تفسير ما أعد الله لمن قدر على شهوة من الحرام فتركها مخافة الله:

 

قوله في سورة الرحمن(الآية:46): { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } يعني: لمن خاف في الدنيا { مَقَامَ رَبِّهِ } بين يديه في الآخرة, فترك شهوة أصابها من الحرام من مخافة الله فله جنتان.

 

قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون ما الجنتان ؟" قال: "بستانان من بساتين رياض الجنة, كل بستان مسيرة مائة عام في وسط كل بستان دار في دار من نور على نور، ليس منها بستان لا يهتز نعمة وخضرة، قرارها لابث, وفرعها ثابت, وشجرها نابت".

 

وقوله في سورة النازعات(الآيتان:40-41) { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } يعني: المقام بين يدي ربه { وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } يعني: ونهى نفسه عما هوت من الحرام إذا قدر عليه في خلال الدنيا فتركه من مخافة الله في الآخرة { فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } يعني: مأواه الجنة.

 

فهاتان الآيتان جميعاً فيمن يهم بمعصية أو شهوة من حرام فيقدر عليها فيتركها من مخافة الله، والذي لا يهم بمعصية الله فهو أفضل الثواب في الجنة.

 

واعلم أن الذنوب أربعة: فذنب يصيبه العبد, وهو يعلم أنه ذنب, ثم يتوب منه وينزع عنه من قريب, ويبعث بأحسن منه, فذلك ذنب المؤمن، وذلك الذنب الذي يغفره الله.

 

وذنب يصيبه العبد ثم يصر عليه, والإصرار الإقامة على الذنب ولا يتوب منه, ولا ينزع عنه فذلك ليس بمبرأ من أن يكون صاحبه فاسقاً وأن يمنع العمل أن يتقبل منه حتى يتوب.

 

وذنب يصيبه العبد ثم يشهد أنه لله طاعة, وأن الله أذن له به, فذلك يصير أمره إلى الضلالة والعمى، وهي الزينة التي قال الله: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }(فاطر:8).

 

وذنب يصيبه العبد المؤمن ولا يفطن إليه, ولا ينتبه له, فأرجو أن يتجاوز الله عن ذلك, والإصابة بخطأ ولا يعلم أنه ذنب، قال: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }(البقرة:286)، وقال: { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }(البقرة:225).

 

ومن الذنوب أعمال لا يقبل الله معها عملاً ، ما دام العبد مقيماً عليها لا يتوب منها: كالزنا والسرقة والخيانة وشرب الخمر وأكل الربا، فما فوق ذلك من الذنوب.

 

كذلك لا يتقبل معه عمل ما دام يعمله حتى ينزع منه, ويتطهر منه, فإذا تطهر منه وتاب توبة نصوحاً زكى وتقبل منه، وذلك قوله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }(الأعلى:14-15) فزكى من السيئات ثم صلى فأصاب الصلاة وطاب له العمل .