طباعة
المجموعة: مع حفظة القرآن
الزيارات: 1988

مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم والمراكز الأولى

خرَّجت مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم عبر مسيرتها الحافلة عددا كبيرا من حفظة كتاب الله ، الذين مثلوا السلطنة في المسابقات المحلية والدولية المختلفة ، حاملين معهم اسم السلطنة في كل محفل، وكن بين هؤلاء الذي أفادوا من تجربتهم العمانية من خلال تفوقهم في دورة من دورات مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم المتسابق : سليمان بن حمد الطوقي ، الذي حقق نجاحا آخر في مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم ، حول سر نجاحه ذلك ، كان للثقافية هذا الحوار عنه .

 

ما هي ملامح رحلتك مع حفظ القرآن الكريم ؟

بدأت حفظ القرآن العظيم وأنا في الخامسة من العمر ، وكان أخي الأكبر – وله الفضل عليَ بعد الله تعالى – يقوم بتلقيني آيات في كل يوم إلى أن تعلمت القراءة الصحيحة السليمة ، فأصبحت حينها أعتمد على نفسي ، وكنت آنذاك في سن الثامنة تقريبا ، لكنني لم أعدم التوجيه والعناية من الوالدين وأخي الكبر ؛ إذا الطفل في مثل هذا العمر يكون ميَّالاً إلى اللعب أكثر منه إلى العلم والحفظ والقراءة ، وبعد أن بلغت الرابعة عشرة اعتمدت على نفسي اعتمادا كليا؛ فكنت أضع جدولا معينا للحفظ والمراجعة في كل يوم ، ومما ساعدني ساعد ني على مواصلة الحفظ التحاقي بمعهد العلوم الإسلامية بجعلان ؛ لدراسة المرحلة الثانوية ، فكنت أجد هناك تشجيعا من أساتذتي وزملائي ، وتوفر الجو الملائم هناك كان عاملا كبيرا لاستمراري في حفظ ، ومن الجدير بالذكر أن التحاقي كذلك بعهد العلوم الشرعية لدراسة المراحل الجامعية أضفى إلي مزيدا من الاهتمام لمراجعة القرآن الكريم بالتقائي بزمرة من ذوي الخبرة في هذا المجال من الطلبة والأساتذة ، فأخذت منهم ما أعانني على ترسيخ الحفظ وإتقان التلاوة ، وقد أتممت حفظ كتاب الله كاملا في فتره بعد انتهائي من الدراسة في معهد العلوم الإسلامية ، وقبل التحاقي بعهد العلوم الشرعية ، وكان عمري آنذاك سبعة عشر عاما .

 

أما عن أول إنجاز في يخص مشاركاتي في مسابقات حفظ القرآن فكان حصولي على المركز الأول على مستوى أنديه السلطنة في مسابقات حفظ القرآن التي تقيمها الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية (سابقا) في شهر رمضان، وكان ذالك في عام 1421هـ، أما مسابقات السلطان قابوس لحفظ القرآن فقد حصلت على المركز الثالث في حفظ عشرين جزءا ، وكان ذلك في نفس العام ، والمركز الخامس في حفظ ثلاثين جزءا ،هذا فيما يخص المشاركات المحلية .

 

 أما على الصعيد الدولي فكان حصولي على المركز السابع في المسابقة الهاشمية الدولية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره بالمملكة الأردنية الهامشية وذلك في عام 1426هـ ، وفي المسابقة العالمية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره بجمهورية مصر العربية في عام 1427هـ ، حصلت على المركز الثامن ، ومن ثم توجت بالمركز الأول في المسابقة العالمية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره بالجمهورية التونسية في عام 1428هـ ، ولله الحمد أولاً وآخراً ، وبالمجلة فقد هيأت لي المسابقات الداخلية - وعلى رأسها مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم المجال لمواصلة الطريق وخوض غمار المسابقات الدولية ، والتي من آخرها هذه المسابقة التي نحن بصدد الحديث عينها .

