السؤال :

قول ابن النظر وشرح ابن وصاف عليه في قوله :

وأما كلام الله فهو كتابه ** كذلك قال الله للطاهر الشيم

ومن شرح ابن وصاف عليه قوله : " أجمعت الأمة أن كلام الله تعالى من صفاته وكلام الله تبارك وتعالى كتابه وكتابه كلامه " أفلا تبين لي ما نَصَّهُ ابنُ وصاف وتُظهره وتُوضحه وتَكشف وجهَ القِناع عنه ؟ جزاك الله عنا خيراً .

 الجواب :

معنى كلام ابن وصاف أن الأمة المحمدية أجمعت على أن كلام الله من صفاته وهوكذلك لكن الصفات قسمان ذاتية وفعلية والكلام نوعان :

أحدهما من صفات الذات وهو المعبر عنه بنفي الخرس فقولنا : الله متكلم بذاته، أي ليس بأخرس، أي ذاته تعالى متنزهة عن الخرس .

والنوع الثاني من صفات الفعل وهو الذي فسره ابن وصاف بقوله وكلامه كتابه، وإياه عني ابن النظر في قوله :

 

وأما كلام الله فهو كتابه


ومعنى ذلك أن الكتب المنزلة على أنبياء الله تعالى هي كلام الله أي كلامٌ خلقه الله تعالى فيما شاء كيف ما شاء وأضافه إلى نفسه تشريفا له وتعظيما كما أضاف ناقة صالح عليه السلام إلى نفسه فقال :
{نَاقَةَ اللَّهِ }(الشمس:13) وإنما هي خلق من خلقه، كما أضيفت الكعبة إليه فقيل بيت الله على قصد التشريف والتعظيم للمضاف .

 

ولما كانت الكتب المنزلة كلاماً مضافاً إلى الله تعالى للتعظيم والتشريف ولكونها مخلوقة له تعالى وجب أن يكون ايجادها بعض صفاته فهي من صفاته الفعلية كالايحاء والارسال للأنبياء وكالأمانة والإحياء للخلق إلى غير ذلك من أفعاله تعالى .

 

فالكلام المنزل من صفاته تعالى اجماعاً لكن اختلفت الأمة في كونه من أي الصفات هو، فذهب الجمهور إلى أنه من الصفات الفعلية كما ذهبنا إليه وذهبت الأشعرية إلى أنه من الصفات الذاتية فكان قولهم بذلك سبباً للتخليطات التي زعموا بها في القرآن حتى زعم بعضهم أنه لم ينزل وأن ما بين الدفتين ليس بالقرآن بل هو عبارات عن القرآن أبعده الله
من قائل، إذ يلزمه بقوله هذا انكار قول الله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}(الحجر:9) و{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }(القدر:1) ، { )تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(السجدة:2)

في أمثالها من الآيات وحتى زعم أن بعضهم أن القرآن قديم فلزمهم بذلك ثبوت قديم غير الله تعالى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .

 

ولأجل هذه التخليطات منع بعض أصحابنا من أن يكون الكلام صفة ذاتية، بل أوجبوا أن يكون صفة فعلية فقط واكتفوا في نفي الخرس عن الله تعالى بثبوت صفة القدرة له، لأن الخرس عجز ينافي القدرة . وحِصر ابن النظر الكلام في الكتاب يقتضي هذا المذهب وكذلك تفسير ابن وصاف له في قوله وكلام الله تعالى كتابه وإلى هذا المذهب ذهب الشيخ أبو ساكن صاحب الايضاح رحمه الله تعالى حيث قال في عقيدته "وندين بأن الله خالق لكلامه" والله أعلم .