هذه المحاضرة ألقاها الدكتور " يحيى الغوثاني " على طالبات جامعيات بالشارقة،وهي مسجلة على شريط ينتجه " المركز الإسلامي العالمي للإنتاج والتوزيع

 

1- دور البرمجة اللغوية العصبية في حفظ القرآن الكريم

بدايةً يجب أن نعلم جميعاً أن القرآن الكريم لا يحتاجنا لكي نحفظه،فقد تكفَّل الله تعالى بحفظه،ولكننا نحن الذين نحتاج لأن نحفظه كي يحفظنا الله!!!!

 

وعنوان محاضرتنا هو:" طرق إبداعية في حفظ القرآن الكريم من خلال البرمجة اللغوية العصبية"

فما معنى هذا العنوان؟

 

أولاً: البرمجة تعني:عمل برنامج،والبرنامج هو خطة مؤلَّفة من خطوات تؤدي إلى نتيجة .

 

ثانياً: اللغوية : إن اللغة لها علاقة وطيدة بموضوع المحاضرة لأن اللغة هي الأداة والوسيلة التي تُستخدم في هذا العلم،وللغة نوعين:

اللغة الملفوظة: وهي الحروف ومخارج الحروف.

واللغة الملحوظة: وهي ما يلاحظه الآخرون من خلال حركات العين واليد والجسم ،وكذلك المدلول الخفي وراء الألفاظ..

والمقصود بالبرمجة اللغوية العصبية هو إعادة برمجة العقل من خلال اللغة ليفعل شيئاً نرغب في تحقيقه أو إنجازه،وموضوعنا هنا هو "حفظ القرآن الكريم"

 

فالكلمة تؤثِّر في العقل اللاواعي فتتحكم من خلال ذلك في العقل الواعي سلباً أو إيجاباً،فبرمجة العقل تعني التحكم في العقل الواعي من خلال تغذيته برسائل إيجابية محفِّزة على التقدُّم والنجاح (وعكس ذلك الرسائل السلبية)

فكيف أرسل لعقلي رسائل إيجابية؟

بأن أجعل داخل شخصيتي حارس على عقلي ،فلا يتحكم فيه سواي،ولا أترك رسالة سلبية تتسلل إلى عقلي اللاواعي فتنتقل إلى عقلي الواعي فيتصرف من منطلق هذه الرسالة.

وبنفس الطريقة يمكنني برمجة عقول الآخرين...وأضرب لكم مثلاً على ذلك :

" دخل مدرس -انتقل إلى إحدى المدارس حديثاً -إلى أحد الفصول ففوجىء بالمستوى المتدني للطلاب،فلما سألهم:" لماذا لا تحاولون ان تجتهدوا"؟ قال له أحد التلاميذ :"ولماذا نحاول؟ نحن أغبياء" ،فقال له :"ومن قال هذا؟" قال "إن المدرس الذي كان يعلمنا قبل مجيئك كان دائماً يقول أن هذا هو فصل الأغبياء!!!"

ففهم المدرس السبب وقال لهم: سأثبت لكم العكس!!

وبدأ بسؤالهم سؤالاً سهلاً فأجابوه،فقال لهم:" هل رأيتم؟"

ثم بدأ بسؤال أصعب قليلاً فأجابوه،فقال لهم:" ألم أقل لكم؟"

ثم ظل يتدرج في صعوبة الأسئلة حتى استعاد التلاميذ الثقة بأنفسهم وبدأوا يُحرزون تقدُّماً ملحوظاً ،خاصة وأن المدرس كان حينما يدخل إلى الفصل كان يحييهم قائلاً:" السلام عليُكم أيُّها الأذكياء!!!!"

 

والآن ما علاقة الأعصاب بالموضوع؟!!!

