الاعتذار ج1

بثت في:

25/محرم/1431هـ

11/يناير/2010م

----------------------

 

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الإخوة المستمعون والمستمعات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد، قد وعدناكم في الحلقة الماضية أن نتحدث اليوم بإذن الله تعالى عن الاعتذار.

الاعتذار صفةٌ أخلاقيةٌ راقية، تحرص كل الأمم والشعوب على تقديم صوراً رائعةً منها، إلا أنها في عالم المسلمين تمثل قمةً في السمو، وصورةً عاليةً من صور علاقة الإنسان بأخيه الإنسان مهما كانت صلته به، بَيْدَ أنها مع أهميتها التي سوف تستمعون إليها بحول الله تعالى تحتاج إلى فقهٍ خاصٍ، يتتبع طرائق تقديمها وأوقاتها، والظروف التي يتعين على المرء أن يتقدم بها-أي بصفة الاعتذار-، ولسوف يَظهَرُ لكم من خلال لقائنا هذا جمالياتٌ كثيرة تجعل السامع لها منطلقاً إلى أن تكون لغةً يتحدث بها مع الآخرين أو يتعامل بها إن أردنا أن نتجنب موضوع المبالغة، في هذا اللقاء سوف يحدثنا في الحوار والنقاش والأسئلة التي تأتي منكم  فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي.

 

*********************

أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ..

 

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج أو يشاركون فيه، وأسأل الله سبحانه وتعالى في مستهله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه تعالى سميعٌ مجيبٌ.

 

مقدم البرنامج: آمين..

طبعا المستمعون الآن كثيرون، توسعت دائرة البث، ووصلت إلى ولايات السلطنة جميعها تقريبا-الحمد لله-، ولذلك نتوقع أن تكون هناك مشاركة كثيرة.

فضيلة الشيخ هذا الموضوع طبعاً مهمٌ جداً، وهو طريفٌ  أن يُتَناول في حلقةٍ كاملة، نريد منكم أن نتعرف في البداية على أهم العناصر والمحاور التي سنتعرض لها في حلقة اليوم، ولماذا موضوع الاعتذار يُتَناول في الإطار العام للبرنامج وهو دين الرحمة؟

 

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد النعمة المهداة، والرحمة المسداة، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن موضوع الاعتذار كما تفضلتَ هو من المواضيع التي فيها من الجمال وفيها مما يدل على كمال هذه الشريعة الشيء الكثير؛ ذلك أنها تتعلق بصفةٍ لها من الاتصال بالقيم والأخلاق التي تعرضنا لها في دين الرحمة الصلات الوثيقة، فالاعتذار خصلةٌ حينما يتحلى بها المرء فإنه يجد نفسه متصفاً بجملةٍ من الصفات التي قلما تتوفر حينما يأنف المرء من الاعتذار، ومع أن الاعتذار مفهوم معلومٌ عند كثيرٍ من الناس إلا أنهم يُقصِّرون في جوانبه التطبيقية؛ ولذلك سوف نحاول اليوم بمشيئة الله تعالى أن نتعرض لما يتصل بالجانب النظري تعريفاً وتحقيقاً للاعتذار وأصوله في هذه الشريعة في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ثم بعد ذلك سوف نَعطِف على ما يتصل بالجوانب التطبيقية لهذه الخصلة أو لهذه الصفة، وبدايةً أريد أن أبيِّن أننا نتناول الاعتذار اليوم من حيث كونه خصلةً تكون بين الناس في علاقاتهم مع بعضهم البعض، فنحن لا نتعرض للاعتذار الذي يكون بين المرء وربه وخالقه سبحانه وتعالى توبةً وندماً واستغفاراً فيما قصَّر فيه العبد في حق ربه ومولاه جل وعلا، فلن نتعرض لما يكون من معاني الاعتذار قريباً من معاني التوبة والاستغفار، وإنما نتعرض للاعتذار باعتباره من الخصال التي ينبغي أن تكون بين الناس فيما بينهم.. في علاقاتهم.. في أقوالهم، وأن تكتنف ما يتصل بتصرفاتهم وأفعالهم.

 

 أصبح للاعتذار اليوم مفهوماً أقرب إلى المفهوم القانوني السياسي، وهو ما يمكن أن يكون بين الدول أو بين المؤسسات والمنظمات الدولية من حيث المطالبة بالاعتذار، ثم ما يترتب عليه من فعلٍ أو تصرفٍ ما، وما يترتب عليه من حقوقٍ والتزاماتٍ بعد ذلك.. لا نتعرض لهذا، نحن نتعرض اليوم للاعتذار باعتباره صفةً ينبغي أن تكون بين الناس.. تكون داخل الأسر.. تكون بين الأقارب.. تكون بين المسلمين.. تكون بين سائر الناس، هذه هي التي نتعرض لها، وبالتالي-كما قلتُ-سوف تكون من مَحاوِرِنا بعد تعريف الاعتذار.. أصول هذا الاعتذار في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ثم سننتقل إلى طريقة الاعتذار، ومتى يكون الاعتذار، ما هي الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها المرء حتى يتمكن من الاعتذار، ثم بعد ذلك  سوف نتناول الطرف الآخر الذي يُعتَذَرُ إليه هل هناك من التزامات..؟ هل هناك من صفاتٍ ينبغي أن يتحلى بها هو حتى تُحقِّقَ قيمة الاعتذار غايتها وآثارها في المجتمع؟

 

ثم سوف نُعرِّج أو نختم-بمشيئة الله تعالى-ببيان آثار الاعتذار في واقع علاقات الناس فيما بينهم، وكل هذه المجالات يمكن للإخوة والأخوات أن يشاركوا فيها تأييداً أو اعتراضاً.. إضافةً أو حكايةً يمكن أن تكون ذات صلة بالموضوع، ولعلنا نحن يمكن أن نطرح اليوم بعض الأسئلة على الإخوة والأخوات الذين يرغبون في المشاركة عن وجهة نظرهم فيما يتصل بقيمة الاعتذار، وأهمية الاعتذار، وأنهم هل يُطبِّقون فعلاً الاعتذار، فإن كانوا لا يُطبِّقون ما هي الموانع التي تمنعهم من ذلك، وهل يعتذرون حينما يشعرون أنهم غير مخطِئين أو غير مقصِّرين.

