تفسير نفقة المراضــع ، والأم أحق بولدها من المراضـــــع :

 

قوله تبارك وتعالى :

( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ) وهو الرجل يطلق امرأته وله منها ولد ، فهي أحق بولدها من غيرها ، فهن ( يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ) ، ( حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) يعني : أن يكمل رضاعه ، وليس الحولان بفريضة فمن شاء أرضع حولين ، ومن شاء دون ذلك ، ثم قال :

( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) يعني : الأب الذي له الولد ( رِزْقُهُنَّ ) يعني : رزق الأم ( وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ) يقول : لا يكلف الله نفساً في نفقة المراضع إلا ما طاقت .

( لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) يقول : لا يحل لرجل إذا طلق امرأته أن يضارها ، فينزع منها ولدها وهي لا تريد ذلك .

ثم قال : ( وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) يعني : لا تختار المرأة إذا طلقها الرجل أن تضاره ، فتلقي إليه ولده مضارة له .

قال أبو الحواري :

على الفقير درهمان ونصف ، ولا تزد على أحد أكثر من ذلك . ثم قـال : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) يعني : على من يرث اليتيم إذا مات الأب مثل ما على الأب من النفقة والكسوة لو كان حياً .

ولا يُضار الوارث الأم بولدها وهو بمنزلة الأب إذا لم يكن لليتيم مال . ثم رجع إلى الأبوين قال :

( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً ) يعني : الأبوين ( فِصَالاً ) يعني : أن يفصلا الولد من اللبن دون الحولين ( عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ) .

يقول : واتفقا على ذلك (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) يعني : فلا حرج عليهما ما لم يضار أحدهما صاحبة .

أن يفصلا الولد قبل الحولين ، والأم أحق بولدها إذا رضيت من النفقة والكسوة ما يرضي به غيرها من المراضع ، فإن لم ترض الأم بما ترضى به غيرها من النفقة ( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ ) يعني : ولا حرج على الأب أن يسترضع لولده ظئراً ويسلـم لهـا أجـــرها ، ولا كــسوة ولا رزق.

فذلك قوله ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ ) يعني : لأمر الله في المراضع ( مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) يعني : ما أعطيتم الظئر على أجـرها مـن الفضـــل ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) ولا تعصوه ، ثم حذرهم فقال :

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

نظيرها في سورة الطلاق قوله :

( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) يعني : الأمهات .

يقول : للزوج الذي طلقها [ إن أرضعن ] ولده ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يعني : الرزق والكسوة على قدر ميسرة الرجل .

( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ ) يعني : الرجل والمرأة حتى تتفقوا في النفقة على أمر ( بِمَعْرُوفٍ ) ثم قال :

(وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) يعني : الزوج وامرأته المطلقة ، فلم يتفقا ، وأرادت المرأة المطلقة أكثر مما تطلب المرأة الأخرى ، فرضيت المرأة المطلقة بأن تسترضع ولدها غيرها ( فَسَتُرْضِعُ لَهُ ) يعني : الزوج ولده امرأة ( أُخْرَى ).

( لِيُنْفِقْ ) يعني : في المراضع ( ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ) إن كان موسعاً عليه أن يوسع في النفقة ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) يعني : ومن قتر عليه رزقه ( فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) يعني : مما أعطـاه الله ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً ) يعني : في نفقة المراضع ( إِلَّا مَا آتَاهَا ) يعني : إلا ما أعطاها ( سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) .

عن ابن عباس أنه قال :

إن لم يقبل الولد ثدياً غير ثدي أمه فإن الأم تجبر على رضاع ولدها وإن كرهت فإن لم يكن للزوج مال فليس عليه نفقة فلتنفق الأم من الذي لها .

قال: وإذا رضيت الأم برضاع ولدها فهي أحق بولدها حتى يدرك . قال : إن عمر بن الخطاب رحمه الله طلق امرأته أم عاصم وله منها أبن صغير ، فأراد عمر أن يأخذ الابن منها فاختصما إلى أبي بكر رحمة الله ، وهو يومئذ أمير المؤمنين .

فقالت أم عاصم : يا خليفة رسول الله ولدي خرج من بطني .

فقال عمر : ولدي خرج من صلبي .

قال أبو بكر رحمة الله : ريحها وفراشها خير منك يا عمر حتى يدرك الغلام ، فقضى بالولد لأمه .

قال : فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه ، واستخلف عمر رضي الله عنه ، أنطلق رجل وامرأته المطلقة فاختصما إلى عمر رضي الله عنه في ولدها ، فقالت المرأة : كان بطني له وعاء ، وكان حجري له حواء ، وكان ثدي له سقاء ، وحمله على شهوة ، وحملته على كره .

قال عمر : صدقت ، كذلك كان فقضى بالولد لأمه . فقال : الأم والجدة والعمة والخالة أحق بالولد في صغره من الأب لأنهن كلهن له أم .

قال أبو الحواري : الجدة أم الأم أولى من أم الأب وأرحام الأم أولى من أرحام الأب من النساء .