إن كل ما نلمسه ونراه ونسمعه ونشعر به إنما يدخل إلى الدماغ عن طريق الأعصاب ،فحينما ينقر دبوس في رأس إصبعي فإن الأعصاب تحمل رسالة إلى الدماغ تقول:" هناك شيء طويل مدبب نفذ إلى الجلد الذي نحن مسؤلون عنه " فيترجم له الدماغ:" نعم إنه شيء مؤذي ،فانتبهوا "،فيصدر أمراً لأعصاب اليد بالابتعاد عن الدبوس،وهذا يحدث في العقل اللاواعي في وقت دقيق جداً.

فالأعصاب إذن هي التي تحمل المعلومات إلى الدماغ ،وحتى الأحاسيس والمشاعر يتم ترجمتها-بنفس الطريقة- في الدماغ بعد أن تنقلها الأعصاب!!!!

 

2- آليات النجاح في حفظ القرآن الكريم: أولاً: توليد الشغف

والآن دعونا نتحدث عن آليات النجاح في حفظ القرآن الكريم .

 

إن النجاح في أي شيء يمكن تحقيقه من خلال الأشياء السبع التالية،وهذه الأشياء تم استخراجها كقواسم مشتركة بين العديد من الشخصيات الناجحة في العالم بعد أن تم دراسة حياتهم وطريقة كل منهم في النجاح... وهذه القواسم المشتركة هي:

1- الشَغَف بالموضوع:

الشغف ماخوذ من شِغاف القلب ،وهي الجلدة الرقيقة الملامِسة للقلب،ولذلك جاء في القرآن الكريم:" ولقد شَغَفها حُبَّاً" ،فالشغف مرتبة أعمق من الحب ...فإذا أردتَ أن تنجح في مشروع فلا يكفي أن تحبَّه بل أن تكون شَغوفاً به ،فتجد نفسك تعمل به ليل نهار،لا تكل ولا تمَل ،ولا تقصِّر،ولا تشعر برغبة في النوم أو الأكل ...بل تظل مقبلاً على العمل بجد واجتهاد.

ولكن ماذا لو لم أكُن شَغوفا ًبعمل أود إنجازه ....أي بكلمات أخرى:

كيف أقوم بتوليد الشَغَف؟!!! أولاً: حدِّد هدفك ،أي قل لنفسك ماذا تريد بالتحديد

لا تقُل أريد حفظ القرآن،بل قل(كبداية) أريد أن أحفظ سورة البقرة

فحين أرادوا معرفة سر نجاح كبرى الشركات في العالم وجدوا أن هذه الشركات تكتب هدفها بشكل عريض واضح ،ويقوم مجلس الإدارة بقراءة هذا الهدف في كل اجتماع له ،كأن يقولوا مثلاً: " نريد تحقيق مائة مليون هذا العام" أو " نريد إنتاج 10 مليون قطعة من منتجنا "...إلخ

ثانياً:أُنظر إلى مثل أعلى لك في هذا المجال .وفي مجال حفظ القرآن ما أكثر المُثل العُليا،فهناك الكثير ممن حفظوا القرآن الكريم منذ عهد الإمام الشافعي رحمه الله،وحتى عصرنا هذا قبل أن يبلغوا العاشرة من عمرهم.

وفي المدينة المنورة هناك طفلة عمرها ثماني سنوات حفظت القرآن ،فبحثوا في برنامجها اليومي فوجدوا أنها تنام بعد العشاء مباشرة،كما أنها متفوقة جداً في دراستها بالمدرسة ،ومستقرة جداً في حياتها الأسرية ،كما أنها لا تشوِّش على عقلها بالبرامج غير الهادفة على التلفاز.

 

وهناك نموذج رائع آخر وهي" أم طه "وهي امرأة عمرها سبعون عاماً تعمل في خياطة جلابيب النساء ،فكانت تمر بها أخوات ذاهبات لحلقة تحفيظ القرآن،ليخيطن عندها ،فرأت ذات مرة أوراق بأيديهن،فسألتهن عنها،ولكنهن سخرن منها لأنها أُمِّية ،فقالت لهن:

أنا أريد فقط أن أعرف كيف أكتب اسم ربي( الله)

فلما كتبوا لها لفظ الجلالة أعجبها كثيراً وصارت بعد ذلك تفتح المصحف وتبحث عنه ،وفي مرة تالية قالت لهن:إذا أردتُنني أن أخيط لكن جيداً فعلِّمنَني قراءة العربية...فرقَّت لها إحدى الفتيات ،وقالت لها: "إن كل شيء ممكن يا خالة"،وبدأت بتعليمها تهجئة الحروف،ثم الكلمات،ثم بدأت السيدة تقرأ القرآن الكريم بالتهجِّي ،فلما ختمته قراءة ًعلى إحدى معلمات القرآن أهدتها كتاباً يتحدث عن كيفية حفظ القرآن،فلما قرأته شعرت وكأنها في العشرين من عمرها ،فشغفت بالقرآن،وفي الصيف الماضي علمتُ أن أم طه –ذات السبعين سنة- قد حفظت خمسة عشر جزءاً من القرآن!!!! وأرجو أن أسمع قريبا ً أنها ختمته!!!!!

 

والآن نعود إلى كيفية توليد الشغف:

ثالثاً: تشجيع النَّفس:بأن تقول لنفسك:" إن عقلي لا حدود لقدراته وطاقاته " ولا تَقُل:"إنني لا أستطيع أن أحفظ سوى جزء عمَّ،والبقرة وآل عمران" ،وهناك عبارة جميلةجداً ومُبدعة يجب أن تقولها لنفسك لتساعدها على الشغف بما تريد أنجازه،وهي مقسمة إلى ثلاث أجزاء:

أنا قادر على ذلك

أنا أستطيع فعل ذلك

أنا جدير بذلك.

ومادام غيري قد نجح فلماذا لا انجح أنا؟

 

رابعاً: المحاكاة( وهي المفتاح الحقيقي لتوليد الشغف)

وذلك بأن تنظر إلى مَن حفظ القرآن الكريم : ماذا كان يفعل حتى حفظه؟ ماذا يأكل ماذا يشرب،متى وكيف ينام،...إلخ.

ولقد رأيت أحد النماذج من حفظة القرآن، إستطاع أن يحفظ القرآن في خمسة وخمسين يوماً فسألته عدة أسئلة لأستكشف نمط حياته وبرنامجه اليومي،فوجدته شخصاً عادياً جداً لا يأتي بشيء خارق،ولكنه كان يحفظ كل يوم تسع صفحات من القرآن الكريم،كان يبدأ بعد الفجر،ثم يكررها في صلاة الضحى،ثم في صلاة الظهر،ويراجعها في صلاة العصر...وبعد صلاة المغرب يقوم بالتسميع على شيخ .

 

فإذا حاكيتَ هؤلاء ،وجرَّبتَ عقلك فسوف تكتشف العجب العجاب،فإذا أردت ان تكون داعية فحاكي الدُّعاة الناجحين،وإذا أردت أن تكون صاحب شركة ناجحة ،فحاكي أصحاب الشركات الناجحة،وهكذا.

 

ثانياً: قوة الإيمان والاعتقاد بأنك ستنجح

هذه القوة يجب أن تكون جازمة، راسخة،لا تهتز،ولا يعتريها أدنى ريب.

 

وأضرب لكم مثلاً: زرت أخاً لي فأردت أن أشرب،فملأ كأس ماء ثم قال لولده: " إعط هذا الكأس لعمَّك ،ولا تسكب الماء"!!،ولأن هذه العبارة هزَّت ثقة الولد بنفسه فقد سكب الماء!!!