 

مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ هل سَنَدخل بهذه الخصلة في بيوتٍ يَظُنُّ الناس أنها لا يمكن أن تنهض فيها مثل هذه الصفة كالبيوت الزوجية مثلاً؟

 

الشيخ كهلان: بل هي ذات صلةٍ وثيقةٍ بالبيوت الزوجية، وسوف نجد أن كثيراً من المشكلات الاجتماعية بدءًا من الصلة بين الزوجين أو الصلة بين الأولاد ووالديهم كان يمكن أن تُحسَم وأن تُعالَج بكلمة اعتذارٍ لطيفة، وكذا الحال فيما ينشأ من خصوماتٍ ونزاعاتٍ بين الناس كان يمكن أن تُستَلَّ بكلمة اعتذار بسيطة، ذلك حينما نفهم معنى الاعتذار، وندرك أهمية الاعتذار، ثم بعد ذلك نتعرف على كيفية الاعتذار.

 

مقدم البرنامج: إذاً كيفية الاعتذار هو آخر ما نطقتَ به وأول ما نسألك عنه في هذا اللقاء بعد ذِكْرِ العناصر والمَحاوِر، ما هو الاعتذار؟ وما معناه؟

 

الشيخ كهلان: الاعتذار الحقيقة أنا يمكن لي أن أجيب بجوابٍ مختصرٍ وأقول الاعتذار معروف، كثيرٌ من الناس أو أغلب الناس يعرفون ما معنى الاعتذار، وهو أن يُقَدِّمَ عُذْرَهُ إلى شخصٍ آخر, والمعاني اللغوية لكلمة الاعتذار وما اشتُقَّتْ منها كلمة الاعتذار تدور في الحقيقة حول هذا المعنى، ويمكن لي أن أَذْكُر تعريفاً مختصراً أقول استنبطتُه من جملة تعاريف وجدتها في كتب الأخلاق والرقائق تتحدث عن هذا الموضوع، وهو: تعبيرٌ عن شعور المرء بالأسف فيما يُنكَرُ عليه أو فيما قَصَّرَ أو أخطأ فيه، هو تعبير.. ولذلك قد لا يكون تعبيراً بالكلام-سوف نأتي إلى أن الاعتذار لا يُشتَرط فيه أن يكون تعبيراً بكلام-قد يكون دمعةً تنهمر من عين آسفٍ هي تُعادلُ الكثير من الكلمات، فهو اعتذارٌ صامت لكنه بليغ، وقد يكون الاعتذار بحالة انكسار تبدو على المعتذِر عند المعتذَر إليه وتغني عن الكثير من الكلام.

 

الحاصل أن الاعتذار هو تعبير، وهو تعبيرٌ صادق عن شعورٍ بأسف، منشأ هذا الأسف إما أن يكون عن أمرٍ قَصَدَهُ هذا المعتذِر أو عن أمرٍ لم يقصده، فقد يعتذر عن خطأ وقع منه سهواً أو غفلةً أو دونما تبيُّن لكنه يُنكَرُ عليه لأنه في حقيقته وفي الموازين الصحيحة الموافقة للعدل والحق تصرفٌ خاطئ.. تصرفٌ ينبغي أن يُنكَر، ولعل ذلك التصرف أدى إلى جملةٍ من الآثار السلبية، فإذاً هو تعبيرٌ صادقٌ عن أسف المرء أو عن شعور المرء بالأسف فيما يُنكَر عليه أو فيما قَصَّر.. قد لا يُنكَر عليه لكنه هو يعلم أنه قصَّر في أمرٍ من الأمور أو أخطأ في أمرٍ من الأمور في حقِّ غيره من الناس، وهذا التعبير لا يكون إظهاره بالتعبير عن الأسف، قد يكون إظهاره لأسفه إنما يكون ببيان عذره.. كما يقول أهل اللغة وأهل الفقه بإظهار سبب أسفه أي بإظهار حُجتِه، قد يُظهِر سبباً، حتى في أبسط الأمور، لنجعل هذا الأمر في مسألةٍ واقعة في مثالٍ بسيط نُقرِّبه للناس مثلاً ارتبط مع أخيه بموعدٍ ولكنه تَخَلَّفَ عن ذلك الموعد.. تأخر عن هذا الموعد، هذا موقفٌ يستدعي منه الاعتذار، اعتذاره إما أن يكون إن كان بتقصير منه فإذاً ينبغي أن يُظهِر لأخيه أسفه، ويقدم له اعتذاره لتأخره عليه في ذلك الموعد أو أن يكون لسببٍ خارجٍ عن إرادته كأن يُصادِف مثلاً مانعاً في الطريق وادٍ مثلاً..

 

مقدم البرنامج: نعم مع حرصه على الموعد..

 

الشيخ كهلان: نعم..

اليوم كثير من المواعيد تعطلت بسبب الأمطار والأودية، فلنقل إذاً هو سَيُبْدِي حُجَّتَه.. سيكون اعتذاره بإبداء سبب تأخره، وقد لا يحتاج إلى أن يُعبّر عن الأسف؛ لأن تأخره كان بسببٍ خارجٍ عن إرادته، إذاً هذا المعنى.. هذا التعبير بإظهار السبب.. ببيان الحُجَّة هو اعتذار، أما كيفية ذلك فكما قلتُ قد لا يكون تعبيراً بكلام، مع أن الكلام هو أوضح وأَصْرَح؛ لكن له من الوسائل والأساليب الشيء الكثير، أي قد يكون الاعتذار مثلاً بين الزوجين بأن يُقَدِّم الزوج لزوجه هديةً فيُفهَم من ذلك.. لا حاجة إلى الكلمات يُفهَم من ذلك أن تقديم الهدية إنما كان اعتذاراً عن تقصيرٍ ما أو إنما كان تعبيراً عن أسفٍ بأمرٍ أنكره الزوج، وأنا أقصد الزوج هنا أحد الزوجين.

 

مقدم البرنامج: وهذا سيأتي تفصيله  بحول الله تعالى..

و قضية الدموع عندما ذَكَرْتَ بأنها تَخرُج من قلبٍ صادق نحترس بذلك عن دموع التماسيح طبعا..

 

الشيخ كهلان: أكيد، وكذا عن كلام المجاملات، ولذلك ما ذكَرتَه من أن يكون تعبيراً صادقاً ينفي هذا النوع من الاعتذار.

 

مقدم البرنامج: نستمع الآن إلى هذه الآية القرآنية، ثم ننطلق بعد ذلك في شرح معانيها.

