طباعة
المجموعة: برنامج دين الرحمة
الزيارات: 2154

الإنفاق ج2

بثت في:

21/ ذو القعدة / 1430هـ

9/ نوفمبر / 2009 م

---------------------------------

 

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي نواصل فيه معكم بإذن الله تعالى موضوع الإنفاق، راجين منكم مشاركةً حول هذا الموضوع استكمالاً للنقاط الطيبة التي تم النقاش حولها في الحلقة الماضية.

 

*********************

أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ..

 

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بكم، وأنا أحيي الإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، ونرحب بمشاركاتهم، وأسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه تعالى سميع مجيب.

 

مقدم البرنامج: آمين، الآن نبدأ في حوارنا فضيلة الشيخ: بين حلقتنا الماضية والحالية حول الإنفاق وما تفضلتم به من حديث مستفيض استبشر أهل عمان جميعاً بالمكرمة السامية من لدن صاحب الجلالة-حفظه الله-بزراعة مليون نخلة لتكون وقفاً لبيت المال، هل لك من كلمةٍ حول هذا الإنفاق السخي؟

 

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإننا لاشك نحمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة الجُلَّى، وعلى هذا التوفيق الذي اكتنف هذه الأمة، فهيأ لها هذا القائد الظافر الملهَم الذي يرى بحكمةٍ ما يحتاج إليه مجتمعه وما تبتغيه أمته من خيرٍ لحاضرها ومستقبلها، فإذا به يكون القدوة العليا والمثال الأفضل في المبادرة إلى الخيرات، وفي شحذ الهمم، وفي وصل هذه الأمة بماضيها كما في استشرافه لمستقبلها، فهذه المكرمة السخية من لدن حضرة صاحب الجلالة-حفظه الله تعالى ورعاه-لا شك تسترعي الجميل من الشكر، والبالغ من الثناء، والحسن من القول من كل أهل هذه البلدة الطيبة؛ ذلك أنها تبعث في النفوس انشراحاً، وفي القلوب طمأنينةً يستجيب معها وجدان أهل عمان فيلهجون-لا شك-بالشكر لله عز وجل.. بالحمد لله عز وجل، والشكر لصاحب هذه الأيادي البيضاء، وهذه المبادرة الكريمة.

 

ولا ريب أن في دلالة هذه المكرمة بجعل وقفٍ لبيت المال مقداره أو نوعه غرس مليون نخلة لا شك أن فيه من الدلالات مما يتصل بموضوعنا الذي كنا قد شرعنا فيه الأسبوع الماضي وارتأينا أن يمتد بنا فيه الحديث لهذا الأسبوع لا شك أن فيه من الدلالات، فإن المجتمع الذي يبادر فيه قادته وحكامه وأهل الرأي والنظر إلى أن يكونوا أمثلةً حيةً نابضةً بكل ما فيه نفع المجتمع والأمة لا شك أنه مجتمع يُنعِمُ الله سبحانه وتعالى عليه بالبركات فيفتح له جل وعلا من خزائن رزقه ومن لطائف خزائنه، ويضفي على قلوب أهل هذه البلدة من الألفة والمحبة ما يديم عليهم نعمه طالما أنهم شاكرون لهذه النعم، مقدرون لها، ويضعون ما فتحه لهم من خيراتٍ وأرزاقٍ في مثل هذه المواضع التي-كما قلتُ-يكون نفعها ممتداً دائماً، ويكون دفق خيراتها عاماً شاملاً، وهذا ما نقرؤه في جعل هذه المليون نخلة وقفاً وبيت مالٍ لهذه الأمة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي صاحب هذه المكرمة السخية وهذه الأيادي البيضاء الجزاء الأوفى، وأن يجعله قدوةً لغيره لكي يتنافسوا على الخيرات، متعاونين على البر والتقوى، ساعين إلى كل ما فيه خير هذا المجتمع وهذه الأمة.

 

مقدم البرنامج: آمين..

شكراً لكم فضيلة الشيخ على هذا التوضيح حول المعاني السامية من هذه المكرمة السامية، دعنا الآن فضيلة الشيخ نحاول أن نعطي المستمعين ملخصاً عما دار من كلامٍ حول موضوع الإنفاق في الحلقة الماضية، وما الجديد الذي نقدمه اليوم في حلقتنا هذه؟

 

الشيخ كهلان: نعم، من العناصر الأولى التي تعرضنا لها تناول القرآن الكريم لموضوع الإنفاق، وركزنا على أن الإنفاق ورد في مواضع كثيرة وسياقات عديدةٍ من كتاب الله عز وجل مأموراً به وموصوفاً به عباد الله تعالى المتقين الذين يرثون جنةً عرضها السموات والأرض، وموصوفاً به خير عباد الله تعالى في كتابه، ومُنَبَّهاً إليه في مواضع كثيرة حينما يكون التنبيه حول ما يحقق الخير والسعادة والفلاح لهذا الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وكان من أهم ما تناولناه قول الحق سبحانه وتعالى: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ...} (البقرة:177)، وقلنا إن هذه الآية فيها من الدلالات ما ينبغي أن يمعن المؤمن فيه نظره؛ ذلك أن هناك وسائل وهناك مقاصد وغايات، فليست الوسائل بأولى أن يُلتَفَتَ إليها وأن يُعتَنى بشأنها من الغايات والمقاصد، لا ريب أن للوسائل والطرق المؤدية إلى الغايات المشروعة لا ريب أن لها اعتباراً كبيراً في هذا الدين الحنيف؛ لكن لابد من استصحاب الغايات والمقاصد التي تؤدي إليها تلك الطرق والوسائل؛ ولذلك فإن الوسائل ترتفع حينما توجد ضرورة تدعو إلى ارتفاعها.

 

وقد بينت الآية الكريمة أن الإنفاق حينما تعرضتْ له مرتين في سياق بيان أنه من أعلى درجات البر، وأن به تمام الفضل الذي يبلِّغ الإنسان حقيقة العبودية لله سبحانه وتعالى، ثم مأموراً به في الزكاة الواجبة  لا شك أن في ذلك من الحكم والمعاني ما لا يخفى، وكذا الحال في سائر الآيات التي يرد فيها موضوع الإنفاق، حتى أن الواحد ليدرك أن تخليص هذه النفس من الشح والهوى ومن الأثرة وحب التملك مع إدراك أن المال الذي بيده إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى خوَّله الله تعالى لكي يمتحنه ويبتليه به في هذه الحياة الدنيا هذه المعاني هي التي تمكِّن هذا المسلم المؤمن الصادق الإيمان من أن يبذل هذا المال في مصالح إخوانه، وفي منافع عيال الله تعالى في هذه الأرض، هذه المعاني هي التي تأملنا فيها في الحلقة الماضية من خلال استعراض جملةٍ من آيات كتاب الله عز وجل، ثم من خلال  جملةٍ من أحاديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.

 

ثم ضربنا أمثلةً من حاضر هذه الأمة كما من سلفها، وإذا بنا اليوم نجد مثالاً حياً رائعاً ينبغي أن يُدرَس وأن يُتأمل فيه لصلته الوثيقة بهذا الموضوع، ولعل من محاسن المقادير تذكُر الشيخ سيف لما طرحتم هذا السؤال حول استجابة المؤمنين من سلف هذه الأمة قلنا لنضرب أمثلة بالخلف قبل أن نضرب أمثلةً بالسلف فالخير في هذه الأمة موجود، وسيظل موجوداً بإذن الله تعالى، وبعد ذلك تعرضنا لجملةٍ من النقاط التي طرحها عدد من الإخوة والأخوات الذين شاركونا كبيان أن لا معتب في فضائل الأعمال بين المسلمين فمن أراد أن ينفق في وجهٍ من الوجوه فله ذلك؛ فإن أوعية الإنفاق واسعة ممتدة، وكلٌّ يتحرى باجتهاده الطرق والوسائل التي يرى أنها أجدى نفعاً لمجتمعه ولأمته، فلا ينبغي أن يتعاتب الناس فيما بينهم وأن يحمل بعضهم البعض على أن يكون الإنفاق في وجهٍ واحد من الوجوه، حتى وصلنا باختصارٍ شديد إلى موضوع الوقف الذي هو وجهٌ من أفضل وجوه إنفاق المال في سبيل الله تعالى.

 

مقدم البرنامج: نعم جميل، إذاً هذا ملخصٌ عما دار من حديث في الحلقة الماضية عن الإنفاق، وما تتضمنه حلقتنا  بإذن الله تعالى من إتمامٍ لهذا الموضوع، نبقى الآن مع هذه الآية القرآنية التي ننطلق منها بإذن الله تعالى في حوارنا بعد ذلك.

 

*********************

{ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ  } (الحديد:7).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

فضيلة الشيخ هذه الآية القرآنية يبدو أنها وردت في سياقٍ معين أو أنها تنوه بالقيمة العليا لموضوع الإنفاق، على العموم الآيات القرآنية تضع إشاراتٍ راقيةً جداً حول موضوع الإنفاق، من خلال ما استمعنا إليه في هذه الآية ما الذي يمكن أن نضيفه من المعاني القرآنية حول موضوع الإنفاق؟

 

الشيخ كهلان: نعم، السياق الذي وردت فيه الآية هو سياقٌ كان التعريض فيه بالمشركين، والخطاب فيه لا ريب في المقام الأول لأولئك الذين عرَّض بهم الخطاب من المشركين؛ لأنهم كانوا يتلفون أموالهم لنقل في اللذات والملاهي فإذا بهذا الخطاب يأتي لكي يخاطبَ هذه القلوب بالإيمان بالله وبرسوله أولاً، ثم بالإنفاق الذي يأمر به هذا الإيمان، فبعد حصول الإيمان واستقراره في النفوس وتمكنه من القلوب فإن هذا المؤمن مأمور حتى يحظى بالنجاح والفلاح في الآخرة مأمور بالإنفاق في غير الوجوه التي ينفق فيها أولئك الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله، فهو مأمورٌ أن يبتعد عن إتلاف المال في الملذات والملاهي، وأن يعلم أن هذا المال-ولذلك جاء هذا التذكير {... مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ...}-فالمال مال الله سبحانه وتعالى، وما العباد إلا خلفاء في هذا المال.

 

فهم حينما يؤمنون بالله عز وجل وينفقون هذا المال في الوجوه التي أمرهم بها ربهم تبارك وتعالى مما يقتضيه معنى الاستخلاف الذي هو عمارة هذه الأرض بما يرضي الله عز وجل، والذي يرضي ربنا تبارك وتعالى هو كل ما فيه صلاح هذا الإنسان، وكل ما فيه عمران حقيقي تجتمع فيه مكونات العمارة الحقيقية لهذا الإنسان التي تلبي له باعتدالٍ ووسطيةٍ مطالب جسده وروحه وعاطفته وعقله ووجدانه في آن واحد، وتراعي مصلحته الفردية كما تراعي مصالح الجماعة من حوله.

 

هذا هو الإنفاق المأمور به الذي ورد في سياق التذكير بأن هذا المال الذي في أيديكم هو بيد الله عز وجل الذي هو قادرٌ على أن يبسط لكم منه فيزيدكم منه أو أن يسلبه عنكم فيحرمكم منه، وقد يكون ذلك أثراً لتصرفكم في هذا المال فإن شكرتم وأحسنتم فإن الله تعالى قد وعدكم بالمزيد، وإن أسأتم التصرف فإن الله سبحانه وتعالى قد توعد المترفين الذين يسرفون في هذه الأرض ويفسدون فيها وعدهم بالوعيد الشديد في هذه الحياة الدنيا كما في الحياة الآخرة.

 

مقدم البرنامج: طيب ما الذي ينبغي للمسلم أن يفهمه من هذا المصطلح {... مُّسْتَخْلَفِينَ ...} ولم يقل من أموالكم ؟

 

الشيخ كهلان: نعم أحسنت، دلالة هذا أن كل ما يمكن أن يتملكه هذا الإنسان.. كل ما يصلح أن ينتفع منه هذا الإنسان إنما هو مما مكنه منه ربه تبارك وتعالى؛ ولذلك سوف نأتي إلى آخر الحلقة إلى عنصرٍ جديد وهو مسألة مما يكون الإنفاق؟ هل يكون الإنفاق من المال فقط أم أن هناك مصادر يمكن أن ينفق منها المؤمن؟ فما الذي يمكن أن ينفق منه المعدَم الذي لا يجد مالاً؟ ما الذي يمكن أن ينفق منه الراغب في الخير لكنه لا يجد ما ينفق منه؟ فإذاً سوف نتعرض لذلك؛ لذلك جاءت هذه الآية بهذه الدلالة {... مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ...} أن كل ما بسطه الله عز وجل لعباده من رزق في أنفسهم وفي هذه الأرض هو مما استخلفهم فيه، ومما يمكن لهم أن ينفقوا منه ابتغاء مرضات الله عز وجل فيكون لهم بعد ذلك الأجر الكبير؛ ولذلك نجد هذا التكرار {... فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }، وبالمناسبة بعض المفسرين يرى بأن هذه الآية من سورة الحديد وردت في تجهيز جيش العسرة؛ لكن كثيراً من المفسرين يرى لا شك أن لا عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ.