هناك تحليل آخر لهذه العبارة وهو أن العقل اللاواعي لا يحب كلمة ((لا)) بل يحفظ الكلمة التي تليها . فإذا قلت لكم لا تفكِّروا في حصان لونه أسود،فإنكم لابد –بعقلكم اللا واعي- ستفكرون في حصان لونه اسود!!!!

 

ثالثاً: الاستراتيجية

هذه الكلمة تعني الخطة الصحيحة ذات الخطوات المنطقية.

وهي نوعان:

أ-الاستراتيجية قصيرة المدى

ب- الاستراتيجية بعيدة المدى .

ما الفرق بينهما؟

 

إن الاستراتيجية قصيرة المدى هي التي يبدأ تحقيقها من ((الآن)) ،فأول خطوة منها تبدأ الآن !!فلكي تحفظ القرآن الكريم عليك (الآن) أن تشتري مصحفاً ذا شكل جذاب ومريح للعين،وأن تشتري كتاباً به أفكار عن كيفية الحفظ بسهولة،و تتصل بأخ لك يشجعك على الحفظ،وان تتصل بحلقة قرآنية لتسجل اسمك بها،أو تبحث عن شيخ مناسب تقوم بالتسميع له...وكل هذا لا يحتمل التأجيل.

أما الاستراتيجية بعيدة المدى فهي التي يمتد تنفيذها إلى عشر سنوات، مثل أن تكتب: خلال سنة يجب أن أكون قد ختمت خمسة أجزاء من القرآن .

 

وهناك مقولة تقول إن الذين يحدِّدون أهادافهم يحققون 30% منها،أما الذين يكتبون أهدافهم فيحققون 90% منها .

ولعل هذا سببه أن الكتابة ترسِّخ المعلومة من خلال الأصابع التي تنقلها إلى الأعصاب،ومنها لى العقل،فترسخ.

 

ولقد اجروا دراسة في الجامعة الأمريكية فسألوا عينة من الطلاب: " من حدد أهدافه في الحياة وهي لديه مكتوبة؟" (وبمعنى آخر: من كتب ما يريد تحقيقه في حياته؟)وكانت النتيجة أن ثلاثة من الطلاب فقط هم الذين كتبوا أهدافهم....وبعد 20 سنة بحثوا عن نفس الطلاب عينة الدراسة ،فوجدوا أن هؤلاء الثلاثة الذين كتبوا أهدافهم هم الذين يملكون أموالاً أكثر من بقية الطلاب!!!!.

 

فإذا أردت ان تدخل قاعة بابها مغلق بالمفتاح،فلديك طريقتان: إما أن تكسر الباب،وإما أن تبحث عن المفتاح لدى المختصين...هذا المفتاح له مواصفات معينة ،وسنونه لها تعريجات معينة حتى يفتح هذا الباب بالذات!

 

،هذه الخطة أو الاستراتيجية هي المفتاح المطلوب لتحقيق الهدف.

أما كسر الباب فيعني الدخول بدون خطة ،وهذا هو حال من يحفظ القرآن وينسى،أو يحفظه بدون تركيز،أو يعجز عن مواصلة الحفظ...إلخ.

 

5- رابعاً: وضوح القِيَم والأخلاقيات والمبادىء

4- وضوح القِيَم والأخلاقيات والمبادىء:ما هي أخلاقيات ومبادىء وقيم المشروع؟

 

إن القيم والمبادىء الخاصة بمشروع مصنع أكواب هي ألا نقلِّد منتج لمصنع آخر ونضع عليه اسمنا،وألا نقترض من بنك رِبَوي،وأن نتقن صناعة الأكواب،وان نكون صادقين في مواعيد التسليم..وهكذا.

و مشروع حفظ القرآن أيضاً له قِيَم مثل:

إخلاص النية لله تعالى ،

والتقوى،

والإيثار،

وصدق الأُخوة في الله،

والعمل بما نحفظ،

والاستعانة بالله تعالى ،

وعدم الغرور أو التكبُّر...وهكذا.