 

*********************

{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ{88} قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ{89} قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{90} قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ{91} قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:88-92).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

فضيلة الشيخ هذه الآية واضحٌ جداً أنها تحكي مشهداً وَقَعَ بين يوسف-عليه السلام-وبين إخوته، نريد منكم أن تبينوا لنا مواطن الاعتذار فيها، وكيف تَمَّتْ، والمعاني التي تُستَفاد منها في هذا الجانب.

 

الشيخ كهلان: نعم هناك جملةٌ من الآيات في كتاب الله عز وجل وردت فيها مشتقة أو كلمة الاعتذار بصيغٍ متعددة، لكنني اخترتُ هذا السياق القرآني؛ لأنه يُعبِّر عما نتحدث عنه تعبيراً كبيراً، فأغلب الآيات التي ورد فيها الاعتذار في كتاب الله عز وجل تتحدث عن تقصيرٍ في حق الله عز وجل، وبالتالي تتحدث عن الاعتذار بإظهار التوبة والندم والاستغفار في جَنْبِ الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك مثلاً في قول الله عز وجل: {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (الأعراف:164)، وكذا فيما قَصَّهُ لنا الله سبحانه وتعالى من أحوال المنافقين سواءً كان ذلك في حالة السِّلم أو الحرب في كتاب الله عز وجل نجد جملةً من الآيات وفيها بيان الاعتذار {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ...} (التوبة:65-66) إلى آخر الآيات، وكذا {وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ ...} (التوبة:90) إلى آخر الآيات القرآنية.

 

مقدم البرنامج: كاعتذار الملائكة لربهم عندما قالوا: {... أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ...} (البقرة:30).

 

الشيخ كهلان: نعم هو من نوع الاعتذار..

كذلك {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ...} (غافر:52) هذا اعتذار في الآخرة-أي حجتهم في تقصيرهم وبغيهم وظُلمِهم-، ولذلك تمام الآية {... وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (غافر:52)،  في سورة القيامة {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ{14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (القيامة:14-15)؛ لكن هذا السياق القرآني الذي نتعرض له من سورة يوسف أشبه بما نتحدث عنه من الاعتذار الذي يكون بين الناس، فهم قد أخطأوا لا شك في حق يوسف-عليه السلام-وهذا خطأ في حق ربهم ، لكن هذا السياق نجد أن فيه اعتذاراً مع أن كلمة الاعتذار غير موجودة؛ ولذلك قلتُ لا يَلزَم من الاعتذار أن تكون كلمة الاعتذار والتأسف موجودة، وإنما يكون حتى بالاعتراف بالخطأ والتقصير يكون اعتذاراً {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} لا اعتذار هنا صريح، لكنه اعتذارٌ حقيقي.. بهذا المفهوم بهذا المعنى هو اعتذار {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}، فهذه قَصَّرتْ الكثير من المسافات، واستلتْ ما في النفوس، فإذا بيوسف-عليه السلام-النبي الكريم ابن النبي الكريم ابن النبي الكريم يقول: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ...}، إذاً يَقْبَلُ اعتذارهم مع أنه كما قلتُ لم توجد كلمةٌ صريحةٌ في الاعتذار لكن يوسف-عليه السلام-بما علمه الله عز وجل أدرك أن إخوته في هذا الموضع يعتذرون إليه؛ فلذلك قال: {... لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ...} ثم قال: {... يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، ثم بقية القصة، إذاً هذا السياق هو الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بمسألة الاعتذار الذي نتحدث عنه.

 

مقدم البرنامج: طبعا لا يُراعى المقام هنا؛ لأنهم ربما وقَعوا تحت قبضة السلطة..

 

الشيخ كهلان: نعم؛ لكن حصل ذلك فيما مضى، هذا السياق القرآني تقدمته مواقف بين يوسف وإخوته وكان يمكن لهم أن يعرفوا يوسف وأن يعتذروا.. أتيحت لهم الفرص لذلك، لكنهم لم يفعلوا ذلك، بمعنى لما حتى-في بدايات القصة-لما أخفى يوسف-لحكمةٍ علمه إياها ربه تبارك وتعالى-صواع الملك في رحال أخيه لكي يتأخر أخوه معه هم ظلوا في غيهم وقالوا: {... إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ...} (يوسف:77)،

 

ويمكن لي أن أفهم من كلام المفسرين أن بنيامين الذي اتُّهم في هذا الموضع هو شقيق يوسف وليس بشقيقهم، فأرادوا أن يبينوا أن فرع يوسف وأخيه هو الذي يتصف بمثل هذه الصفات، وأما هم فإنهم يبرئون أنفسهم من مثل هذه الصفات، أي حتى في هذا السياق مع أن شيئاً من ذلك لم يحصل من يوسف-عليه السلام-لكنهم لم يرتدعوا ولم يكونوا كما في هذا الموقف الذي اعترفوا فيه بخطئهم واعتذروا فيه إلى يوسف، ولذلك فَهِمَ عنهم يوسف ذلك وقال: {... لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ...}.

 

مقدم البرنامج: إذاً هم وصلوا إلى مرحلةٍ انكشفت لهم فيها الحقيقة وأصبحوا أمام أمرٍ واقع.

 

مداخلة متصل: أردت أن أسألكم: إذا تأسفتُ لشخصٍ ولم يتقبل الأسف ما رأيكم في هذا الموضوع؟

 

الشيخ كهلان: سنأتي إن شاء الله تعالى..

لكن أخي: أنتَ لو اعتذر إليك شخص ماذا سيكون موقفك؟

 

المتصل: أتقبل عذره.

 

الشيخ كهلان: بارك الله فيك.

 

مقدم البرنامج: نعود إلى موضوع الآية..

 

الشيخ كهلان: نعم هناك آيات أخرى نريد أن نبين فقط صلتها بهذا الموضوع؛ حتى لا يَلتَبِسَ على القارئ أنها من الآيات التي وردت فيها كلمة العذر بمشتقاتٍ معينة لكننا لم ندرجها في الحلقة.