 

وأنا أريد أن ألفت الانتباه إلى هذه القضية؛ لأن هناك مِن مَنْ منَّ الله سبحانه وتعالى عليه في هذه الأرض وبسط لهم في الرزق ولكنهم يتلفون هذه الأموال، وما قصة قارون عنا ببعيد، والله سبحانه وتعالى كما أنه أثنى على عباده المؤمنين أنهم ينفقون في سبيل الله وفي وجوه الخير نعى على المشركين ونعى على أولئك الذين لا يشكرون نعم الله عز وجل أنهم لا ينفقون في وجوه الخير { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } (الحاقة:33-34)، وقال: {  كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ{17} وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{18} وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً{19} وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً } (الفجر: 17-19).

 

مقدم البرنامج: هذا يدفعنا إلى سؤالٍ مهم في هذه القضية، ما يتصوره المستمع الآن أن الإنفاق الذي نتحدث عنه هو الإنفاق الذي يدخل في باب الصدقة.. التطوع.. المستحب وغيرها من الأمور؛ لكن ما ذكرتموه قبل قليل أن موضوع الإنفاق قد يضع الإنسان أمام المحاسبة القاسية يوم القيامة { وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } (الحاقة:34)، وغيرها من الآيات، فهل يمكن القول بأن الإنفاق قد يكون في لحظةٍ من اللحظات واجباً-غير الزكاة طبعا- وليس مستحباً فقط؟

 

الشيخ كهلان: نعم نحن بيَّنا في مطلع الحلقة الماضية أن في المال حقاً سوى الزكاة، وأن آية سورة البقرة { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ...} دليلٌ على ذلك، وهناك روايات أن " في المال حق سوى الزكاة "، وهناك وجوب، بعض الحالات نصَّ الفقهاء على وجوب الإنفاق فيها وأنها نفقة غير الزكاة؛ لكننا لا نقف عند هذا الحد فقط، نحن نتحدث على أن من خصال الخير التي تبِّلغ المؤمن الدرجات العالية وتصقل له نفسه وتزكي له طبيعته هذه حتى يتمكن من التخلص من الشح والأثرة ومن غلبة حب هذه الدنيا لا يمكن له أن يتدرب على ذلك إلا بالإنفاق في وجوه الخير، وليكن ذلك من النفقة الواجبة، وبنفقات النفل، وبكل ما يمكن لهذا الإنسان أن ينفق منه.

 

لننظر في المقابل كما قلنا لما نعى على المشركين مثل هذه الصفات  نعى على المنافقين لما قال: { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ...} (التوبة:67)، بعد ذلك قال: {... وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ...} (التوبة:67)؛ فلذلك الإنفاق الذي نتحدث عنه مسألة الإنفاق الواجب هي مسألةٌ محسومة، ولا ريب أن المؤمن بحاجة إلى أن يُذكَّر بها، وأن يُنبَّه إن كان غافلاً عنها؛ لكننا مع ذلك نلفت الأنظار إلى ما هو فوق ذلك من ميادين الخير والمسابقة إلى كل ما يرجع بالخير في الدنيا والآخرة على هذا الإنسان؛ ولذلك حتى كان من المداخلات تصحيح فهم بعض الناس أن الإنفاق ينقص المال بينما رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: " ما نقص مال من صدقة "، وهذا مصدقٌ لما ورد في كتاب الله عز وجل: { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ...} (البقرة: 276)

 

مقدم البرنامج: الآن لنقترب كثيراً من موضوع واقع الناس اليوم، قد نجد بعض العقبات التي تحُول بين الناس وبين الإنفاق، وربما ستكون هذه العقبات هي المسؤولة عن موضوع توقف الإنفاق في بعض الأحيان، هناك الشح والهوى والغفلة والجهل، كما أن هناك  من يشكو من قلة ما في اليد أو يدَّعي-وهذه نقطة شائعة جداً على ألسنة الناس-أن الحكومات والدول هي التي تقوم بسد حاجات المجتمع، كيف نذلل هذه العقبات؟ كيف يسحب المسلم من أمامه مثل هذه العقبات التي تحرمه من موضوع الإنفاق؟

 

الشيخ كهلان: نعم إن الأسباب التي ذكرتَها في السؤال هي في حقيقة الأمر خلاصة ما يمكن أن يمنع الناس من أن تسخوا نفوسهم وتجود أياديهم بالإنفاق من المال الذي رزقهم إياه ربهم تبارك وتعالى، فهناك حب المال-الأثرة-، وهناك الشح، وهناك الهوى، وهناك الجهل والغفلة، وهناك مثل هذه  الظنون والأوهام أن الدول والحكومات قادرة على أن تفي بكل متطلبات المجتمع وبكل احتياجاته من ضروريات وحاجيات وتحسينات؛ لكن الواقع في التاريخ الإسلامي لم يكن يوماً كذلك، وقد ضربنا لذلك أمثلة كثيرة في الحلقة الماضية، ولا بأس باستعراضها بدايةً حتى نؤكد على هذه الحقيقة، فدُور العلم بشتى أنواعها من الحلقات في المساجد ومن المدارس ومن الأروقة ومن الجامعات التي أنشأت أنشأت أوقافاً لله عز وجل لتلك الأغراض، المستشفيات، ودُور الرعاية الصحية..

 

مقدم البرنامج: وضعتْ لها أوقاف..

 

الشيخ كهلان: هي أساساً مؤسسات وقفية، وجُعلتْ لها أوقاف-وسنأتي بعد ذلك إلى الفاصل في قصة الأحباس التي وقفها عمر بن الخطاب-رضي الله تعالى عنه--.

المستشفيات.. دُور الرعاية الصحية، بل إنني أذكر بأن في جامعة أكسفورد كانوا يتحدثون عن ما بعد الاستشفاء وهي ما تسمى الآن فترة النقاهة إذا بهم يكتشفون أنه في القرون الإسلامية الأولى-تحديداً في أواسط الدولة العباسية-كانت هناك أوقافاً للمستشفيات-ما نسميه نحن الآن بدُور الرعاية الصحية المستشفيات-، وكانت هناك أوقافاً أخرى مخصصة للنقاهة، وكانت مواصفات المستشفيات والأوقاف تختلف؛ لأنها تناسب الرعاية الصحية اللازمة.

 

كما أن أوقاف دور النقاهة-كما نقول اليوم-تختلف، فكانوا يضعون النوافير، ويضعون الزهور، ويضعون شلالات المياه، والمناظر الطبيعية، ويجلبون أنواعاً من الطيور في دور النقاهة، ويراعون هذا الجانب فقد وصل تحريهم لاحتياجات المجتمع إلى هذا الحال، وكان الأطباء الذين يعالجون في هذه المستشفيات.. في هذه الدور كانوا  يقومون بوقف قدراتهم وعلومهم لأجل معالجة الناس في هذه المستشفيات، وقس على ذلك ما يتصل بالأنماط الأخرى التي ذكرناها مما يحتاج إليه المجتمع أفراداً وجماعات مما يلبي حاجة الفقراء، والمساكين، وعابري السبيل، والمجتمع بشكلٍ عامٍ، هذا من جانب؛ ولذلك كانت الحضارة الإسلامية قائمةً على التنافس في مثل هذه الأوقاف، وعلى البذل والإنفاق والعطاء، وعلى سخاء هذه النفوس.

 

كذلك كانت تؤلف الكتب وتطبع، كذلك كانت الرعاية بطلبة العلم، وكذا كان يُشتَغل برسم المصحف الشريف، وإقامة مدارس للقرآن الكريم، ولتدوينه وتحفيظه وتعليمه، إلى غير ذلك، وكذا كان لذوي الاحتياجات الخاصة  من العميان والصم والبكم والعرج وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة كان المجتمع هو الذي يلتفت إليهم، وهو الذي يقوم بشأنهم؛ فلذلك ينبغي لنا أن نعرف حقيقة المكونات الأصيلة للحضارات، وإلى الآن في الكثير من العالم الغربي لازالت هناك مؤسسات رائدة في العلوم وفي الصحة وهي مؤسسات وقفية إلى يومنا هذا؛ لأنهم أدركوا أهمية مثل هذه المؤسسات القائمة على الإنفاق والأوقاف.

 

مقدم البرنامج: أي الوقف وُجِدَ حتى عند غير المسلمين؟

 

الشيخ كهلان: وُجِدَ.. أخذت الفكرة؛ وقد كان موجوداً لكن قبل البعثة المحمدية كان في غالبه مخصصاً للأغراض الدينية، أي كانت الأوقاف لدور العبادة، كانت النذور لدور العبادة؛ لكن لما جاءت هذه الرسالة الخاتمة إذا بها تفتح آفاق هذا الإنفاق لكي يشمل جوانب هذه الحياة؛ لأن العبادة في مفهوم هذه الرسالة الخاتمة لا تقف عند حدود الشعائر التعبدية المحصورة في أماكن العبادة فقط، وإنما حياة الإنسان هذه كلها يمكن أن تكون لله يثاب عليها هذا العبد الفاعل المطيع { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ ...} (الأنعام: 162-163).

 

الآن نعود إلى بعض الأسباب: كيف يمكن التغلب على هذه العوائق من الشح والأثرة وحب المال، لا شك أن حب المال وحب التملك هو فطرة في هذا الإنسان، وقد راعى الله سبحانه وتعالى هذه الفطرة، وأتى القرآن الكريم بما يصقل هذه الفطرة ويوجها إلى الخير؛ ولذلك لا يمكن لهذا الإنسان أن يتغلب على هذا الشح والهوى إلا بتدريب نفسه على الإنفاق؛ وبذلك فنحن نحتاج إلى أن ندرب أنفسنا على الإنفاق في وجوه الخير، وأن ندرب أولادنا ونساءنا على الإنفاق في وجوه الخير ولو كان شيئاً يسيراً قليلاً؛ ولذلك كما تعرضنا للحديث في الحلقة الماضية أنه لا ينبغي لمسلم أن يحقر من المعروف ولو شيئاً يسيراً.

 

أنا أذكر أن بعض مجتمعات المسلمين قرأتُ أنهم كانوا بحاجة إلى إصدار مجلة، وكانوا مجتمعاً فقيراً، فرأوا أن يكون تمويل إصدار المجلة بأن يتبرع كل بيت بحبة عدس يومياًً..!! حبة عدس واحدة فقط!!، ثم تجمع في الشهر ما يجمعه كل بيت ويضاف إلى ما تجمعه البيوت الأخرى ويباع في القرى المجاورة ويمول منها إنشاء المجلة، ولا زالت إلى اليوم هذه المجلة قائمة!!.

 

مقدم البرنامج: مجلة تُموَّل بهذه الطريقة؟!!

 

الشيخ كهلان: التمويل الآن اختلف؛ لكن هذه المجلة ابتدأت هكذا، وظلت سنوات تبنى على أن يفرز كل بيت حبة عدس واحدة يومياً فيكون المجموع ثلاثين حبة عدس في الشهر، وتضاف إلى بيوت المنطقة، وأظن أن الكاتب قال بأن عدد البيوت كان يقترب من ألف منزل، فإذاً الشيء اليسير بالتعاون والإخلاص ينمو ويبارك الله تعالى فيه.

 

مقدم البرنامج: هل في هذا أملٌ جديد لمن يشكو من قلة ما في اليد؟

 

الشيخ كهلان: طبعاً؛ لكن نحن الآن بحاجة إلى أن نكون قدوةً حسنةً في المجتمع، أن نربي  أولادنا على هذا الخلق، نحن بذلك نحقق جملةً من الغايات، كم من الأطعمة التي ترمى؟!! كم من المواد الاستهلاكية التي لا تزال صالحة للاستعمال ولكنها ترمى ويُتخلص منها؟!! كم من  الأعيان التي يمكن أن يُنتفع منها لمجتمعاتٍ أقل حظاً لكن لا يوجد هذا التوجه لحفظها ولتدريب الناشئة على أن يكون هناك هذا الحس وهذا الشعور بأهمية أن يتوجه لأن ينفق حتى ولو من هذه طالما أنها صالحةٌ للاستعمال، وأنها يمكن أن يَنتفع منها الآخرون؟!!

 

فلماذا لا تكون مثل هذه المبادرات؟! فضلاً عن أن يكون هناك  حتى مسألة أن يجمع في صندوقٍ بسيط ولو مقداراً يسيراً من مدخراته.. من نفقته اليومية ولو شيئاً يسيراً، هذا الشيء اليسير سوف يزداد ويبارك الله تعالى فيه بعد ذلك، وتكون في ذات الوقت قد نشَّأتَ وربيتَ هذا الناشئ.. هذا الطفل على الإنفاق، وعلى التخلص من الأثرة والشح، وعلى مساعدة المحتاجين، وعلى تنظيم وقته ونفقته إلى آخر المنافع التي تتحقق من جراء الإنفاق!؛ ولذلك قلنا بأن الإنفاق ارتبط في كثيرٍ من آيات كتاب الله عز وجل بالإيمان بالله عز وجل، كما أنه ورد في سورة البقرة أنه يُفهَم منه أنه مما يورث الحكمة.

 

مقدم البرنامج: نعم..

