تعريف بالكتاب

كتاب الدراية وكنز الغناية ومنتهى الغاية وبلوغ الكفاية في تفسير خمسمائة آية

 

تأليف الإمام أبي الحواري محمد بن الحواري العماني

 

كتاب في تفسير آيات الأحكام مرتبة على الأبواب الفقيهة بأسلوب سهل ميسر، وتفسير مختصر مبسط لمجموع آياتها، واستنباط أحكامها وأدلتها الشرعية.

 

يعد كتابه على نسق كتاب الكيا الهراسي الطبري وابن العربي وابن خويز منداد والجصاص , فألفوا كتباً خاصة لتفسير آيات الأحكام وذلك من عنايتهم بالفقه في الشريعة الإسلامية.

 

وهذا الكتاب يتناول تفسير خمسمائة آية من آيات الأحكام في القرآن الكريم , أخذاً بأثر ابن عباس رضي الله عنهما الذي يقول فيه: " خمسمائة آية من كتاب الله في الحلال والحرام , لا يسع المسلمين إلاّ أن يعلموا تفسيرهن , ويعملوا بهن " .

 

ويقع الكتاب المطبوع في جزئين، قام بتحقيقه د/ محمد محمد زناتي عبد الرحمن أستاذ مساعد في التفسير وعلوم القرآن بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- بالقاهرة.

 

هذا ومن نافلة القول أن أصل تفسير العلامة أبي الحواري في معاني الايات مأخوذ باختصار من تفسير مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني أبي الحسن توفي سنة خمسين ومائة.

 

وقد قام العلامة أبو الحواري بالتعليق عليه واستخراج المسائل الشرعية وأدلتها وإضافتها إلى التفسير، فحمل تفسيره جانبين: بساطة تفسير الآيات وشرح الأحكام الشرعية، وهذا عمل جليل قام به الإمام أبو الحواري العماني، فظهر كتاباً بديعاً في فنه وتصنيفه.

 

* تعريف بالمؤلف

نسبه وموطنه :

هو العلامة الإمام أبو الحواري محمد بن الحواري القري . وينتمي إلى قبيلة قرة بن مالك بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نذار بن معدن بن عدنان , قال العلامة النسابة العوتبي : " وهم يسكنون السّر ونواحي توام , ولهم وجوه مذكورة , وهم أهل بأس ونجدة " .

 

وبنو قرة من قبائل عبد القيس , ولعلهم الأتلاد , الذين يقول عنهم ابن دريد :" إن الأتلاد بطون من عبد القيس , أتلاد عمان لأنهم سكنوها قديماً " .

 

وأبو الحواري من قرية تنوف الواقعة على السفح الجنوبي للجبل الأخضر , وهي قريبة من مدينة نزوى المشهورة . بيد أنه عاش حياته في نزوى , ولعله استقر بها منذ أيام دراسته , كما سنعرف من ثنايا هذه الترجمة .

 

وقد كان أعمى , ولا ندري أكان عماه منذ صغره , أم أمر حدث له بعد ذلك في حياته , ويأتي بعد ذكر اسمه , أنه المعروف بالأعمى , والظاهر أن العمى قد طرأ له تدريجياً , فقد روى أبو سعيد : " أن أبا الحواري رفعت إليه امرأة إلى أبي جابر محمد بن جعفر , وكان_ على ما قيل _ قاضياً, فألزم أبو جابر أبا الحواري اليمين , وأراد أن يحلفه , فوصل أبو الحواري إلى نبهان فقال له : إن جابر يريد أن يحلفني , فقال له نبهان : لا يحلفك أره عينيك . فلما حضره أبو الحواري , أراد أبو جابر أن يحلفه , فقال له : يا أبا جابر تحلفني وأنا أعمى ؟ أنظر إلى عيني . فنظر أبو جابر إلى عينيه , فقال : نعم , هذه ذاهبة , وهذه غائبة فلم يحلفه" .

 

ففي قول القاضي أبي جابر " نعم هذه ذاهبة, وهذه غائبة" دليل ما استظهرناه , وليس بعيداً أن تكون أسرة الفضل والعلم والصلاح , هي أسرة محمد بن صالح , وذراريه هم من ذراري أبي الحواري , فهم أيضاً من قبيلة القرّي , والجدير بالذكر أنه يوجد في نزوى يعرف " بجيل قرّي " .

 

أشياخه :

انتقل الإمام أبو الحواري إلى نزوى , حاضرة العلم , ومقر الدولة الإسلامية الميمونة , فأخذ العلم عن الأئمة الأعلام وهم : محمد بن محبوب , وسعيد بن محرز , ,أبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي , وأبو جابر محمد بن جعفر , ونبهان بن عثمان , رضي الله عنهم .

 

بيد أن أكثر ما حمل العلم عن أبي المؤثر , يدل على ذلك قوله : " وأما أبو المؤثر رحمه الله , فقد كنا ممن يباطنه , ومن خاصته " إلى قوله :"فهذا الذي عرفنا من أبي المؤثر , وسمعنا منه في آخر عمره " .

 

مكانته العلمية :

تبوأ أبو الحواري رحمه الله , مكانة علمية بين معاصريه وأقرانه فأصبح مدار الفتيا والحل والعقد في عمان , يقول الإمام أبو سعيد الكدمي : " ثم كان من بعد هؤلاء الثلاثة (نبهان بن عثمان , ومحمد بن جعفر , وأبي المؤثر ) مدار أمر نحلة من أهل عمان على أبي المنذر , وأبي محمد بشير , وعبد الله بن محمد بن محبوب رحمه الله , وأبي عليّ الأزهر بن محمد بن جعفر , وأبي الحواري المعروف بالأعمى , ولعله كان أحملهم فقهاً وعلماً على ما يظهر من أموره , وخاصة في أحكام الحلال والحرام , وإن كان أبو المنذر يعلوهم في النظر والأديان , وكان هؤلاء في ذلك العصر مفزع أهل عمان" .

 

وناهيك برجل يشهد له إمام المذهب , أبو سعيد الكدمي , بأنه أحملهم فقهاً وعلماً , إنها ولعمري منزلة علمية لا يبلغها إلا أقلة الرجال , على أن في قول أبي سعيد " وخاصة في أحكام الحلال والحرام " دليل على رسوخ قدمه في هذا التخصص العلمي. وما كان " الدراية في تفسير خمسمائة آية " إلا دليلاً مادياً , وشاهداً على وصف أبي سعيد رحمه الله.

 

مؤلفاته العلمية :

أسهم أبو الحواري- رحمه الله- بالمؤلفات التالية :

1- كتابه الذي لم أعثر عليها أنا شخصياً , وإنما يشير إليه الجامع للفقه حيث يقول في أول باب منه " ومن الكتاب المنسوب إلى أبي الحواري " .

 

2- كتاب جامع أبي الحواري : وقد قام بعض العلماء بجمع فقه وأجوبة أبي الحواري , وقد نشرته وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان , في خمسة أجزاء تحت عنوان " جامع أبي الحواري " , وحقه أن يطلق عليه " فقه الإمام أبي الحواري " أو جوابات أبي الحواري .

 

3- الدراية وكنز الغناية في تفسير خمسمائة آية : وهو الكتاب الذي أقوم على تحقيقه وتصحيحه .

 

4- سيرة أبي الحواري إلى أهل حضرموت : كتبها جواباً لأسئلة من إباضية حضرموت , بيّن فيها مبادئ المذهب , وقد نشرته وزارة التراث القومي والثقافة ضمن مجلدين كبيرين بعنوان " السير والجوابات لأئمة وعلماء عمان " . وقامت بتحقيقه د/ سيدة إسماعيل كاشف.

 

زهده :

يقول الشيخ السالمي في تحفته : " ونحو هذا يحكى عن أبي الحواري أنه كان فقيراً يأكل ثمر الأثب زهداً وتعففاً (والأثب شجر ينبت على الأودية وعلى جوانب الجبال , وهو غير مملوك) , وربما قبل صدقة من بعض إخوانه فيبيعها ويشتري بها حلاً للسراج ونحوه " .

 

هذا والله الزهد لمن عرفه , والورع لمن اتبعه , فبخٍ بخٍ لمن قنعه الله بهذا الرزق من العيش في الحياة , إنه لتقويم دقيق لما ينبغي أن تقّوم عليه هذه الحياة الفانية .

 

ونتيجة لما اجتمع فيه من الفضل والعلم والزهد , اشتهرت ولايته بين الناس , قال أبو سعيد : " وأما ولايته , فأخذها عن غير واحد ممن تجب علينا الولاية بولايته , وكان ممن تجوز معنا ولايته بالشهرة , فنحن نتولاه على ذلك كله , وهو لنا ولي" .

 

وحسبك بمن يمنحه الكدمي هذه الدرجة من الولاية في الدين , ألا وهي ولاية الشهرة , وما إلى ذلك إلاّ لاشتهار فضله بين الخاص والعام .

 

الأحداث التي شهدها :

عاش أبو الحواري في آخر القرن الثالث وأول القرن الرابع الهجريتين ولكننا لم نعثر على تاريخ مولده , ولا تاريخ وفاته , وفي هذه الفترة شهدت عمان أحداثاً جساماً , وهي عزل الإمام الصلت بن مالك , وأحداث موسى بن موسى , وراشد بن النضر , وعزان بن تميم , وما نتج عن ذلك من تدخل العباسيين في حكم عمان , بقيادة محمد بن بور , بعد أن استنجدت القبائل النزوانية , وافتراق علماء عمان إلى فرقتين, أحدهما عرفت بالنزوانية , والثانية عرفت بالرستاقية. وقد برهنت تلك الأحداث على حسن إدراك أبي الحواري للأمور , وسعة أفقه لاحتواء تلك الأحداث , حيث كان رأيه الوقوف عن تلك الأحداث وأصحابها , فقد روي عن أبي سعيد قائلاً : " وأما أبو الحواري محمد بن الحواري المعروف بالأعمى , فالذي بلغنا عنه أنه كان يقف عن موسى بن موسى , وراشد في تلك الإمامة , ولا يبرأ منهما " .

