تفسير الورثة وما أمر الله به :

قوله في سورة النساء(الآية:8): { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى }فيها تقديم, يقول الله :" وإذا حضر أولوا القربى" يعني: قرابة الميت الذين لا يرثون { وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } قسمة المواريث { فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } يقول للورثة: أعطوهم من الميراث وليس شيء مؤقتاً, فيعطون قبل القسمة.

 

ثم يقسم الميراث { وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً } يعني: عدة حسنة يقول: إن كان الورثة صغاراً فليقل أولياء الورثة للذين لا يرثون من قرابة الميت واليتامى والمساكين إن هؤلاء الورثة صغار, فإذا بلغوا العقل أمرناهم أن يعرفوا حقهم. ويتبعوا فيكم وصية ربهم, وإن ماتوا قبل ذلك أعطيناكم حقكم, فهذا القول المعروف ونسختها آية المواريث، وثبتت الوصية للأقربين الذين لا يرثون من ثلث ماله.

 

تفسير قسمة المواريث :

قوله في سورة النساء(الآية:7): { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يرثون النساء والوالدان الصغار شيئاً, ويجعلون الميراث لذوي الأنساب من الرجال فنزلت { للرجال نصيب } يعني : حظاً { مما ترك الوالدان والأقربون } { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } يعني: حظاً { مِمَّا } ترك { قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ } يعني: من الميراث أو كثر { نَصِيباً مَفْرُوضاً } يعني: حظاً معلوماً.

 

ثم بين قسمة المواريث في هذه الآية التي بعدها: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ }(النساء:11) يعني: الصغير { مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } يعني: للصغير والكبير مثل حظ الأنثيين { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً } يعني: بنات { فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } يعني: أكثر من اثنتين, إذ كن اثنتين ليس معهن ذكر { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } الميت والبقية للعصبة { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } والبقية للعصبة.

 

تفسير ميراث الأبوين من ولدهما:

قوله في سورة النساء(الآية:11): { وَلِأَبَوَيْهِ } يعني: أبوي الميت { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } الميت { إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } يعني: ولداً ذكراً أو كان له ابنتان, أو فوق ذلك ولم يكن معهن ذكر، فإن كان للولد ابنة واحدة فلها نصف المال ثلاثة أسداس، وللأم السدس, وللأب السدس, وبقى السدس الواحد فهو للأب لأنه هو العصبة.

 

{ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ } ذكر ولا أنثى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } وبقية المال للأب { فَإِنْ كَانَ لَهُ } للميت { إِخْوَةٌ } للميت إخوة أو إخوان فصاعداً أو أختان أو أخ وأخت { فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وما بقى فللأب وليس للأخوة شيء مع الأب , ولكنهم حجبوا الأم عن الثلث .

 

ثم قال: { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } يوصى به الميت, يعني: يقسم الميراث على الورثة من بعد الدين الذي على الميت, أو { وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا } فيما بينه وبين الثلث, ولا تجوز وصية لوارث أبداً { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ } يعني: فيما قسم من الميراث { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }يعني: حَكم قسمته.

 

تفسير ما يرث الرجل من امرأته:

قوله في سورة النساء(الآية:12): { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } يقول: للرجل نصف ما تركت امرأته إذا ماتت { إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ } من زوجها الذي ماتت عنده أو من غيره { فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ }ذكر أو أنثى { فَلَكُمُ الرُّبُعُ } يعني: فللزوج الربع { مِمَّا تَرَكْنَ } من المال { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا } النساء { أَوْ دَيْنٍ } عليهن، والدين قبل الوصية, فالآية فيها تقديم.

 

تفسير ما ترث المرأة من زوجها:

قوله في سورة النساء: { وَلَهُنَّ)(النساء: من الآية12) }يعني : النساء { الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ }يعني: للمرأة الربع مما [ ترك] زوجها من الميراث { إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ } يعني: إن لم يكن لزوجها الذي مات عنها ولد منها أو من غيرها { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ } يعني للرجل ولد ذكر كان أو أنثى { فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } يعني: مما ترك الزوج من المال { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } والدين قبل الوصية, ثم يقسم الميراث.

 

تفسير ما يرث الأخوة من الأم وليس معهم من الأب:

قوله في سورة النساء(الآية:12): { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ } فيها تقديم يقول: وإن كان رجل أو امرأة يورث كلالة. والكلالة: الميت الذي ليس له ولد ولا والد { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } من أمه ليس معها جدات { فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } الذكور والإناث في الثلث سواء، وإن كانوا اثنين أو عشرة فصاعدا؛ لأنهم إخوة لأم { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا } الميت { أَوْ دَيْنٍ } عليه, من غير ضرار على الورثة، ولا يقر بحق ليس عليه, ولا يوصي بأكثر من [ الثلث ] مضارة لهم، وذلك قوله { غَيْرَ مُضَارٍّ } يعني: غير مضار للورثة، تلك القسمة { وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }.

 

ثم قال(النساء:13-14): { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } يعني: سنة الله وأمره, يعني: في قسمة المواريث { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيقسم المواريث كما أمر الله { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } لا يموتون { وَذَلِكَ } الثواب { الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.

 

قال: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني: في قسمة المواريث، فلم يعدل في قسمتها { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } يعني: يخالف أمره في قسمة المواريث { يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }.

 

تفسير ما يرث الأخوة من الأخوات من الأب والأم:

قوله في سورة النساء(الآية:176): { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ } والكلالة: هو الميت الذي ليس له ولد ولا والد { إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } يعني: مات ليس له ولد { وَلَهُ أُخْتٌ }من أبيه وأمه أو من أبيه { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } من الميراث, والبقية للعصبة { وَهُوَ يَرِثُهَا } يقول: إن ماتت هي فبله فهو يرثها المال كله { إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } فإن مات الأخ وكانت أختان فصاعداً من أبيه وأمه, أو من أبيه { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } الأخ { وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً } يعني: إخوة الميت { رِجَالاً وَنِسَاءً } من أبيه وأمه أو من أبيه { فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } يقول: لا تخطئوا قسمة المواريث { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يعني: في قسمة المواريث وغيرها عليم.