إذاً لحظة لا يزال عددٌ كبيرٌ من الناس يظن أن موضوع الإنفاق خاضعٌ لموضوع القرب أو البعد من الجانب الإيماني، نحن نريد أن نطرح سؤالاً حول هذا الموضوع في موضوع التدريب الذي تحدثتم عنه، قلنا إن الصغار يُدرَّبُون بالكيفية التي قلتموها، لكن كيف يدرب الكبير نفسه على موضوع الإنفاق؟

 

مداخلة متصل: لدي نقطتان لو تكرمتَ:

النقطة الأولى وهذه كثيرٌ من الناس يطرحها وأستغفر الله أظنها: يرى كثير المشكلات التي يقع فيها كثير من الناس في المجتمع خاصة المعاصي والأخطاء الشرعية وخاصة في المعاملات وغيرها وحتى في العبادات فيُرجِعون ذلك إلى عدم تفرغ العلماء للجلوس مع العوام وإرشادهم وتعليمهم، طبعاً هذه من وجهة النظر السائدة .

 

مقدم البرنامج: أي ينفقون من أوقاتهم نقول؟

 

المتصل: نعم هذا، أي لا ينفقون من أوقاتهم ومن علومهم للناس، وفي نفس الوقت يعتذر أصحاب الخير والفضل بسبب ارتباطهم بالكثير من الأعمال والمشاغل، أي هم لديهم أسر وما شابه، فنرجو من فضيلة الشيخ أن يبين هذه النقطة بشكل وسطي بحيث يوجه في هذا نحو الخير.

 

النقطة الثانية: أردتُ أن تتكلموا في موضوع تدريب الأطفال على الإنفاق والاقتصاد، وهذه حاجة جميلة جداً؛ لكن إشكالياً نجد أن كثيراً من الآباء يربون الأبناء على هذا لكن ليس من منطلق ديني ولكن من منطلق دنيوي أو مادي-إذا صح التعبير-بحت.. ليس من باب أن هذه الأموال يستغلوها في أمور أنفع لهم ولأمتهم وما شابه فقط اللهم من باب المصلحة الشخصية، فنرجو من فضيلة الشيخ أن يوجه النية في هذا الأمر.

 

مقدم البرنامج: أخي هل وقفت أنت في قراءتك أو في ملاحظاتك ومشاهدتك على نموذج معين لتدريب الأطفال مثلاً على الإنفاق؟ كمشاركة منك مثلاً في هذا الموضوع.

 

المتصل: نعم مثلاً حسبما أسمع بعض التجارب أن بعض الآباء قبل أن يذهب لشراء الأغراض التي يحتاجها البيت يناقش أبناءه، وكذلك سمعتُ بعض الأفكار من بعض الأشخاص المتخصصين في هذا الجانب يذكر يقول توضع خطة يومية أو أسبوعية أو شهرية وكذلك سنوية للأشياء التي تحتاجها الأسرة في ضوء دخل الأسرة ويشرك الأبناء في هذا ويناقش وترتب على الأولويات وهكذا، و من ضمن التجارب التي سمعتها من بعض المربين أنه ينصح بأن يضع الأطفال بعض الأحيان خطة لرحلة معينة أو كذلك يكلَّفون بالشراء وهكذا.

 

مقدم البرنامج: جميل.. هذا في موضوع تنظيم الإنفاق، شكرا ًجزيلاً أخي على مشاركتك الطيبة، ونحن نرجو من الإخوة الكرام أن يشاركوا  في موضوع الإنفاق سواءً كان بالأسئلة أو بالنماذج التي يطمعون أن تكون معممةً على المجتمع؛ لأنها مفيدة للفرد وللمجتمع .

الآن نعود إلى سؤالنا فضيلة الشيخ: الإنسان عندما يكون قريبا من الإيمان سينفق، عندما يكون بعيداً يشح، الآن هل المسألة مربوطة بهذا الجانب أم أن الناس تحتاج إلى أن تتدرب بالفعل على موضوع الإنفاق؟

 

الشيخ كهلان: نعم..

لا شك نحتاج إلى أن تتدرب على موضوع الإنفاق.

 

مقدم البرنامج: لأن أنا ما الذي يجعلني أبرر هذا السؤال؟ يقول البعض هناك المؤمنون حقاً ولا ينفقون؛ لأنه ورد في الحديث أن المؤمن قد يكون بخيلاً، أهذا صحيح؟

 

الشيخ كهلان: نعم صحيح، قد يكون المؤمن بخيلاً، لكن لا يعني هذا أنه لا ينفق النفقات الواجبة عليه، ولا يعني هذا أنه  لا يبادر إن كان هناك من وجوه البر والإنفاق الواجبة أو التي يظهر خيرها وعموم نفعها أنه سوف يتقاصر عن ذلك؛ لكن بخله يمكن أن يظهر في أن لا يكون مثلاً كريماً مع ضيفه.. أن لا يكون باسطاً يده لعياله وأهل بيته، ومع ذلك هو مأمور أي لم يأت الشرع بالثناء على هؤلاء، وإنما جاء الشرع لكي يبين في مقابل هذه الصفات التي وردت في هذا الحديث أن هناك صفةً لا يمكن أن يُطبَع عليها المؤمن مع أنه قد يُطبَع على خصالٍ غير حميدة كثيرة إلا أنه لا يمكن أن يُطبَع على خصالٍ أخرى، فهذه من الخصال التي ورد ذكرها في هذا السياق للتمثيل على أنها من الخصال غير الحميدة، ونحن في هذا البرنامج نتناول-كما قلنا-القيم الرفيعة والأخلاق النبيلة ذات الطابع الإنساني.

 

لكن مع ذلك المسألة لا شك أن مبناها وأساسها حسن إيمان هذا المرء، ومع صدق إيمانه وحسن ظنه بربه تبارك وتعالى فإن سخاء النفس وكرم ذات اليد اللذان يدفعانه إلى أن يكون من المنفقين في وجوه الخير وفي سبيل الله عز وجل يحتاج إلى دُربَةٍ كما باقي الصفات.. صفات الخير من الحلم والرحمة والكرم وغيرها من الصفات النبيلة والصدق والأمانة والوفاء وغيرها هذه لابد لها من تربية.. لابد لها من دُربَةٍ.. لابد من أن يعاند المرء فيها نفسه الأمارة بالسوء، فإذا حدثته نفسه أنه بنفقته وبتصدقه في وجوه الخير سوف يكون ذلك مجلبة له لنقص المال فإنه يدفع عنه هذا الوسواس بتذكر أن الله سبحانه وتعالى يَعِدُهُ مغفرةً ورحمةً، وأن الشيطان يَعِدُهُ الفقر، وأن الله سبحانه وتعالى قد وعده ببركة المال، وأن النبي-صلى الله عليه وسلم-قد بيَّن له أن المال لا يمكن أن ينقص حينما يبذل ماله في ابتغاء مرضاة الله عز وجل فيدفع عن نفسه.

