تفسيـر ما أمر الله المؤمنين والمؤمنات من غض البصر وحفظ الفرج :

 

قله تبارك وتعالى في سورة النور :

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) .

ومن هاهنا صلة في الكلام ، يعني : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم كلها عما لا يحل لهم النظر إليه .

(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) من الفواحش ، يعني : غض البصر وحفظ الفروج .

( ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) يعني : خيراً لهم (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) عما لا يحل لهن .

(وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) عن الفواحش ، فنهى الله المؤمنات عن ذلك .

وانظر في هذه النظرة عند الله فيها عجب وعبر لمن اعتبر.

إن الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه من آدم ، فلما وقع في المعصية عرف ذنبه ، وندم مما كان منه ، فقال :

يا رب خلقتني ، وسجد لي الملائكة كلهم أجمعون ، وعلمتني الأسماء كلها ، وأدخلتني الجنة ، فأغفر لنا يا رب وتب علينا .

( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فانظر أي موضع وضع آدم نفسه قال : ( لنكونن من الخاسرين ) ، فانظروا لو لم يغفر الله لآدم ذنبه ، ولم يعترف ، ولم يتب إلى الله لكان بمنزلة إبليس عدو الله . ولكن رجع وتاب واعترف ولم يصر على ذنبه ، فقبل الله توبته فذلك قوله :

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

وقال الله : (وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ)

فكأن ذلك الأجل قد جاء وحل ، ونحن وأنتم ممن يقف بين يدي الله في ذبك الموقف العظيم ، قال الله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) . (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) . وذكر الله المؤمنين فقال :

( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) وهم من الساعة مشفقون .

ثم يجمع الله فيها الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيسألهم عن أعمالهم (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) .

فنهى الله المؤمنين عن السرقة والزنا والبهتان فقال :

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ ) .

قال : فالبهتان : أن تأتي المرأة ولداً من غير زوجها ، فتقول: هذا منك . (ولا يعصينك في معروف) يعني : في طاعة جميع ما نهى الله ، نهاهن عن النوح ، وتحريق الثياب ، ولا يخلون مع غريب إلا مع ذي محرم منها ، فنهاهن عن جميع معصية الله ، فذلك قوله ( ولا يعصينك في معروف فبايعهن ) .

(وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بعد التوبة بإقرارهن .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة صوت مزمار عند نغمة ، وصوت رنة عند مصيبة )) .

لم يلعن الله مؤمنة ، وقد لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً .

قال ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) .

فمن حدثكم بحديث يخالف القرآن فلا تصدقوه ، واتهموه ن لأن قول الله أشفى لقلوبكم وقلوبهن .

إن أصحاب الموجبات ، في المشقة قال الله :

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) .

فمن يشاء الله يغفر له من هؤلاء يترك اليهودية والنصرانية ، كذلك من يشاء الله يغفر له من أهل القبلة يترك الموجبات لا يعمل بها ، فإن عمل شيئاً منها تاب إلى الله ، ولم يصر عليه .

كما قال الله : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) .

ولكن يتوبون من قريب قبل الموت .

( فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) . بهم بعد التوبة ، فغن الله قال :

(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ). فذلك الإيمان بالله ورسوله والعمل بطاعته ، واجتناب معصيته ، ومعرفة ما أمر الله به ونهى عنه ، فمن ذلك يهديهم الله في الحياة الدنيا والآخرة ، يموتون على ذلك ، ويبعثون عليه .

( وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) . فمن مات مؤمناً ، أدخله الله قبره مؤمناً ، فيبعثه يوم القيامة مؤمناً ، أدخله الله الجنة .

ويقال : إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة ، فسلموا عليه وبشروه ، ومشوا مع جنازته ، وصلوا عليه مع الناس ، والله أعلم .

فإذا دخل قبره فسئل : من ربك ؟ فيقول : الله .

ويقولون : من رسولك ؟ فيقول : محمد .