 

مداخلة متصل آخر: يرى البعض أن الاعتذار ضَعف من هذا الإنسان، متى يكون الاعتذار ضَعفاً؟ ومتى يكون الاعتذار قوة؟ كما أن الطرف الآخر يستغل الاعتذار هذا حتى يكيل الأسباب ويكيل المسببات على المعتذِر، أي بمعنى أن يقول له لولا أنك أخطأت لما اعتذرت، ثم إنه بعد ذلك يستغل هذا العذر بعدم صفحه، متى يكون الإنسان معتذراً في هذه الحالة؟

 

مقدم البرنامج: أخي في تصورك بما أنك سألت هذا السؤال (متى يكون الاعتذار ضَعفاً؟) في نظرك هل يمكن أن يكون الاعتذار ضَعفاً في مرحلة من المراحل؟

 

المتصل: أرى أنه في بعض الحالات يكون ضَعف من الإنسان عندما يعتذر وهو لم يصل إلى درجة الخطأ الذي يجب عليه أن يعتذر فيه، إنما كان يجب عليه أن يفعل شيئاً آخر حتى يُقَدِّم عذره بطريقةٍ لا يستغلها الطرف الآخر في أنه يُحمِّله الأسباب في النهاية.

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ باختصارٍ في موضوع الآيات لأن لدينا مجموعة كبيرة من العناصر.

 

الشيخ كهلان: ورد في كتاب الله عز وجل في قصة موسى-عليه السلام-مع العبد الصالح، وهي قريبة من معنى الاعتذار، لكن بإظهار الحُجَّة.. بإقامة الحُجَّة في أمرٍ كان عليه اتفاق ويتكرر ذلك {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً} (الكهف:76)، فموسى-عليه السلام-يُخاطِب العبد الصالح بأنه قد استوفيتَ عذرك مني فإن سألتك عن شيءٍ بعدها فلك الحق في أن لا تصاحبني، هذا السياق بين نبيٍّ مرسلٍ كريمٍ عند الله عز وجل وكليم الله-عليه السلام-وبين عبدٍ صالح آتاه الله عز وجل رحمةً من عنده وعلماً دليلٌ على علو منزلة الاعتذار، وأنه يَصدُر من هذا النبي الكريم دليلٌ على أن صفة الاعتذار هي من الخِلال الكريمة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، وبالتالي سوف ننطلق بعد ذلك من هذا الفهم إلى بيان أن الاعتذار ليس في الحقيقة ضَعفاً، إذ لا يقدر عليه كثيرون، وإنما يقدِر عليه من أوتي نصيباً من الصبر ومن الأناة والرفق، فالاعتذار حينما يكون صفةً وخصلةً فإن هذا يندرج في قوله تعالى: {... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ...} (البقرة:83)، ويندرج في قوله تبارك وتعالى لبيان صفات نبيه: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ...} (آل عمران: 159)، ويندرج في قوله تعالى في بيانه لصفات المؤمنين: {... أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ...} (المائدة: 54)، فَهُم فيما بينهم يتحلون بهذه الصفات، وهي صفاتٌ في ذاتها صفاتٌ نبيلةٌ كريمةٌ غايةٌ في الأهمية.

 

مقدم البرنامج: إذاً أنت الآن مهَّدتَ إلى موضوع الاعتذار هل يمكن أن يكون ضَعفاً أو لا؟، ولكن هذه الجزئية سنأتي إليها إن شاء الله، نبقى الآن مع هذا الحديث النبوي الشريف ثم نعود  لمناقشته بإذن الله.

 

*********************

عن نافع عن ابن عمر-رضي الله عنه-قال: "كان بعَين صفية-رضي الله عنها-خَضِرَة، فقال لها رسول الله-صلى الله عليه وسلم: ما هذه الخَضِرَةُ بعينك؟ فقالت: قلتُ لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم قمراً وقع في حِجري، فلطمني وقال: تريدين ملك يثرب، قالت: فما كان أبغض إليَّ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قتل أبي وزوجي، فمازال يعتذر إليَّ ويقول: يا صفية إن أباكِ أَلَّبَ عليَّ العرب وفعل وفعل..، حتى ذهب ذاك من نفسي".

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ شدَّني في هذا الحديث فقرةٌ سنعود إلى مشاركتها بإذن الله "... فما كان أبغض إليَّ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قتل أبي وزوجي ..." مع هذا القتل صار محبوباً لديها-رضي الله عنها-، لكن نريد أن نصل إلى هذه النقطة الحساسة-إن شاء الله-بعد أن نسألك الآن عن هذا السؤال المهم-طبعا وردت إلينا اتصالات في موضوع ضَعْف شخصية الإنسان عندما يعتذِر-: الناس تَظُنُّ أنها إذا اعتذرت تكون بذلك ضعيفة لأنها تُعبِّر عن خطئها الذي كان ينبغي لها أن لا تنحني له أمام الآخرين، فما أهمية هذا الاعتذار في العلاقات بين الناس؟ وما صحة ما تَقَدَّم من تصورات عند بعض الناس في هذا الشأن؟

 

مداخلة متصل ثالث: عندي استفسار:

يدور في خاطري آية من آيات القرآن الكريم التي قيل على لسان زليخة وأوردها بعض المفسرين على لسان سيدنا يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ...} (يوسف:53) الاعتذار في هذه الآية اعتذار جميل، بالرغم أن أغلب القول قيل على لسان زليخة وليس اعتذار سيدنا يوسف؛ لكن بعض المفسرين فسروها على أساس أنها من اعتذار سيدنا يوسف لأن النفس أمارة بالسوء، وهو اعتذار أراه اعتذارا جميلا جداً، نريد من الشيخ كهلان توضيح أو لمحة حول هذه الآية إذا كان فيها فعلاً اعتذار أو لا.

 

مقدم البرنامج: وطبعا هذه الآية أخي جاءت بعد مشهدٍ من الاعتذار الآخر الذي قد تقدمتْ به زليخة والنساء اللواتي كنَّ معها، هذا سنسلط عليه الضوء إن شاء الله.

فضيلة الشيخ موضوع الاعتذار وضَعف الشخصية..

 

الشيخ كهلان: إذاً يكون الجواب على هذا السؤال من خلال هذا الحديث النبوي الذي تابعناه سوياً، هنا نجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يسأل صفية والظاهر من هذه الرواية أن هذه الحادثة كانت قبل أن يتزوج رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بصفية بنت حيي بن أخطب، فلذلك لما رأى عليها-صلى الله عليه وسلم-على عينها خَضِرَة سألها عن السبب فقالت أنها رأت رؤيا في المنام، ونعلم أن اليهود كانوا بارعين في تعبير الرؤى، هي رأت كأن القمر في حِجْرِها، فَقَصَّت هذه الرؤيا على زوجها فأدرك معنى هذه الرؤيا، وهو عَبَّرَها بهذا قال: تريدين ملك يثرب؟! فلطمها غيرةً وحنقاً وحسداً، ثم كانت الحرب فقَتَلَ المسلمون أباها وقتلوا زوجها؛ ولذلك قالت: "فما كان أبغض إليَّ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-"، وبيَّنت سببه "قَتَلَ أبي وزوجي"، ثم قالت: "فمازال يعتذر إليَّ"، كيف يعتذر-أي رسول الله-صلى الله عليه وسلم--؟ يقول: "يا صفية إن أباك ألَّبَ عليَّ العرب، وفعل كذا.. وفعل كذا.. وفعل كذا.."، مع أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-لم يخطئ-حاشاه-بقتله لأبيها ولزوجها إنما كان يقيم شرع الله سبحانه وتعالى، ويجاهد في سبيل الله إعلاءً لدينه، وكانوا على كفرٍ، وكانوا محاربين لله ولرسوله، ومع ذلك فالنبي-صلى الله عليه وسلم-راعى مشاعرها أنها فقدت أباها وفقدت زوجها وإذا به-صلى الله عليه وسلم-يَسْتل تلك المشاعر الغضبى من نفسها، ويُظهِر لها ما يزيل ذلك عن نفسها، وفَهِمتْ هي؛ ولذلك عبَّرت قالت: "فمازال يعتذر إليَّ"، وتعبير "... مازال ..." دليل على تكرار ذلك.. على ديمومة فعل ذلك من النبي-صلى الله عليه وسلم-"حتى ذهب ذلك من نفسي".

 

مقدم البرنامج: إذاً هذا من بعد قناعتها بأنه هو رسول الله.. بعد أن آمنت..

 

الشيخ كهلان: نعم، بعد أن  بيَّن لها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ما فعله أبوها واستحقاقه لما لاقاه من مصير إلى آخره، وكما قلنا هذا الموقف.. هذا الحديث وقصداً أتينا به لم يكن الرسول-صلى الله عليه وسلم-فيه مخطئاً إنما أراد كما قلتُ استلال سخيمة البغضاء من نفس السيدة صفية-رضي الله تعالى عنها-، ولذلك هذا الذي تحقق، فإذاً قد لا يكون الاعتذار لسبب خطأ من الشخص وإنما يريد به أن يخفف من مشاعر الغضب والحنق التي يمكن أن تكون في نفس أخيه، فيبيِّن له ويخفف من تلك المشاعر بما يبديه من أسبابٍ ويُظهِره من حججٍ وملاطفةٍ في القول وجميلٍ من التعبير، فلا يمكن أن يقال بأن هذا ضَعف.

 

ولذلك كان أهل المروءات من سلف هذه الأمة هم الذين يُقدِّمون قبول العذر على مؤاخذة أخيهم، فيروى عن الإمام علي-كرم الله وجهه-أنه قال: "لو سبني أحد في أذن واعتذر إليَّ في الأذن الأخرى لقبلتُ عذره"، فإذاً كان سينسى ما قام به من مسبةٍ في حقه-عليه السلام-في مقابل تلك الهمسة بالاعتذار في أذنه، وكذا نجد من موقفٍ: حَصَلَتْ مغاضبة بين أبي بكر الصديق-رضي الله تعالى عنه-وبين عمر بن الخطاب الفاروق-رضي الله تعالى عنهم أجمعين-، فغضب عمر، وإذا بأبي بكر وهو الذي كان على صواب يلاطف عمر بن الخطاب، إلا أن عمر ظل غضبان، حتى بَلَغَ ذلك رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فعاتب عمر قال: " خَلُّو لي صاحبي.. خَلُّو لي صاحبي"، فاعتذر عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق-رضي الله عنه-، قصة أبي ذر مع بلال، صحيح أن أبا ذر كان في هذه الحادثة مخطئاً وعاتبه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لما قال له: "يا ابن السوداء"، فعاتبه النبي-صلى الله عليه وسلم-أشد العتاب لم يكتفِ أبو ذر-رضي الله عنه-بأن يعتذر بالكلام لبلال، وإنما وضع خدَّه على التراب وقال: "ضع قدمك على خدي"، هذه لا تستطيعها النفوس الضعيفة في مثل هذه المواقف.

 

مقدم البرنامج: طيب هذه جاءت بتأثيراتٍ خارجية؛ فالنبي-صلى الله عليه وسلم-هو الذي قال لعمر، والنبي-صلى الله عليه وسلم-هو الذي قال لأبي ذر، إذاً كيف يُنمِّي الإنسان في نفسه هذا؟

 

الشيخ كهلان: أحسنتَ..

ليت الناس أخي سيف يتبعون الحق والصواب حينما يُبيَّن لهم وليس فقط حينما يَتَبَيَّنُونَ هم؛ لأن الإنسان أعمى عن عيوب نفسه؛ ولذلك المؤمن مرآة أخيه، والدين النصيحة، فقد نَعْذُر نحن من لم يرَ عيوب نفسه وقد نقول قد نعذره أنه-كما قلنا-لا يرى أخطاء نفسه ولا يراجع نفسه؛ لكننا لا نَعْذُرُهُ حينما يُبيَّن له الصواب ويُبيَّن له الحق لكنه يأنف من اتباعه أو حينما يكون الموقف فيه مما يَستلُّ-كما قلتُ-العداوات من القلوب ويزيل الشحناء منها ولا يُبادِر هو إلى كلمةٍ لطيفةٍ أو تعبيرٍ بسيطٍ صادقٍ يُزيلُ تلك النُّفرة، ويُبْعِدُ تلك الوَحْشَةَ من القلوب.

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ الأخ المتصل الثالث يَحكي  صورةً من صور الاعتذار التي وردت في القرآن الكريم، وهذا يَعُودُ بنا إلى السؤال الأول: الاعتذار الذي تقدمت به زليخة-وطبعا هناك بعض المفسرين قالوا هو على لسان يوسف-لكن نحن لو عدنا قبلها إلى الآيات التي تقدمت بها النساء أمام المَلك ليوسف-عليه السلام-من أنه كان صاحب عصمة، نريدك أن تُجَلِّي لنا هذا الاعتذار ليكون مُطَبَّقاً في واقع الناس بنفس تلك الصورة مثلاً؟

 

الشيخ كهلان: هو كما ذكر الأخ المتصل الثالث بأن هذه الآية اختلف فيها المفسرون هل هي مما قالته امرأة العزيز أو مما قاله يوسف-عليه السلام-؟، وعلى كلا الاعتبارين فيها اعتذار؛ لكننا إن قلنا إن هذه الجملة {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (يوسف:53) إن قلنا بأن هذه العبارة هي مما قاله يوسف-عليه السلام-فهذا اعتذارٌ إلى الله سبحانه وتعالى، وهو دَرَجُةُ كمال يُعَلِّمُ به يوسف-عليه السلام-.. هذا النبي الكريم يُعَلِّمُ الناس أنه لا ينبغي لمخلوقٍ مهما عَلَتْ منزلته أن يُنَزِّه نفسه عن الخطأ في مقام عبوديته لله سبحانه وتعالى، بل يستعصم بالله عز وجل في كل أحواله حتى ولو كان نبياً مرسلاً، فَتُحْمَل إن كانت الجملة على اعتبار أن يوسف-عليه السلام-هو الذي قالها تُحْمَل على هذا المحمل، وهذه درجة كمالٍ نبويٍ شريفٍ فيها مما يعلمنا التأسي والاقتداء الشيء الكثير، لكنها هي اعتذارٌ في حق الله سبحانه وتعالى، وإن قيل بأنها من قول امرأة العزيز وهذا قول الأقل من المفسرين في الحقيقة؛ لكن له وجهاً وجيهاً في هذا السياق القرآني فهذا اعتذارٌ في هذا السياق.. اعتذارٌ بالمعاني التي نتحدث عنها، وكما قلنا حينما يَظهَرُ للإنسان الرشد والحق والصواب فإن الحُجَّة قد قامت عليه، ولا يَسوغ له أن يُؤخِّر الاعتذار.

 

وهناك بالمناسبة-إن استطردتُ قليلاً-الاعتذار عند أهل العلم ليس من فواضل الخصال والصفات، قد يكون الاعتذار-وهذا سيجيب على جملةٍ من الأسئلة-قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون ممنوعاً منه، أما الاعتذار الواجب: فحينما تتعلق المعصية.. حينما يتعلق الخطأ بانتهاك عرض آخرين أي كالقذف والغيبة، هذه عند كثيرٍ من الفقهاء والعلماء يرون بأن التوبة منها لا تتم.. لا تَكْمُل إلا بأن يعتذر إلى من قذفه أو اغتابه، وهذا قولٌ وجيه عند العلماء، يكون الاعتذار-طريقة الاعتذار هذا بابٌ آخر-لا يُشتَرطُ أن يُصرِّح له بأنه مثلاً قذفه أو بأنه اغتابه وإنما يمكن له أن يُعبِّر باعتذارٍ فيه من الكناية اللطيفة ما يحقق الغرض ولا يبيح نفسه لتكون غَرَضَاً تُرمَى بالسهام، مثل هذه العبارة على لسان امرأة العزيز أو على لسان يوسف-عليه السلام-: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (يوسف:53) لو أردنا مثلاً كلمة في مثال في واقع حياة الناس اليوم مثلاً أن يعتذر إليه فيقول: (اعذرني.. لعلي لم أنتبه فتكلمتُ فيك أو لعلي قَصَّرتُ وذكرتُك بشيءٍ تكرهه)..

 

مقدم البرنامج: بمعنى: اعتذار عام..

 

الشيخ كهلان: بمعنى شيء فيه من العموم لكنه عمومٌ  قريبٌ من التخصيص.. قريبٌ من الخاص؛ لأنه يقول له: (لعلي ذكرتُك بشيء تكرهه.. أو لم أنتبه فذَكَرتُك..) شيء من هذا القبيل، هذا في سياق الواجب.

متى يُندَبُ لهُ؟ في حالات مثلاً السفر.. في حالات التوديع.. الذهاب للحج على سبيل المثال؛ لذلك يَذكُر الفقهاء أنه يَستَبرِئ ويُحالِل أهله وقرابته والناس جميعاً فيَعتذِر إليهم؛ لأنه مُقبِلٌ على أداء عبادة، وكذا الحال في حالة السفر في الجهاد أو السفر الطويل، هذه من المواضع التي يُستَحب فيها ذلك.

يُكرَه له الاعتذار إن كان اعتذاره في أمرٍ من الأمور سوف يزيد المشكلة اتساعاً، فالقول الحسن لابد له من وقتٍ مناسب.. والاعتذار لابد أن يختار له الوقت المناسب.. لابد أن يَنتَقي له الألفاظ المناسبة .

 

مقدم البرنامج: هذا سنأتي إليه إن شاء الله تعالى بعد أن نستمع إلى مجموعة من الحِكَم في هذا الموضوع.

 

*********************

من النظم قول الشاعر:

قيل لي قد أساء إليك فلانُ ....... وقعود الفتى على الضيم عارُ

قلتُ قد جاءنا فأحدَث عذراً .......... ِديَة الذنب عندنا الاعتذارُ

 

وقال آخر:

اِقبل معاذير من يأتيكَ معتذراً ... إن برَّ عندك فيما قال أو فَجَرَ

فقد أطاعك من يُرضيكَ ظاهره ... وقد أَجلَّكَ من يعصيك مستتراً

 

ويقال: من وُفِّقَ لحسن الاعتذار خرج من الذنب.

 

وكان يقال: اعتذارُ من يَمنَعُ خيرٌ من وعدٍ ممطولٍ.

 

مقدم البرنامج: نطرح سؤال الأخ المتصل الثاني الذي يقول هناك من يَستَغِلُّ الاعتذار ويتخذه فرصةً للنكاية بمن يَعتَذِرُ إليه إذ يعتبره بذلك بالفعل قد أخطأ في حقه، هذا يقودنا إلى عنصرٍ آخر؛ لكن سنأتي إليها بعد أن تبسط لنا هذه الصورة إن شاء الله.

 

الشيخ كهلان: أولاً أريد أن أبين نقطة: أن الاعتذار لا يعني المبالغة في إبداء الأسف.. لا يعني المبالغة، ولا يعني أن يُصرِّح هذا المعتذِر بكل ما بَدَرَ منه من أخطاء.. قد لا يحتاج إلى ذلك، إذا كنا قد قلنا في الاعتذار الواجب الذي يكون كما في حالات القذف والغيبة أن الاعتذار العام الذي لا يَذكُرُ التفاصيل يكفيه بإذن الله عز وجل لتمام توبته فما بالك بغير ذلك؟!