 

وبالتالي هو بحاجة إلى علمٍ .. مع هذه الدُربَة لابد له من علم، ولابد له من أن يتعود، وأن يكون ذلك كما قلتُ أن يعوِّد.. أن يجعل من نفسه مثالاً.. أن يتعلم.. أن يعوِّد أهل بيته.. أن يتفقد هذه المواضع ولتكن-كما قلتُ-بدايةً من الأمور التي قد لا يحتاج هو إليها ولكن غيره لا يزال قادراً على أن ينتفع منها، لنأخذ مثالاً بالكثير من المقتنيات المعاصرة من أجهزة هواتف ومن أجهزة حواسيب ومن أجهزةٍ إلكترونية ومن أثاثٍ منزلي مما يُركَن ولا ينتفع منه في حين أنه يمكن أن يستفاد منه ممن قدر الله سبحانه وتعالى عليهم قلة ما في اليد.

 

وكذا الحال بالنسبة للوجوه الأخرى من وجوه الخصال المرتبطة بالإنفاق، نحن في صدر الحلقة الماضية قلنا بأن موضوع الإنفاق متصلٌ بسلسلةٍ من القيم والأخلاق ، فهو متصلٌ بالتضحية وبالكرم، وبالتخلص من البخل والشح والهوى، ومن الإيقان بأن هذا المال الذي هو بيد هذا العبد إنما هو مال الله سبحانه وتعالى، وأنه بإنفاقه في وجوه البر باعتدالٍ دون إسرافٍ أو تبذيرٍ سوف يعوِّضه الله تعالى خيراً مما أَخَذَ منه.

 

مقدم البرنامج: الآن نقف مع هذا الفاصل الذي يبين موضوعاً مهماً في قضية الإنفاق، ثم نعود إلى التعليق عليه بإذن الله.

 

*********************

عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي-صلى الله عليه وسلم-يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصِب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها"، قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يُورَث، ولا يُوهَب، قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يُطعِم صديقاً غير متمولٍ فيه.

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ هذا الحديث يتضمن نوعاً من أنواع الإنفاق اختارها النبي-صلى الله عليه وسلم-لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، ما هو هذا النوع؟

 

الشيخ كهلان: هو الوقف، باختصارٍ شديدٍ هو الوقف، فرسول الله-صلى الله عليه وسلم-أرشد عمر بن الخطاب إلى أن يجعل وجه صدقته وقفاً في سبيل الله عز وجل بحيث يُحبَس الأصل وتبقى المنفعة أو الغلة هي التي يُنفَق رجعها في وجوه البر المختلفة التي جعلها عمر بن الخطاب-رضي الله تعالى عنه-في هذه الرواية في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وفي الضيف، كما في من يتولاها-ما نسميه نحن بوكيل الوقف-أو لضيف وكيل الوقف أو صديقه.

 

والوقف لماذا أرشد إليه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟ لأن نفعه وخيره سوف يظل إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، هكذا الأصل فيه؛ ولذلك في الأصل لا يباع أصل الوقف وإنما يُحبَس، وتنتقل الملكية عن هذا الواقف بمجرد ثبوت الوقف أو بمجرد وفاته على اختلافٍ عند أهل العلم؛ لكن ليس لورثته بعد ذلك أو لأي أحدٍ كان أن يغير من طبيعة ملكية هذا الوقف بأي تصرفٍ ناقلٍ للملكية اللهم إلا في حالاتٍ ضيقةٍ كأن يراد أن يُستبدَل به ما هو خيرٌ منه من الأصول والأحباس.

 

ولنتأمل في قول عمر بن الخطاب لما جاء يسترشد ويسأل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن الوجه الأفضل للإنفاق سوف نجد أنه يقول: (إني أصبتُ أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه)؛ ولذلك نحن نتذكر قول الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ...} (آل عمران:92)؛ ولذلك هذا الميدان الذي ينبغي للناس أن يتنافسوا فيه وأن يحرصوا عليه وأن يتذكروا قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له أو صدقةٍ جارية "، وهذه هي الصدقة الجارية التي يجري خيرها ونفعها، وبجريان خيرها ونفعها يجري ثوابها وأجرها عند الله تبارك وتعالى. 

 

مقدم البرنامج: نعم..

الأخ المتصل يرى أن مشكلاتٍ معينة قد تكون موجودة بين الناس بسبب عدم وجود نوعٍ آخر من الإنفاق، وهو عدم إنفاق بعض العلماء من أوقاتهم للتفرغ لتعليم الناس وتثقيفهم في أمور دينهم، ما رأيكم؟

 

الشيخ كهلان: هذه النقطة تشتمل على أمرين، الأمر الأول: الإشارة إلى أن الإنفاق يكون بحسب الرزق الذي يهبه الله تعالى للعبد، بمعنى أنه لا يُشتَرط فيه أن يكون إنفاقاً من المال فقط، بل يمكن أن يكون متعدد الوجوه-وهذا عنصر من العناصر التي كنا نريد أن نتعرض لها، ونحن نتعرض لها الآن-، وبالتالي فمن وهبه الله علماً فليكن إنفاقه من ذلك العلم، ومن وهبه الله تعالى صحة وعافية فليكن إنفاقه بمشاركة إخوانه فيما فيه نفعٌ للمجتمع بمقتضى ما يحتاج إلى قوةٍ بدنيةٍ، ومن وهبه الله سبحانه وتعالى جاهاً عند الناس فإنه ينبغي له أن يبذل وجهه في مصالح الناس، ومن وهبه الله سبحانه وتعالى شرفاً فإنه ينبغي أن يكون إنفاقه من هذه المنزلة التي بوأه إياها ربه تبارك وتعالى فيسعى في الإصلاح بين الناس، وفي قضاء حوائجهم وفي السعي في ذممهم، وهكذا كل من وهبه الله سبحانه وتعالى نعمةً من النعم فإنه يمكن أن ينفق منها، لنقل مثلاً أن أحداً من الناس وهبه الله تعالى ملكات في ملكاتٍ تقنية فإذاً هو يمكن له أن ينفع الناس بمساعدتهم فيما يحتاجون إليه من أمورٍ تقنيةٍ الكترونيةٍ ويساعدهم في ذلك، وهكذا يكون إنفاقه.

