السؤال :

 

في هذه الأيام يرسل الكثير من الآباء أبنائهم إلى المراكز الصيفية من أجل تعلم القرآن الكريم والآداب والأخلاق الإسلامية إلا أن البعض يواجه مشكلة في هذه المراكز من حيث عدم المبادرة في التدريس والتقاعس عن أداء هذه المهمة والرسالة الطيبة ، يريدون منكم نصيحة للأخوة كي يشاركوا في مثل هذه المراكز .

  

الجواب:

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : 

فلا ريب أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن الكريم ذكراً حكيماً وصراطاً مستقيما ، أخرج به هذه الأمة من الظلمات إلى النور ، ومن الباطل إلى الحق ، ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن التشتت إلى الاجتماع ، فكان مصدر خيرهم ، ولذلك كان تعلمه وتعليمه مناط الخير كله ، فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : خيركم من تعلم القرآن وعلمه .

  

وتعلم القرآن وتعليمه لا ينحصران في تعلم تلاوته فحسب وإنما في تعلم تلاوته وتحفظه ، وفي تعلم أحكامه ودارسة علومه ، ومن المعلوم أن جميع العلوم مصدرها القرآن الكريم ، فالعلوم الشرعية والأخلاقية والعلوم العقدية وجميع ما فيه خير الدنيا والآخرة إنما مصدره القرآن ، لذلك كان جديراً بالإنسان أن يحرص على دراسة القرآن ، وأن يحرص على تدريسه .

  

فتعليم الناس العلم مما يجعل حلقات هذه الأمة متواصلة في سلسلة الخير وذلك بأن يأخذ آخرها عن أولها ، ويستمر فيها الخير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تصديقاً لما جاء به الحديث الشريف عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بأن يبلغ عنه ولو آية ، فقد قال : بلغوا عني ولو آية فرب مبَلغ أفقه من مستمع .

  

فنحن نوصي جميعاً إخواننا وأبنائنا أن يحرصوا على المسابقة في هذا الخير ودخول هذا المضمار ، وألا يتقاعسوا عنه ، وأن يؤدوا عملهم بأحسن وجه فإن في ذلك خيرهم في دينهم ودنياهم ، والإنسان لا يدري متى يقبض عمره ، فإن الإنسان يمرح ويلهو غير دارٍ بأن هذه اللحظات التي تمر به تنتقص من عمره ، فاللحظات إنما هي عمر هذا الإنسان

  

على لحظات ينقص العمر مرها *** تؤكد آمال البقاء وتزيد

  أنفاس الإنسان محسوبة عليه وهي خطواته إلى لقاء ربه ، فعلى الإنسان أن يغتنم الفرص وألا يفتوها ، وقد دل على ذلك الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلّم اغتم خمساً قبل خمس ، ومن هذه الخمس التي أمر النبي صلى الله عليه وسلّم اغتنامها فراغك قبل شغلك . فعلى الإنسان أن يغتنم فرصة الفراغ كما يغتنم فرصة الحياة وفرصة الشباب وفرصة الصحة لأجل أن يبادر إلى الخير ، وألا يسوّف ويتواكل منتظراً في وقت آخر سيعمل للدار الآخرة ، إنما الحياة فرصة ولا يدري الإنسان متى يقبض عمره .  نحن وجدنا كثيراً من الناس يخيلون لأنفسهم أنهم سيعمرون ، ويقول أحدهم سأفعل كذا فيما بعد أما الآن فلم أفرغ لذلك وأنا أنتظر الفرصة ، عندما تواتيني الفرصة وعندما أتمكن من بناء حياتي ، عندما أتمكن من فعل كذا وفعل كذا وفعل كذا سأغتنم الفرصة في المستقبل وسأفعل الخير الكثير، سأنشر العلم سأفعل سأفعل وإذا بريب المنون يفجؤه بين عشية وضحاها ، فالعاقل لا يسوف ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أعطى نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، والله المستعان .