 

ولذلك قلنا إن هناك اعتذاراً محرماً، ما هو الاعتذار المحرم؟ هو الذي يكون كذباً أو الذي يكون مُسنَداً إلى كذب أي أن لا يكون صادقاً فيه وإنما يريد أن يرائي وينافق، أحيانا بعض الناس-هذه النفوس تحتاج إلى مراقبة-بعض الناس يَعتَذِر من أمرٍ له فيه سعة، حتى في العبادات مثلاً، مثلاً يكون صوم نفل فيأتي ولا يصوم ويرى غيره صائمين وهو كان في سعة هذا صوم نفل فإذا به يقول مثلاً كأنه يَعتذِر ليُبيِّن رياءً في الحقيقة أنه محافظٌ على النوافل وغير مُقصِّر فيها: (كنتُ أريد أن أصوم ولكني شعرت بمرض.. أو لم أتمكن من السحور.. أو كذا.. أو كذا..)، الآن اعتذاره جلب له الإثم؛ لأنه غير صادقٍ فيه، والله سبحانه وتعالى مطلع عليه، بينما ذات الفعل لم يكن فعلاً واجباً عليه، فهو في سعة يُباح له أن لا يفعل ذلك، ويقاس على ذلك مثلاً كثير من النوافل من صلوات النوافل أو صدقات النفل أو تلاوة القرآن وغير ذلك يقول ذلك وليس الحال كذلك، نعم من كان حاله كذلك ويُراعي اعتبارات معينة حتى لا يُتَأسَّى به في الترك ويريد أن يبعث الهمة في نفوس الآخرين هذا باب آخر، لكن أن يكون كاذباً في اعتذاره وأن يدَّعي كذباً وزوراً وبهتاناً حالةً هو غير مُخلِصٍ فيها فذلك مما لا يَسوغ شرعاً.

 

مقدم البرنامج: لكن فضيلة الشيخ قد يقع الإنسان في إحراج من هذا النوع كأن يكون الناس مثلاً صاموا يوم عرفة وجاءهم رجل لم يكن صائماً قالوا: (لماذا لم تصم هذا اليوم؟ وهذا اليوم فيه خير)، يضعونه في إحراج، فيضطر إلى الإجابة في بعض الأحيان.

 

الشيخ كهلان: لا.. هو يجيب؛ لكن أن يُبيِّن سبباً غير صحيح هذا سيدخله في باب الرياء، لا حرج عليه بينه وبين الله سبحانه وتعالى هذه عبادة الآن فهو بينه وبين الله سبحانه وتعالى، إن كان ربه قد عذره لأنه لم يَفرِض عليه صيام ذلك اليوم فما حاجته إلى أن يعذره الناس أو لا يعذروه؟! لكن إن كان يريد فليَذكُر ما هو صحيح، ليقل لهم أن هِمَّتي كانت قاصرة، ما الحرج عليه في ذلك؟! هو ليس بصومٍ واجبٍ أو ليقل لهم أن عندي من الأعمال المكتبية ما كان يمنعني من ذلك، إلى آخر ما هو صحيحٌ من الأسباب التي  يراعيها الناس.

 

مقدم البرنامج: ولكن سلوكهم هم ما تعليقك عليه؟

 

الشيخ كهلان: لا.. لا ينبغي..

ليعتمدوا على مقصدهم إذا كانوا يريدون حثَّه على الخير ونُصحَه إلى المبادرة هذا لا حرج فيه، أما إذا كانوا يريدون الإنكار عليه فنحن قَدَّمنا في هذا البرنامج أنه لا ينبغي أن يكون الإنكار في باب النوافل طالما أن المرء محافظٌ على الفرائض ومعلوم عنه الخير والحرص على الخير والصلاح إلا من باب كما قلنا التناصح، وهذا له طُرُقُهُ ووسائله.

سؤال الأخ المتصل الثاني في مسألة استغلال الطرف الآخر هو يقول بأنه يَسْتَغِل..

 

مقدم البرنامج: بأنه ضعيف..، يقول: لو لم تُخطِئ لما اعتذرتَ..

 

الشيخ كهلان: نعم، وهو كذلك وليكن كذلك، الاعتراف بالحق فضيلة..

 

مقدم البرنامج: لكن هذا الاعتراف منه هو وليس من المعتذَر إليه، المعتذَر إليه هو الذي يقول له الآن لو لم تخطئ في حقي لما اعتذرت.

 

الشيخ كهلان: نعم..

نحن الآن نتكلم عن باب المعتذِر، مسألة المعتذَر إليه هذه سنأتي إليها؛ لأنه عليه التزامات كما قلنا ينبغي أن نبينها؛ لكن بالنسبة للمعتذِر هو لا يضره أن يبدي عذره وأن يعتذر ولو كان سيتلقى لوماً من الطرف الآخر؛ لأن اعتذاره ذلك إنما لكي يمحو به آثار الخطأ أو التقصير الذي وقع فيه، وهو باعتذاره ذلك يقول-أي إن تَلَقَّى ذلك-فيقول: ولذلك أنا أعتذر إليك؛ لكن لا يحتاج.. لا يعني هذا أن يُبالِغ كما قلنا، ولا أن يدَّعي ما لم يكن فيه من أوضاعٍ وأحوال، وإنما يكون صادقاً في اعتذاره، وسنأتي كيف ينبغي أن يتلقى المعتذَر إليه اعتذار المعتذِر كما سأل عنه جملة من الإخوة، وكما هو  محورٌ مهم في حلقة اليوم إن لم يتسع لها الوقت يمكن أن نرجئها.