وبقدر ما تنقص القِيَم في حياتنا بقدر ما ينقص النجاح !!!!

 

وإلى اللقاء إن شاء الله

 

وفيما يلي نكمل آليات النجاح في حفظ القرآن الكريم :-

 

 خامساً: الطاقة

وهي الصبر والتحمُّل والثَبات،والجَلَد ،وهي تنقسم إلى نوعين: بدنية ،ونفسية.

 

فيجب على من أراد حفظ القرآن أن يستيقظ قبل الفجر ليحفظ(وهو أفضل الأوقات)، أو يبدأ بعد الفجر( وهو ثاني أفضل الأوقات

 

ومن أجل هذا يجب أن ينام مبكِّراً،فنجده يضغط على نفسه كي يتمكن من النوم مبكراً، وسبحان الله إن الطاقة لها تأثير كبير في تيسير حفظ القرآن الكريم .

 

فكيف نولِّد الطاقة ،وكيف نزيدها؟

من خلال:

*وضوح الهدف من الحِفظ(كأن يحفظك الله بالقرآن،أو يبارك لك في دنياك وآخرتك...إلخ)

 

*استحضار الثواب والأجر في الدنيا والآخرة(أن تكون من أهل القرآن الذين هُم أهلُ الله وخاصَّتُه ،وأن كل حرف تتلوه بعشر حسنات،وأن فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خَلقه، وأن كل آية ترفعك درجة في الجنة ،وكل درجة مقدارها كما بين السماء والأرض)

 

*توليد الشَغف كما ذكرنا من قبل .تخيُّل رضوان الله عليك وأنك حين تقرأ القرآن فإن الله تعالى يكلِّمك.

 

* الارتباط الروحي والقلبي والجسدي بالقرآن الكريم،لذلك يقولون أن مَن حَفِظَ القرآن في طفولته اختلط بلحمه ودمه !!!!

مثال: الشيخ " فتح محمد البَتِّي" شيخ القرَّاء في الباكستان ،كان مشلول الوَسَط ،وكفيف البَصر،ولكنه كان يصلي الوِتر بعشرة أجزاء من القرآن كل ليلة !!!!

 

هذا هو التَوَقان إلى ما عِند الله تعالى .

 

وانظر إلى طاقة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حين دخل عليه أحد الصحابة في المسجد فظنَّه شجرة من شدة خشوعه ،وثباته وطول وقوفه،فلما عرفه دخل معه في الصلاة ،فاستفتح البقرة،فقال يركع عند المائة، ثم دخل إلى آل عمران،فقال : يركع عند المائة، فدخل في النساء...يقول هذا الصحابي،فظل النبي يقرأ حتى همَمْتُ بأن آتي شيئاً مُنكَراً( أي أن أدَع الصلاة) !!!

وقالت لي إحدى الأخوات أنها كانت تولِّد الطاقة بأن تستحضر أنها تقرأ على الله تعالى ،وتتذكر يوم القيامة حين يُقال للمؤمن:" إقرأ وارتَقِ ورَتِّل كما كُنتَ ترتل في الدُّنيا،فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها".

 

 سادساً وسابعاً: الارتباط بشخصيات المشروع، وإجادة وإتقان فن الاتصال

إن شخصيات مشروعنا هم القرَّاء ،والعلماء والشيوخ،فتجد نفسك متشوِّفاً ومشتاقاً إلى أئمة الحرمين،وإلى الشيخ الحُصري،والشيخ المنشاوي،،فتكون مرتبطاً بهم روحياً ، هؤلاء الذين إذا رآهم الناس ذكَّروهم بالله تعالى من خلال أخلاقهم ولباسهم وتصرُّفاتهم .

هناك أيضاً الارتباط بزملاء المشروع،الذين يشجعونك ويحفِّزونك من خلال اللغة غير المقروءة أو المسموعة ،فهؤلاء يذكِّرونك بالمشروع دون أن يتحدَّثوا.

