قال القراء: واختيار مخرج الحرف مُحققاً أن تلفظ بهمزة الوصل، وتأتي بالحرف بعده ساكناً أو مشدداً وهو أبين، ملاحظاً فيه صفات ذلك الحرف.

  نثار الجوهر ص 331  

     ويقول- رحمه الله- :

     « العربي الحاضر والبادي وابن المدر وابن الشيح والقيصوم قبل ظهور الرسالة المحمدية على صاحبها أكمل الصلوات والتسليم، وقبل نزول القرآن العظيم، كان يتقن الحروف الثمانية والعشرين مخرجاً وصفة جرياً على سليقته وفطرته، اتقاناً لا يحتاج معه إلى الأخذ من معلّم.

 

     ولما نزل الوحي بالفصحى كانوا يتلونه بعد إسلامهم كما أنزل، وإنما كانوا يتعلمونه، بمعنى أنه كان يأخذه صدرٌ عن صدر، ومتحفّظٌ عن حافظ، فكان قارئهم يؤدي ما عنده من القرآن أداء كما أنزل؛ لأن أصل إنزاله على تلك اللغة التي هي فطرتهم.

 

      وإذا كانوا يقرؤونه كذلك ورسول الله r بين ظهرانيهم يتلونه بحضرته، وفي خلواتهم وجلواتهم، وفي فراغهم وفي صلواتهم لم ينكر عليهم في الأداء اللساني واللسان العربي حرفاً زائغاً عن مستقره ومخرجه، اطمئناناً منه إلى عربيتهم التي لم تشبها العجمة، وإنما كان يلقنهم الآية أو الآيتين أو الآيات أو السورة، يتلوها عليهم كما أنزلها الله، فيتلقونها عنه كما يسمعونها منه وقع الحافر على الحافر، لا تحوجه عربية القوم إلى تعريف مخارج الحروف وصفاتها، وتبيين الفروق بينها، ثقة منه بأن القوم قد ضبطوا لسانهم طبعاً وفطرة.. ».

                         نثار الجوهر ج2، ص 338 . 

 

يقول العلامة أبو مسلم البهلاني- رحمه الله - :

   « فتعليم القرآن الذي كان تفتقر إليه العرب وغيرها في ذلك العصر، عصر العربية الخالصة ليس لتعليم العرب حروفهم وعربيتهم، ولكن لتعليمهم ما هو مجهول لديهم مما هو خارج عن الأدب اللغوي، مما ذكرناه وكررناه هنا غير مرة.

 

   نعم لما اختلطت العربية بالعجماء اختلاط اللبن بالماء، احتاجت العربية إلى الصون والحفظ ، لا جرم وضع لها علماء الإسلام القوانين الضابطة من سائر العلوم الأدبية؛ كالصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع وغيرها، ووضعوا علم التجويد لحفظ التنزيل من تلاعب الألسن واللُّغى؛ ليُتلى ويبقى على النحو الذي أنزل عليه، ومن لوازم علم التجويد العلم بمخارج الحروف والعلم بصفاتها، إلى غير ذلك من فنون التجويد، فهذه العلوم لم تحدث إلا لما زاحمتنا الأعجام في عربيتنا، فتغيرت وخرجت عن قانونها الطبيعي .. ».

                                           نثار الجوهر ج2، ص 338 .