وسئل: عن قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء: الآية 48،116) ما معناه؟

الجواب: معناه: إن الله لا يغفر الإشراك به ويغفر ما دون ذلك من الكبائر والصغائر لمن أسلم ولم ينقض إسلامه بارتكابه الكبائر، أو لم يتب منها؛ لأن الإسلام مُجِبٌّ لما قبله، وهو المراد بمن يشاء فهي على وفق الحديث عنه صلى الله عليه وسلم (الإسلام جب لما قبله)1 أي : قاطع لما قبله من الكبائر والصغائر ، ولك أن تفسرها بأن المراد بما دون ذلك من الصغائر من الذنوب ، ولمن يشاء من اجتنب الكبائر فهي مقيدة بقوله تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم )(سورة النساء/ الآية 31) وبالأحاديث الدالة على هلاك المُصِرّ، والدالة على شرط التوبة ، بيان الآية أن الله تعالى جعل تكفير السيئات مشروطاً باجتناب الكبائر، والاجتناب لا يكون من المشرك فهو يلقى كتابه حاوياً للكبائر والصغائر يوم القيامة فيؤاخذ بجميع ذلك ؛ لعظم ما اشتمل عليه ، وهو الشرك ، ولا يصح تفسير أهل الرجاء فيها بأن المعنى يغفر ما دون الشرك من الكبائر والصغائر على الاطلاق ولو لم يتب لمن شاء تفضلاً واحساناً ويدخل النار بها من يشاء ثم يخرجه، وتَردّ عليهم الآيات والأحاديث، وليس من الحكمة أن يغفر لمن أَصَرَّ، وعندي أن الآية يصح تفسيرها بأن مرتكب الكبيرة غير الشرك يعفو عنه بثلاثة شروط:

الأول: أن يموت مع نية التوبة فاخترم قبل فعلها ؛ لقوله تعالى ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله ..) إلى قوله ( ولم يصروا على ما فعلوا )(سورة آل عمران/ الآية 135).

الثاني: كونه غير عالم في حال ارتكاب الذنب أن ذلك كبير ؛ لقوله ( وهم يعلمون).

الثالث: كونه غير مُجَاهِر في حال فعل الذنب ؛ لأنه كالمصر على فعله ، ويحتمل أن ذلك المراد بمن يشاء، ولا يصح ترك المجُمَل على إجماله إذا وُجِدَ ما يُبَيِّنه والمطلق يحمل على المُقيد إذا اتفقا سبباً وحكماً، والله أعلم .

--------------------------

1- رواه : أحمد / مسند عمرو بن العاص / رقم 17323 . البيهقي / كتاب السير / باب ترك أخذ المشركين بما أصابوا / رقم 18799 ، والرواية عندهما : ( الإسلام يجب ما كان قبله ).