 

وتذكَّر أن " يدُ اللهِ مع الجماعة" و" إنَّما يأكل الذِّئبُ مِن الغَنَم القاصية"

 

7-إجادة وإتقان فن الاتصال:

وهو أمر مهم جداً ،وكل إنسان لابد له من أن يتصل مع ذاته،(وهو اتصال داخلي)،ومع الغير(وهو اتصال خارجي)...فإذا لم تُجيد فن الاتصال بنوعيه فأنت فاشل!!!!

ولكن

كيف أجيد الاتصال الداخلي؟

 

من خلال محاولتي لفهم نفسي والإصغاء لما بداخلي ،ومعرفة قدراتي وطاقاتي ومواهبي،ولا ينبغي أن أتصل بنفسي اتصالاً سلبياً فأجلد نفسي بتأنيب الضمير وتوبيخ النفس باستمرار!!

 

ولكن يجب أن أقوم بإلغاء هذ الرسائل السلبية ،واكلم عقلي اللاواعي بشكل إيجابي، كأن تقول الفتاة لنفسها :" أنا فتاة محترمة ،ومُجِدَّة ،ورائعة، أنا أَمَةُ الله،أنا غالية على الله ،ولولا أنَّ لي شَأنٌ في الحياة لَما خلَقَني الله ،إذن يجب أن أعرف هدفي وأكتبه،وأسعى لتحقيقه." وبهذا تُجدد الإبداع داخلك ،فإذا جاءتك رسالة سلبية من الغير(أي من الخارج) فلا تستقبلها ،بل اطردها قبل أن تتسلل إلى عقلك اللاواعي ،واجعل عقلك الواعي حارساً يَقِظاً ،فلا يسمح بالدخول إلا للرسائل الإيجابية!!!

وكيف أجيد الاتصال الخارجي؟

 

إن الاتصال الخارجي فن عجيب ،فينبغي أن أعرف كيف أتواصل مع أساتذتي وشيوخي وزملائي...فكل من يحتك بنا إما أن يكون :

أعلى مِنِّ منزلة،أو قَدراً أو عُمراً ، أو في مثل منزلتي، أو أدنى مني، وكُلٌ له أسلوب في الاتصال به،ولك أن تقرأ كتاباً في فن الاتصال لعله يعينك...ولكن بشكل عام:حينما أتحدث إلى إنسان ولا أنظر إليه ولا أنظر إلى عينيه،ولا ألاحظ ردود أفعاله على وجهه وحركاته وخلجاته،ولا أتحدث معه بنفس لغته ومستواه العقلي ...فإن هذا الاتصال سيِّء!!!!

 

ولك أن تتخيل أنه مكتوب على جبين كل إنسان-حتى ولو كان طفلاً- عبارة واضحة ولكن الجميع لا يقرؤنها، هذه العبارة تقول:

" أنا شخصية هامة،فاحتَرِمني"

 

فإذا احترمتَ الآخرين فإنهم سيحبُّونك،ويحترمونك ويتواصلون معك لأنك قرأت وفهمت ووعيت الرسالة المكتوبة على جبين كل منهم !!!!

 

إلى هنا تنتهي آليات النجاح السبعة،وهي:

الشغف بالموضوع،وقوة الإيمان والاعتقاد بأنني سأنجح،ووضع الاستراتيجية،ووضوح القيم والمبادىء والأخلاقيات الخاصة بالمشروع،وتوليد الطاقة،والارتباط بشخصيات المشروع،وإجادة فن الاتصال .

 

السلام عليكم

لا تنسونا من دعائكم

 

8- كيف أبرمج عقلي على شيء معين؟!

 

لكي أفعل ذلك عليَّ أن أرسل رسالة لعقلي مؤلَّفة من خمس مواصفات، فإذا اختلَّت مواصفة واحدة فلن ينجح هذا المشروع ،أياً كان سواء كنت تريد أن تحفظ القرآن أو تنجح في شركتك ،أو في دراستك،أو في أي شيء ،ولك أن تجرِّب نفسك،فالتجربة خير بُرهان.

