سورة العصر مكية وآياتها 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَصْرِ (1)

أقسم بوقت العصر لعظمه بوقوع صلاة العصر فيه وهى عظيمة الشأن كما أنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالذكر لمزيتها بعد العموم عند الجمهور وفي مصحف ابن مسعود وعائشة وحفصة والصلاة الوسطى صلاة العصر، وعنه - صلى الله عليه وسلم - " من فاتته صلاة العصر فكأنما أوتر ماله وأهله " .

 

وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأَ الله بيوتهم ناراً " وقيل العصر صلاة العصر تسمية للمظروف باسم ظرفه، وقيل هو على حذف مضاف وخصت بالفضل لأنها وقت تهافت الناس في أشغالهم وتجارتهم وكسبهم فيعظم الأجر لمن صلاها مطمئناً فيها.

 

وقيل أقسم بذلك الوقت لخلق آدم فيها من يوم الجمعة وهو أبو البشر، وعن قتادة أقسم به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة وهما أول النهار وآخره وليس في هذا أنه أقسم به لخلق آدم فيه وقد قيل يطلق العصر على البكرة وعلى العشية، وعن الزجاج يطلق على اليوم وعلى الليلة فيحتمل أنه أقسم بالبكرة أو بالعشية أو باليوم أو بالليلة وقيل المراد عصر النبوة أقسم بزمانه كما أقسم بمكانه في قوله تعالى:{ لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد }[البلد: 1 - 2] وذلك من حيث بعثه - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مات وهو أفضل الأعصار.

 

وقيل من حين ولد إلى يوم القيامة لأن ذلك زمانه وزمان أًُمته خير أُمة ووقت جريان شرعه ومقداره من الزمان من لدن خلق آدم مقدار وقت العصر من اليوم ففي البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول " إنما بقاءكم فيمن سلف قبلكم من الأُمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس " فتح الله تعالى النبوة بآدم الذي دخل الجنة وأكل منها ولم يكن في بطن ولم يخرج من فرج وختمها بأَفضل الأًنبياءِ كنور الشجر وثماره المؤخرة عن أوراقها وأغصانها والمقصود بالذات من الشجرة ثمارها ونورها.

 

وعن ابن عباس العصر الدهر أقسم الله تعالى به لاشتماله على العجائب وللتنبيه على نعمه ونقمه فيستعد العاقل لمجانبة الخسران قيل وللرد على من يضيف الحوادث إلى الزمان وفيه أنه لا دلالة في السورة ولا في العصر على ذلك وقيل التقدير ورب العصر.

 

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)

{ إنَّ الإنسَانَ } الناس المكلفين كلهم قال للعموم الاستغراقي وتفسيره بأبي جهل تمثيل.

 

{ لَفِي خُسْرٍ } خسران في أفعالهم وأقوالهم واعتقادهم لا ينتفعون بها فذلك خسران ولا سيما أنه يقارن عدم الانتفاع به هلاك بها لمخالفة ما كلف به وتنكير خسر للتعظيم أي خسر عظيم أو للتنويع أي نوع من الخسران غير ما يعرفه الإنسان ومن أجاز استعمال الكلمة في معنييها أجاز التعظيم والتنويع معاً بل قصد التنويع قابل للتعظيم وكان فيه فهو نوع عظيم ومن الخسران مضي زمان في معصية أو في إهمال قيل أو في طاعة يمكنه أن يكون في طاعة أفضل منها وفيه أن المؤمن لا يخلو من أن يكون في طاعة فوقها طاعة أفضل أو في إهمال فكيف يستثنى وأيضاً الشرك لا تعتبر طاعته وذلك كما قيل أيضاً كل ساعة لم تكن فيها عبادة فقد خسرها.

 

وقيل الإنسان إذا عمر هرم وخسر بدنه ولم يعمل به إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنه يكتب لهم عمل كأَفضل ما كانوا يعملون ويقول للملائكة اكتبوا له ذلك فأنا قيدته فذلك كقوله تعالى:{ ثم رددناه أسفل سافلين إلاَّ الذين آمنوا... }[التين: 5 - 6] الآية.

 

إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

{ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } واجتنبوا الذنوب وإذا أذنبوا تابوا وتفسير ابن عباس بعلى وسلمان تمثيل لا حصر وإشارة إلى أن الجنة للمطيع عربياً أو عجمياً فهي عامة لمن اتصف بعنوان الإيمان والعمل الصالح في شأن إصلاح نفسه كما رأيت وبعنوان إصلاح غيره كما قال.

 

{ وَتَواصَوْا } الخ أوصى بعض بعضاً.

 

{ بِالْحَقِّ } بالأمر الصواب الثابت وهو دين الله اعتقاداً وقولاً وفعلاً. { وَتَوَاصَوْا } كرره للتأكيد لشدة الصبر حتى كأَنه شيء آخر لم يشمله لفظ الحق.

 

{ بالصَّبْرِ } على مشاق الطاعات ومشاق تحمل النفس للمصائب ومشاق كفها عن الشهوات ولأَن الأَول في رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضى الله تعالى والثاني في رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله تعالى ظاهراً وباطناً وفي البيهقي والطبراني عن أبى حذيفة وكانت له صحبة كان الرجلان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة والعصر ثم يسلم أحدهما على الآخر وفي الحديث " ليس سلام الملاقاة أوكد من سلام المفارقة ".

 

وعن الشافعي لو لم ينزل إلاَّ هذه السورة لكفت الناس أي في الزجر والترغيب والترهيب لأَنها شملت جميع علوم القرآن أي من النوع المذكور وفيها أيضاً إلى الأمر بالمعروف ولو ندباً والنهى عما ينكر شرعاً ولو مكروهاً غير محرم وأن يحب لأَخيه ما يحب لنفسه والتواصي كما مر أوكد من التآمر والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.