بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

(حم 1 تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 2) الحكيم الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة . ( غَافِرِ الذَّنْبِ ) فضلا، (شَدِيدِ الْعِقَابِ ) لمن تاب وعاد ( وَقَابِلِ التَّوْبِ ) لمن عصى عدلا، (ذِي الطَّوْلِ)  صفات أخر لتحقيق ما فيه من الترغيب  والترهيب، والحث على ما هو المقصود منه،(لَا إِلَهَ إِلَّا هوَ)فيجب الإقبال الكلي على عبادته، (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ 3) فيجازي المطيع والعاصي.

 

(مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ) بالإنكار والإبطال، (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ) لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين منه بالطعن وإدحاض الحق، لقوله. (وجادَلوا بالباطلِ ليدحضوا  بِهِ الحقَّ ) فأما الجدال فيه لحل عقدة، واستنباط حقائقه، وقطع تشبث أهل الزيغ به، وقطع مطاعنهم فيه، فمن أعظم الطاعات، (فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ 4 ) فإن تحته حقائق وأسرار، فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم، وتقلبهم في مكاسبهم، فإنهم مأخوذون عما قريب لكفرهم، أخذ من قبلهم، فقال:

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم، (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ)  من هؤلاء (بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ)  إما ظاهرا وإما باطنا، (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ) بما لا حقيقـة له ليزيلوه به ، (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) بالهلاك جزاء لهم، (فَأَخَذْتُهُمْ ) فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثارهم . (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) وعيده، أو قضاؤه بالعذاب (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ 6) .

 

(يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام، (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) إيمان بالغيب كإيمان المؤمنين، بأنه وحده لا شريك له، وهو مدح لهم، (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا) إشعارا بأن حملة العرش ومن حوله من الملائكة والمؤمنين من الثقلين في معرفته سواء، واستغفارهم : شفاعتهم وحملهم على التوبة، وإلهامهم ما يوجب المغفرة؛ وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة، وإن تخالفت الاجناس؛(رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) أي وسعت رحمتك كل شئ، وعلمك وسع كل شئ ؛ أي: وسعت رحمته وعلمه كل شئ، (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ 7 رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 8 وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) أي: جزاءها، (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) أي: ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الأخرة، (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 9 ) يعني: الرحمة، أو الوقاية أو مجموعهما .

 

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ) يوم القيامة، فيقال لـهم: (اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) أي: لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة بالسوء، (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ 10 قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) بأن خلقتنا أمواتا أولا، ثم صيرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا. فانظر الى مدة لبثهم في الموتة الأولى، وهى العدم، وفي الموتة الثانية، وهي بعد الموت إلى يوم قيامة البعث؛ ثم قـــــال:

 (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) الدنيوية والأخروية؛ ثم انظر أيضا بين مدة أعمارهم في الدنيا،وبين تخليدهم في الأخرة، (فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا) فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا، وإنكارهم للبعث، (فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ 11 ) طريق فنسلكه، وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا، ولذلك أجيبوا بقوله:

(ذَلِكُمْ ) الذي أنتم فيه  (بِأَنَّهُ )بسبب أنه (إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ)  أي: عبد الله وحده (كَفَرْتُمْ ) بالتوحيد، (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) بالإشراك؛ (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ)  المستحق للعبادة، (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ 12) من أن يشرك به ويسوى بغيره.

 

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ) الدالة على التوحيد، وسائر ما يجب أن يعلم تكميلا لنفوسكم، (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا) أسباب رزق ، كالمطر لعله سببا لمعاشكم؛ (وَمَا يَتَذَكَّرُ) بالآيات التى هي كالمركوزة في العقول لظهورها، المغفول عنها للآنهماك في التقليد واتباع الهوى، (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ 13) يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها؛ فإن الجازم  بشئ لا ينظر فيما ينافيه، لأنه يصير كالأعمى عنه ، لقول النبي صلى الله وعليه وسلم : حبك للشيء يعمي ويصم.

 

(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 14) أي : لا يصدنكم عن الإخلاص لله كراهية من كفر.(رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ) رفيع القدر، ليس هناك مسافات، (ذُو الْعَرْشِ) خبران آخران للدلالة على علو صمديته من حيث المعقول والمحسوس، الدال على تفرده في الألوهية؛ فإن من ارتفعت درجات كماله بحيث لا يظهر دونها كمال ، وكان العرش الذي هو أصل العالم الجسماني في قبضة قدرته، لا يصح أن يشرك به؛ وقيل: الدرجات : مراتب المخلوقات ، أو مصاعد الملائكة على العرش، أو درجات الثواب، (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) خبر رابع للدلالة على ان الروحانيات أيضا مسخرات لأمره بإظهار آثارها، وهو الوحي، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد.

 

 والروح: الوحي،  (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ 15 يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم، (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ 16 )لما دل عليه ظاهرالحال فيه، من زوال الآسباب، وارنفاع الوسائط؛ وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما.

 

(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) كأنه نتيجة لما سبق، وتحقيقه أن النفوس تكتسب بالعقائدوالآعمال هبات توجب لذتها وألمها لكنها لا تشعر بها في الدنيا لعوائق تشغلها؛ فإذا قامت قيامتها زالت العوائق، وأدركت لذتها أو ألمها، (لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 17) إذلا يشغله شأن عن شأن، فيصل إليهم ما يستحقونه سريعا.

 

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ) أي : القيامة، سميت بها لآزوفها، أي قربها، أو انقضاء أجل كل نفس على حيالها، (الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ) فأنها ترتفع عن مكانها، وتلتصق بحلوقهم فلا تعود فيروحو، ولا تخرج فيستريحوا، (َكَاظِمِينَ) على الغم، ممتلئين غما وخوفا؛ والكظم: تردد الغيظ والحزن في القلب حتى يضيق به، (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ 18 يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ)  قيل هواتباع النظر على التعمد  ( وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ 19) .          

 

(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) لأنه المالك الحاكم على الإطلاق، فلا يقضي شئ إلا وهو حقه، (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ)لأن الذي يقضي بالباطل لا يقضي بشئ، لأنه ليس على شئ، ولا في شئ من أمر الدين، لأنه زاهق ذاهب، إلا ما بقي عليه من جزاء عمله، (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 20) .

 

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) قدرة وتمكنا، (وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ ) مثل القلاع الحـصينة، (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ 21 )يمنع العذاب عنهم، (ذَلِكَ )الأخذ ( بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ 22) وفيه دليل على أن الأخذ لا يكون إلا لمن مات [كافرا، لأنه مات مغضوبا عليه؛ وأما المؤمن فلا يسمى موته ولا قتله أخذا ولا هلاكا في الحقيقة، كما قال: (إنِّي متوفِّيك ورافعك إلَّي) لأنه ينقلب من رحمة الله إِلَى رحمة الله ورضوانه ] 

 

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ 23 إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ 24 فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ 25)  أي: يذهب كيدهم في ضياع.

 

 (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)كأنه في المعنى : كانوا يكفونهم به عن قتله؛ ويخرج[في] معنى القتل: المشاققة له والمعاده ، ووضع أمره عن أمرهم، وترفع أمرهم عن أمره ، (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ) أن لم أقتله (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ)  بأن يغير ما نتم عليه من العبادة، واتباع الهوى، (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ 26-) ما يفسد دينكم وملككم من التحارب والتهارج.

 

(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ 27 ) لعله التجاء إليه في عظيم مهماته، (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ

 يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ 28 يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا)؟ وإنما أدرج نفسه في الضميرين، لأنه كان منهم في القرابة، وليريهم أنه معهم، ومساهمهم فيما ينصح لهم، فكان معهم وحدانيا في السر، خانعيا في الظاهر. 

 

(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ) ما أشير إليكم (إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ 29) طريق الصواب؛ (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ 30) مثل أيام الأمم الماضية، يعنى : وقائعهم . (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ 31) كأن أخبار الذين ذكرهم متحققة معهم ، فلم يعتبروا بها . (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ 32) يوم القيامة ينادي فيه بعضهم بعض للاستغاثة؛ أو يتصايحون بالويل والثبور؛ وقيل : ينادي المنادي بالشقاء والسعادة،  ألآ إن فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها ابدا، وينادي بضده، (يَوْمَ تُوَلُّونَ) لعله عن الموقف (مُدْبِرِينَ ) منصرفين عنه إلى النار، أو فارين عنها، لعله من حيث ينفعهم؛ أو ينادي أهل الجنة أهل النار، وأهل النار أهل الجنة، أو يناديهم الله، فيقول : أين شركائي؟ أو ينادون العباد من عبدوهم من دون الله (مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 33).

 

(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ 34) شاك فيما تشهد به البينات، فغلبه الوهم والانهماك في التقليد.

 

(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ) في إبطالها ودفعها (بِغَيْرِ سُلْطَانٍ) بغير حجة، بل إما بتقليد أو شبهة داحضة، (أَتَاهُمْ ) لعله ذلك الجدال، (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا) أي: حاق بهم أعظم البغض عند الله وعند المؤمنين حين جادلوا في إدحاض أيات الله بغير حق، (يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ 35).

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ 36) الطــرق، (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ 37) خسار.

 

(وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ 38) سبيلا لا يضل سالكه إلى المقصود. (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ)  تمتع يسير، لسرعة زواله؛ معناه: لن تصل إلى سبيل الرشاد وفي قلبك محبة الدنيا، (وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ 39) لدوامها.

 

(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا)عدلا من الله, (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ  40)  قيل: بغير تقدير وموازنة بالعمل، بل أضعافا مضاعفة، فضلا منه ورحمة.

 

(وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ 41) كرر نداءهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة، واهتماما بالمنادي له، ومبالغة في توبيخهم على ما

يقابلون به نصحه.(تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) والمراد نفي المعلوم، والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان، واعتقادها لا يصح إلا عن إيقان، (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ 42) المستجمع لصفات الألوهية من كمال العلم والقدرة ونحوهما. (لَا جَرَمَ) لا رد لما دعوه إليه ؛ و <<جرم>> فعل بمعنى : حق، وفاعله (أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ) أي حق عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلا ، لأنها جماد ليس لها ما يقتضي  ألوهيتها، (وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ 43 فَسَتَذْكُرُونَ)  عند معاينة الموت أو العذاب حين لا ينفعكم الذكر (مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) لعله وذلك بأنهم توعدوه لمخالفته دينهم، (إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 44) .

 

(فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا)  ما أرادوا به من المكر، أو مما عصوا الله به ، لأن وباله عليهم دونه، (وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ 45 النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 46) .

 

(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ 47 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ

 حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ 48 وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا) قدر يوم (مِنَ الْعَذَابِ 49) شيئا من العذاب. (قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ 50) ضياع لا يجاب .

 

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا) بالحجة والظفر، والدعاء الصالح ، ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ 51) أي : في الدارين ، ولا ينتقض ذلك بما كان عليهم من الغلبة امتحانا ، إذ العبرة بالعواقب ، وغالب الامر؛ والأشهاد : الملائكة والأنبياء والمؤمنون . (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ 52).

 

(وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ 53 هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ 54 فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ 55)

 

(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْر) أي : ما فيها إلا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعليم؛ أو إرادة الرئاسة، لعله وخالية من الإيمان, والتواضع لأهله,  ( مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) ببالغي دفع الاياتوقيل عن ابن عباس قال:  عظمة لم يبلغوها ؛ (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)  فالتجئ إليه ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 56) .

 

(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) فمن قدر على خلقها مع عظمها أولا من غير أصل، قدر على خلق الانسان ثانيا من أصل  ، وهو لأشكل ما يجادلون فيه من أمر التوحيد والوعيد،(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 57) لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لفرط غفلتهم، وأتباعهم أهواءهم.

 

(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)  الغـافل والمستبـصر ، (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا

 الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ)  والمحسن والمسئ؛ فينبغي أن يكون لهم حال   يظهر فيها التفاوت في محياهم ومماتهم وبعثهم عند ذوي العقول السليمة، (قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ 58) أنهم ليسوا على منزلة.

 

(إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) في مجيئها ، لوضوح الدلالة على جوازها، وإجماع الرسل عَلَى الوعد بوقوعها، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ 59 )

 

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي ) اعبدوني  (أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) أثبكم ، لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ 60) صاغرين .

 

(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ)  لستريحوا فِيِه، بأن خلقه باردا مُظلما ليؤدي إلى ضعف الحركات، وهدوء الحواس؛  (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) لتدبر المعاش،         (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) لا يوازيه فضـل،( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ 61 )  لِجهلهم بالمنعِم والنعم، وإغفالهم مواقع النقم .

 

(ذَلِكُمُ) المخصوص بالأفعال الدالَّة للآلوهيَّة  والربوبية، (اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أخبار مترادفة، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ 62)   فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره  (كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ 63) أي: كما أفكوا أفك عن الحق كل من جحد بأيات اللة ولم يتأملها.

