تفسير الصدقة لمن تدفع ؟

قوله في السورة التي يذكر فيها براءة :{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ }(التوبة:60) يعني: صدقات الأموال { لِلْفُقَرَاءِ } فقراء المسلمين الذين لا يسألون الناس { وَالْمَسَاكِينِ } يعني: الذين يسألون الناس { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } يعني: الذين يحبون الصدقات فيعطون على قدر ما شغلوا به عن حاجتهم.

 

{ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } قال : كان هؤلاء {اثنى} عشر رجلاً من قادة العرب دخلوا الإسلام كرهاً منهم أبو سفيان بن حرب , وسهيل بن عمرو , وعيينة ابن حصين , في أصحابهم , فكانوا يعطون من الصدقة ليتألفهم به على الإسلام . فقد انقطع حق المؤلفة اليوم , إلا أن ينزل قوم منزلة أولئك , فإذا اسلموا أعطوا من الصدقة بتألفهم بذلك ليكونوا دعاة إلى الإسلام.

 

ثم قال { وَفِي الرِّقَابِ } يعني: ويعطى في فكاك الرقاب : هم المكاتبون . { وَالْغَارِمِينَ } وهو الرجل يصيبه غرم في ماله من غير فساد , { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } يعني : ويعطى من يخرج في الجهاد في سبيل الله قدر ما يبلغه غزاته , { وَابْنِ السَّبِيلِ } يعني: المسافر المحتار إذا كانت به حاجة شديدة فيعطى , { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ } يعني : الصدقات لأهل هذه القسمة , هم أهلها { وَاللَّهُ عَلِيمٌ } بأهل الصدقات , يعني : {حَكِيمٌ }في قسمتها .

 

قال : ولا يعطى في بناء المسجد , ولا في حج ولا في ولد ولا في والد من الصدقات , فإن كان تطوعاً فلا بأس أن يعطيهما .

 

وقال : لا يعطى من الصدقات صاحب خمسين درهماً , إذا لم يكن عليه دين , أو له عيال , وله كسوة وهو صحيح يستطيع العمل .

 

سئل : عن الولد والوالد , وعن صاحب الخمسين .

قال أبو الحواري : هو كما قلت , لا يعطى منهما والد ولا ولد , إلا أن يكون الولد بالغاً بايناً عن والديه .

 

تفسير ما أعد الله للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة محتسبين :

قوله في السورة التي يذكر فيها البقرة: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ }(البقرة:3) يعني: يتمون ركوعها وسجودها بوضوء تام في مواقيتها { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } يعني: الزكاة المفروضة{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(البقرة:4-5)، مثلها في أول السورة التي يذكر فيها لقمان .

 

وقال في السورة التي يذكر فيها الأنفال: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } يعني: خافت قلوبهم { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولَئِكَ }يعني الذين ذكرهم الله في هذه الآيات { هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (الأنفال:2-4) يعني : رزقاً حسناً في الجنة .

 

تفسير الذي يبخل بالزكاة , وما أعد الله له :

قوله في السورة التي يذكر فيها المنافقون(الآيات:9-11) :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يعني: الذين أقروا باللسان , فهم المنافقون الذين بخلوا بما أنزل الله من الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم , والذين آمنوا .

 

قال الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } يعني: من يبخل بحق الله الذي افترض الله عليه فإنما يبخل عن نفسه , ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون .

 

ثم قال: { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ }يعني: زكاة الأموال { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } فيسأل الرجعة إلى الدنيا ليزكي ماله ويعمل فيه بأمر الله وسنة نبيه , { فَيَقُولَ } حينئذ { رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } لأن الخروج من الدنيا قريب { فَأَصَّدَّقَ } يعني: فأزكي مالي { وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } يعني: من المؤمنين فأفعل في مالي ما يفعل المؤمنون.

 

قال الله :{ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

 

وقوله في السورة التي يذكر فيها محمد صلى الله عليه وسلم( الآية: 38):

{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ } يعني: بالنفقة التي أوجب الله عليه{ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ } يعني: يبخل بالخير والفضل والجنة عن نفسه{ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ } يعني: عما عندكم من الأموال{ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ } يعني: إلى ما عنده من الخير والرحمة { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا } يعني: عن طاعة الله التي أوجب عليكم وعما يرشدكم إليه, وعليه { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } يعني: يكونون أطوع لله منكم مخلصين في العبادة ثم لا يكونوا أمثالكم.

 

وقوله في السورة التي يذكر فيها آل عمران (الآية: 180):

{ وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } يعني : بما أعطاهم الله من فضله من الأموال , فيبخلون بالزكاة , ولا تحسبن البخل { هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }.

 

قال : وذلك أن كنز أحدهم يتحول يوم القيامة ذكراً شجاعاً أقرعاً له زبيبتان فيطوق بهما في عنقه فينهشه فيتقيه بذراعيه فيلقمهما حتى يقضي ما بين الناس, فلا يزال معه حتى يساق إلى النار، ألا ساء ما يرزقون .

 

{ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }.

يقول: إن يبخلوا بالزكاة وغيرها من الحقوق , فإنه يرثهم ويرث أهل الأرض والسموات , ويبقى الرب { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.

 

وقوله في السورة التي يذكر فيها براءة ( الآيتان: 34-35 ):

{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } يعني بالكنز: منع الزكاة , فمن كان له فوق الأرض أو في بطنها فلم يعط زكاته وحق الله فيه فهو الكنز, قال: { وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } يعني: في طاعة وفي حق الله الذي أوجب عليهم { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } يعني : وجيعاً في الآخرة.

 

{ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا} يعني: على الكنوز { فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ }.