تفسير كفـــارة الأيمــان العمـــــد :

 

قوله تبارك وتعالى في سورة البقرة :

( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا ) وذلك أن الرجل كان إذا حلف على أمر في قطيعة رحم أو معصية ، يقول : لا يحل لي أن أبر القسم ، فنزلت ( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ )

يقول : لاتحلفوا على [ أمر] هو لي معصية .

( أَنْ تَبَرُّوا ) يعني : أن تصلوا القرابة

( وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) فكان الرجل يريد الصلح بين اثنين ، فيعصيه أحدهما ، أو يتهم ، فيحلف أن لا يتكلم بينهما في الصلح ، قال : أن تصلوا القرابة ، وتتقوا وتصلحوا بين الناس فهو خير من وفاء اليمين في معصية .

( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) يعني : لليمين التي حلف عليها ( عليم ) يعني : عالماً . قال : هذا قبل أن تنزل كفارة الأيمان .

( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) . فهو الرجل يحلف على أمر يرى في نفسه أنه صادق ، وهو مخطئ فلا يؤاخذه بها ن ولكن عليه كفارة إذا استبان له أنه أخطأ فيها ، ويكره العلماء كثرة الأيمان .

( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) يعني : بما تعمدت للمآثم ، يعني : اليمين الكاذبة التي يحلف عليها متعمداً .

( وَاللَّهُ غَفُورٌ ) يعني : إذا تجاوز عن اليمين الت يحلف عليها ( حَلِيمٌ ) بعد التوبة ، وجعل الله فيها الكفارة .

ثم نزلت الكفارة في سورة المائدة :

( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) يعني : اليمين التي حلف عليها يرى أنه صادق وهو مخطئ ، فإذا استبان له أنه خطأ فعلية كفارة ولا أثم عليه .

قال : ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ) يعني : اليمين الكاذبة التي عقد عليها يمينه وهو يعلم أنه كاذب ، ففيها الكفارة وتوبة لأنه تعمد الكـذب .( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ) من أعدل ( مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) إن كان حنطة فنصف صاع من حنطة ، وإن كان شعيراً ، أو كان تمراً ، فصاع من شعير أو صاع من تمر . قال ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) والكسوة لعشرة مساكين لكل مسكين عباءة أو ثوب جامع

( أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) يعني : ما كان من صغير أو كبير ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ) . وفي قراءة ابن مسعود : ( متتابعات ).

( ذَلِكَ) يعني : هذا الذي من الكفارة الإطعام والكسوة والرقبة والصيام ( كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ ) يعني : اليمين الكاذبة ، ثم قال :

( إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) يعني : فلا تعمدوا للأيمان الكاذبة ( كَذَلِكَ ) يعني : فهكذا ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِـهِ ) يـعنـي : ما ذكـر مـن الكفـــارة ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

قال : فمن صام من كفارة اليمين يوماً أو يومين ، ثم وجد ما يطعم فليطعم وليجعل صومه تطوعاً . ومن كانت له عشرون أو ثلاثون درهماً فعليه أن يطعم إن لم يكن عليه دين ، أو عيال كثيرة .

قال أبو الحواري : قال بعض الفقهاء : الشعير مثل الحنطة نصف صاع لكل مسكين ، واليمين الكاذبة مع الحكام بالتغليظ .

قال : إذا قال الرجل : كل امرأة أتزوجها بعد اليوم فهي طالق ، وكل مملوك أملكه بعد اليوم فهو حر ثم حنث فليس بشيء في قول واحد .

وفي قول آخر : عليه أن يصدق لسانه والذي أوجب على نفسه .

قال أبو الحواري :

المعمول به من قول المسلمين أنه لا طلاق ، ولا عتاق إلاّ من بعد الملك والذي حلف فقال : ماله في المساكين صدقة ، فعليه العشر من جميع ماله لفقراء المسلمين ، وعليه الكفارة ، وكفارة أخذ المال الرد إلى أهله مع الندامة .

قال : ولا يمين في معصية ، وفي في قطيعة الرّحم ، ولا فيما يطيق ، إلا كفارة اليمين .

قال أبو الحواري : المعمول به من قول المسلمين أنه لا عتاق ولا طلاق إلاّ بعد الملك وإذا حلف بصدقة ماله على الفقراء ، ثم حنث فعليه عشر ماله كان قليلاً أو كثيراً ولا كفارة عليه .

 

تفسير من حلف على فعل شيء واستثناه :

 

قوله تبارك وتعالى في سورة الكهف :

( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) يعني : إذا قلت لشيء إن فاعلٌ ذلك غداً فاستثن فقل إن شاء الله ، قال : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) [ يقول : إذا نسيت أن تستثني في ساعتك ولم تقطعه بكلام ، فذكرته من قبل أن تحنث فقل : أن شاء الله ] .

قال فيمن حلف على شيء ، فقال : إني فاعل ذلك ، فاستثنى ثم حنث بغير علم فليس عليه كفارة إذا قال ثم نسي وذهب عليه علمه من ذلك ولم يفعل فلا كفارة عليه .

قال أبو الحواري :

الاستثناء جائز في كل يمين إلا أن يحلف بالطلاق والعتاق والظهار ، ثم قال : إن شاء الله فحنث فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والظهار إذا حنث . قال : ولا تَعِد‘ أحداً موعداً وأنت لا تستطيع ، ولكن قل أسمع ما تقول ، فإن يُقَدّر علّي شيء يكون . فإن وعدته فلا تخلفه فإنه من أبواب النفاق . وكان يقول : (( ثلاث لا يجتمعن إلاّ في منافق ، إذا حدث كذب ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف )) قال أبو الحواري : إذا قطع الاستثناء بالسكوت ، لم ينفعه الاستثناء بعد ذلك ، وإن لم يستثنِ ثم حنث علم أو لم يعلم فعليه الكفارة إذا علم أنه قد حلف .