ويقولون : ما شهادتك ودينك ؟ فيقول : شهادتي أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله ، والعبودية ، والإسلام ، والاستسلام لأمره ، يكون ذلك لله خالصاً ، فيوسع له في قبره مدّ بصره . وأما الكافر فإنه يبسط عليه عند موته بالعذاب ، فيضرب وجه ودبره ، وذلك أنه يجحدهم عند الموت حين يناطقونه ، فإذا دخل في قبره قالوا : من ربك ؟ فلم يرجع إليهم شيئاً ، وأنساه الله ذكره . فإذا قيل : من الرسول الذي بعث له ؟ لم يهتد له ولم يرجع شيئاً ، فإذا قيل : ما دينك وما شهادتك ؟ عميت عليهم الأنباء ، فضيق عليه قبره ، مع أنه ينطق بالعمل ، وهنالك امتلأت عليه الأرض ضيقاً .

وكذلك المنافق إذا مات على نفاقه غير تائب ، فذلك قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) . ثم قال : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) في الدنيا (وَأَصْلَحُوا) العمل (وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ) لجميع طاعته (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) بجميع ما أمر الله ( فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً

عَظِيماً) فالمؤمنون عند الله بهذه المنزلة ، عليهم صلوات الله وحق عليهم رحمته ، فطوبى للمؤمنين .

 

تفسير ما أمر الله الحرائر من إدناء الجلباب فوق الخمار :

 

قوله في سورة الأحزاب :

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) يعني : يشددن عليهن من جلابيبهن ، وهو القناع فوق الخمار ، فلا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلاّ أن يكون عليها القناع قد شدت رأسها ونحرها ، وقال :

( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني : الوجه والكفين .

فزينة الوجه الكحل ، وزينة الكفين الخضاب والخاتم ، لا يحل أن يرى منها غريب غير ذلك .

( وَلْيَضْرِبْنَ ) يعني : وليشددن ( بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) يعني : الخمار (على جيوبهن) يعني : على النحر والصدر فلا يرى منها شيئاً .

ثم قال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يعني : ولا يظهرهن زينتهن ومفاتنهن ثم استثنى الزوج وذا المحرم فقال :

(إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) يعني : الزوج ( أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ] أَوْ أَبْنَائِهِنَّ) يعني : من الزوج ومن غير ذلك الزوج (أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ) ابن الزوج من غيرها ( أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) فهؤلاء ذو محرم ، وكذلك العم والخال .

ثم قال : (أَوْ نِسَائِهِنَّ) يعني : نساء المؤمنات .

(أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) يعني : المرأة ، فلا يحل لها أن تضع الجلباب عند عبد زوجها ، ثم قال :

( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) ولا بأس أن تضع الجلباب عند تبع زوجها من غير عبده فيكون له تابعاً .

(غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ ) يعني : من لا حاجة له في النساء ، الشيخ الهرم ، والغلمان الذين لا حاجة لهم في النساء ، والخصي والمعتوه ونحوه .

ثم قال : ( أَوِ الطِّفْلِ) يعني : الغلمان الصغار ( الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا ) يعني : لا يدرون من أمر النساء .

فلا بأس للمرأة أن تضع الجلباب عند هؤلاء .

قال (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ) وذلك أن المرأة يكون في رجلها الخلخال فيه الخلاخل ، فإذا عليها غريب تحرك رجلها عمداً ليسمع صوت الخلخال فقال : (ولا يضربن بأرجلهن) يعني : ولا يحركن أرجلهن ( لِيُعْلَمَ ) يعني : ليعلم الغريب إذا دخل عليهن .

(مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) يعني / الخلخال فيه الخلاخل .

( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

 

تفسير ما أمر الله وما رخص للقواعد من النساء في وضع الجلباب :

 

قوله في سورة النور :

(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) يعني : المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر.

( اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً ) يعني : لا يرجون تزويجاً .

( فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ) يعني : حرجاً )َأَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) وجدت في نسخة : وقراءة ابن مسعود ( أن يضعن من ثيابهن ) الجلباب وحده والقناع الذي يكون فوق الخمار فلا بأس أن يضعن عند غريب وغيره بعد أن يكون عليها خمار صفيق .

ثم قال : (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) يقول : لا تريد بوضع الجلباب أن يرى ما عليها من الزينة .

ثم قال : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) من أن يضعن ، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .