طباعة
المجموعة: الشيخ العلامة إبراهيم بن عمر بيوض
الزيارات: 1822

السؤال:

 ما هو رأي الإباضية في إعجاز القرآن.

 

 الجواب:

أما سؤالك عن رأي الإباضية في إعجاز القرآن فقد جمعت لك في صفحات ثلاث ما تيسر لي نقله من بعض المصادر المعتبرة عند الإباضية قديماً، وحديثاً … وأما عن رأي الإمام جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمه - هكذا بالتحديد - فإني لم أعثر فيما بين يدي من مصادر، ومراجع، ولا فيما حفظته عن أشياخنا عن نص صريح بأن جابر بن زيد، أو أبا عبيدة قالا كذا وكذا في إعجاز القرآن، ولكن ما تواتر عند علماء الإباضية مما تجده في الصفحات المشار إليها يدل على أن ذلك رأي أئمتهم الأولين.

 

قال قطب الأئمة العلامة الشيخ الحاج محمد بن يوسف اطفيش في تفسيره الكبير (( هيمان الزاد إلى دار المعاد)) مخطوط في مكتبة القطب، وفي بعض خزائن ميزاب، وقد طبع قديماً في زنجبار، ولكن نسخ المطبوع نادرة جداً، لا تكاد ترى - قال في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" بعد كلام طويل: وحكمة جعل القرآن سوراً تحقيق كون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله عز وجل، والإشارة إلى أن كل سورة طريق مستقل في نوعه، فسورة يوسف تترجم عن قصته، وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين وأسرارهم والتنبيه على أن الطول ليس من شرط الإعجاز إذ كان منه طوال، وقصار، وأوساط، وكلها معجزة، وهذه سورة الكوثر آيات ثلاث وهي معجزة إعجاز سورة البقرة، فلو أن تفاوت الإعجاز بالطول، والقصر، والتوسط، لأمكن لهم أن يأتوا بمعجز قصير، أو كادوا يأتون به، ولا يمكن لهم ذلك ولو اجتمع الخلق، فافهم.

 

ثم قال بعد كلام طويل جداً في تفسير الآية وفي حكمة تعدد السور و اختلافها طولاً، وقصراً ما نصه: وقد اعترف الفصحاء بإعجاز القرآن، وكان قد تحدى الله به من حيث تأليفه، ومعانيه، وإخباره بالغيب وكان في زمان هاجت فيه فحول الشعراء، وفصحاء الكلام، فتحداهم بتأليفه كما تحداهم بمعانيه، وأخابرهم بالغيب، وعجزوا كلهم وانكشفوا، وقد قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى في سورة يونس: "أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله" في الفصاحة، والبلاغة، فإنكم عربيون فصحاء مثلي أكثر تناولاً للكلام، وتعاطي أحسنه، واختياره … (( وادعوا)) للإعانة على الآتيان به "من استطعتم من دون الله" ولو جميع الخلق "إن كنتم صادقين" في ادعائكم أن محمداً افتراه، فعجزوا كما قال الله سبحانه "لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" .

 

وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى في سورة هود "أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" "مثله" في البلاغة، والفصاحة، والبيان، وحسن النظم، وهذه السورة نزلت قبل سورة يونس تحداهم في سورة يونس بسورة بعدما تحداهم في سورة هود بعشر، و عجزوا، وهكذا كما يقول من يتعاطى الكتاب إن كتابته خير: اكتب عشرة أسطر مثل كتابتي، وإذا بان له العجز سهل عليه فقال: أكتب سطراً واحداً مثل كتابتي: إذ لا يصح أن يعجز في واحدة ثم يكلف عشراً، وعن بعض إن آية هود نزلت قبل آية يونس، وأنكره المبرد وقال: إنه قال في يونس بسورة؛ لأن المراد المماثلة في البلاغة، والفصاحة، وفي هود بعشر سور لأن المراد المماثلة في الإخبار عن الغيب وذكر الأحكام والوعد، والوعيد، وقال المراد هناك: المماثلة في حسب النظم، ولم يقل بعشر سور أمثاله، لأن المراد أن كلا منهن تماثله، والإفراد في تأدية هذا المعنى أقرب من الجمع، المراد حقيقة مماثلته لا أن كل واحدة تماثل وحدها جميع القرآن، و أقول: لا مانع أن يتحداهم أولاً بسورة، ثم يتحداهم بأكثر على معنى أنكم عجزتم عن واحدة فكيف العشر؟ وقد يقال إنه مثل لهم بعشر إذ كان باب السور افتراء أي إن كان القرآن من الافتراء فالإتيان به سهل، فأتوا منه بعشر سور مفتريات فإنكم عرب فصحاء مثله، وألزم منه لطرق الكلام، ومتدربون بالشعر، والسجع …

 

وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى في سورة الإسراء: "قل لئن اجتمعت الإنس، والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" … (ظهيرا) معينا على الإتيان بمثله مع ما في الناس من العرب الخالصة، و أرباب البيان، والتحقيق، نزل ذلك لما قالت جماعة من قريش لو نشاء لقلنا مثل هذا فلو جئتنا بغيره آية، والعرب لفصاحتها، وبلاغتها، اطلعت على ما فاق القرآن به سائر الكلام من البلاغة، والفصاحة، وغير العرب يطلع على ذلك استدلالا، ونظراً، وحصل علم قطعي بذلك للكل متفاوت ليس في مرتبة واحدة، وتجد كثيراً من الناس بل أكثرهم لا يطلعون على ذلك وإن لقن لهم ظنوا أن سائر الكلام كذلك، والآية دليل على أن القرآن حادث مخلوق؛ لأنه لو كان قديماً لم يصح أن يتحداهم، و يستعجزهم بالإتيان بمثله، لأن العجز إنما يكون حيث تكون القدرة بالفعل، أو بالإمكان لا حيث يستحيل الإتيان بمثله، فلا مدخل عليه للعجز، ولا للقدرة، ولو قيل ذلك لجاز وصف الله بالعجز لأنه لا يوصف بالقدرة على المحال، إلا أن يكابر القائلون بقدمه فيقولون: الله قادر على المحال، أو يقلب الحقيقة فيقول: إنه لو كان مخلوقاً لأتوا بمثله.

 

وقال في تفسيره المسمى (( تيسير التفسير )) وهو مطبوع طبعا حجريا في عاصمة الجزائر عـام 1325 هـ في سبعة مجلدات في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: "فأتوا بسورة من مثله" أي بسورة هي مثل ما أنزلنا في البلاغة، وحسن التأليف، والإخبار بالغيب مع الصدق (ص 29 ج1) وقال في تفسير سورة يونس ((فأتوا بسورة مثله )) أي في الفصاحة والبلاغة (ص 48 ج3) وقال في تفسير سورة هود ((فأتوا بعشر سور مثله )) في الفصاحة، والبلاغة، والحكمة، والإخبار بالغيوب (ص145 ج3) وقال في تفسير سورة الإسراء عند قوله تعالى (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن" فصاحة وبلاغة (ص780ج3) وفي نفس الصفحة: نزل ذلك رداً عليهم إذ قالوا: "لو نشاء لقلنا مثل هذا" كذبوا لا طاقة لهم بفصاحته، وبلاغته، كما لا طاقة لهم في إخباره بالغيوب.

 

وقال في كتابه (( شامل الأصل والفرع )) المطبوع بالمطبعة السلفية بالقاهرة عام 1348هـ، بعد كلام طويل في عدة صفحات على ترتيب آي القرآن، ونزوله على سبعة أحرف ما نصه: قيل كان معجزاً لكونه بسبعة أحرف، والتحقيق عندي أنه معجز بنظمه، ومعجز أيضاً بمعانيه، وقال بعض بنظمه، وبعض بمعانية، وبعض بمجموعهما (ص48ج1) اهـ.

 

وقال القطب أيضاً في كتابه (( الذهب الخالص المنوه بالعلم القالص )) طبع بالمطبعة السلفية بالقاهرة عام 1343 هـ، عند الكلام على الإيمان بكتب الله عموماً، وبالقرآن خصوصاً ما نصه: والإعجاز بالإيجاز والبلاغة، والبيان، والفصاحة، وبعدم كلال قارئه، وملل مستمعه، وبخرق العادة في نظمه، وبالإخبار بالغيب، وبأخبار من مضى، وبجمعه علوما لم يجمعها غيره من حلال، وحرام، ومواعظ، وأمثال، وبصرف الهمة عن معارضته، وعارضه قليل فافتضحوا (ص 21 - 22).

 

هذا ما أمكن نقله من كلام أكبر علماء إباضية المغرب في القرن الثالث عشرا والرابع عشرا، الشيخ محمد بن يوسف اطفيش المولود عام 1236 هـ والمتوفى عام 1332 هـ.

 

ودونك ما أمكن نقله كذلك من كلام أكبر علماء الإباضية بالمشرق (عمان) الشيخ عبد الله بن حميد السالمي المتوفى في نفس العام الذي توفي فيه عالم المغرب، هو عام 1332هـ، قال في منظومته الألفية المسماة ((شمس الأصول )):

 أما الكتاب فهو نظم نزلاً ** على نبينا وعنه نقـــلا

توتراً وكان في إنزالــه ** إعجاز من ناواه في أحواله

 

وقال في شرح البيتين من شرحه نفسه لهذه المنظومة المسمى (( طلعة الشمس) المطبوع في جزأين بمطبعة الموسوعات بشارع باب الخلق بالقاهرة في أوائل هذا القرن ما نصه: عُرف الكتاب والمراد به كتاب الله تعالى بأنه النظم المنزل على نبينا محمد المنقول عنه تواترا، والحال أن في إنزاله إعجاز من قصد معارضته في شيء من أحواله من نحو بلاغته الباهرة، وتراكيبه الظاهرة، وبراهينه القاهرة (ص27ج1) وقال: في منظومته في أوصول الدين المسماة ((أنوار العقول )):

 

والأصل للفقه كتاب الباري ** إجماع بعد سنة المختار

 

وقال في شرحه لهذا البيت في شرحه الصغير الذي وضعه هو نفسه لمنظومته (( أنوار العقول )) المسمى ((بهجة الأنوار)) وهو مطبوع على هامش الجزء الأول من (( طلعة الشمس)) الآنف الذكر ما نصه: أصول الفقه ثلاثة: كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المهتدين من الأمة، فأما الكتاب فلأنه معجز وهو من عند الله ولا شك، ولا يسع جهله، بل ولا يشك فيه لمن قامت عليه حجته، واختلف في وجه إعجازه هل هو من حيث التركيب على أنه أفحم البلغاء فيها، أو من حيث الإخبار بالغيب، أو من حيث إخباره عن الأمم الخالية، أو من حيث عدم التناقض فيه، مع طوله؟ أقول، و الظاهر أن كل ذلك معجز.

 هذا ما أمكن نقله من أقوال بعض الأعلام الإباضية المتأخرين في القرنين الثالث عشر، والرابع عشر الهجري.

ودونك بعض ما قاله الأئمة المتقدمين، قال الشيخ الإمام أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي المارغني، وهو من علماء القرن الخامس، والسادس الهجري في كتابه الذي وضعه في أصول الدين، وعلم الكلام والتوحيد و يسمى " كتابالسؤالات "؛ لأنه سلك في تأليفه طريقة السؤال والجواب، وهو مخطوط موجود في بعض الخزائن الخاصة، والعامة ولم يطبع. قال في السؤال التاسع و الأربعين: الفرائض لا يصح عملها إلا بعلمها. وبعضها حجة لبعض … إلى أن قال: والحجة في التكليف العقل الصحيح، والحجة التي يعتصم بها العباد من الضلال، والكفر، الكتاب، والسنة، والحجة التي يثبت بها فرض الدين على العباد الكتب، والرسل، والحجة في صواب المصيب، و خطإ المخطئ، الأصل المجتمع عليه من الكتاب والسنة، والحجة، فيما يسع هو أن تعلمه من كتاب الله، أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو مما أجمع عليه المسلمون مما دانوا به، ثم قال بعد كلام طويل في بيان أقسام الحجة ما نصه: والحجة في الكتاب الإجماع، والإعجاز، وأقل ما يثبت الإعجاز به في القرآن سورة لقوله تعالى: "قل فأتوا بسورة مثله" وأقلها ثلاث آيات وهي سورة الكوثر، فثبت أن الإعجاز يقع بثلاث آيات، فإن قال بماذا كان القرآن إعجازا فقل نظامه، وسرده، وقيل علم الغيب، وإن قال بماذا جاز فيه التكرار …

 

وبعد كلام طويل في صفحات أقام فيها الحجة بإجماع أهل الملل كلهم بأن القرآن من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ظهر فشهر، ومن قبله نجم فبهر … قال ما نصه: فإن قال هب الأمر كما ذكرتم بأن من قبل محمد صلى الله عليه وسلم ظهر، ومن قبله نجم، وبهر، فمن أي وجه صار معجزا ؟ قلنا من ثمانية أوجه:

 

أحدها: الإيجاز، والبلاغة، كقوله عز وجل: "ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب"، فجمع في كلمة عدد حروفها عشرة، فوائد كثيرة، ومتى عارض بعض اليهود هذه الكلمة بقول العرب: القتل أنفى للقتل، قيل له فأين هذا، الأول عشرة أحرف، وهذه أربعة عشر حرفاً.

 والثاني: البيان، والفصاحة، كالذي حكي أبو عبيدة قال: سمع رجل رجلا يقرأ "فلما أستيأسوا منه خلصوا نجيا" قال شهدت بأن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام، سمع آخر رجلا يقرأ "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" فقال سجدت لفصاحة هذا الكلام.

 والثالث: أن قارئه لا يكل، ومستمعه لا يمل.

 والرابع: كونه خارقاً للعادة، وخارجاً عن سائر نظومات العرب من سجعهم، وشعرهم، وخطبهم.

 والخامس: ما انطوى عليه من أخبار الغيوب …

 والسادس: هو ما أخبر عنه من أخبار الماضين وأحاديث الأولين …

 والسابع: كونه جامعاً لعلوم لم تكن في غيره من الكتب من الحلال، والحرام، والقصص، والأخبار، والمواعظ، والأمثال …

 والثامن: الصرفة، صرف همهم عن معارضته، ولو عارضوه لما قدروا عليه بشيء … ).

 هذا ما قاله صاحب السؤالات، وهو بعد كل وجه من وجوه الإعجاز يؤيده بأخبار، وروايات.

وقد نقل عنه من جاء بعد من المؤلفين هذه الأجوبة كما فعل الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبي ستة، في حواشيه على كتاب ((قواعد الإسلام )) لمؤلفه الشيخ أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي صاحب كتاب ((القناطر)) حيث قال في الحواشي المذكورة ما نصه (( وذكر أيضاً في السؤالات أن إعجاز القرآن من ثمانية أوجه أحدها الإيجاز … إلخ )).

 

وأظن أن في هذا القدر ما يكفي لبيان رأي الإباضية في وجوه إعجاز القرآن، ولم نر من ذكر الصرفة من وجوه الإعجاز من الإباضية إلا الشيخ أبا عمرو صاحب ((السؤالات )) على أنه قد جعل الصرفة الوجه الثامن مضموماً إلى الأوجه السبعة التي يقول بها الجمهور.

 أما الاقتصار على الصرفة كسبب واحد للإعجاز، فإنه لم يبلغنا عن إمام من أئمتنا المتقدمين، و المتأخرين، وإذا ذكر في بعض كتبهم فإنما يذكر كقول منسوب لغيرهم.