 

مداخلة متصل آخر: فقط أحببت أن أعلق على مسألة الإنفاق، الإنفاق قد يكون في عدة جوانب منها مثلاً في الكتب، فمثلاً شخص قد يشتري كتباً أو أشياء أخرى ويستغلها، لكن يوجد أناس قد تشتري كتباً وتركنها على جانب، فشخص مثلاً يشتريها فقط لأجل أن يركنها على جانب ما نوع إنفاقه في هذه الحالة؟   

كذلك نفس الحالة في شخصٍ ينفق فيما لا يملك أي هو لا يملك شيئاً ولكنه من مال غيره ينفق وبدون إذن، فبعض الناس تنفق وبإذن، فالشخص عندما ينفق بدون إذن كيف تكون حالته؟

وجزاكم الله خيراً.

 

مقدم البرنامج: طيب هل هناك تكملة للسؤال الأول؟

 

الشيخ كهلان: نعم تكملة، تعرضنا للنقطة، قلنا سؤاله يشتمل على أمرين وبالتالي نحن بذلك أجبنا على مسألة أن وجوه الإنفاق عديدة، لا يُشترط فيها أن تكون من المال، وإنما يمكن أن تكون من كل نعمة ينعم الله تعالى بها على عباده، فهذا بخبرته، وذلك بعلمه، وهذا بقوته وصحته، وذلك برأيه، وكلٌّ ينفق مما آتاه الله عز وجل؛ ولكن قد يكون الإنفاق من المال أقرب إلى تدريب هذه النفس على التخلص من الشح والهوى؛ ولذلك فينبغي للإنسان أن يكون  مبادراً إلى أن ينفق مما آتاه الله عز وجل ولو شيئاً يسيراً.

 

وبالتالي ما يتصل بالأمر الثاني الذي يُفهَم من سؤاله : وهو العتب على بعض أهل العلم وعلى العلماء أنهم لا ينفقون من علومهم وأوقاتهم فإن هنا جانبان، جانب هؤلاء الذين يُعتَبُ عليهم، وجانب الذين يَعتِبُون، أما الذين يَعتِبُون فقد أشار هو إلى أنه ينبغي لهم  أن يراعوا ظروف هؤلاء الذين يَعتِبُون عليهم؛ فإن عليهم  من المسؤوليات والالتزامات والوجوه التي ينفقون فيها ما قد يخفى على هؤلاء، ولا ينبغي للمسلم إلا أن يحسن ظنه بأخيه المسلم، وأن يحمله على أحسن المحامد، وهذا هو الذي يدعو إلى ألفة القلوب.

 

وكذلك بالنسبة لمن يوجَه إليهم العتاب أنه حينما يكون هناك نعم شيءٌ من التقصير فينبغي أن يراجَع، والعلم أمانة، وهو شرف بوأه الله سبحانه وتعالى أهل العلم، فينبغي لهم  أن يضحوا بكثيرٍ مما يشترك معهم فيه غيرهم من الناس لكن في سبيل الإنفاق مما اختُصوا به من مزية العلم، ويكفي شرفاً أن النبي-صلى الله عليه وسلم-بيَّن أن مما يُغبَط فيه أهل النِّعم هذا الإنفاق الذي يكون بإحدى صورتين: الإنفاق الذي يكون من المال، فرجلٌ آتاه الله سبحانه وتعالى مالاً فسلطه عليه فهو ينفق منه في سبيل الله، ورجل آتاه الله علماً فهو ينفق منه بالتعليم وبالصبر، وباحتمال الناس، وبتبليغهم الحق، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم؛ لأن هذه الأمانة، أما أن يكون-والعياذ بالله-كالمثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى بمن آتاه الله العلم ثم انسلخ منه فإننا نربأ بأهل العلم والعلماء أن يكونوا كذلك، وبالتالي فينبغي لهم أن يتنبهوا إلى ذلك، وأن يعلموا أن زكاة العلم تعليمه للناس.

 

مقدم البرنامج: نعم، جميل جداً.

الآن الأخ المتصل الثاني يضعنا أمام سؤال آخر وهو الوجوه التي ينبغي أن يكون فيها الإنفاق، الآن تتعدد الوجوه التي يمكن للمسلم أن يضع فيها صدقاته مما فيه خيرٌ للمجتمع، فهل من مواصفات للصدقة الأفضل عند الله تعالى حتى نرشد الناس إليها؟ هو على كل حال سؤاله ينصب في سؤالنا.

 

الشيخ كهلان: ظني أني فهمتُ سؤاله أنه يقصد-وهو ما تشير إليه الآن-: أن ينفق المرء ماله فيما لا يستفيد منه.. لا ينتفع منه، وضرب مثالاً باقتناء الكتب.

مسألة اقتناء الكتب نسأل الله السلامة.. نسأل الله السلامة، فكثيرٌ منا يقع فيها؛ لأنه يقتني ويشتري من الكتب ما يؤمل نفسه أن يقرأه ولكن الهمة تقصر به عن ذلك، مع وجود هذه النية فنأمل أن يكون في سعةٍ من عذر بينه وبين الله سبحانه وتعالى، ولعل الله عز وجل يقيض له من ذريته أو من إخوانه وزملائه وأصحابه من ينتفع بهذه الكتب؛ لكن إن كان أصلاً هو ليس ممن تستهويه الكتب وقراءتها والمطالعة ولم يتمكن من أن يحمل نفسه على ذلك فإذاً لابد له أن يراجع نفقاته، وأن يكون إنفاقه فيما يستفيد منه هو وعياله، وبالتالي هذا يتصل بسؤالك الذي ذكرتَه.

 

مقدم البرنامج: نعم، عن الطرائق الصحيحة لموضوع الإنفاق.

 

الشيخ كهلان: نعم، نحن نجد في الحديث الذي تعرضنا له اليوم والذي  تعرضنا له في الحلقة الماضية ومسألة حديث طلحة لما نصحه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن يجعلها في الأقربين، ونجد في أحاديث كثيرة " ابدأ بمن تعول "، ونجد أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يبين في مناسباتٍ أخرى أن أفضل الإنفاق هو ما كان لمن يجب على الإنسان أن يعوله، فإذاً الآن أين يُنفِق؟ نحن نتحدث عن أين يُنفِق، الإنفاق الأفضل هو أن يكون بدايةً لمن يَلزَم الإنسان عولهم من والدين ومن زوجة وأولاد؛ ولذلك جاء في نفس حديث الإنفاق " خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ".

 

وبعد ذلك ينبغي له أن يتفقد.. أن ينظر في احتياجات المجتمع، فما كان الناس أشد حاجة إليه كان ثواب الإنفاق فيه أعظم عند الله عز وجل؛ لأنه يلبي حاجات الناس أكثر من غيره من الأبواب، وهذا يدعو الفرد المسلم إلى أن يكون فاعلاً في مجتمعه.. أن يذهب ويبحث عن الوجوه التي يحتاج إليها المجتمع، قد تجد مثلاً بعض الناس مثلاً ينفق نفقةً يسيرة هي في ظاهرها يسيرة لكن نفعها عظيم عند الله عز وجل، أنا أذكر أنني رأيت في الحرم المكي في يوم صائف شديد الحرارة والناس في الطواف في حالةٍ من العناء والأرق، فإذا بفاعل خير يقدم لهم محارم ورقية يمسحون بها العرق عن جبينهم مع كوب ماء يشربونه، فكان الناس يقدرون له ذلك، ويدعون له وهم يطوفون بالبيت العتيق، مع أنه في حقيقة هذه النفقة هي شيءٌ يسيرٌ.

 

وتذكر أننا في آخر الحلقة الماضية تذكرنا أو تذاكرنا موضوع السهم الوقفي، قد يساهم الإنسان.. قد يدفع شيئاً يسيراً لكنه يُجمَع إلى ما يدفعه غيره فيكوَّن منه مشروعٌ وقفيٌ يحبس أصله، وتذهب غلته إلى وجوه الخير المختلفة في المجتمع، فتقام بذلك مشاريع كبيرة، ويكون له الأجر والثواب من جراء تلك النفقة اليسيرة التي أنفقها، إذاً لابد من الموازنة.. أن يبدأ بمن يعول وبقرابته، وأن يتفقد احتياجاتهم، ثم بعد ذلك يوسع الدائرة لكي يكون إنفاقه يغطي دائرةً أوسع من الناس وأن ينظر في الاحتياج الذي يلبي أمراً أساسياً نافعاً عاماً شاملاً للمجتمع، وأن يتحرى أن يكون ذلك صدقةً جاريةً يمتد خيرها ونفعها.

 

مداخلة متصل ثالث: سؤالي: هل يوجد إشكال إذا شخص يمتلك مالاً كثيراً ويُعتبَر من أغنياء الناس وينفق هو في سبيل الله؛ لكن مثلاً شراؤه مثلاً سيارة تصل مثلاً إلى عشرين ألف أو بناؤه لبيتٍ لا يقل عن ثمانين ألفاً هل معنى ذلك أنه يوجد إسراف في مسألة الإنفاق؟ هل الأولى أن يبني بيتا بقيمة أقل مثلاً بقيمة ثلاثين، وباقي المبلغ ينفقه في وجوه الإنفاق وكذلك بالنسبة للسيارة؟ أو أنه مستمر على الإنفاق ومع ذلك يبني بيتاً فاخراً وكذلك شراؤه للسيارة التي تبلغ قيمة كبيرة جداً؟

 

سؤالي الآخر: نحن موجودون في قرية، وطبعا فيها مكتبة أهلية، وكذلك يوجد فيها فريق رياضي، فمشاركتنا في الفريق الرياضي لا لأجل لعب الفريق وما شابه، فقط لأجل أولاً تأليف قلوب هؤلاء الرياضيين، وغير ذلك مسألة دفعهم لهذا المبلغ لأجل أن تقام للفريق الرياضي مسابقات ثقافية.

 

مقدم البرنامج: بمعنى أنهم يساهمون في إنعاش الجانب الرياضي ليشمل الجوانب الثقافية.

 

المتصل: نعم، فإنفاقهم في هذا المجال الرياضي بقصد أنهم يدعمون الجانب الثقافي للفريق فيه بأس؟

 

مقدم البرنامج: سؤال آخر من المتصل الثاني: الذي ينفق من مال غيره بدون إذنه؟

 

الشيخ كهلان: لا، لا يصح له ذلك، لا أعرف كيف يُتصور أنه يمكن أن يباح لشخصٍ أن ينفق من مال غيره دون إذنه اللهم إلا في حالةٍ استثناها حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن تنفق المرأة على نفسها وعيالها ما يكفيها من مال زوجها الشحيح دون إذنه، هذه حالة مستثناة فقط، فهي تنفق حقها أي تنفق مما هو حقها من مال زوجها الشحيح الذي يقتِّر عليها في النفقة وعلى عيالها، وأن يكون ذلك بالمعروف.. أن يكون ما يكفيها فقط، لا تزيد عن ذلك، وأما ما سوى ذلك فهذا لا يصح شرعاً، وليس له أجر ذلك، اللهم قد تكون بعض الحالات كبعض المفقودات.. بعض الضالة التي لا يمكن تعريفها ولا يَتوصل إلى صاحبها فيمكن أن يدفعها إلى الفقراء بنية التخلص، إن كان هو يشير إلى هذا فهذه ليست من الصدقات، هذا تخلصٌ من مالٍ مجهول الصاحب.. مجهول الأرباب، وهي مسألة فرعية في هذا الإطار.

 

*********************

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ".

 

مقدم البرنامج: نضطر إذاً مع هذا الحديث النبوي الشريف أن نحصل على تعليقٍ منه، ونترك سؤال الأخ المتصل الأخير إلى لقاءٍ آخر إن شاء الله.

 

الشيخ كهلان: إن شاء الله تعالى نعم..

هذا الحديث فيه من الحث والحض للناس ما لا يخفى، فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يبين أن ملكين يدعوان كل يومٍ للمنفق ولذلك الذي لا ينفق، فيدعوان للمنفق بالخلف، وهذا يعني أن يُخلِف الله تعالى عليه خيراً مما دفع وأعطى، ويدعوان-أي هذان الملكان-يدعوان للممسك الذي لا ينفق والذي يتلف ما لديه في اللذات والملاهي ولا ينفقها في سبيل الله عز وجل وفي طرق الخير هذا يدعوان عليه بالتلف وبعدم البركة، وهنا نُذكِّر بأن الله تعالى يقول: { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ...} (البقرة: 276).

 

ورسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: " إن الصدقة تدفع البلاء " ويقول: " داووا مرضاكم بالصدقة "، وهذا حديثٌ آخر يضاف إلى جملة الأحاديث التي بينت فضل الصدقة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزل المثوبة والأجر للمتصدقين المنفقين، وأن يخلف عليهم خيراً في الدنيا والآخرة، وأن يؤلف بين القلوب لمثل هذه القيم والمبادئ التي تدعو إلى تآلف المسلمين، وإلى تآخيهم وإلى تراحمهم وتعاطفهم.

 

مقدم البرنامج: نعم..

جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ على هذا العطاء، وعلى هذا التوضيح والتفصيل لموضوع الإنفاق خلال حلقتين متتاليتين، نشكركم فضيلة الشيخ.

 

الشيخ كهلان: بارك الله فيكم.

 

مقدم البرنامج: نشكركم أعزاءنا الكرام على متابعتكم ومشاركتكم، ونلقاكم بحول الله تعالى في لقاءات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

انتهت الحلقة