 

كيف جاء ترشيحكم للمشاركة في المسابقة الدولية بتونس؟ وهل هذه أول مشاركة لكم خارج الحدود؟

 

ترشيحي لمسابقة تونس جاء عن طريق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ممثلة في دائرة مدارس القرآن الكريم ، التي وضعت ثقتها فيَّ وكلفتني بهذه المهمة ، فبذلت ما أستطيعه حتى أكون عند حسن ظنها ، فكتب الله ذلك - فله الحمد والمنة - ولم تكن مشاركاتي في مسابقات تونس الدولية الأولى خارج الحدود بل سبقتها خمس مشاركات ، وهي كالآتي :

  1. جائزة دبي الدولية لحفظ القرآن وتفسيره في الإمارات العربية المتحدة بإمارة دبي في عام 1424هـ.
  2. مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره بالمملكة العربية السعودية بمكة المكرمة في عام 1425هـ.
  3. المسابقة الهاشمية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره بالمملكة الأردنية الهاشمية بعَمَّان في عام 1427هـ .
  4. جائزة الفاتح العالمية لحفظ القرآن الكريم بالجمهورية العربية الليبية بطرابلس في عام 1427هـ .
  5. المسابقة العالمية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره بجمهورية مصر العربية بالقاهرة في عام 1427هـ .

 

حدثنا عن المنافسة في مسابقة تونس للقرآن، وهل كنت تتوقع الحصول على هذا المركز المشرف؟

 

بشكل عام كانت المنافسة قوية وحادة ؛ فجميع المتسابقين الذي أتوا للمشاركة قد وضعوا المركز الأول نصب أعيينهم ، وكلهم بذلوا أقصى ما يستطيعون ليتوجوا به ، فلا شك أنه إذا اتحدت هذه النية في نفوسهم جميعا ستكون المنافسة هي أقصى ما يستطيعون ليتوجوا به ، فلا شك انه إذا اتحدت هذه النية في نفوسهم جميعا ستكون المنافسة في أقصى حدتها ، ناهيك عن اشتهار بعض الدول بقوة متسابقيها دائما ، ولا أدل على ذالك من حصولها على أعلى المراتب في مختلف المسابقات الدولية في كل عام كالسعودية وليبيا ونيجيريا وتشاد وغيرها من الدول.

 

 وفي الحقيقة عندما برزت في منصة التسميع وأتممت ، وبعد أن استمعت إلى إخواني المتسابقين انتابني شعور بأن المسابقة هذه المرة ستختلف عن سابقاتها ، وأحسست أنني بدأت أقترب من المراكز الثلاثة الأولى ، ولم يكن المركز الأول في حسباني إلا أن شعوري به كان قويا ، فجاءتني البشرى التي أثلجت صدري وفرحت بها؛ لأنني- بفضل الله وضعت أول لبنة عمانية من لبنات الانتصار في هذا المضمار، وأسديت لوطني غيضا من فيض مما أسبله علي من رعاية وعناية، فطالما رضعت مهجته، ورويت من غزير علمه ، ونهلت من عظيم خيراته وأسأله-تعالى عز وجل–أن تليه إنجازات عمانية قادمة، وألا يكون الإنجاز العماني الأخير .

 

ما الذي أفادتك به مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من إتقان في الحفظ والتجويد؟

 

أفادتني الكثير الكثير؛ صقلتني وهيأتني للمنافسات الدولية ، من حيث مشاركاتي المتعددة بها ، فشاركت في جميع فروعها عدا فرع واحد وهو حفظ جزء واحد ، فكل ما تقدم عام شاركت في فرع أعلى من العام الذي سبقه إلى أن أنهيت مشاركاتي بهذه المسابقة المباركة في عام 1423هـ ، وكانت المسابقة في دورتها الثانية عشرة ، ولا ريب أن المشاركات المتعددة في هذه المسابقة المباركة أعانتني–بفضل الله–على تثبيت الحفظ وترسيخه، خاصة وأن مشاركتي بها كانت متتالية، ومسابقات السلطان قابوس لم تقتصر على الحفظ فحسب بل كانت تشمل التجويد كذلك، وقراءتي في أحكام التجويد في كل عام كان لها الأثر الطيب في تحصيلي على جزء من الأحكام التجويدية المهمة .

