ملخص محاضرة ألقاها عبدالله بن سعيد القنوبي

مساء الـ 16 من شعبان 1422هــ

 

1- مقدمة: في فضل تلاوة القرآن وحفظه وتأثيره على عقل الإنسان وفكره وضميره وحياته

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا"، "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" .

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل القرآن رحمة للعالمين وهداية للمتقين ونورا للمستبصرين ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدالله ورسوله من كان خلقه القرآن رتله آناء الليل وأطراف النهار ترتيلا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبة البررة الكرام وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

 

أما بعد :

 

فيا أيها الاخوة الكرام نحيكم بتحية الإسلام المباركة

 

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ونحمد الله سبحانه وتعالى أن يسر لنا هذا الاجتماع المبارك حول مائدة القرآن الكريم وما تحويه من فوائد جمة وخيرات عظيمة وآيات كريمة .

 

هذا الكتاب الذي جعله الله نبراسا وهداية لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ،جعله الله عز وجل شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وقد سماه الله سبحانه تعالى في كتابه روحا" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وأنك لتهدي إلى صراط مستقيم " فسماه الله روحا لأن الأرواح تنتعش بهداه وتحيا به، وأي روح لا تحيا بالقرآن فهي ميتة وصدق الله وهو أصدق القائلين:" أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " .

 

فإن القرآن الكريم قد بدد الظلمات وألان القلوب القاسيات وجعل المؤمنين أخوة متحابين متعاونين ، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعتنق أحدهم صحيفة القرآن كأنما يعتنق محبوبه ويقول ما الذي أبعدني عنك كل هذا الوقت ،وهكذا فإن القرآن الكريم هو سر الله عز وجل ومعجزته الخالدة التي ستبقى ما بقي الدهر نبراسا وضياء للمؤمنين .

 

والله سبحانه وتعالى قد جعل في هذا الكتاب من آيات العظمة وجلال القدرة ما إن الجبال الراسيات لتخشع عند نزوله وعند سماعه" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " ، "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" قال العلماء لكان هذا القرآن لان هذا القرآن له أثره الفاعل في هذه الجمادات المتحجرة بحيث تلين لذكر الله وتنزل من خشية الله وتسبح بحمد الله ،فما بالكم بالقلب الرقيق والإيمان الدفيق والرحمة الواسعة لبني آدم الذي اتاه الله المدارك من سمع وبصر وفؤاد وحواس، فإنه لا شك ينبغي أن يكون أرق الكائنات من ناحية التأثر بالقرآن وان يكون أقربهم إلى الله سبحانه وتعالى وان يكون اشد تأثرا من غيره من الموجودات بهذا الكتاب العزيز.

 

ولذلك فإن الذي لا يتأثر بهذا القرآن الكريم ولا يعمل عمله في نفسه فذلك اشد من الجمادات قسوة وأعظمه غلظه فالله تعالى يقول "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله " إذن " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " توعدهم الله بالويل والويل هو واد في جهنم لو وضعت فيه جبال الدنيا لسالت من شدة حره ،إذ لا يعرض عن القرآن إلا محروم ولا ينتقصه إلا كل آثم" ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" والحديث عن القرآن طويل ولكن نحن بصدد الكلام على نبذة من ذلك حتى يكون لنا حافزا ومشجعا للأقدام على حفظ كتاب الله وترتيله وفهم معانيه والعمل بأحكامه .

 

فمن ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " علموا أولادكم القرآن فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو" ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضا "يقال لقارئ القرآن اقرأ ورقَ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن درجتك عند آخر آية تقراها" هكذا يكون نصيب قارئ القرآن ومرتله وحافظه أنه يعلو درجات الجنة درجة ، درجة على حسب ما أفاء الله عليه من حفظ كتاب الله وفهم معانيه والعمل به .

 

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم بيان أن كل حرف يقرأه من كتاب الله له به عشر حسنات ثم قال عليه الصلاة والسلام:" لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " فكم عدد الحروف التي يقرأها القارئ؟ فإذن الدرجات مضاعفه والعمل والأجر عظيم والثواب جزيل لمن أخلص لكتاب الله عز وجل .

 

وجاء أيضا عنه صلى الله عليه وسلم البشارة العظيمة بأن الماهر بالقرآن الكريم مع ملائكة الله، ليس هو مع أصحاب الأموال أو الجاه أو المناصب هو مع السفرة الكرام البررة مع الملائكة ، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع فيه له أجران ،هكذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذخر وهذا الكنز كله لقارئ القرآن ولطالب حفظه ولطالب فهمه والعمل به .

 

اخوة الإيمان:

وإذا كان الواحد منا تشتاق نفسه إلى كتاب الله عز وجل فيحتضنه بين جنبيه فان هذا الكتاب لا يكون واقعا في حياة أحدنا إلا إذا ترسم خطاه وما أسهل أن يحفظ الإنسان أي القرآن وسوره ويضيع معناه ولكن ما اشده عليه لو أنه توجه إلى العمل به، فان تطبيق القرآن في واقع حياة المسلمين هو الإصلاح الأكبر وهو الجهاد الأعظم وهو الخير الأعم الواسع، وإن العمل بكتاب الله عز وجل لمما يعين على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى، فان القرآن الكريم كغيره بل هو أفضل واشرف العلوم على الإطلاق إذا طلبه الإنسان لله تأتى إليه بسهولة ويسر، ولم يجد في سبيل حفظه أيا من الصعوبات ، وإنما تلك الصعوبات التي في نظره معوقات هي لذائذ و متع يتلذذ بها بمناجاة الله تبارك وتعالى .

