تفسير المختلعه :

 

قوله في سورة البقرة:

( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) يقول : لا يحل لرجل إذا أراد طلاق امرأته أن يأخذ مما أعطاها من المهر شيئاً ، ثم استثنى المختلعة التي اختلعت من زوجها والزوج كاره لذلك ولا ذنب عليه فقال :

( إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) يعني : أمر الله فيما أمرهما ، وذلك أنه يخاف على المرأة الفتنة على نفسها إذا كانت عاصية لزوجها فتعصي الله فيه ، وتخاف من الزوج إن لم تعطه أن يعتدي عليها ( فَإِنْ خِفْتُمْ ) يقول : فإن علمتم يعني : الحكام ( أَلَّا يُقِيمَا ) أي الرجل والمرأة ( حُدُودَ اللَّهِ ) يعني : أمر الله في أنفسهما ، أو نشزت على الزوج ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) يعني : فلا حرج على الزوج والمرأة ( فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) يعني : فيما فدت المرأة نفسها من زوجها بمهرها من ذلك فيقبل منها الفدية ثم يفترقان .

قال : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وفي امرأته [ حبيبة بنت سهل بن ثعلبة بن الحارث ] وكان مهرها حديقة فردتها علية ، واختلعت منه ، وهي أول خلعة كانت في الإسلام .

( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) يعني : أمر الله فيها .( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّه ) يعني : من يخالف أمر الله إلى غيره . ( فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) لأنفسهم .

قال الله : ( أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ).

قال : ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ).

فاستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قال : ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ).

فذلك قوله ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وقد لعن الله الظالمين ، ولم يلعن المؤمنين .

قال ( طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ).

قوله ( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) وهو الرجل يضرب امرأته ، ولا حاجة له فيها ، لتفتدي منه . ونهى الله عن ذلك فقال ( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ ) يعني : ولا تحبسوهن في المضارة ( لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) يعني : ببعض ما أعطيتموهن من المهر .

ثم استثنى إذا كانت المرأة هي المبغضة لزوجها الناشز عليه فقال الله ( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) في العصيان البينّ ، وهو النشوز ، يعني العصيان .

فإذا فعلت ذلك فقد حلت الفدية للزوج إن لم يكن من قبل الزوج ذنب في السر والعلانية ويخلعها فقد حلت الفدية للزوج .

قال : لا بأس أن يأخذ الرجل من امرأته إذا اختلعت منه ما أعطاها من المهر ، أو أقل من ذلك ، إنما هو ما تراضيا عليه . يقول : ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) وقال : الخلعة لا تكون أبداً إلا برضى الزوج ، فإذا رضي الزوج أن يخلع امرأته ، وكرهت المرأة صحبته ، أشهدت المرأة عند ذلك رجلين أو أكثر ، أني كرهت صحبة زوجي هذا ، وأني أعطيته كذا وكذا ، وتسمي المهر ما كان ، وأني قد خلعت نفسي منه بعدما خفت ألاّ أقيم حدود الله فيما أمرني .

فيقول الزوج : قد رضيت ، وقد قبلت ، وقد خلعت .

فإذا قال ذلك بانت منه امرأته .

وفيها اختلاف :

واحد يقول : بانت امرأته بتطليقة واحدة .

وفي قول آخر : يعني لجابر بن زيد بانت منه امرأته غير تطليقة وللزوج ما اشترط ، وعليها العدة كاملة إن كان دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فلا عدة عليها .وإن كانت حبلى أو ترضع ولداً منه ، فاشترط عند الخلعة [ أن تقول ] إني قد أبرأت الزوج من النفقة ، فهو بريء . وكل شيء يشترط عند الخلعة فهو جائز إن كان موافقاً للسنة ، إلا أن تقيم المرأة البينّة بعد ذلك أنه كان يضربها أو يلطمها ، فإنه يقضى لها بالمهر وقد جازت الخلعة .

قال : ومن أضر بامرأته حتى تختلع منه فكل شيء يأخذ منها فهو حرام .

قال والخلعة تطليقة بائنة في قول واحد .

والزوج من الخطاب إن شاءت رجعت إليه المرأة في العدة ، ورد إليها الرجل ما أخذ منها ، وهي عند على تطليقتين ، وإن هو لم يرجع إليها في العدة فليس له أن يرجع إلا بنكاح جديد ، ومهر جديد ، وهي أملك بنفسها في العدة وبعدما تنقضي العدة ، ولا ميراث بينهما إن مات أحدهما قبل الآخر في العدة ، أو بعدما تنقضي العدة . ولا يحل له أن تتزوج بغير زوجها حتى تنقضي عدتها ، ثم تتزوج بمن شاءت ، وكذلك عدة التي تبارئ زوجها .

 

تفسير الإيـلاء :

 

قوله تبارك وتعالى في سورة البقرة :

( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) يعني : الذين يحلفون من نسائهم ( تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) . وهو الرجل يحلف أنه لا يقرب امرأته للجماع ( فَإِنْ فَاءُوا ) يقول : فغن رجع عن يمينه وجامعها من قبل أن تمضي أربعة أشهر وهي امرأته ، ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) لهذا اليمين ، لأنها لم تكن نزلت كفارة اليمين يومئذ ، ثم نزلت بعد ذلك في سورة المائدة فمن آلى من امرأته ثم جامعها من قبل أن تمضي أربعة أشهر فليكفر عن يمينه ، وهي امرأته .

قال ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) يقول : فإن حققوا فلم يجامعها أربعة أشهر منذ يوم حلف بانت منه امرأته بتطليقة .

( فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) يعني : ليمينه التي حلف عليها ، عالماً بها . قال : قال ابن عباس : ألقي الجماع عزائمه الطلاق وانقضاء الأشهر الأربعة .

قال : إذا حلف الرجل بالله أن لا يقرب امرأته فلم يجامعها حتى مضت أربعة أشهر مذ يوم حلف فهي تطليقة بائنة وليس عليها العدة بعد الأشهر الأربعة .

قال : فإن دخل بها [ قبل أن تنقضي الأشهر الأربعة فهي امرأته وعليها كفارة اليمين ] وإلا فالزوج من الخطاّب إن شاءت المرأة تزويجه بمهر جديد ، ونكاح جديد .