 

في رأيك ما الذي ينقص القارئ العماني للوصول لمرحلة الانتشار ، علما أن المقرئين العمانيين لا يقلون مستوى عن نظائرهم في الدول الأخرى؟

 

القراء الآخرون المتقنون يتميزون بارتباطهم منذ صغرهم بشيوخ متقين ؛ فهم يتلقون القرآن من أفواه شيوخ منذ نعومة أظفارهم، وغالبا ما يكون ذلك في المسجد ؛ فيبدءون بداية سليمة ، ويسيرون على الطريق الصحيح، وهذا الارتباط بالمسجد يساعدهم على تجديد الحفظ وترسيخه؛ بارتباطهم بشيوخهم وزملائهم حفظة القرآن ، وهذا بدوره عامل مهم للرقي بهم نحو الفضل ، وقلما تجد من يبدأ حفظه وقراءته على يد شخص لا يملك إجازة في الرواية التي يقرأ بها ، أو غير ملم بأحكام التجويد ؛ فضلا عن الدعم الذي يجدونه من الأسخياء ، فكان لهم هذا الانتشار، لذالك فلا تعجب إن وجدت منهم من يحفظ القرآن ولم يتجاوز الثامنة من عمره، ناهيك عن التحاق كثير منهم بالمعاهد التي تدرس علم القراءات وتميزهم في هذا المجال، باختصار هذه العوامل مجتمعة تنقص القارئ العماني حتى يصل مرحلة الانتشار، لكنني أحس من خلال جلوسي إلى بعض حفظة القرآن اهتماماً بهذا المجال، ورغبة في تطوير أنفسهم حتى يصلوا مرحلة المتنافسين الأقوياء لإخوانهم في الدول الأخرى، خاصة إذا وجدوا من يضع يده على أيديهم.

 

هل لديكم مشاركات أخرى في الوقت القريب؟ وما الذي تخطط له للارتقاء أكثر بمستواك في المستقبل؟

 

في الوقت الحالي لا توجد لدي مشاركات، فموسم المسابقات يتأرجح بين أشهر شعبان ورمضان وشوال من كل عام، وإن سنحت لي الفرصة، وكلفت في مسابقة قادمة فهي فرصة لي لبذل مزيد من الاهتمام في ترسيخ حفظ القرآن، وفرصة كذلك للاستفادة من خبرات الآخرين الذين ألتقي بهم هناك.

 

أما عن ما أخطط له فأرجو من الله تعالى أن يوفقني لأجد فرصة لمواصلة مشواري الدراسي في مجال من مجالات القرآن الكريم، خاصة للقراءات القرآنية في أقرب وقت ممكن، قبل تراكم زحمة الحياة ومشاغلها ومشكلاتها لأغرف غرفة من هذا البحر العظيم؛ لأكون عوناً لإخواني في تعلم هذا العلم الذي عزف عنه الكثيرون منا، ربما لظروف لا تساعدهم في ذلك، ولأقدم لوطني إنجازاً طالما تعهدني بالرعاية، فأحمل جزءاً من فن ندر وجود من يحمله في هذا البلد المعطاء، وأسأل الله العون والتوفيق.

 

 لكل شخص طريقته في الحفظ، ما الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم واستذكاره لديكم؟ وهل يوجد وقت معين أفضل من آخر؟

 

من حيث جدول الحفظ فأحدد أياماً للحفظ وأياماً للمراجعة في كل أسبوع، فالأيام من السبت إلى الخميس أجعلها للحفظ ويم الجمعة للمراجعة، وبعد أن أنهي جزءاً من القرآن أجعل له يومين لمراجعته وتكراره لأرسخ حفظه، إلى أن أتمم خمسة أجزاء فأتوقف أسبوعاً عن الحفظ، وأجعله لمراجعة الأجزاء الخمسة التي حفظتها.