 

فإن الذي يقرأ القرآن إنما يناجى ربه فهنيئا له على هذا الاتصال العظيم بخالقه ومولاه يرتل آياته ويقرأ كتابه، وقد بين الله سبحانه وتعالى أجر أولئك فأبان بأنهم هم أصحاب الصفقة الرابحة والتجارة الناجحة والأجر المضاعف والخير المستمر " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله انه غفور شكور " وبين سبحانه وتعالى بأن الذين أورثهم علم الكتاب هم أهله وخاصته وأولياؤه وأحباؤه " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ، أولئك يؤمنون به " أولئك هم صفوة الخلق وقربهم إلى الحق وهم احسن الناس عملا وأصفاهم قولا واصدقهم سيره وسريرة وإخلاصا .

 

2- القاعدة الأولى والثانية: الإخلاص وتطهير القلب

وفى هذه الدقائق المعدودة اخوة الإيمان نحاول أن نعرض بعض القواعد التي تعيننا على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى من خلال التجربة العملية التي قامت عليها دراسات مكثفة ممن سبقنا إلى هذا المجال وممن حدثنا بمسيرته مع كتاب الله عز وجل حتى نصل أو يصل الواحد منا إلى ما يصبو إليه من الزاد الوافر والحظ العظيم من حفظ كتاب الله تبارك وتعالى .

 

وهذه القواعد الذهبية التي تعين على حفظ كتاب الله يتصدرها!!!

 

**أولا: الإخلاص لله تبارك وتعالى :

والإخلاص كما تعلمون هو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك مقرب فيكتبه ولا شيطان فيفسده وإنما هي وشيجة بين العباد وخالقهم فإذا رأى الخالق جل وعلا من عباده إخلاصا ونقاء وطهرا صب في قلوبهم هذا النور الذي يكون معينا وموردا وموئلا لكتابه تبارك وتعالى ، والله تعالى قد بين أهمية الإخلاص عندما قال:" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " ويقول سبحانه وتعالى:" فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا فليس هنا مجال للرياء أو للسمعة أو للتعالي أو للترفع بحفظ كتاب الله وإنما يقصد به وجه الله ،وما اسهل أن يأتي الإنسان لحفظه كتاب الله من هذا الطريق وما اشده لو أتاه من أي طريق آخر ، لأن ما كان لغير الله فهو لغير الله وما كان لله فهو لله :

 

فيا طالب الله ائته من طريقه***وإلا فبالحرمان أنت جدير

 

فما اسهل أن يأتي الإنسان هذا العلم وغيره من العلوم من هذا الطريق وهو طريق الإخلاص هو الذي يفجر في الإنسان الكوامن التي تحتويها نفسه وتفجر فيه الطاقات الإيمانية وتغذى فيه الروافد التي أفاءها الله عز وجل عليه ،فلا يسألن أحدنا عن سوء حفظه وعن مشقة حفظه في ذلك وعن العقبات ، كل تلك العقبات تزول بإذن الله مع الإخلاص لان الله تعالى قد وعد من اتقاه بأن يجعل له مخرجا وأن يجعل له من أمره يسرا وان يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا .

 

فإذن على الإنسان أن يخلص لله سبحانه وتعالى وإذا تفرد بالإخلاص ونقى قلبه من غير الله عز وجل حيث انه لا يقرأ آية أو يحفظ سورة أو جزء من كتاب الله وهو يقصد مخافة الله ويقصد العمل بكتاب الله ويقصد أن يكون واقعا في حياته ، ساعتها سيكون إيماني النزعة قراني السلوك يفيض النور من قلبه .

 

ومما يتعلق بالإخلاص هو اختيار المأكل الحلال فإن الحلال هو الذي يغذى الأجساد وان الجسم الحلال هو الذي يتغلب على جميع عقباته وهو الذي يستطيع أن يصل إلى ما يطمح إليه من درجات علية رفيعة بكل سهولة ويسر، أما الذي يتغذى بالحرام فيكون هذا الحرام فاصلا وعائقا أن يصل به إلى ما يصبو إليه من حفظ كتاب الله ،بل إنه محروم وأي محروم، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث اغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، يارب ومطعمه حرام ومأكله حرام وملبسه حرام وقد غذى بالحرام فإني يستجاب لذلك ،فكيف يستجاب له وكيف يلبى سؤله وهو يتغذى بما حرم الله .

 

**القاعدة الذهبية الثانية التي تعين على حفظ كتاب الله تطهير القلب!! :

وتطهير القلب هي تنقيته من جميع الأدران والذنوب والمعاصي ولا يوجد أحد منا إلا وهو مخطئ ويخطئ ويذنب ويعصى كما بين النبي صلى الله عليه وسلم " كل ابن ادم خطأ وخير الخطائين التوابون " ولكن استصحاب التوبة التي تكون تجلية لقلبه وصبا لمعالي الأمور في نفسه هو الذي يجعل قلبه طاهرا نقيا صافيا بحيث أن هذا القرآن إذا نزل في القلب النوراني الطاهر هو الذي يشع فيه ويستقر فيه ولا يمكن أن يخرج منه .

 

أما إذا صادف قلب مظلما فهيهات أن يكون له محل لأن هذا العلم وفى مقدمته حفظ لكتاب الله عز وجل سر من أسرار الله وكنز من كنوزه لا يضعه في قلوب العصاة والمذنبين، وقد أحسن العلامة الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول عندما قال في تفسير قوله تعالى :" قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " قال: إن لكل حر ف من كتاب الله نورا شعرنا به أو لم نشعر إذا صادف هذا الحرف قلبا طاهرا صافيا نقيا من الذنوب والمعاصي فإنه إذا لاك اللسان هذا الحرف دخل النور في القلب فانصب وتمكن ثم يأتي الحرف الذي بعده وهكذا حتى يمتلئ القلب نورا فيشع على كيانه ووجدانه ثم ينتشر بعد ذلك في مجتمعه وأمته وعلى الناس جميعا ،أما إذا صادف قلب مظلما مليئا بالمعاصي والذنوب فانه وان قرأ القرآن ولاك الحرف بلسانه فان النور يأتي إلى القلب فيجده مظلما فيرجع القهقرى ولا يتقدم خطوة واحدة فليس له من حظه أي من تلاوته وحفظه إلا ما لاكه لسانه وتذكرته حافظته وأما النور الذي جاء مع هذا الكتاب فهو محروم منه، لذلك لا تتغير سلوكياته وأخلاقه ولا يجد تلك السعادة وذلك النقاء الذي يحس به صاحب القلب الطاهر النقي .

 

شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بان العلم نـــور*** ونور الله لا يهدى لعاصــي

 

3- القاعدة الثالثة والرابعة: تحديد مقدار الحفظ، والقراءة الصحيحة قبل الشروع في الحفظ

**القاعدة الذهبية الثالثة التي تعين على حفظ كتاب الله تحديد مقدار الحفظ!!

فإن التحديد أمر مهم جدا وذلك يتأتى بالنظر إلى خصائص الإنسان وخصائله ومقدار حفظه وفهمه واستيعابه للآيات، وكل أدرى بنفسه فانه ليس من المعقول أن يكون الذي يستطيع أن يحفظ في الساعة خمس آيات أن يرهق نفسه أن يحفظ ثلاثين آيه وإلا خرج بدون جدوى أو خرج بدون الفائدة التي يطمح إليها ،وكذلك من الحيف والظلم أن يكون قادرا على حفظ خمس من الآيات الكريمة وهو يقتصر على آيتين ، على الإنسان أن يكون وسطا بين الإفراط والتفريط فلا يضيع مواهبه سدى ولا يضغط على نفسه لان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ،فمراعاة ذلك على حسب ما يعرف الإنسان من حفظه ، ولا يستعجلن في ذلك فان القليل الدائم خير من الكثير المنقطع وإنما يأتي الحفظ المتين القوي بمقدار ما تحدد من حفظ الآيات التي تستوعبها عقله .

 

** القاعدة الرابعة : القراءة الصحيحة قبل الحفظ!!

فإن القراءة الصحيحة هي التي تعين الإنسان على الحفظ الصحيح وذلك يتأتى بعدة أمور :

 

من ذلك أنه لا بد أن يكون مركزا على الآيات التي يقرأها تركيزا واضحا أو تركيزا قويا بحيث يجعل الآيات أمام عينيه بعد اختيار المصحف الذي سنتكلم عليه بعد قليل- وان يستمع إلى القراءة مرتلة مجودة أما من قارئ متقن مرتل أو من أحد إخوانه الذين أفاء الله عليهم بشيء من القراءة الجيدة .

 

والأشرطة متنوعة متعددة الآن في الأسواق ولكن الذي يحض عليه أن يختار الإنسان له التلاوات المجودة المرتلة وليجتنب الآن القراءات التي تُتلا في الصلاة كصلوات التراويح فإنها كثيرا ما تكون فيها الكثير من الأخطاء التجويدية وغيرها .

 

وكذلك في هذه القاعدة أن يصحح النطق بالحرف أو بالآية الكريمة فان بعض الكلمات ربما لم يسمع عنها لأول مرة أو أنها ثقيلة على لسانه كقوله تعالى " أنلزمُكُموها وأنتم لها كارهون " فإنها كلمة طويلة وفيها من الحركات ما تستدعي من الإنسان أن يضبط لسانه وشفتيه حتى يجيد نطق هذه الكلمة .

 

وكذلك أن يطلب علم التجويد الذي يصحح هذه المبادئ ويقوم اعوجاج لسانه ويعتني أول ما يعتني بتصحيح مخارج الحروف وهو العلم الذي ينبغي أن يتجه إليه كل من أراد أن يتلو كتاب الله أو أن يحفظه في آن واحد وهو الذي أشار إليه الإمام ابن الجزري .

 

وهذه القراءة الصحيحة لا بد فيها من التأني ولا بد فيها من التروي والتمهل فلا يمكن للإنسان أن يقرأ سريعا عندما يريد أن يحفظ ،لكن لا بد أن يقرأ الآيات آية آية وكلمة كلمة ،والأحاديث في ذلك واضحة عن النبي صلى الله عليه، فقد وصفت أم سلمة رضى الله عنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يقطع قراءته آية آية ،وأبانت بان الإنسان لو أراد أن يعد حروف الكلمات لاستطاع .

 

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في عرضة جبريل عليه عندما كان يراجعه للقرآن في كل عام في رمضان راجعه في العام الذي قبض فيه مرتين وفي هذه العرضة كان جبريل عليه السلام يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ويستوعب ما حفظ حتى لا يزيد ولا ينقص وهو معصوم بعصمة الله من الزلل في ذلك .

 

وعندما حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعجل في الحفظ حتى لا يفوته - عندما جاءه جبريل أول الأمر في الغار - أنزل الله عليه قوله تعالى " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " فإذن تحريك اللسان والعجلة بسرعة يؤدي إلى ارتباك الحفظ ويؤدي إلى شرود الآيات من الذهن.

 

ومما يعين على إتقان القراءة الصحيحة أن يختار له مصحفا واضحا، والذي نختاره ونشجع عليه المصحف المنتشر الآن المجود الذي يساعد على بيان أحكام التجويد كأحكام الميم وأحكام النون والممدود وما شاكل ذلك من تسهيل الهمزة وتحقيقها وغير ذلك من الأحكام المتعددة .

 

وينبغي له أن يستعين بالشريط وبالمصحف وبمن يُسمّع له أو يقرأ عليه أو يصوب له أخطأه ولو كان عالما في اللغة العربية، لأن القرآن الكريم يأتي أحيانا على عدة لغات من لغات العرب ويجمع بين دفتيه كلمات ربما في ظاهرها لا تتسق مع قواعد اللغة العربية فيستغربها فيقرأها على حسب ما عرف من أحكام اللغة العربية أو من قواعد اللغة العربية كقوله تبارك وتعالى في قصة موسى مع صاحبه " ذلك ما كنا نبغ" فان الوقوف هنا بالتسكين وقفا ومن الخطأ الواضح كسر العين،ولكنه عندما حفظها ، حفظها بالكسر وقفا ، فهذا ربما لا يدركه ولو كان عارفا بقواعد اللغة العربية وإنما القراءة سنة متبعه .

 

وكقول الله تبارك وتعالى في سورة النور" ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون" ( يتقْه ) والأصل أن تكون يتقه بكسر القاف لأنه فعل معتل مجزوم بحذف حرف علته ولكن جاء بإسكان القاف على لغة من لغات العرب ، فهذه الأشياء لا يمكن للإنسان اعتمادا على نفسه أن يدركها إلا بالسماع وإلا بالمعرفة من القراءة المجودة التي يستمع إليها فالقراءة سنة متبعه .

4- القاعدة الخامسة والسادسة: اختيار الزمان والمكان المناسبين للحفظ واستغلال مرحلة الصغر

** القاعدة الخامسة التي تعين على حفظ كتاب الله:

أن يختار الزمان المناسب الذي لا تكون فيه شيء من القواطع أو المشاغل، هذا الزمان يفرغه لحفظ كتاب الله تبارك وتعالى، وكما أشار احد الذين جربوا حفظ كتاب الله في مذكرة كتبها بأنه كان يترك محادثة زملائه ويترك كثيرا من أعماله حتى لا يضيع ذلك الوقت الذي خصصه لكتاب الله وكان بعض زملائه يشده من ثوبه حتى يمسك به وهو يفر منهم حتى حفظ كتاب الله في الوقت والزمن الذي حدده .

 

ومن أهم الأوقات التي تعين على الحفظ المناسب وقوة الذهن وإدراك المواهب هو سحر الليل الأخير والله سبحانه وتعالى يقول :" ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا ،إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ، إن لك في النهار سبحا طويلا" فالنهار فيه كثير المشاغل وكثير من الأعمال إما الليل فيه الصفاء وفيه النقاء وفيه الاتصال بالله مع التفرغ من المشاغل، وكما يقول الأطباء أيضا استفراغ المعدة لهضم الطعام وتخليها من الأغذية الزائدة فيكون ذهنه صافيا ومعدته غير مشغولة، لان الطعام يجعل الدم ينزل إلى المعدة حتى تهضم الطعام فيبقى العقل خاملا يميل إلى النوم، أما مع صفاء الذهن وخلو المعدة من الطعام فذلك مما يعين على حفظ كتاب الله ، والسحر له سر من الأسرار العظيمة لا يدركه إلا من جرب ذلك ،وقد أخبرني بعضهم بأنه حفظ القرآن الكريم أو كاد أن يحفظ القرآن ن الكريم ولم يبق إلا القليل في خلال سنة واحدة لأنه يخصص ساعتين فقط قبل طلوع الفجر لحفظ كتاب الله تبارك وتعالى .

 

الوقت الثاني بعد صلاة الفجر وهو وقت تشهده الملائكة يقول الله تعالى:" وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" وإن كان هناك تنازع بين المفسرين في بيان هذه القراءة هل هي قراءة الصلاة وهو قول كثير من المفسرين أو القراءة بعد الصلاة ،ولكن هذا الوقت هو وقت شريف فاضل وعليه كان السلف الصالح يولونه عناية فائقة، وقد كان الإمام السالمى رحمه الله يجمع تلاميذه بعد صلاة الفجر في حلقة قرآنية ويطلب منهم أن يدققوا أثناء القراءة في الآيات وان ينتقي كل طالب من الطلبة آية يرجع بعد انتهاء الحلقة ليبحث عن تفسيرها في كتب التفسير فيستفيد تفسير آية في كل يوم .

 

الوقت الثالث بعد الظهر وهو بعد أن يأخذ قسطا من الراحة وينهضم الطعام أيضا فيكون أيضا ادعى إلى الحفظ .

 

الوقت الرابع ما بين العشاءين المغرب والعشاء وقد جرب بعضهم ذلك أي بين المغرب وبين العشاء فحصر نفسه في هذا الوقت فقط لا غير للحفظ وقد أنهى حفظ كتاب الله بكل سهولة ويسر، والأفضل لمن يريد أن يستخدم هذه الطريقة أن يقضيها في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى.

 

وكذلك مما يعين على الحفظ أنه يستغل جميع الأوقات ، طبعا في المذاكرة سنأتي إن شاء الله لنبين بان المذاكرة لا ينبغي للإنسان أن يتعلل ويقول لا يوجد وقت للمذاكرة بل ينبغي له أن يختار وقتين وقتا للحفظ والأفضل أن يكون في الوقت الباكر لأن الله بارك لهذه الأمة في بكورها ،ووقتا في المساء للمراجعة على اقل تقدير لا بد له من هذين الوقتين .

 

ثم أهل الهمة العالية لا يضيعون وقتا في ركوب سيارة أو حافلة أو رحلة إلا والمصحف في جيبهم يقرأون ويراجعون ما حفظوا ،أو حتى في قاعات الانتظار وصالات الانتظار في المتشفيات أو ما شاكلها من الأماكن فيستغلون هذه الأوقات، وذلك أمر مجرب ويعين كثيرا كثيرا على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى .

 

كذلك يفضل أن يكون غير شبعان فان الشبع كما ذكرنا يثقل على الإنسان الحفظ ويؤدى إلى شرود الذهن ويؤدى إلى الإرهاق والميل إلى الدعة والكسل والنوم أما مع الجوع أو مع قلة الطعام في ذلك الوقت يؤدى إلى صفاء الذهن ونقائه وزيادة الحفظ وانقطاع البلغم الذي إذا كثر يزيد في النسيان ومع قلة الطعام في ذلك الوقت يؤدى إلى انقطاعه أو قلته .

 

كذلك أن يختار المكان المناسب وهو المكان الذي يبعد فيه عن الملهيات كأن يختار غرفة نظيفة تشتمل على جميع الوسائل الصحية التي تعين الإنسان على التنفس الصحيح وعلى الإضاءة الصحيحة وعلى القراءة الصحيحة وعلى خلو الذهن بدون شيء من الضجيج أو الإزعاج أو القواطع، فلا يستحسن للإنسان أن يحفظ في قوارع الطرق أو بين متردد الناس بل شدد بعضهم حتى أن يحفظ في أماكن تكثر فيها المناظر الطبيعية، بمعنى أنه ربما يشتغل بها كالماء و الخضرة و ما شاكل ذلك.

 

و كأن اختيار ذلك المكان مما يعين على الحفظ عند بعض الناس لكن ذلك يأتي إلى نية الإنسان والى تفرغ ذهنه بالانقطاع إلى ما يريد من حفظ لا بالاشتغال في ما حوله من هذه المناظر، وقد حدثني أحد الأساتذة ممن جربوا أيضا هذا الحفظ بأنهم يستعينون على ذلك بغرفة مغلقة يقفل على نفسه ولا يخرج إلا بعد تمام محفوظة، ومما ذكر أحد الحفاظ وهو صاحب المذكرة بأنه إذا انقطع التيار الكهربائي لا يمكن أن يؤجل ذلك الحفظ حتى يستعين بسراج يضعه احتياطا لو انقطع التيار الكهربائي يضيئه حتى يتم محفوظة وإلا لضاع عليه الوقت .

 

ومن أهم الأماكن بيوت الله تبارك وتعالى وهي المساجد فإن المساجد هي اطهر البقاع على الأرض وأنقاها وفيها ذكر الله وفيها الخير العظيم وفضائلها جمة ويكون الإنسان في عباده كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :" ما يزال أحدكم في صلاته ما انتظر الصلاة والملائكة تدعو له اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث " ففي ذلك خير عظيم جليل .

 

ولكن لا يستحسن للذي يريد أن يحفظ بصوت عال لأن بعضهم يحفظ سرا او صامتا لا يستحسن لمن يريد أن يرفع صوته أن يكون في مكان مزدحم بالناس حتى لا يزعج المصلين او لا يزعج أيضا أخوانه الآخرين الذين يريدون أن يحفظوا .

 

** كذلك من القواعد وهي القاعدة السادسة التي تعين على الحفظ:

استغلال العمر الزمني وهى فترة الصغر وفترة الشباب فإنها المرحلة الذهبية في حياة الإنسان والإنسان يستطيع أن يحفظ في صباه ما لا يستطيع أن يحفظ عندما يكبر :

 

أراني أنسى ما تعلمت في الكبر ** ولست بناسٍ ما تعلمت في الصغر

 

ومما يذكر عن الشيخ الشاعر ابن شيخان أن أباه سلمه إلى معلم يعلمه القرآن عندما كان صبيا ولم يكن عند ابن شيخان مصحف فذهب أبوه ليبحث له عن مصحف يشتريه له فتأخر لمدة أسبوع فأتى إلى ولده ابن شيخان فوجده قد حفظ القرآن الكريم كاملا ،فإذن هذه مواهب ،ولكن الإنسان في سن الصغر له من الطاقة ما لا توجد عند كبر الإنسان وعند ازدياد شواغل حياته وعند كثرة أعماله وعند ضعف ذاكرته وحفظه .

 

** كذلك مما يعين على الحفظ أن لا يستقل أحدنا ما يحفظ ولو آية واحدة أو يحفظ آيتين فإن ذلك خير عظيم ما دام يستمر عليه، لا يستقل أحدنا حفظ آيه لواحدة لأنه لم يتعود على ذلك، وأي واحد منا يحاول أن يصعد فلا بد أن يجد صعوبة في الدرجات الدنيا ولكنه كلما صعد نشط وتقوى حتى يصل إلى المرتبة العالية وهو في راحة ونشاط تام، والذي يحاول القمة لا بد أن يتعب أولاً فلا يستقلن حفظه فان الله تعالى يزيد في حفظه باستعانته وتوكله على خالقه وبارئه .

 

وكذلك لا ينبغي أن يضع في قاموسه بأنه بليد الذهن وأنه غبي وأنه لا يحفظ وأن الله تعالى لم يوفقه، كل ذلك من دواعي الشيطان ووسائله للدخول في نفس الإنسان وتضيعه على العبد هذا الكنز الثمين الذي سبق إليه المتسابقون .

