تفسير ما رخص الله للرجل من التعريض للمرأة في العدة من غير تزويج :

 

قوله في سورة البقرة :

( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ) يقول : لا حرج على الرجل أن يقول للمرأة من قبل أن تنقضي عدتها :

إنك لتعجبيني ، وما أجازوك إلى غيرك إن شاء الله ، وهذا التعريض . ثم قال ( أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ) يقول : ولا جناح عليكم أن تسروا تزويجهن في قلوبكم وهن في العدة (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً ) في العدة فنهي عن ذلك . ثم قال ( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) يعني : عدة حسنة .

فتقول المرأة : فذلك إلى الله ، أو ما شاء الله يكون .

ثم قال ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ) يقول : لا تحققوا تزويج في العدة .( حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) يعني : حتى تنقضي عدتهن .

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مـَا فِـي أَنْفُسِكُمْ ) يعني : ما في قلوبكم من أمرهنّ . ( فَاحْذَرُوهُ ) يعني : فلا ترتكبوا في العدة ما لا يحل .

( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) يعني : إذا تجاوز ( حَلِيمٌ ) يعني : لا يعجل بالعقوبة .

 

تفسير مهور النساء ومتعة التي لم يسم لها مهر والتي يسمى لها مهرها :

 

قوله في سورة النساء :

( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) يقول للأزواج أعطوا النساء مهورهن فريضة ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ ) فإن حللن النساء للأزواج ( عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ) يعني : من المهر ( فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئا ً) يعني : حـلالاً طيباً .

وقـال في آيـة أخـرى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ) يقول : فإن أراد الزوج طلاق امرأته ، ويتزوج امرأة أخرى ( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ ) يقول : أعطيتم التي يريد طلاقها من المـهـر ( قِنْطَاراً) يعني : من الذهب ، والقنطاّر ألف ومائتان دينار ( فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) يقول : من المهر .

يقول : يعني إذا أراد طلاقها ، فلا يضرها لتفتدي منه .

( أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً ) يعني : ظلماً بغير حق ( وَإِثْماً مُبِيناً ) يعني : بيناً ، ثم قال : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ) تعظيماً لأخذه ( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ) يعني : في الجماع ( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظا ً) يعني : شديداً ، يعني : بالميثاق الغليظ ما أقر به الرجل على نفسه من قوله الله : ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ )

( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )

قال : قال عمر بن الخطاب رحمة الله :

من الكبائر من نقص مهر امرأته ، وأجير أجرّه ، ومن أصر على ذنبه من السيئات واستحقره ، فهو من الكبائر التي أوجب الله له النار ، فإن تاب وأدى الأمانة إلى أهلها فقد نجى من النار .

قال الله ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ ) قال : ومن مات غير تائب ثم لم يرد الحق إلى أهله فقد خسر خسرناً مبيناً .

قال : وبيان مهر المرأة التي طلقها زوجها قبل أن يمسها ، في سور البقرة قولـــه ( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) يعني : لا حرج على الرجال .

( إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) يعني : ما لم تجامعوهن ، يعني : من سمىّ لها المهر . ثم قال في التي لم يسم لها المهر ( أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، فطلقها زوجها من قبل الجماع فلا بأس ، وهو الرجل يتزوج الحرة ، ويذهب له شهادة الشهود من الأولياء برضى المرأة ، ولم يسم لها مهراً فيطلقها من قبل أن يجامعها ، فلا مهر لها ولا عدة عليها ، ولها المتعة بالمعروف .

قال نزلت في رجل من الأنصار تزوج من امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهراً ، ثم طلقها من قبل أن يمسها .

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أطلقتها )) ؟

قال نعم إني لم أجد نفقة .

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( فهل متعتها بشيء )) ؟ فقال : لا ن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( متعها بقلنسوتك التي عليك أما أنها لا تساوي شيئاً إلا أني أحببت أن أحيي السنة )). ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كساه ثوبين بعد ذلك ، فتزوج امرأة فأمهرها أحد ثوبيه .

قال : فإن دخل الرجل بالمرأة التي لم يسم لها مهراً فلها مهر مثلها من النساء ، وإن مات عنها زوجها من قبل أن يدخل بها فعليها عدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ، ولها مثل مهرها مثلها من نسائها ونصيبها من الميراث .

وإن ماتت قبله ولم يدخل بها فله منها الميراث ، ولها المهر كله . سل عن هذه المسألة فإن فيها قولا آخر .

ثم ذكر المرأة التي طلقها زوجها قبل أن يمسها وقد سمىّ لها مهراً فقال ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) يعني : من قبل أن تجامعوهن ( وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ) يعني : المهر فريضة ( فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ِ) يعني : فعليكم نصف المهر ، ثم استثنى فقال ( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) يقول : إلا أن يترك النساء نصف المهر للزوج فتقول المرأة : إنه لم يدخل بي ولم ينظر إلى عورتي ولم يجد مني شيئاً ، فتعفو عن نصف المهر ، فتتركه لزوجها .

ثم قال : (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) يعني : الزوج فيوفيها المهر كله ، ، فيقول : كانت في ملكي ، ومنعتها من الأزواج فيعطيها المهر كله .

ثم قال : (ِ وَأَنْ تَعْفُوا) يعني : فإن تتركوا ( أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) يعني : إن تركت المرأة نصفها من حقها ، أو أعطاها الرجل المهر كله فهو أعظم لأجرهم ، ثم قال : ( وَلا تَنْسَوُا ) يعني : ولا تتركوا ( الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) يعني : من المرأة والرجل في الترك . يقول : إن تركت المرأة نصف حقها للرجل فهو أفضل وأعظم لأجرها ، وإن وفاها الرجل المهر كله فهو أفضل وأعظم لأجره .

وإن أبوا فهو النصف الذي ذكره الله ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ ) يعني : بما ذكر فـي هـذه الآيــة ( بَصِيرٌ) .

قوله ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ ) يعني : اللاتي دخل بهن الأزواج ( مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) أن يفعلوا ذلك ، يعني : على قدر أموالهم . ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ) يعني : أمره ، ما بيّن في أمر المتعة . ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يعني : تعفوا .

قال : فمن طلق امرأته قبل أن يمسها ، وقد سمى لها مهراً فلها نصف المهر ، وليس لها متاع بعد النصف ، ومن طلق امرأته قبل أن يمسها ولم يسم لها مهراً فلها المتاع على قدر ماله كما قال الله ، ولا مهر لها .

عن عمر بن الخطاب أنه قال :

(( من أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب عليه المهر كله )) .