاء، من قبل ما في نقمة من العبر والمواعظ للمعتبرين، فهي نعم لمن اعتبر بها؛ والنعم إذا كفرها العصاة صارت نقما وبلايا. (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى 56)  أي: هذا القران نذير من جنس الإنذارات المتقدمة؛ أو هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين.

 

 

(أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ 57) دنت الساعة الموصوفة بالدنو في نحو (اقتربت الساعة) (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ 58)  ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله، ] أو ليس لخا كاشفة لوقتها إلا الله، إذ[ لا يطلع عليه سواه. (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ) يعني: القرآن، (تَعْجَبُونَ 59) إنكارا.(وَتَضْحَكُونَ) استهزاءا، (وَلَا تَبْكُونَ 60)  تحزنا على ما فرطتم؛ وقيل: تضحكون آمنين من عذابه، ولا تبكون خائفين من عذابه. (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ 61) أي: غافلون عن أمر الله ونهيه، (وأنتم سامدون)لاهون لاعبون. (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا 62) أي: انقادوا له، واعبدوه دون الآلهة.