 

5- القاعدة السابعة والثامنة: الاستعانة بالوسائل المحفظة مح الحفظ المتين

** القاعدة السابعة ،،،

أن يبدأ بعد أن يختار المكان المناسب والزمن المناسب ويستجمع ما استجمع من وسائل كالمصحف والشريط وغيره أن يبدأ بحفظ الآيات ولا يبدأ في حفظ الآيات إلا بعد أن يستمع إليها كثيرا وان يقرأها كثيرا، فانه لو بدأ في حفظ آيات لم يسمعها أو لم يتعود على قراءتها إلا في القليل فإن الحفظ عليه صعب، لكن أرأيتم لو كان أحدنا في سيارته يستمع إلى الشريط ويحدد له بجدول زمني ماذا سيحفظ اليوم ويستمع إليه ويكرره ، ولا بأس بالاستعانة ببعض الأشرطة الموجودة في السوق ، ومنها قراءة الشيخ المنشاوي المكررة يكرر الآية مرتين وثلاث في نفس الشريط أو نفس المقطع مرة بعد مرة هذا يعينه على الحفظ ، وكذلك يقرأ كثيرا جدا تلك الآيات قبل أن يشرع في حفظها ،فإذا أتى إلى الحفظ وجده سهلا جدا لأنه قد استوعب معاني الآيات أو استوعب مجمل كلمات الآيات التي يريد أن يحفظها.

 

وكذلك مما يعينه على الحفظ هو بالخيار ينبغي أن يختار له إحدى طريقتين :والأولى هي الأفضل والأسهل وهي أن يحفظ تفصيلا ، إما الحفظ التفصيلي أن يبدأ بحفظ الآية ثم الآية التي تليها، فيبدأ بالآية يقرأها قراءة صحيحة ويجعل تركيزه في المصحف ثم يكررها مرة أو مرتين أو عشرا حتى تثبت في الذهن ،فإن اللسان عندما يكرر الكلمات يختزنها العقل ثم تثبت فيه ، يكررها حتى إذا ثبتت في ذاكرته وتأكد من حفظها حفظا جيدا تاما انتقل إلى الآية الثانية فيكررها على حسب حفظه ، بعضهم يحتاج خمس مرات في التكرير وبعضهم إلى عشر وبعضهم إلى عشرين وبعضهم لا يكفيه إلا ثلاثين أو ربعين مره، لا يمل ولا يكل حتى يستديم هذا الحفظ .

 

فإذا حفظ الآية الثانية بنفس الطريقة عاد إلى الآية الأولى فربطها بالثانية ثم ينتقل إلى الثالثة ويربطها بالأولى والثانية ثم إلى الرابعة ويربطها بالأولى والثانية والثالثة وهكذا حتى يكمل حفظه اليومي، فإذا انتهى سمع الجميع تسميعا جيدا متقنا ، فإذا وجد هناك خللا في حفظه لآية معينة عاد إليها أو إلى ذلك الموضع فكرره عدة مرات حتى يكون كنظرائه من الحفظ الجيد .

 

كذلك يجتهد في أن تكون قراءته مجودة بقدر الاستطاعة لان التجويد مما يعين على الحفظ السليم، فإن الفصاحة وذلاقة اللسان وحسن المنطق وعذوبة الصوت مما يعين على الحفظ الجيد، ويشجعه أكثر فأكثر على الحفظ الذي يطمح إليه .

 

** القاعدة الثامنة :

لا ينبغي له أن ينتقل إلى محفوظ جديد حتى يتقن ما حفظ من ذي قبل ، فإنه أن حفظ اليوم خمس آيات أو عشر آيات أتقنها اتقانا جيد عاد إليها في المساء فكررها ، ثم في اليوم الثاني قبل أن يبدأ في حفظه يكرر الآيات السابقة يعيد تسميعها، فإذا وجد خللا في حفظه للآيات السابقة بدأ في السابق فحفظه حفظا جيدا ، ولو أجل محفوظ اليوم إلى الغد حتى لا ينتقل من محفوظ مضطرب إلى محفوظ ربما أيضا يكون كسابقه وإنما يتقن ذلك الحفظ ثم يتبعه بما أراد من حفظ جديد .

 

ينبغي له كذلك في هذا الإطار أن يخصص وقتين كما أشرنا وقتا للحفظ ووقتا للمراجعة ، هذه المراجعة هي التي تكمن فيها الصعوبة فإن الحفظ يسهل على الإنسان " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" ولكن استرجاع الآيات هو الذي يصعب على الإنسان يكون الإنسان فرحا حفظ اليوم عشر آيات ما شاء الله أو عشرين آيه، فيأتي في المساء فلا يجد إلا آية واحدة أو آيتين والباقي ذهب أدراج الرياح ، النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى ذلك حيث بين بان مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة أن عاهد عليها امسكها وان تركها ذهبت ، كأنه بنى قصرا و هدمه في لحظة واحدة .

 

وكذلك على الإنسان مع هذه المراجعة اليومية أن تكون هناك مراجعة أسبوعية وحبذا لو تكون في آخر الأسبوع كيوم الجمعة أو ليلة الجمعة وهي ليلة مباركة وقد كان الشيخ إسماعيل الجيطالي رحمه الله يخصص لمحفوظاته أياما فكان يبدأها من بداية الأسبوع ويختمها باسترجاع ما حفظ من كتاب الله الكريم في ليلة الجمعة، إذن عليه أن يكون ذلك الوقت أيضا وقت يتسم بالنشاط والحيوية ويكرر ويعيد حتى يثبت ذلك الحفظ ، وينام على بركة الله ، لا بأس أن يستعين بصلاة النوافل فيقرأ فيها محفوظة في كل ركعة ثلاث آيات على اقل تقدير أو خمس آيات و يوزعها على اليوم ، ولا بأس أن يستغل الأوقات التي أشرنا إليها : في الحافلات وفى قاعات الانتظار وفي أي مكان يستطيع أن يكرر فيه محفوظه .

