سورة الناس مكية وآياتها 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ (1)

 

مالكهم ومالك أُمورهم فهو الذي تولى إفاضة النعم عليهم وإذهاب المضرات لأن المالك يقوم بأمر عبده.

 

مَلِكِ ٱلنَّاسِ (2)

 

هو بالمعنى الأَول تأكيد لفظي له كقولك قعد جلس أو رب الناس مربيهم وملك الناس ملك ذواتهم وأحوالها أو رب الناس سيدهم وقد يكون السيد غير مالك كما يسود السلطان على الناس وليسوا مماليك له وملك صفة مبالغة نعت لرب الناس.

 

إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ (3)

 

أي الذي عليهم أن يعتقدوا أنه الإله لا كسائر أرباب العبيد والملاك لا ألوهة لهم ولا إيجاد ولا إبقاءِ ولا تصرف كلياً وهو نعت آخر وخص الناس بالذكر لأنهم أشرف الخلق وإلاَّ فالله عز وجل رب كل شيءٍ وإله كل شيء، أي أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بالذي هو ربهم وألههم فهو يملكهم ويردهم عن الشر ويبطل كيدهم، وكرر الناس ولم يضمر في الآية الثانية والثالثة لتأكيد التقرير أنهم مربوبون مألوهون، قيل أو الأول بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية والثاني بمعنى الكهول والشبان والثالث بمعنى الشيوخ المتعبدين وهو تفسير وسوس به الشيطان لصاحبه أن يفسر به إذ لا دليل عليه ويزاد على ذلك أن الغالب في المعارف المتكررة الاتحاد.

 

مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ (4)

 

{ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ } صفة تفيد المبالغة أي يلقى إلى غيره كلاماً خفياً أو إشارة أن يفعل أو يترك خيراً أو شراً، والمراد في الآية الشر عافانا الله الرحمن الرحيم وهو التأثير في القلب بالزيغ وذلك أولى من أن يجعل اسم مصدر هو الوسوسة أطلق على الذات الخبيثة مبالغة أو بتأويله باسم الفاعل أو يقدر مضاف أي مضاف أي ذا الوسواس وتعليق الحكم بمعنى اللفظ المشتق يؤذن بعلية معنى اللفظ الذي منه الاشتقاق فالمراد الأمر بالاستعاذة من سرقته، ويجوز أن يراد أعوذ بالله من السارق ونريد الاستعاذة من سرقته.

 

ويجوز أن يراد أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الموسوس وسوسته وسائر مضراته، ويقويه أنه قال من شر فهو يعم شروره ولم يقل من شر الموسوس ولا من شر وسوسة الوسواس فشره يعم شر التأثير في القلب وشر مضرة البدن والعقل كالجنون وما يقرب منه وأسباب المرض والعلل وتزيين النوم عن العبادة، ومن شر البدن، حديث البخاري وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد نَمْ فإن الليل عليك طويل.. " الخ، أعنى انه فعل على قافيته فعلاَ أثر في بدنه وأما على أن معنى العقد التمثيل للوسوسة فليس من شر البدن.

 

{ الْخَنَّاسِ } صفة مبالغة قيل أو نسب كالخباز واللبان قلت لا ينبغي العدول إلى النسب إلاَّ لداع معنوي أو صناعي ومن المعنوي وما ربك بظلام، ومر كلام فيه ولا داعي هنا مع أن له فعلاً وهو خنس بخلاف لبان ومعنى خنس تأَخر أي كثير التأخير أو عظيمه عن الإنسان إذا ذكر الله تعالى وليس في النسب المبالغة التي في صفة المبالغة فقد تقول الخباز واللبان لمن يبالغ في الخبز واللبن.

 

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنَّ للوسواس خطماً كخطم الطائر " ويروى خرطوماً كخرطوم الكلب، ويروى كخرطوم الخنزير، ويقال رأسه كرأس الحية يضعه على القلب فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أُذن القلب يوسوس، فإن ذكر الله تعالى نكص وخنس فلذلك سمى الوسواس الخناس، ويروى أنه يضع خرطومه على القلب فإذا ذكر الله تعالى تأخر.

 

ٱلَّذي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ (5)

 

أي في قلوبهم سمى الحال باسم المحل فإن القلب في الجانب الأيسر من الصدر، ويجوز أن يراد ظاهر معنى الصدر بأن يدخل في الصدر ويوسوس منه إلى القلب فقد فعل الوسوسة فيه إلى القلب، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - " إنَّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم " " وذلك كما لا يردهم حائط وحمل بعضهم الحديث على التمثيل المراد بالناس الإنس خاصة.

 

مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ (6)

 

يتعلق بمحذوف حال من الوسواس أو من المستتر فيه، ومن للتبعيض فالوسواس يعم من وسوس من الجن ومن يوسوس من الإنس، فكأنه قيل من الوسواس الذي هو من الجن والذي هو من الإنس، وأجيز أن يتعلق بيوسوس على أنه من للابتداءِ أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن بأَن الجن يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس بأَن المنجم أو الكاهن يعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلاَّ الله.

 

وقيل من للبيان من الناس أي في صدور الناس الذين هم الجن والإنس وهو ضعيف إذ هو بصورة تقسيم الشيءِ إلى نفسه وإلى غيره وذلك جعل قسم الشيءِ قسيماً لشيءِ وإطلاق الناس على الجن قليل كما ورد في بعض الأخبار ناس من الجن قال بعض العرب لجن من أنتم قالوا ناس من الجن،

الله لا إله إلاَّ هو الحي القيوم ذو الجلال والإكرام يا رب اكف عنا شر الدنيا والآخرة واغننا بخير الدنيا والدين والآخرة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

*تم التفسير*