تمتاز بالبساطة التي تكسب القارئ راحة وسكينة ووضوح الخــــــط وضبط الشكل الذي يعينه على قراءة صحيحة متقنة للقرآن

نبرز اليوم ثلاث مخطوطات من المخطوطات النادرة لمصاحف ثلاثة «مصحف الريامي ومصحف الحارثي ومصحف الوايلي» وهي تمتاز بالبساطة التي تكسب القارئ راحة وسكينة وفي وضوح الخط وضبط الشكل الذي يعينه على قراءة صحيحة متقنة للقرآن الكريم.

وهذا النمط في كتابة المصاحف شائع بكثرة عند اهل عمان وهو ينطلق من مبدأ يعتبر مكمن الجمال ليس في الزخارف والنقوش والزينة.

 

مصحف الرِّيَامِيّ

بعيدًا عن كل ما سبق من النسخ التي تَمَيَّزت إما بحسن نظامها، أو بجودة خطوطها، أو ببديع زخارفها؛ تصادفنا ثُلَّةٌ من نُسخِ المصاحف ذات طابع خاص لا زخرفة فيه ولا نقشا ولا تزويقا، نُمَثِّل لها بـ «مُصحَف الرِّيَامِيّ» (رقم2487) وهو مصحف كتبه الأديبُ النَّسابة: عامر بن سليمان بن محمد بن خلف الريامي )ق 13 هـ( وفرغ منه يوم الثلاثاء منتصف ذي الحجة 1240 هـ، وربما يُطِلُّ علينا التلوين والزخرفة في صفحتيه الأوليين فقط، المشتملتين على زخرفة هادئة أنما هي قطعة نسيج من التراث العماني القديم. أما خط الناسخ فغير مُمَيَّزٍ، لكنه واضح مقروء، متباعد الأسطر بِمُعَدّل 14 سطرا فقط في صفحة مقاسها 22 ×32 سم ، ولا نلمس أثرًا لزخارِفَ تُذْكَر، بل تخلو صفحاتُ المصحف عامَّةً من التأطير.

ولَوَّنَ بالأحمر: أَسمَاءَ السوَرِ يحيطها بإطار أحيانا وأحيانا دونه، مع اتباعها بعدد آيات كل سورة، وهل هي مكية أو مدنية، وأثبَتَ تقسيماتِ القرآن الشائعة، فهو يشير إلى بدايات أجزاء القرآن في الحاشية، ويذكر الأحزابَ وأنصافَها وأرباعَها، كما يكرر حرف العين على هامش المصحف، لتحديد أعشاره.

 

مصحَف الحَارِثِيّ

نضرب مثلا آخر لهذا النمط من المصاحف بالمخطوط «رقم 24» في الدار وهو نسخة كتبها الناسخ العماني: خميس بن سليمان بن سعيد الحارثي سنة 1186هـ جاعلا  اللون الأسود هو الأساس، ولوّن بالأحمر: أسماء السور فقط واضعا اياها  في مستطيل احمر يشير فيه الى عدد آيات كل سورة وهل هي مكية أو مدنية، اضافة الى تحديد فواصل الآيات بدوائر حمراء صغيرة وميّز أول المصحف وآخره بنقوش ملونة بدرجات اللون الأحمر يغلب عليها شكل الدائرة التي كررها في حواشي سائر صفحات المصحف لتحديد تقسيمات الأجزاء والأحزاب والأرباع.

وعلى الرغم مما يلحظه القارئ في هذا المصحف نقوش إلا انها تتميز بعدم التعقيد، كما أن الناسخ لم يلزم نفسه بها في المصحف كله، فتارة تبرز وأخرى تختفي، كمثل صنيعه في القراءات، طورا يثبتها في الهامش وأطوارا يُمهلها فتمضي صفحات عدة دونها ، كما أنه لم يلتزم طريقة واحدة في تحديد بدايات الأجزاء ، فتارة يعتمد نمط الدوائر ، وتارة المربعات، وتكاد كل طريقة تختلف عن الأخرى.

 

مصحف الوايلي

أنموذج ثالث تظهر فيه بساطة مخطوطات المصاحف العمانية، وهو مصحف شريف برقم (62) كتبه الناسخ : سليمان بن محمد بن مطر الوايلي؛ وفرغ منه يوم الاثنين 2 جمادى الأولى 1291هـ ونستطيع القول إن وصفه لا يخرج عن وصف المصحفين اللذين تقدماه.

وعلى شاكلة هذه المصاحف الثلاثة نُسخٌ عديدة، لَم تُعْطِ لأول صفحتين من المصحف خُصوصيَّةً تُذْكَر، فتكتب الفاتحة وأوائل سورةِ البَقَرَةِ دُونَ زَخَارِفَ مُحِيطةٍ بِهِمَا. وتبتدئ من الصفحة اليمين بسورة الفاتحة كاملة، تُقابلها في الصفحة اليسرى بضعُ آياتٍ من أول سورة البقرة، تكتمل الأخيرة منها في الصفحة التالية، وتَمْضي سائرُ الآيات القرآنية على هذا النحو، دون نسقٍ مُطَّرِدٍ في بداية الصفحات أو نِهَايتها.

ولا نجد أية زخارف في سائر أوراقها سوى اطار من خطين متوازيين باللون الأحمر أحيانا.

كما أن الاشارة الوحيدة الى تقسيمات القرآن «من أنصاف وأجزاء وأحزاب» نجدها في حرف العين الذي يتكرر على هامش المصحف لتحديد أعشاره فقط.

وأحيانا يكتب الناسخ في الهامش أرقام بعض الأجزاء عند بدايتها ونشاهد في الحواشي أيضا تصحيحات لبعض ما سهى فيه الناسخ من ألفاظ الآيات سعيا الى ضبطها قدر الامكان.

هذا النمط في كتابة المصاحف شائع بكثرة عند اهل عمان وهو ينطلق من مبدأ يعتبر مكمن الجمال ليس في الزخارف والنقوش والزينة إنما في البساطة التي تكسب القارئ راحة وسكينة وفي وضوح الخط وضبط الشكل الذي يعينه على قراءة صحيحة متقنة للقرآن الكريم وله أمثلة كثيرة في مخطوطات الدار.

-------------------

جريدة عمان ، روضة الصائم ،الجمعة, 2 رمضان 1436هـ. 19 يونيو 2015م

 

عرض: سيف بن سالم الفضيلي