 

ثم يعرض حفظه على غيره حتى يتأكد من أن حفظه جيد، وعرض هذا الحفظ إما أن يسجل قراءته في شريط من محفوظه ويعرضه على المصحف فيتضح له أماكن الخلل أو الضعف في حفظه، ساعتها يرجع إليها في المصحف لكي يكررها فيستديم الحفظ .

 

أو أنه يعرض حفظه على شخص يسمع إليه وهو يرد عليه ويبين له مواضع الضعف في حفظه، أو انه يكتبها في ورقه ، وان كان الكتابة ليست كالقراءة ولكنها من وسائل استرجاع الحفظ ،فإذا أخطأ في آية يتبين المحل الذي يكون فيه ضعف الحفظ .

 

6- القاعدة التاسعة والعاشرة: فهم الآيات واختيار مصحف واحد يعين على تثبيت الحفظ وجودته

**القاعدة التاسعة :

لا بأس أن يتخذ له تفسيرا للقرآن الكريم ،الكلمة ومعناها على اقل تقدير ، ومنها هذا التفسير المطبوع لحسنين مخلوف ، فالكلمات الصعبة عندما يفهمها يسهل حفظها أو عندما يدرك بعض أسباب النزول يستطيع أن يربط بين الآيات بعضها ببعض وبين الأحكام بعضها ببعض وبين السور مع بعضها البعض .

 

** القاعدة العاشرة :

ينبغي أن يختار له مصحفا واحدا هذا المصحف يكون برسم واحد، ومما يشتت الذهن في الحفظ أن يحفظ اليوم من مصحف ثم الذي بعده من مصحف آخر، ولا نعنى بتعدد المصاحف أن تكون المصاحف متفقة في الطبعة ، لا وإنما نعنى تعددها اختلاف طباعتها أو اختلاف كتابتها مثل مصحف المدينة النبوية ،طبع عشرات النسخ هو مصحف برسم واحد وتقسيم واحد، وهو ما يسمى بالمصحف الموجه، أن يبدأ بآية كاملة وينتهي بآية كاملة .

 

ويجتنب بقدر جهده أن يستعين بالمصاحف الأخرى التي ربما لا تنتهي بآية كاملة،ذلك مما يعين الإنسان أن يحفظ وجه الصفحة كاملة بسهولة ويسر، ويتم الحفظ آية آية وهكذا ،فيختار له مصحفا واحدا، ولا بأس بأن أن يختار له مصحفا يصاحبه في حضره وسفره .

 

والمصحف الذي نشير إليه يعين على رسم هذه الآيات في ذهن الإنسان ويصورها تصويرا تاما، فإن الذي جرب الحفظ يكاد عندما يقرأ الآيات لو قيل له في أي صفحه يقول الصفحة التي على اليمين في أعلى الصحفة أو الآية الثانية من أعلى الصفحة أو الآية الثانية قبل الأخيرة من اسفل الصفحة ،يستطيع أن يحددها حتى في وضعها، فإذا نسي شيئا من محفوظه تذكر موضع الآية فأعانه ذلك على سهولة الاستذكار وأعانه على سهولة الحفظ بمشيئة الله تبارك وتعالى ، وكذلك رسم الكلمات ، ربما تكون الكلمة كبيره أو الكاف طويلة أو ما شاكل ذلك ، هذا مما يعينه على تذكر تلك الآيات الشريفة.

 

7- القاعدة الحادية عشرة والثانية عشرة: معرفة المتشابه وأحكام التلاوة وربط الآيات بعضها ببعض

** القاعدة الحادية عشرة :

أن يربط الآيات بعضها ببعض والسور كذلك، فإن الآيات لها معان ومقاصد ، فآيات الأحكام تختلف عن آيات القصص ،وانتهاء القصص والانتقال إلى آيات أخرى أيضا له عوامله ،فإن القرآن نزل على فترات متعددة من أطوار الدعوة الإسلامية ،ولكن يوجد بين الآيات روابط لو أمعنا ودققنا في ذلك ، فعلى الإنسان أن يحاول أن يربط بين مناسبات الآيات، مثلا عندما تنتهي مثلا قصة شعيب تأتى قصة موسى مع فرعون كسورة الأعراف وهود، أو عندما تنتهي السور الفلانية تأتى السورة الأخرى ، أو تنتهي السورة المكية تأتى بعدها سوره مكية أو سورة مدنيه، يجعل بينهما رابطا ورباطا ،ولا بأس إن استعان ببعض كتب علوم القرآن التي تتكلم عن تناسق الآيات والسور وترابطها مع بعضها البعض.

 

** القاعدة الثانية عشرة :

معرفة المتشابهات من الآيات، كثيرا ما تتشابه الآيات ( إنما الحياة الدنيا لهو ولعب ) أو ( الحياة الدنيا لعب ولهو ) بتقديم اللهو على اللعب، أو اللعب على اللهو كما في سورة الأعراف والعنكبوت ، لا بد أن يحدد ذلك بشيء معين ، أن يربط مثلا العنكبوت والأعراف قدم اللهو على اللعب ، وغيرها قدم اللعب على اللهو وهكذا ، ففي ضبط أمثال هذه الأشياء مما يعينه على جودة الحفظ .

