تفسير عدة النساء والسكنى في العدة :

 

قوله في سورة البقرة :

( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) يعني : ثلاث حيض ، فهذه كانت عدة المطلقات ، فاستثنى من ثلاثة قروء المطلقة التي لم يدخل بها زوجها في سورة الأحزاب :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) يعني : من قبل أن تجامعوهن ( فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) . فليس على هذه عدة إن شاء تزوجت من يومها .

واستثنى أيظا من ثلاثة قروء التي قعدت من الحيض ، فدخل بها زوجها ثم طلقها فقال ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ) يعني : المرأة التي لا تحيض من الكبر ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) يعني : إن شككتم ( فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) ( وَاللَّائِي لَمْ

يَحِضْنَ ) وهي الجارية التي لم تبلغ المحيض إذا طلقها زوجها بعدما دخل بها فعدتها أيظا ثلاثة أشهر ، فإن حاضت من قبل أن تمضي ثلاثة أشهر فلتعتد بالحيض وتدع ما مضى من الشهور .

واستثنى من ثلاثة قروء عدة الحبلى ، فقال : ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ ) يعني : الحبلى ( أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) يعني : الحبلى أجلها أن تضع حملها ، إن ولدت من يومها فقد حلت للأزواج .

وثبتت القروء الثلاثة على التي تحيض فطلقها زوجها بعدما دخل بها وليست بحبلى .

 

تفسير سكنى المطلقة والمطلقات من الحرائر:

 

قوله عزوجل في سورة الطلاق :

( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ).

يقول : اسكنوا المطلقة إذا طلقت واحدة أو اثنتين ( مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) يعني : من سعتكم في النفقة والمسكن ما دمن في العدة ، قال ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) يعني : في النفقة والمسكن .

قال : وليس للمطلقة ثلاثاً . سكنى ولا نفقة في عدتها إلا أن تكون حبلى ، فذلك قوله ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ ) يعني : المطلقة الحبلى إن طلقت ثلاثاً أو أقل منها ( فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) . يعني : المطلقة الحبلى إن طلقت ثلاثاً أو أقل منها . وقال في المتوفي عنها زوجها : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ) يعني : من الرجال ( وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ ) يعني : لنسائهم (مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) فكان هذا في أول الإسلام ، في المرأة التي يتوفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة من بيت زوجها سنة ولا يخرجها الورثة ( فَإِنْ خَرَجْنَ ) إلى أهلهن من قبل أنفسهن قبل الحول ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ) يعني : [ أن يتزّينّ أو يشوقن ] أو يلتمسن الأزواج .

 

ثم صار ما كان لهن من النفقة إلى الحول منسوخة ، نسختها آية تبين نصيبها من الميراث ، وهو الربع إن لم يكن للزوج ولد فإن كان للزوج ولد فلهن الثمن . وصار ما كان لها من السكنى من العدة سنة منسوخه نسختها هذه ألآية قوله ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ) يعني : من الرجال ( وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) .

يقول : كل امرأة مات عنها زوجها إن كان دخل بها أو لم يدخل بها فعدتها أربعة أشهر وعشرا ، من يوم يموت زوجها إن كان غائباً أو شاهداً فنفقتها من نصيبها في الميراث .

قوله ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) يعني : انقضت عدتهن أربعة أشهر وعشرا ( فَلا جُنَاحَ ) يعني : فلا حرج ( عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) يعني : أن تزيّن ، وتشوّق ، وتلتمس الأزواج ، واستثنى من أربعة أشهر وعشرٍ عدة التي يموت عنها زوجها وهي حبلى قولـه ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضـَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) فإذا وضعت قبل أربعة أشهر ، يتربصن أربعة أشهر وعشرا ، من يموت عنها زوجها ، فإذا مضت أربعة أشهر وعشرا ، وهي حبلى فأجلهن أن يضعن حملهن ، كما قال الله تعالى ، هذا آخر الأجلين .

عن فاطمة بنت قيس :

أن زوجها طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن زوجي طلقني ، ولم يجعل لي سكناً ولا نفقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما السكنى على من كانت له امرأته رجعة ، فأما من لم يكن له رجعة لا سكنى ولا نفقة ))