 

أما من حيث كيفية الحفظ فأكرر قراءة الصفحة التي أود حفظها من خمس إلى عشر مرات، ثم أشرع في حفظ آية آية، وما إن أتم حفظ آية حتى أكررها وسابقتها معاً، إلى أن أتم حفظ الصفحة ، وهكذا أصنع في حفظ كل صفحة، وأحاول ربط الآيات المتشابهة بعضها البعض، حتى أبتعد عن التخليط بينهما، لكن الأمر يبقى صعباً مع قلة المراجعة والتكرار، ويظل سهلاً بالمراجعة المستمرة.

 

إن من الأمور التي تساعد على ترسيخ الحفظ وتجديده واستذكاره قراءة المحفوظات في الصلاة، خاصة في السنن والنوافل، وهذه تجربة الكثيرين من حفظة القرآن؛ لأن الإنسان في الصلاة يبتعد عن جميع العلائق الدنيوية فيبقى مع القرآن في جو الصلاة، فجو الصلاة يختلف عن غيره، أما في غير الصلاة فربما يسرح أو يفكر أو يشتغل بشيء خارج عن الحفظ، وهذا لا يساعده على تجديد الحفظ مبكراً، فإذا احتاج لتثبيت حفظ جزء من الأجزاء في الصلاة إلى يوم ففي غير الصلاة سيحتاج إلى يومين أو ثلاثة، علماً بأن ما يقرأ في الصلاة يثبت أكثر مما يقرأ خارج الصلاة.

 

أما بالنسبة للأوقات فهي تختلف من شخص لآخر، فمنهم من يناسبه بعد الفجر ومنهم بعد العصر، ومنهم قبل الفجر، لكن الوقت الذي يكاد يتفق عليه أغلب الحفاظ هو بعد الفجر، فالمرء يبدأ يومه بالقرآن وذهنه آنذاك خالٍ من مشكلات الحياة وهمومها، فهو لم يدخل غمار يومه بعد، فيكون ذهنه صافياً.

 

في رأيك من هم أفضل المقرئين في الوقت الحالي؟ وبمن تأثرت؟

لا أستطيع أن اذكر بالتحديد أفضل المقرئين الآن، لكن أقول: إن من القراء الذين اشتهروا اشتهاراً واسعاً بالإتقان، وعرفوا بخبرتهم في هذا المجال د. أحمد عيسى المعصراوي، ود. أيمن رشدي سويد، ونصحني بالارتباط بهم أو بتلاميذهم عدد من أساتذة القراءات الذين التقيتهم في المسابقات، وأثنوا عليهما ثناء عاطراً، وسمعت بعض المقرئين يذكر الشيخ إبراهيم الأخضر كذلك، وأن لد يداً طولى في هذا المضمار، ولا يوجد من المقرئين من تأثرت به فيوقت مبكر، إلا أن الشيخ محمود الحصري يعد من أفضل المقرئين الذين ذاع صيتهم، ونشرت أشرطتهم، وقد أعجبت بأدائه وإتقانه.

 

نصيحة:

أنصح نفسي والقارئ الكريم بالمسارعة في مضمار القرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتدبراً وتطبيقاً؛ لأن القرآن سر عظيم من أسرار السعادة، ما تعلق به الإنسان إلا سعد، وما أعرض عنه المرء إلا شقي، فالعبد مأمور بأن ينهج نهج القرآن، وأن لا يحيد عنه، والأمة لن تعيد مجدها التليد الخالد إلا بالقرآن، بالاستمساك به والسير على طريقه، وما نال الفضل والخير والعز إلا من جعل القرآن دستوره، فلنحض أبناءنا وإخواننا على حفظ القرآن والمنافسة فيه، فإن في ذلك تشجيعاً لهم على مواصلة درب الخير، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

-----------------

* الحوار منقول من مجلة "ثقافية" التي يصدرها مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية، ص 41-43