 

كذلك على الإنسان أن يحاول أن يلتزم كما أشرنا بأحكام التجويد ،وأحكام الوقوف في المصحف، فقد وضعت علامات للوقف ( ج ، صلى ، قلى ، الميم ، رأس الآية ) ، ( لا ) علامة الوقف القبيح، ينبغى أن يلتزم بذلك ، وان كانت هذه جهود علماء لكنه يختار انسب وأليق المعاني التي يصلح أن يأول بها كتاب الله ، فوضعوا فيها علامات ، وذلك اجتهاد منهم، والالتزام بها هو الأصلح والأنفع ، خاصة أن المبتدئ لا يدرك تلك الوقفات، ربما يقف في مكان لا يعرف أتم معناها أم لا .

 

ومما نلاحظ ملاحظة واضحة كبيرة جدا أن الواحد منا يقطع الآيات تقطيعا غريبا ، فيفصل مثلا المستثنى عن المستثنى منه والمعطوف عن معطوفه والصفة عن موصوفها والفاعل عن فعله والخبر عن مبتدئه ... وهكذا ، ذلك يشتت القراءة ،ويؤدى إلى تغيير المعنى وتبديلها.

 

هناك أمثلة كثيرة على ذلك، منها الوقف القبيح الذي يحرم أن يقفه الإنسان بسبب انه يبدل المعنى ، ونجد بأن بعض الناس لا يلتزمون بذلك ، ومن ضمن ذلك وان كانت لا تصل إلى شناعة كبيره ما شاع عند كثير من الناس عندما يقرأون سورة النبأ يقرأون " رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا ، يوم يقوم الروح والملائكة صفا " هنا وقف حسن "لا يتكلمون إلا من إذن له الرحمن وقال صوابا" جملة جديده وإن كانت متعلقة بما قبلها إلا أن هذا التعلق لا يكون تعلقا ضروريا يقبح أن يقف على ( صفا ) ، كثيرا ما نلاحظ بأنهم لا يقفون على ( صفا ) بل يقفون على قوله ( لا يتكلمون ) رغم أن الوقف هنا قبيح جدا، لو وقف على ( صفا ) لكان حسنا، ثم عاد فوصلها بما بعدها ( صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) أو قبلها بكلمة أو كلمتين لكان ذلك أليق وأحسن بكتاب الله .

 

وكذلك في سورة النازعات " أأنتم اشد خلقا أم السماء " لا بد أن يقف هنا فإذا وصل افسد المعنى ، وهذا الذي أشار إليه سماحة الشيخ حفظه الله في تنبيه له على ذلك ،فيقف إذن على قوله" أأنتم اشد خلقا أم السماء " استفهام استنكاري ثم يأتي الجواب" بناها" أو يأتي على ما يأتي من تفسير، فالأليق أن يقف في هذا المحل ولا ينبغي له أن يصله .

 

وغير ذلك من الأماكن التي هي اشد وأخطر من ذلك كالأماكن القبيحة جدا أن يقف عليها، فينبغي مراعاة رسم المصحف في هذه الوقفات وأن يستعين بها في حفظه ذلك ،فإنه يحفظ حفظا جيدا بمشيئة الله .

 

ومن نافلة القول أن ننبه على أن "لا" إذا وضعت في المصحف فإنها تدل على معنيين : معنى لا تقف ،ومعنى لا تبتدئ ،واكثر رسام المصاحف يضعون "لا" ، للنهي عن البدأ، أي انه يجوز لك أن تقف على ( لا ) لأنه وقف حسن، لكن لا تبدأ بما بعدها، هكذا في اكثر المواضع عدا بعض المواضع اليسيرة التي تفهم من سياق الآيات الكريمة، وذلك لأن المصحف رسم على قاعدة الوصل ، أي وصل الآيات بعضها ببعض ، حتى في رؤوس الآيات ،فهم ينهون عن الابتداء لأن الأصل أن تصل فإذا وقفت جاز لك ذلك ولكن ينبغي أن لا تبتدأ به .

 

ومن ضمن الأخطاء أيضا عدم التنبه للضبط الأعرابي التي لا ينتبه إليه إلا الذي يدقق في تلاوته، كقول الله تعالى في آخر الحجر:" فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين " ( تؤمر) فعل مضارع تجرد من الناصب والجازم فهو مرفوع ،لكن من الملاحظ أن البعض يسكنون الفعل " تؤمر" هذا خطأ ينبغي التنبه له ،إذا لم يدقق الإنسان أثناء حفظه سيحفظ حفظا خاطئا .

وكذلك قوله تعالى" يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " في سورة الصافات كذلك الفعل ( تؤمر) هو مرفوع ، ومن الخطأ تسكينه .

 

8- القاعد الثالثة عشرة والأخيرة: الاستعانة بالدعاء فإنه مفتاح التوفيق

الاستعانة بالدعاء فإن الدعاء سلاح المؤمن وهو مفرج الكربات ولا يقعدن أحدنا يشكو سوء حفظه وبلادة ذهنه وإنما عليه أن يدعو ومما استحبه كثير من العلماء أن يدعو قبل حفظه بهذا الدعاء :" سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر ولله الحمد عدد كل حرف يكتب ابد الآبدين ودهر الداهرين اللهم افتح علي أبواب حكمتك وانشر علي رحمتك وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم " يقول هذا الدعاء قبل شروعه في الحفظ .

 

هذه بعض القواعد التي تعين على الحفظ وان شاء الله تبارك وتعالى ستكون هناك بعض التلخيصات أو المذكرات أو الأوراق التي ستوزع على كل من يريد أن يشترك في هذا المشروع مشروع حفظ القرآن العظيم ، إن شاء الله تبارك وتعالى .

 

وصلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.