 

وهذه المواصفات هي:

1-أن أعطي لعقلي رسالة واضحة محددة ؛ فإذا قُلتَ : "أريد أن أكون من حُفَّاظ القرآن" فهذه رسالة ليست محددة،بل يجب أن تقول:" أريد أن أحفظ سورة البقرة في شهر" فهذه رسالة محددة .

 

2- أن تكون الرسالة إيجابية وليست سلبية وذلك بأن تُركِّز على ما تريد وليس ما لا تريد...فالرسالة السلبية هي التي تبدأ بكلمة (لا) ،فإذا قلت " أنا لا أريد أن أغضب" فهذه رسالة سلبية ،فالعقل اللاواعي له مفتاح فإذا استخدمت المفتاح المناسب عرفت كيف تدخل عليه بطريقة سَلِسة ،و عندها ستلاحظ تغييراً عجيباً

 

(وكما قلنا أن العقل اللاواعي يحذف كلمة "لا" ويحفظ ما بعدها)

فبدلاً من أن تقول:" أنا لا أريد أن أدخِّن" قل لنفسك:" أنا أريد أن أحافظ على صِحَّتي"

 

وبدلاً من أن تقول " أنا لا أريد أن أنسى ما حفِظت من القرآن" قل :" أنا أريد أن أكون حافظاً متميزاً للقرآن" ،

وتذكر سيدنا يعقوب حين قال لأبناءه:" إنِّي لَيَحزُنُني أ نْ تَذهَبوا به ،وأخافُ أن يَأكُلَهَ الذِّئبُ وأنتُم عَنهُ غافلون" ،فلما عادوا لأبيهم قالوا له:"إنَّ ذهبنا نستبِقُ وتركنا يوسف عند متاعِنا فأَكَلَهُ الذِّئبُ " !!! وكأن كلمة أبيهم كانت رسالة موجَّهة لعقلهم الباطن، فأعطاهم –من خلالها - فكرة يقولونها لِيُخفوا بها جريمتهم!!!

 

3- أن تدل الرسالة على الحاضر وليس على المستقبل،فلا تَقُل:" سأحفظ القرآن" ،بل قل:" أحفظ القرآن بإذن الله تعالى " ،فالسين وكلمة سوف تعني أنك لن تبدأ الآن،والمطلوب هو أن تبدأ الآن .

 

4-أن يصاحب الرسالة التي أعطيها لعقلي اللا واعي إحساس ومشاعر بتحقيقها، وذلك بأن تتخيل نفسك وقد حققت الهدف،فتعيش لحظات فرحتك بحفظ القرآن،ولحظات تتويجك بتاج نوره أقوى من الشمس يوم القيامة !!!

عِش أحاسيسك وأنت تقرأ القرآن يوم القيامة وترتقي ، فتفوز بكل آية تقرؤها بدرجة من درجات الجنة ، مقدار كل درجة كما بين السماء والأرض!!!!

 

5- أن تكرر هذه الرسائل كثيراً ،كأن تكررها طوال اليوم ،أو قبل النوم مثلاً،والأفضل أن تنشغل بمشروع واحد في كل فترة حتى تنجزه بإتقان ثم تتحول إلى مشروع غيره .

 

فمشروعك اليوم مثلاً أن تكون شخصية جذابة، فتعيش اليوم كله مشاعر هذه الشخصية،فتبتسم للجميع ،وتتحرك بلطف،وتكون خفيف الظِّل،رفيقاً بالآخرين...وهكذا. وتذكَّر أن المريض الذي لا يريد أن يتحسَّن لن يُشفى .

