تفسير ما أمر الله المؤمنين أن لا يحرموا على أنفسهم الجماع واللباس والطيبات

قوله في سورة المائدة( الآية87-88):

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ) .

وذلك أنه اجتمع عشرة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في دار عثمان بن مظعون الجمحي، منهم أبو بكر وعمر وعبدالله بن مسعود، فذكروا القيامة، فرقُّوا وبكوا وذكروا حساب يوم القيامة، وما فيه من الأمر العظيم، فاتفق رأيهم على أن يزهدوا ويكونوا من الزاهدين، وحرموا على أنفسهم الطعام واللباس والجماع، وهموا أن يقطعوا مذاكيرهم ويلبسوا المسوح، ويزهدوا ويسيحوا في الأرض، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى منزل عثمان بن مظعون، وكانوا قد تفرقوا عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة عثمان: ( حقٌّ ما بلغني عن عثمان وأصحابه؟ ) فكرهت أن تكذب على النبي، وتبدي عن زوجها، فقالت: إن كان عثمان أخبرك فقد صدقك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قولي لزوجك إذا جاء: إني آكل وأشرب وأصلي وأصوم وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).

 

فلما رجع عثمان إلى منزله أخبرته زوجته بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قولنا فما أعجبه؟ فردوا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهم هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ) يعني : لكم من الطعام والشراب والجماع.

 

( وَلَا تَعْتَدُوا ) يعني: ولا تحرموا حلالاً، ولا تقطعوا المذاكير ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ ) يعني: ولا تحرموا ما أحل الله لكم ( الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) فاخبرهم بأنهم مؤمنون، فتركوا ما هموا به، وأخذوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فمن استحل حراماً فهو كما قال الله: ( أن تميلوا ميلاً عظيماً ) فذنبه عظيم، ومن يشرك بالله فذنبه عظيم كما قال الله: ( فقد افترى إثماً عظيماً )، ومن حرم حلالاً مما أحل الله فهو من المعتدين ( إن الله لا يحب المعتدين ) ومن لم يحبه الله فليس له في الجنة نصيب.