تفسير ما أحل الله من تزويج حرائر أهل الكتاب

قوله في سورة المائدة( الآية 5):

( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ) يعني: الذبائح ( وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يعني: وأحل لكم تزوج العفائف من حرائر نساء اليهود ( إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يقول: إذا أعطيتموهن مهورهن ( مُحْصِنِينَ ) يعني: من الفواحش ( غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) يقول: يعني غير معلنين بالزنا ( وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) يقول: ولا يتخذوا أخلاء في السر فيزنون بها في السر ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ ) يعني: نساء أهل الكتاب اللاتي يتزوجهن المسلمون، العفائف عن الزنا وغيره، ( فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

 

وذلك إذا تزوج اليهودية أو النصرانية مع المسلمة فلا بأس، ولا بأس أن يتزوج أربع حرائر من نساء أهل الكتاب، ولا بأس أن يتسرى منهن، ويكره للعبد أن يتزوج وليدة من أهل الكتاب؛ لأن ولده يصير مملوكاً لهم، فإن تزوج بغير علم فولدت له فإنه يشترى من سيده رضي أو كره، ويستسعى في قيمته من سيده ثم يعتق.

 

تفسير ما أحل الله للأحرار من تزوج الولائد لمن لم يجد سعة أن يتزوج

قوله في سورة النساء( الآية25-28):

( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا ) يقول: من لم يجد من الأحرار سعة من المال ( أَنْ يَنْكِحَ ) يعني: أن يتزوج ( الْمُحْصَنَاتِ ) يعني: الحرائر ( الْمُؤْمِنَاتِ ) يعني: المصدقات، ولا يقدر على الحرة، قال: ( فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) يعني: فليتزوج من الإماء ( مِنْ فَتَيَاتِكُمُ ) يعني: الولائد ( الْمُؤْمِنَاتِ ) يعني: المصدقات العفائف.

ولا يحل أن يتزوج أمة من أهل الكتاب، يقول الله: (مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ )، ثم قال في التقديم: (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) يعني: يتزوج هذا وليده هذا، ويتزوج هذا وليدة هذا.

 

( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) يعني: تزوجهن أي الولائد بإذن آبائهن ( وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يقول: وأعطوهن مهورهن ( بِالْمَعْرُوفِ ) يعني: على ما تراضوا من المهر ( مُحْصَنَاتٍ ) يعني: عفائف لفروجهن ( غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ) يعني: غير معلنات بالزنا ( وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) يعني: ولا متخذات أخلاء في السر فيزني بها، فإن علم منها الزنا بعصهم من بعض فلا يحل نكاحها أبداً.

 

ثم قال: ( ذَلِكَ ) يعني الزواج حلالاً ( لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) قال: لمن خشي الإثم في دينه وهو الإثم، ثم قال: ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) يعني: عن تزوج الإماء، ( وَاللَّهُ غَفُورٌ ) يعني: لتزوج الإماء ( رَحِيمٌ ) حين رخص في تزوج الإماء لمن لم يجد طولاً أن يتزوج حرة، ومن وجد معه ما يتزوج حرة، ويقدر عليه فلا يحل له تزوج الإماء.

 

( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ) يعني: حلاله وحرامه ( وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يعني: ويعلمكم شرائع من كان قبلكم من المؤمنين ( وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) يعني: ويتجاوز عنكم في نكاحكم إياهن قبل التحريم ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

 

ثم قال: ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ) يعني: اليهود وغيرهم، وذلك انهم زعموا أن نكاح بنت الأخت من الأب حلال لهم، يقولون: فذلك قوله ( أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) يعني: تخطئوا خطأ عظيماً في استحلال بنت الأخت من الأب، وغيره من الاستحلال، فلا تستحلوا الحرام أن تميلوا ميلاً عظيماً .

 

( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ) يعني: إذ رخص لكم في تزوج الإماء لمن لم يجد سعة أن يتزوج حرة ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) يعني: لا يصبر على النكاح، يعني: يضعف عن تركه، فلذلك أحل الله لهم تزوج الولائد لئلا يزنوا.

 

فمن لا يقدر على تزوج وليدة أو غيرها فليصبر، كما قال الله في سورة النور ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ) لا يقدرون على الزواج ( حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ ) بالحلال ( مِنْ فَضْلِهِ ).

 

عن ابن عباس في رجل زنا بامرأة ثم تزوجها قال: التزويج حرام كما قال الله ( لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )، توبتهما أن يفرقوا، ويكونون متفرقين أبداً.

 

عن أبي بكر الصديق: أنه أوتي برجل من قريش يقال له مطر بن الأسود، قد زنا بامرا’ من ريش يقال لها زينب بنت الأرقم، ولم يكونا محصنين، فجلدهما الحد ثم فرّق بينهما.