 (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) استدلال ثان بأفعال أخر مخصوصة ، (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) بأن خلقكم منتصب القامة ، بادي

 

البشرة ، متناسب الآعضاء والتخطيطات ، متهيئا لمزاولة الصناعات ، واكتساب الكمالات ، كما قال: (وفضَّلناهم عَلَى كَثير مِمَّن خلقنا تفضيلا) (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 64) فإن كل ما سواه مربوب ، مفتقر بالذات ، معرض للزوال . (هُوَ الْحَيُّ)   المتفرد بالحياة الذاتية ، (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)  إذ لا موجود يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته ، (فَادْعُوهُ ) فاعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) أى: الطاعة من الشرك والرياء ،  (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 65  )قائلين له.

 

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي) من الحجج والآيات . فإنها مقوية لآدلة العقل ، منبهة عليها ، (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 66)  أن أنقاد له وأخلص له ديني.

 

 (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 67) ما في من الحجج والعبر.  (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا)  فإذا أراده، (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 68 ) فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة، من حيث انه تقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة إلى العدد والمواد.

 

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ 69) عند التصديق به ،(الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ) وذلك يقتضي التنـزيل والتأويل ،(وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا) من السنن والشرائعلعله وسائر الحجج (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 70) عند الموت ومـا بعده . (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ 71 فِي الْحَمِيمِ) أي : بالسلاسل يسحبون ، مطوقة في الاعناق (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ 72) من سجر التنور : إذا  ملأه بالوقود ، يربطون ؛ والمراد : تعذيبهم بأنواع من العذاب ، وينقلون من بعضها إلى بعض.

 

(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ 73 مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا)  غابوا عنا، أو ضاعوا عنا، فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم ، (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا) أي: بل تبين لنا أنا لم نكن نعبد شيئا يعتد به، فإنهنم ليسوا شيئا يعتد به، كقولك : حسبته شيئا فلم يكن، (كَذَلِكَ ) مثل هذا الضلال ، (يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ 74)  حتى لا يهتدوا إلى شئ ينفعهم في الاخرة.

 

(ذَلِكُمْ) الإضلال (بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ) تبطرون وتتكبرون(بِغَيْرِ الْحَقِّ) وهو الشرك والطغيان، (وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ 75) تتوسعون في الفرح؛ والعدول الى الخطاب للمبالغة في التوبيخ . (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ 76) عن الحق جهنم. (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ)  بهلاك الكفار، (حَقٌّ) كائن لا محالة .

 

(فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ)  وهو القتل والأسر ونحوهما،(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن لعله تراه، (فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ 77) يرجعون يوم القيامة ، فنجازيهم بأعمالهم.

 

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ)  لحكمة علمناها؛ وكذلك قوله: (مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) فإن

 المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إتيان بعضها ، والاستبداد بإتيان المقترح منها، (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ) بالعذاب في الدنيا والاخرة (قُضِيَ بِالْحَقِّ)  بإنجـاء المحق ، وتعذيب المبطـل،

(وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ 78) المعاندون بإقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها .

 

(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ 79 وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ)  بالمسافرة عليها ، (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ 80 وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ) دلائله الدالة على كمـال قدرته ووسـع رحمته، (فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ) أي آية من تلك الآيات (تُنْكِرُونَ 81)؟ فإنها لظهورها لا تقبل الإنكار .

 

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ) ما بقى منهم و لا من القصور والمصانع ونحوهما (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 82) لمعاشهم ومعادهم،  (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) واستحقروا علم الرسل ؛ والمراد بالعلم: عقائدهم الزائغة،  وشبههم الداحضة، لقوله: (بَل ادََّرك علمهم فيِ الآخِرَة)وهو قولهم : لا نبعث ولا نعذب، (وَمَاأظنُّ الساعةَ قائمةً) ونحوها، [وسماها] علما على زعمهم ، تهكما بهم . وفرحهم بهلعله الإصرار عليه ، والإستخفاف بما أتي به، وترك العمل بمقتضاه، وضحكهم منه، واستهزاؤهم به، ويؤيده.... وهو جهل في الحقيقة ؛ ويدل على ذلك قوله : (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ 83 ).

 

(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) أحوال الموت ، (قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ 84)  وهوأهوية أنفسهم  (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)  لأن ذلك ليس بإيمان بعدما أتاهم اليقين ، (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) أي : سن الله ذلك سنة ماضية في العباد فاحذروها ، وذلك إذا عاينوا عذاب الله آمنوا، ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب،(وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ 85) أي: وقت رؤيتهم البأس.