 

مقدم البرنامج: إن شاء الله بالنسبة للمعتذَر إليه هذا حكمه ربما سنُفرد له حلقة إن شاء الله؛ لكن بالنسبة للتعريف الذي ذكرتَه في بداية اللقاء عندما عرَّفتَ بأن هناك نوعاً من الاعتذار قد يكون بدمعةٍ جاءت عن أسفٍ وحزن، حتى لا يظن الناس بأن هذا كافياً عندما يخطئ شخص في حق إنسانٍ آخر ثم يُعبِّر عن أسفه بأن تكون دمعة أو أسف أو شيء من هذا القبيل ألا يدخل هذا في موضوع تعالي المعتذِر عن المعتذَر إليه بأن يجد صعوبةً في أن يتقدم إليه بالعذر فيكفي أن يُظهِر أسفاً على وجهه أو دمعةً على عينه؟

 

الشيخ كهلان: لا.. هذه أشد وأشق على النفوس؛ لأن إظهار انهمار الدموع من العين أبلغ في الدلالة على الانكسار والضَّعف من كلمةٍ يقولها بلسانه؛ إذ خِداعُ العيون أقل من خِداعُ الألسن.

 

مقدم البرنامج: قد يكون العين تدمع فقط أسفاً على الموقف الذي حصل وليس أسفاً على أنه أخطأ

 

الشيخ كهلان: هذا ما نريده.. نحن نريد أن يشعر بالأسف، هذا هو الاعتذار أن يُظهِر لصاحبه أنه يشعر بأسفٍ على ما بَدَرَ منه.

 

مقدم البرنامج: لكن قابيل مثلاً اعتذر وندم عن قتل أخيه بأن دفنه فقط.

 

الشيخ كهلان: هذا فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، كما قلنا ما نتحدث عنه هنا هو في علاقات الناس فيما بينهم، أما مسألة الاعتذار إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار هذه لها شروطها وآدابها، وهي ليست ببعيدة عن موضوع ومفاهيم الاعتذار.. قريبة جداً للاعتذار إلى الله سبحانه وتعالى بإظهار الندم-هذا ما نتحدث عنه-والأسف والعزم على عدم العود ثم الاستغفار وأداء الحقوق، لذلك قلنا في موضوع مثلاً القذف والغيبة أن من أداء الحقوق الاعتذار إلى صاحبه.. الاعتذار إلى من قُذِفَ أو اغتابه.

 

مقدم البرنامج: في الحديث الذي تطرقنا إليه في موضوع عندما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-لصفية: "يا صفية إن أباك ألب عليَّ العرب" هناك خطأ يرتكبه الأب مثلاً في حق شخصٍ آخر أو يرتكبه شخص في حق شخصٍ آخر فيبقى الذي ارتُكب في حقه الخطأ معادياً لأبنائه.. معادياً لأقاربه ولا يُبَرّر لهم سبب ذلك العداء، هل هذه الصورة تدخل في موضوع الاعتذار؟

 

الشيخ كهلان: نعم تدخل؛ ولذلك نريد أن نقول أن من فوائد الاعتذار هو استخراج ما يمكن أن يكون في النفوس من بغضاءٍ وعداوةٍ يمكن أن تمتد فتؤدي إلى التدابر والتقاطع، في حين أن تلك الخصومة والنفرة كان يمكن أن يطفأ أوارها بكلمةٍ لطيفةٍ يَعتذِر فيها هذا المخطئ إلى أخيه أو حتى إن لم يكن مخطئاً ابتغاءً للإصلاح بين الناس، ونظراً في العواقب، وابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى مِن مَن كظم غيظه وصبر على أذى الناس وكان هو أوسع صدراً وأشرح صدراً وأبعد أفقاً من غيره من الناس، ولهذا لما قال الله سبحانه وتعالى: {... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:34) من المخاطَب؟ مخاطب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-والمؤمنون في كيف يواجهون عداوة الأعداء {... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت34-35)،

 

هذا الصنف من الناس هو الذي يَظُن الناس اليوم أنهم ضعفاء الشخصية، هم ليسوا كذلك، هم استطاعوا أن يتغلبوا على أنفسهم؛ لأن النفس أمارة بالسوء؛ لكنهم تمكنوا من أن يتغلبوا على وساوس هذه النفوس فيكونون أعلى من غيرهم، فيستعلون بالإيمان وبصلتهم بالله سبحانه وتعالى، ويستمدون العون من الله سبحانه وتعالى فيترفعون فوق هذه الأخطاء التي تَصْدُر حتى من غيرهم؛ ولذلك يوجد في مسائل الاعتذار يقول: (... فاعتذَر له)، كيف اعتذَر له؟ بمعنى حتى ولو لم يكن هو مخطئ يعتذِر لغيره، يقول: لعله أراد كذا.. لعله أراد كذا، هذه درجة أخرى هي التي سوف نتحدث عنها في الحلقة القادمة من حقوق أو من التزامات المعتذَر إليه.

 

وبدايةً إذا بَلَغَهُ شيءٌ عن أخيه-كما في بعض الآثار-ينبغي له أن يَحمِلَه على أحسن المحامل حتى لا يجد له محملاً، أما إن كان يجد له محملاً واحداً وصحيحاً ويجد تسعةً وتسعين محملاً غير صحيح فينبغي له أن يَحمِله على حسن الظن الواحد ذلك، فيعذره بهذا يقول: لعله أراد كذا.. لعله أراد كذا، ويمكن له أن يَعتَذِر له عند غيره.. إن كان شخصٌ قد قصَّر مثلاً: ابن قصَّر في حق والده فيأتي العم ليَعتذِر للأب-لأخيه-فيقول بأن ابنك لعله كان يريد كذا، وهو من باب الإصلاح بين الناس الذي تحدثنا عنه سابقاً، هذا يَعتذِرُ لأخيه.. هذه درجةٌ أخرى.. هذه درجة ينبغي أن يصل الناس إليها تسامياً ورفعةً وتحرياً لمزيد فضلٍ عند الله عز وجل وعظيم منزلة.

 

مقدم البرنامج: إذاً هناك مجموعة كبيرة من الصور المتعلقة بالاعتذار بحول الله تعالى سنكون سعداء بتناولها في الحلقة القادمة؛ لأن موضوع المعتذَر إليه  موضوعٌ طويل، هناك ألوانٌ أو صورٌ من الاعتذار بين الزوج وزوجته.. بين الأب وابنه والابن وأبيه، إضافةً إلى أننا سنُفَرِّق ربما في الحلقة القادمة بين الأسف والاعتذار، ما الفرق بين الأسف والاعتذار؟

شكراً لكم فضيلة الشيخ.. 

 

الشيخ كهلان: شكراً، بارك الله فيكم.

 

مقدم البرنامج: شكراً لكم أعزاءنا الكرام في هذا اللقاء، ونلقاكم بحول الله تعالى في الحلقة القادمة.

 

انتهت الحلقة