تفسير صلة الرحم :

قوله في السورة التي يذكر فيها النساء (الآية:1):

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني: من نفس آدم وحدها { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعني: من نفس آدم زوجها , يعني: حواء من ضلعه { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً } يعني: وخلق من آدم وحواء رجالاً كَثِيراً وَنِسَاءً } يعني: ألف أمة أو ما شاء الله .

 

ثم قال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } يقول : واتقوا الله بحقه والأرحام بحقها , فلا تقطعوها , وصلوها { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } يعني: حفيظاً لأعمالكم .

 

عن ابن عباس أنه قال : وجد في مقام إبراهيم كتاب مكتوب بالعبرانية, قال :" إني أنا الله ربكم خلقت الرحم بيدي وشققت لها اسماً من أسمائي فمن وصلها وصلته , ومن قطعها قطعته ". أي بتته , وقال : أعظم حقاً في ذوي الأرحام حق الوالدين .

 

تفسير ما أمر الله من بر الوالدين :

قوله في السورة التي يذكر فيها بنو إسرائيل(الآية:23-24) :

{ وَقَضَى رَبُّكَ } قال: كان ابن مسعود يقرؤها {وقضاء ربك}، { أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ } يعني :ألا تعبدوا إلا الله , ثم قال : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } يعني: براً بهما . قوله : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا } يعني: أرذل العمر , أحدهما : يعني : أحد الوالدين { أَوْ كِلاهُمَا } يقول : فبرهما { فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } يعني : الكلام الردىء , أن تقول : اللهم أرحني منهما , عند معالجتك إياهما عند الكبر , ومَيْطُك عنهما القذر، { وَلا تَنْهَرْهُمَا } يعني : لاتغلظ لهما في القول. { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } يعني : حسناً ليناً .

 

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } يقول : لين جناحك لهما رحمة بهما. { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا } عندما تعالج { كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }يعني: عالجا ذلك مني صغيراً.

 

قال: فإن كانا مشركين فلا تقل رب ارحمهما, ولكن برهما وافعل كما قال الله في سورة لقمان( الآية:14-15) :{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } يقول : ليس لك علم بأن لي شريكاً { فَلا تُطِعْهُمَا } في الشرك , وفي المعصية غير الشرك في جميع ما نهاك الله عنه { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً } يعني : البر والصلة .

 

وقوله :{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ) (الاسراء:25) } يعني: بما في قلوبكم من البر بالوالدين على كبرهما { إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ } يعني : محسنين , أو لا تحسنون { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ } يعني: من الراجعين من الذنوب إلى طاعة الله فيما أمر { غَفُوراً }.

 

وذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أسخط والديه فقد أسخط الله, ومن أغضبهما فقد أغضب الله .

 

قال : وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك بحق الله وطاعته فاخرج . ومن أعتقهما من الرق فهو عظيم الأجر إن شاء الله.

 

وفي النفقة قال:

إن كان ديناراً أو شيء تريد أن تنفقه لله فأعطه أمك , وإن كان لك آخر فأعط أباك , إذا كانوا فقراء , فإن كان الثالث فأنفقه على عيالك , والرابع فأعطه قرابتك , والخامس في سبيل الله , يعني: في طاعة الله .

 

قال : قال معاذ يا رسول الله :

إن كان لأمي فيما أعطت نصيب أعطيتني نصيباً تصدق به وتقدمه لنفسهما , وأنها ماتت ولم توصِ , وقد كنت أعرف البركة فيما يعطى , فبكى معاذ , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا يبك الله عينيك يا معاذ , أتحب أن تؤجر أمك في قبرها؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله ليس لي أب . قال "فانظر إلى الذي كانت تعطيها في حياتها فأمضه لها على الذي كانت تمضيه إن كان بحق الله . وقل : اللهم تقبله من أم معاذ ".

قال : فقال من حوله يا رسول الله ألمعاذ خاصة؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لمعاذ ولجميع المسلمين كافة".

قال: فقالوا : يا رسول الله , فمن لم يكن له منا ورق يتصدق به على والديه أيحج عنهما؟

قال :" نعم إذا كان مؤمناً فيه خير . وإذا كنت عند الإحرام فقل : لبيك عن فلان . وقل في سائر المواقف : اللهم تقبل من فلان إذا علمت أن فلاناً من المتقين . وأوفوا عنهم بالنذور , والصدقة , والصيام , والدين والهدى . وأحق من قضى عن المرء والمرأة ذو رحم إن كان مؤمناً فهو أولى به وأحق به ".