سورة القارعة مكية وآياتها 11

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْقَارِعَةُ (1)

مبتدأ خبره الجملة بعده أو يوم على أنه بني لإضافته لجملة ولو كان فعلها مضارعاً معرباً على أن القارعة نفس اليوم ويدل له قراءة زيد بن على برفع يوم إلاَّ أنها تحتمل أنها خبر لمحذوف أي هي يوم أو يتعلق بمحذوف خبر على أن القارعة غير نفس اليوم أو فاعل لتأتى ويوم متعلق بتأتي أو بالقارعة الأول أو الثالث كأنه قيل وما أدراك ما الذي يقرع الناس يوم يكون الناس والجملة معترضة غير خبر وإذا جعلنا الجملة خبراً فيوم يتعلق بتأتي محذوفاً أو مفعول به لأذكر أو يتعلق بتقرع محذوفاً والقرع الضرب الشديد بحيث يحصل منه الصوت الشديد ويوم القيامة يضرب القلوب بالفزع والشدائد وكذلك يضربها صوت إسرافيل والمراد هنا القيامة ومبدأها الأُولى ومنتهاها الفصل بين الخلق أو دخول الدارين وقيل القارعة نفس النفخة.

 

مَا الْقَارِعَةُ (2)

ما خبر لما بعده ومبتدأ له عند سيبويه.

 

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)

الجملة سدت مسد المفعول الثاني والثالث معلقاً عنها بالاستفهام وتقدم مثل ذلك.

 

يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)

{ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ } والجن أو أُريد بالناس ما شملهم وكذا سائر المواضع كالفراش.

 

{ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } الذباب المتهافت على نار المصباح أو نار غيره الصغير الضعيف وهو جمع أو اسمه ويدل لذلك قول جرير:

 

إن الفرزدق ما علمت وقومه     مثل الفراش غشين نار المصطلى

 

بنون الإناث وقال الفراء غوغاء الجراد المنتشر ووجه الشبه على كل حال الضعف والحيرة والانتشار والمزاحمة والاضطراب والذهاب على غير نظام.

 

وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)

{ وَتَكُونُ } نصير.

 

{ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } الصوف مطلقاً أو المصبوغ فإن الجبال على ألوان جدد بيض حمر وسود كما في القرآن وذكر الجبال مع الناس إشارة إلى معنى القارعة حتى أثرت في الجبال العظام فكيف الناس.

 

{ الْمَنفُوشِ } المخلل بالأَصَابع أو بالآلة ووجه الشبه التفرق والخفة قيل والحمرة.

فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)

{ فََأَمَّا مَن ثَقُلَتْ } في جواب شرط محذوف أي إن قيل ما الشأن بعد.

 

{ مَوَازِينُهُ } جمع موزون أي أعماله الموزونة الحسنة أي التي عوملت في تدقيق عددها وحالها ومقابلتها بجزائها معاملة الشيءِ بالوزن هذا مذهبنا ومذهب المعتزلة والفراءِ ومجاهد والضحاك والأَعمش أو جمع ميزان مجازا عن ذلك التدقيق تسمية للشيءِ باسم آلته والمعنى ما مر ولا وزن تحقيقاً بآلة خلافاً لقومنا فإنهم قالوا تجسم الأعمال وبعضهم قالوا يخلق الله أجساماً على مقاديرها، وعلى كلا القولين الحسنات أجسام منورة والسيئات أجسام مظلمة.

فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)

حياة ذات رضي ففاعل للنسب ينسب الرضى لصاحبها أو على حذف مضاف أي راض صاحبها حذف راض وجيءَ بضمير مرفوع متصل بدل المضاف إليه واستتر أو أسند الرضى إلى العيشة تجوزاً في الإسناد أو بمعنى مفعول أي مرضية قبلها صاحبها وأحبها وقيل المعنى رضيت أهلها ولزمتهم وفيه تجوز إذ شبهت بعاقل ورمز إليه بلازم أو استعمل الملزوم بمعنى اللازم فإن من رضي شيئاً لازمه وكونه للنسب لا يمنع التاءِ فإنها فيه للمبالغة أو تاء التأنيث في النسب من معتل اللام لازمة إذ لو لم تكن لاختل وزن فاعل فكان كقاض.

وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)

أعماله الحسنة مثل ما مر وذلك بأن لا تكون له حسنة يعتد بها أو ثقلت سيئاته على حسناته وذلك في الموحد والمشرك وقيل المشرك لا توزن أعماله وقد قال الله عز وجل:{ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً }[الكهف: 105] يدخلون النار بغير حساب.

فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)

{ فَأُمُّهُ } أي الشيءِ الذي يقصد هو به وهو مأواه أو أم رأسه وهو ذلك الجسم المشتمل على المخ في رأسه لأَنه يطرح في النار منكوساً، أو أمه والدته قال قتادة لأنهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة قالوا هوت أُمه لأَنه إذا هلك هوت أُمه ثكلا وحزناً وفيه مقابلة حسنة لراضية لأَن حزنها غير الرضا مع ما فيه من المبالغة.

 

{ هَاوِيَةٌ } أي أم رأسه ساقطة في النار، قال أبو بكر رضي الله عنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباع الحق وثقله عليهم وحق لميزان وضع فيه الحق أن يثقل، وخفت موازين من خفت موازينه لاتباعهم الباطل وخفته عليهم، وحق لميزان وضع فيه الباطل أن يخف وهاوية وصف أو أُمه الوالدة له هي طبقة النار المسماة هاوية على تشبيهها بالأُم الوالدة لأَن الأُم الوالدة مفزع لوالدها ومأواه وهاوية علم لنار من نيران الآخرة ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ولكن نون للفاصلة كما ينون الممنوع من الصرف للضرورة وأولى من ذلك أنه باق على الوصفية وليس علماً فأَمر التنوين ظاهر أي نار هاوية أي سافلة وعلى كل حال عمقها سبعون عاماً وهي الطبقة السفلى وفي تسمية النار أما لهم تهكم بهم أو شبه النار بالأُم في أنها تحيط به كإحاطة رحم الأُم بالجنين فإن المرأة أم للجنين كما هي أُم له إذا ولد.

وَمَا أَدْرَاكَ مَا هيهْ (10)

تفخيم والهاء للسكت والضمير لهاوية على أنها اسم لنار وأما على أنها بمعنى ساقطة فالضمير عائد إلى الداهية المدلول عليها أو إلى النار المدلول عليها بهاوية بمعنى ساقطة.

نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

{ نَارٌ } أي هي نار.

 

{ حَامِيَةٌ } أي شديدة الحر، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نجنا منها ومن سائر النيران وأدخلنا الجنان.

 

وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.