 

وهناك تجربة أجريتها مع فتاة كان هدفها أن تستطيع أن تتحدث أمام مجموعة من الناس ولو لمدة ثلاث دقائق دون أن تتلعثم ،فقلت لها أرسلي لنفسك رسائل مثل:

 

أنا أريد أن أتمتع بصوت جهوري كي أوصل فكرتي للجمهور.

أنا أريد أن أجمع معلومات كافية حول الفكرة التي سأتحدث عنها

أنا أريد أن أرتب أفكاري ترتيباً منطقياً حتى تصل إلى الجمهور بسلاسة

 

أنا جديرة بأن أقف أمام الجمهور وأكلمهم وأفيدهم وأُمتعهم.

أنا واثقة من قدراتي فأنا قادرة على مواجهة الجمهور بأعصاب هادئة ثابتة.

 

أنا أستطيع التركيز على فكرتي والمعلومات التي أريد أن أوصلها للجمهور أكثر من التركيز على الجمهور الذي يشاهدني

أنا الآن خطيبة مفوَّهة جريئة أتكلم بقوة أمام الجمهور.

 

وقلتُ لها : عيشي أحاسيسك وأنت تتكلمين وأمامك الأخوات يصفِّقن لك ،فلما واصلت إرسال مثل هذه الرسائل لعقلها اللاواعي،وعاشت تلك الأحاسيس،أعطيتها فرصة لتتكلم لمدة ثلاث دقائق أمام جمهور ،فإذا بها تتكلم لمدة سبع دقائق!!!!

 

بل والأغرب من هذا أنها أضحكت الحاضرين بنُكتة –وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق بالنسبة للخطباء المفوَّهين- فكسرت بذلك الحاجز بينها وبين الجمهور،وكانت تجربة ناجحة جداً!!!!!!

كانت تلك هي مواصفات الرسائل الناجحة التي ينبغي أن أرسلها لعقلي اللا واعي كي أنجح في تنفيذ مشروع ما أو تحقيق هدف ما.

 

9- كلمة أخيرة ضع استراتيجيتك التي تحلم بها

والآن أريد من الجميع أن يجرب بنفسه التجربة التالية:

إن التجربة تتعلق بوضع الاستراتيجية ،وما عليك إلا أ ن تُحضر قلما ًوورقة،وتجلس في مكان هادىء لا تسمع فيه سوى صوت أنفاسك،ثم تقفز بفكرك إلى عشر سنوات قادمة،وتتخيل أنك الآن في عام 2014 فماذا تحب أن ترى نفسك ذلك العام،و ماذا تحب أن تكون وقتها؟!!

 

قد يكون ما تريده إنجازات كبيرة جداً ،أو أحلاما ًمتواضعة،إكتبها كلها واحلم كما تشاء إلى أبعد حدود ،اكتب أشياء إيجابية تتعلق بك وبأسرتك وزوجتك وأولادك ....وكلما كتبت فكرة خُذ نَفَساً عميقاً:شهيق بعمق،ثم احبسه لدقيقة أو أكثر،ثم شهيق ببطء

 

هذه هي حياتك بعد عشر سنوات،فماذا تريد أن تكون.؟!!!

مؤلِّفاً مبدعاً، أم مفكِّراً إسلامياً ،أم داعية ناجح،أم مدير لشركة ناجحة،أم مؤسس لهيئة إغاثة إسلامية عالمية،أم أب لخمسة أطفال كلهم من حَفَظة القرآن...كل ما تريد، بدون قيود.

 

ولقد فعلت ُذلك مع نفسي ،والحمد لله لقد تحقق بعض من هذه الأحلام والبعض الآخر لا يزال في طريقه لذلك إن شاء الله .

 

وأرجو أن أقابلكم جميعاً بعد عشر سنوات...وأنا على يقين من أنكم ستستطيعون –بعون الله – تحقيق بعض أحلامكم التي كتبتموها.

أشكركم ،وبارك الله فيكم ، والحمد لله ربِّ العالمين .