 

ومن ابتلاء الله تعالى للمؤمنين , أن ابتلاه باستهداف القتل من قبل عامل العباسيين على نزوى , فقد جاء في التاريخ أن " بيحرة " وهو عامل العباسيين على نزوى , ويكنى أبا أحمد قد أمر بقتل هذا الإمام !!

 

فقد قيل له : إن أبا الحواري ومن معه من الأصحاب يبرأون من موسى بن موسى , فأرسل إلى أبي الحواري جندياً , فوجده الجندي قاعداً في محراب مسجد بن سعيد , المعروف بأبي القسام , وهو مسجد الشجبي بعد صلاة الفجر يقرأ القرآن .

 

فقال : إن أبا أحمد يقول لك سر إليه , فقال أبو الحواري : ليس لي به حاجة , وأخذ في القراءة , فبقي الجندي متحيراً لا يدري كيف يفعل به حتى جاء رسول "بيحرة " , فقال له : لا تحدث في أبي الحواري حدثاً , فرجع عنه ولم يفعل شيئاً , وذلك ببركة القرآن العظيم .

 

وقيل إن الجندي قال : إنما دعوته ليقوم لئلا يطش دمه في المحراب " . ولا نريد أن نناقش هذه القضية التي تدل على جور وظلم ذلك الحكم الجائر , الذي ابتليت به عمان .

 

تلاميذه :

لقد اعتاد العلماء الأجلاء أن يقدموا للأمة عصارة أفكارهم , وتفاعل معلوماتهم , في صور من التأليف والدروس الملقاة , وحول تلك الدروس يجتمع العديد من طلبة العلم الشريف, ليأخذوا عن شيخهم ما كان عنده طلبة علم يأخذون عنه أمور دينهم ومعارفهم , وإن كنا لم نعثر على اسمائهم , ومنهم " أبو الحسن محمد بن الحسن النزوي , وأبو ابراهيم محمد بن سعيد بن أبي بكر , وأبوالحواري محمد بن عثمان , وأبو عبد الله محمد بن روح بن عربي .

 

هذا ومن مظاهر شيوع آثاره العلمية على من جاء بعده من أهل العلم أنك قد لا تجد كتاباً في الأحكام إلا وقد نقل آراء وأقوال أبي الحواري , وهي أكثر من أن تحصى .

 

فجزاه الله خيراً وأسكنه فسيح جناته على ما قدمه لنا من العلوم ..

------------------------------------------

تقديم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي للكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبيه الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد :

 

فإن العناية بالقرآن الكريم وعلومه أولى اهتمامات هذه الأمة منذ نشأتها , لأنه مصدر هدايتها ونور حياتها , وروح وجودها , أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور , ومن الشتات إلى الوحدة, ومن الضعف إلى القوة , ومن الجهل إلى العلم , فكانوا خير أمة أخرجت للناس , ولم يعرف التاريخ كتاباً سماويا أو غير سماوي لقي من العناية في حفظه ونقله وتدوينه وتفسيره, ما لقيه القرآن الكريم.

 

هذا وقد تنوعت اتجاهات المعنيين بتفسيره بحسب تنوع علومه ومنهم من قصر اهتمامه على آيات خاصة في التفسير كآيات الأحكام , وقد سلك هذا المسلك جماعة من العلماء منهم الكيا الهراسي الطبري وابن العربي وابن خويز منداد , وذلك من عنايتهم بالفقه في الشريعة الإسلامية , وممن نحا هذا النحو العلاّمة المجتهد ( أبو الحواري محمد بن الحواري العماني الإباضي) , قفد اهتم بتفسير آيات الأحكام وهي خمسمائة آية تفسيراً مبسطاً في متناول طلاب المعرفة .

 

وقد قيض الله لهذا الكتاب من خدمه خدمة علمية فخرّج أحاديثه وبيّن غوامضه وحقّقه تحقيقاً علمياً وافياً , وهو الأخ الفاضل فضيلة الأستاذ الدكتور " محمد محمد زناتي عبد الرحمن" الأستاذ المساعد للتفسير وعلوم القرآن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية "جامعة الأزهر الشريف" بالقاهرة , فخرج الكتاب لأول مرة إلى عالم المطبوعات بهذه الحلة القشيبة والوجه الوضاء والجلال المهيب .

 

فإلى طلاب العلم نبعاً فياضاً من علوم القرآن يروي ظمأهم ويشبع سغبهم , والله يجزل للمؤلف المثوبة في دار الرحمة , ويبارك في حياة المحقق الكريم , ويمن عليه بالتوفيق لكل ما فيه الخير .

 

أحمد بن حمد الخليلي

(المفتي العام لسلطنة عمان)