عنوان الحلقة " الحوار"

مقدم البرنامج: الحوار قيمةٌ مهمةٌ جداً لا بد أن نقف على الكثير من تفاصيلها، لأنها مادةٌ ضروريةٌ في الحياة.

 

 فللحوار أهميةٌ كبرى في حياة الأفراد والشعوب، لأنه لغة التواصل بين المختلفين، فهما وإن لم يلتقيا على الأفكار ولكنهما التقيا حواراً حولها، وعلم كلٌ منهما ما عند الآخر.

 

سوف يكون للحوار أثرٌ كبيرٌ على المتحاورين، قد لا تظهر نتائجه بسرعة لكنه على الأقل فاعلٌ في فهم الآخر، ودافعٌ إلى التفكير والتغيير.

 

والأصل في الحوار أيها الإخوة والأخوات أنه لغةٌ هادئة للاتفاق على نقطة أو للاختلاف عليها بلا صدام.

 

ولأهميته أراده الله تعالى أن يكون دعوةً في حد ذاتها للآخر إلى تعاليم الإسلام وطريق الحق، لأن الآخر سوف يحترمك كثيراً عندما تفتح معه قنوات الحوار والنقاش، ومن ثم سوف يفكر ملياً فيما بعد - أي من هناك مباشرةً سيفكر فيما تقول -.

 

*********************

 

  مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ نتحدث الآن عن المقصود بالحوار، ماذا نعني به عندما نقول بأنه قيمةٌ من القيم الإنسانية في هذا الدين؟

 

 

الشيخ كهلان: الحوار من الأسس المتينة التي يُشاد عليها صرح المجتمعات، وتقوم عليها في الحقيقة أمجاد الحضارات، لا يمكن أن تتحقق لأمةٍ من الأمم مراقي السعادة والنهضة دون أن يكون من ضمن أسس ركائزها اللجوء إلى الحوار.

 

 ذلك أنه- أي الحوار– هو من صفات الأعزة الأقوياء، لأنه دليلٌ على أنهم يملكون الدليل، وأنهم واثقون من خطواتهم، وأنهم يسيرون على بينةٍ وهدى.

 

 لا يلجأ إلى ترك الحوار وإيجاد بدائل أخرى إلا من- كما يقال- "أفلس من الحجة والدليل" فإنه يخرج من منطق الحوار إلى وسائل أخرى من المنطق سواءً كانت مقبولة أو غير مقبولة .

 

 لكن مما لا يخفى أن الأمم والمجتمعات التي تلجأ إلى الحوار إنما هي تلك الأمم والمجتمعات المتحضرة فعلاً، التي تريد لنفسها مزيداً من الرقي والتحضر.

 

 وهذا صحيحٌ أيضاً حتى على مستوى الأفراد، فإن الحوار قيمةٌ نبيلة لأنه دليلٌ على طلب الحق، أو مزيدٍ من استيضاح الحق تجليةً له ، أو إظهاراً له ، أو إقناعاً للآخر به ، فالمتحاور مع غيره إنما ينشد بلوغ الحق، ولذلك كان من القيم النبيلة التي دعا إليها هذا الدين الحنيف.

 

وقد وُجدت كلمة الحوار، ووجدت مترادفاتها ( الجدال، والمجادلة) في القرآن الكريم – فيما رأيت – ثلاث مرات، لكن الحوارات نفسها كما حاول بعض أهل العلم أن يعدها في القرآن الكريم زادت على خمسمائة حوار، منها ما كان حواراً بين الله سبحانه وتعالى وبعض خلقه من الملائكة أو ممن أوحى إليهم الرب تبارك وتعالى ، ومنها ما كانت من الأنبياء وأقوامهم ، منها ما كانت حتى بين بعض البهائم ومن اختصهم الله تعالى أيضاً بمرتبة النبوة ، منها ما كانت من قصصٍ وعبرٍ وأمثال... الحاصل أنها تزيد على خمسمائة وخمسين حواراً في القرآن الكريم ، ناهيك بما ورد في ذلك في سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القولية  والفعلية والتقريرية .

 

والحوار في أبسط معانيه يقصد به المراجعة في الكلام، ويرادفه أيضاً المجادلة أو الجدال، ونجد استخدام هاتين المترادفتين في آيةٍ واحدةٍ من كتاب الله عز وجل، وهي في مطلع سورة المجادِلة قوله تعالى " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " (المجادلة:1)

 

 فالحوار والجدال من حيث الاستخدام هما بمعنى ، ولهما طرق ووسائل سوف نتعرض لها بمشيئة الله تعالى، لكن المتعارف عليه عند الناس أن الحوار والجدال هو المناقشة بين طرفين أو أكثر يقصد بها إظهار حجة  أو الوصول إلى حقيقة ، أو المقصود منها أن يكون إثبات حق  أو دفع شبه أو غير ذلك من الأسباب التي تدعو الناس إلى النقاش والحوار، هذا ما يتعلق بالحوار كقيمة ، وما يتعلق بالحوار والجدال كدلالة ومفهوم في أبسط معانيه.

*********************

 

قال الله تعالى:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا" (مريم: 41 - 48 )

 

    مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ الآن استمعنا إلى هذه الآية التي كانت حواراً هادئا بين سيدنا إبراهيم – عليه السلام – وبين أبيه، هذا الحوار يتعلق بمسألة دعوة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – لأبيه أن يدخل في الإسلام ، وأن يعبد الله سبحانه وتعالى.

 

هناك الكثير من النقاط التي يمكن أن نتحاور حولها، لكن دعنا نبدأ بالسؤال عن الهدف من الحوار ، والمجالات التي يمكن أن يكون فيها التحاور.

 

 

الشيخ كهلان : أولاً كثيرٌ من الناس يظن أن الهدف من الحوار هو الانتصار للنفس ، والانتصار للذات على الآخر المختلف معه في الرأي  وهذا غير صحيح، فإن الهدف من الحوار في حقيقة الأمر يختلف عن ذلك تماماً ، ولو أدرك الناس الغاية التي لأجلها يتحاورون لما فرطوا في الحوار.

 

الغاية في الحقيقة هي تعاون المتحاورَين أو إن كانوا جماعة تعاون المتحاورِين جميعاً لأجل معرفة الحقيقة والتوصل إليها.

 

فأنت تحاور طرفاً آخر لأجل أن تستعين به ولأجل أن تعينه حتى تصلا معاً إلى الصواب وإلى الحقيقة ، حتى تكتشفا معاً ما يخفى على كل واحدٍ منكما ، فأنت تبين ما قد يكون خفياً على الآخر ، وهو يبين لك أيضا ما يمكن أن يكون خافياً عنك.

 

فإذاً الهدف من الحوار ليس الانتصار للذات أو الانتصار للرأي وللنفس؟، وإنما ابتداءً لا بد من أن يكون المقصد من الحوار التعاون على الوصول إلى الحقيقة ، وعلى طرق سبل كشف ما خفي من غوامض الموضوع الذي تتحاور الأطراف حوله.

 

مقدم البرنامج : كما قيل "نصف رأيك عند أخيك".

 

الشيخ كهلان:نعم أحسنت، ومن أشهر أيضاً ما قيل في هذا أي من المترادفات التي تستخدم بدل الحوار في أحيانٍ كثيرة وأيضاً يسيء الناس فهم معانيها ( المجادلة ، والمناظرة) ومع أنها عند بعض المتخصصين في علم الكلام والمنطق قد تختلف درجاتها إلا إنها بحسب الاستخدام القرآني متقاربةٌ جداً من حيث المعنى، فلذلك صرح أهل العلم بأن قالوا " إنما المناظرة لكشف الحق".

 

فإذاً يراد أصلاً من المناظرة كشف الحقيقة، فعندما تكون هذه الغاية وهذا هو الهدف من الحوار فإن ذلك في ذاته كافٍ لأجل أن نطبق هذه القيمة في واقع حياتنا على مختلف الأصعدة التي يمكن أن نتحاور فيها.

 

لذلك مجالات الحوار لا تقف عند حد، ليست هي مقصورة على جوانب فكرية أو جوانب دينية كما يظن كثيرٌ من الناس.

 

عندما سألتْ عن المجالات التي يكون فيها الحوار، لا تقتصر هذه المجالات على جانبٍ دون آخر ، نحن في الأسرة بحاجةٍ إلى حوار، ومن توفيق الله عز وجل أن وُجد الآن من يتخصص في هذا الجانب لأنه صار كالفن القائم بذاته، الذي له أصول وضوابط وتجتمع فيه أيضا علومٌ أخرى تعين على ما هو أحسن لمن احتاج إلى ذلك فيما يتعلق بالحوار داخل الأسرة ( بين الزوجين ، بين الأولاد ووالديهم) أمرٌ غاية في الأهمية.

 

أيضاً في العلاقات الاجتماعية بمختلف أنواعها: الجيران ، الأقارب ، الأباعد نحن بحاجة إلى حوار.

 

كثيرٌ من المشكلات الكبيرة الاجتماعية إنما تنشأ بسبب ترك الحوار، كما أن كثيراً من المشكلات الأسرية كالطلاق وشتات الأسر والأولاد إنما تكون بسبب ترك حوارٍ كان يمكن أن لا يأخذ أكثر من خمس دقائق فتعالج به الأمور لأن لدى أحد الأطراف ما كان خافياً على الآخر فعندما تبين له عذره ورأى أنه في فسحةٍ من العذر، وانحلت بذلك عقدة الإشكال، لكن لما تركوا الحوار ، أو أخطأوا في الحوار - وسوف نتعرض لآداب الحوار وشروطه بمشيئة الله تعالى - تعقدت المشكلة وأدت إلى نتائج وخيمة.

 

 

مقدم البرنامج: لماذا يترك الإنسان الحوار مع الآخر؟

 

 

الشيخ كهلان: الأسباب التي لأجلها قلنا: إنه ينبغي أن ينزه منها قصد الحوار هي في الحقيقة الأسباب التي تؤدي إلى ترك الحوار:

أولاً: الانتصار للنفس.

 

 الأمر الثاني: عدم الرغبة في بيان ضعف رأي الفرد من قبل غيره، فما استمعنا إليه على سبيل المثال من قصة الخليل – عليه السلام – مع أبيه، إبراهيم مع أنه يخاطب أباه في هذا السياق وجهاً لوجه إلا أنه كان في مطلع كل جملة من النصائح القيمة التي كان يرشد إليها والده كان يبدأ الخطاب بقوله " يا أبتِ" لماذا؟! لأنه يريد أن يذكره بمقام البنوة والأبوة، فيستجيش مشاعره وعواطفه فيدخل إليه من هذا المدخل النفسي.

 

 وهو مدرك نظرة المجتمع في ذلك الوقت إلى الصغير ، وأنه أقل رأياً ، هذه هي المشكلة ، من ضمن الأسباب التي تصرف الناس عن الحوار أنه يرى غيره أقل منه رأياً ، ونظراً ، وعقلاً، وحكمةً فيأنف أنفة كِبْرٍ قد تكون أحياناً ، أنفة جهلٍ قد تكون أحياناً أخرى ، أو غفلة في كثيرٍ من الأحيان أيضاً من أن يستمع إلى رأي غيره.

 

 

 مقدم البرنامج: وخاصةً في الموضوع الذي ذكرتموه فيما يتعلق بالحوار في الأسرة الواحدة، عندما يكون الزوج ينظر إلى زوجته على أنها أقل منه رأياً ،  و أقل منه تفكيراً  يدفعه ذلك إلى أن لا يترك لها فرصةً للناقش، ويمكن أن يحدث الطلاق ، وكان يمكن أن لا يحدث لو أعطاها فرصة خمس دقائق كما تفضلتم.

 

الشيخ كهلان: نعم ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يراجع أزواجه، من هديه وتعرضنا في هذا البرنامج من هديه أن كان يراجع، وكنَّ يراجعن في كثيرٍ من الأمور، كان يحاورهن ويسألهن ويناقشهن ، إلى حد أن أولياءهن ، آباءهن كما حصل مع أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وكما حصل مع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - كانوا يؤنبون بناتهم على مايرونه منهن في مراجعتهن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم –.

 

 

وعودة إلى موضوع المجالات، أيضا في كثيرٍ من المعاملات المالية بين الناس ، كثيراً ما تنشأ خلافات سببها ترك النقاش، قد تكون المعاملات في مبتدئها معاملات صغيرة لكنها تؤدي إلى نتائج كبيرة .

 

 حينما يتعلق الأمر على سبيل المثال بشركاء، أو بمتعاملين غير شركاء فما لم يكن هناك حوارٌ فيما يتعلق بحقوق الشريك ، أو بحقوق أطراف العقد حول ما يتفقان عليه فإنه لا يمكن لهما أن يصلا ، أو لا يمكن لهم إن كانوا شركاء أن يصلوا إلى نتيجةٍ تحقق لهم ما يبتغون من ذلك العقد، وقد يصل الأمر إلى آثارٍ سلبيةٍ لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى .

 

فإذاً الحوار ينبغي أن يكون قاعدةً في حياتنا، في علاقاتنا مع الآخرين مهما كانت هذه العلاقات، علاقاتٍ اجتماعية، أو كانت علاقاتٍ اقتصادية .

 

 أما في الجانب الفكري فإن الناس تدرك أهمية الحوار ، وصارت هناك دعوات ليست دعوات محلية فقط وإنما دعوات عالمية إلى تفعيل الحوار بين الشعوب والثقافات ومختلف الحضارات.

 

 

مقدم البرنامج: وهذا ما سوف نأتي إليه بمشيئة الله.

 

 

الشيخ كهلان : نعم وهو حري أن يُبحث، الحاصل هنا الكلام عن المجالات ، كل المجالات يمكن أن يكون فيها الحوار .

 

*********************

 

مقدم البرنامج: الشيخ كهلان أنتم ذكرتم المجالات، وأشرتم إلى بعض آداب الحوار من خلال تركيزكم على موضوع الآية، نريد تفصيلاً في موضوع آداب الحوار .

 

 

الشيخ كهلان : أولاً لا بد لنا أن نُذَكِّر من أن الله سبحانه وتعالى جعل البشر متفاوتين ، يقول سبحانه في سورة الروم " وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ " (الروم : 22)  ويقول في سورة هود " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..." ( هود :118 - 119)

 

 فإذاً الأصل الأول الذي ينبغي أن يعيه الناس فيما يتعلق بالحوار أن الناس في طبيعة خلقتهم متفاوتون تفاوتاً كبيراً في أفكارهم فضلاً عن طبائعهم ومشاعرهم وعواطفهم ودوافعهم .

 

 هم متفاوتون تفاوتاً لا حد له ولا حصر، فحينما يدرك الإنسان أنه لا يمكن أن يُحمل الناس على طبيعةٍ واحدة ، ولا يتأتى ذلك لا عقلاً ، ولا نقلاً ، ولا واقعاً لا يمكن ذلك وإنما يدرك أن التعددية والتفاوت هو أمرٌ حاصلٌ في هذه الخليقة فإنه سوف يقتنع بأنه لا بديل عن الحوار.

 

 لا بد له من أن يتحاور مع غيره، لأنه لا يمكن له أن يحمل الناس على ما يراه هو ، ولا يمكن له أيضاً أن يقطع صلته بالآخرين ، وبذلك الوسيلة الوحيدة  في تعامله مع الآخرين إنما تقوم على الحوار.

 

بعد ذلك نأتي إلى بعض الآداب التي نقرأها من خلال الآيات القرآنية كالحوار الذي استمعنا إليه بين إبراهيم – عليه السلام – وأبيه ، ومن خلال الكثير من الحوارات ومما قرره أهل العلم ولكن باختصارٍ شديد ، لأن أيضاً الحوار وأدب المناظرة أُلف فيها مصنفات كثيرة .

 

 أولاً: القصد ، لا بد أن يكون القصد سليماً صحيحاً ، والقصد هو ما تعرضنا له في أول الأمر من أن يكون المقصود هو التعاون على كشف الصواب والوصول إلى الحقيقة، الوصول إلى نتيجة إيجابية .

 

 ثم عند تطبيق ذلك عندما نكون في الحوار نفسه لا بد من القول الحسن فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..." (الإسراء:53)

 

 وموضوع القول الحسن تعرضنا له في حلقات خاصة نؤكد عليه هنا لأنه أصل في الحوار، والله تعالى يقول: "... وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا..." (البقرة :83) لكل الناس على اختلاف طبائعهم ، وعلى اختلاف مشاربهم ، وأفكارهم ، وثقافاتهم يأمرنا الله عز وجل بالقول الحسن معهم .

 

سؤال متصل: ما هي الطرق الصحيحة للحوار بين المذاهب ؟ ولا سيما عندما يكون الحوار بين العلماء أنفسهم، فنحن نرى كثرة السب والتكفير – والعياذ بالله - أثناء الحوار في المذاهب.

 

الأمر الثاني: نحن قدوتنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قصة ذلك الأعرابي عندما جاء وبال في المسجد وأراد الصحابة أن يضربوه لولا تدخل الحوار في ذلك الوقت من قبل الرسول – صلى الله عليه وسلم – مما أدى إلى دخول ذلك الأعرابي في الإسلام.

 

 

متصل آخر: إذا كنت تتحاور مع شخص ، و هذا الشخص دائما يظهر نفسه أنه هو على صواب ، وبقية الأشخاص على خطأ ، كيف يمكن التصرف مع هذا الشخص؟

 

 

 متصل ثالث: أحب أن أضيف نقطة وهي: أن الحوار لا بد أن يكون على قاعدة علمية، فأحياناً بعض الأشخاص يقحمون أنفسهم في حوارات وهم لا يمتلكون المفاتيح الأساسية لتلك القضية .

 

 فقد يكون الحوار في مبادئ الدين وفي أمور ثابتة فتجد هذا الشخص بعد أن يحاوره الطرف الثاني ويعطيه جملتين أو ثلاث يغير رأيه ، فأنا أرى أن الشخص قبل أن يدخل في حوار مع أحد لا بد أن يقرأ ويطلع حول الموضوع الذي يريد أن يتحاور مع الآخر فيه.

 

كذلك أود أن أحكي هذه القصة التي حدثت لعائلتين كانتا تعيشان مع بعضهما، وما حصل أن ابنة العائلة الأولى ارتكبت خطأً فعاقبتها زوجة العائلة الثانية، فذهبت هذه البنت تبكي لأمها ، وحصل شجار بين الزوجات ، الأولى تتهم الثانية بأنها عاقبت ابنتها بلا سبب ، والثانية تقول: ان ابنة العائلة الأولى ارتكبت خطأً جسيماً لذلك عاقبتها، في النهاية أدى الأمر إلى تخاصم العائلتين بأكملهما وتقاطعهما لمدة عشر سنوات ، وذلك بسبب ترك الحوار الهادئ.

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ أنتم كنتم تتحدثون في موضوع آداب الحوار ولكن هذه الأسئلة التي دخلت الآن مباشرة في الخط يكاد يكون الكثير منها يتفق على أهمية الحوار، ويطلب أيضا في الوقت ذاته الطرق المثلى التي يتحاور فيها أصحاب الأفكار المختلفة نحو ما طرح أحد المتصلين من الحوار بين المذاهب الإسلامية بالذات .

 

ففي بعض المواقع في شبكة المعلومات العالمية لا تلمح أثراً لهذا الحوار ، إنما يقرأ الإنسان سباً وشتماً ولا شك أن هذا صادرٌ من الذين لا يمتلكون المعلومات الكافية للحوار مع الآخر ، إنما أراد الأخ المتصل أن يركز على موضوع العلماء إذا ما كان بينهم وبين الآخر حوار في هذه المواضيع.

 

 

الشيخ كهلان: فعلاً كما ذكرت أن المشاركات تتفق على أهمية الحوار، وهذه ظاهرة إيجابية، ونحن منها ننطلق وهذا البرنامج أيضاً ينبه من كان في غفلة إلى أهمية هذه القيمة التي نتعرض لها.

 

 وسوف نأتي بمشيئة الله تعالى إلى كثير من الجوانب التي تفضل الإخوة بذكرها ونحن نتحدث عن آداب وشروط الحوار ، وقلنا: ان موضوع الإخلاص لله تعالى ، تجريد القصد – أن يكون القصد الوصول إلى الحق – وهذا يدخل فيما ذكره المتصل الثاني من كون الطرف الآخر في بعض الأحيان يأنف ، ولا يرى صواباً إلا رأيه هو ، وهذا خطأٌ كبير في فهم الحوار.

 

 مهما كانت منزلة من يحاورك فإن القاعدة التي قررها أهل العلم ( أن رأيي صواب يحتمل الخطأ - أنا أرى رأياً وأرى أنه الصواب لكنه محتملٌ للخطأ – ورأي غيري خطأ لكنه يحتمل الصواب )

 

 فإذاً هذا المقدار – مقدار الخطأ عندي مع مقدار ونسبة الصواب عند غيري – هي في الحقيقة كافية إلى أن أسمع وأنصت لمن يحاورني ، أن أجعل للرأي فسحة وذلك ديدن العقلاء من العلماء، وأهل الفكر، والساسة، وأهل الرأي على مختلف ثقافاتهم وعلى مر العصور .

 

كذلك لا بد – وهذه من آداب الحوار التي تتصل أيضاً بهذه النقاط – من احترام الطرف الآخر ، لا يمكن أن يبنى حوارٌ مع عدم احترام طرف للطرف الآخر.

 

 وموضوع الاحترام نحن لا نريد أن نعتبر المحاور خصما؛ بل نقول: احترام الطرف الآخر لأننا قلنا بأن هدف المتحاورين في الأصل التعاون في الوصول إلى الحقيقة ، فإذا كان لا يوجد احترام للطرف الآخر فإن هذا الطرف سوف يأنف من أن يستمع إلى هذا الطرف ، ومن أن ينصت إليه .

 

 حتى أن من الغريب في آداب المناظرة أنهم يقولون: مما يروى عن الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – أ نه قال : " يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع  أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ولا تقطع على أحدٍ حديثاً وإن طال حتى يُمسك"

 

 فإذاً تعلُّم حسن الاستماع – كما قلنا هنا – حسن القول فإنه ينبغي لنا أيضاً أن ندرك أن من آداب الحوار حسن الاستماع، فالرجل ينبغي له أن يعطي فرصةً لولده لكي يُبدي ما عنده، وأن يعينه على أن يُخرج ما في صدره حتى يصلا معاً إلى نتيجة ، والمرأة تتيح فرصةً لزوجها حتى تسمع منه ، والرجل يفعل كذلك مع زوجته ، والموظف مع مسئوله  والمسئول مع  موظفه، لا بد من أن ينصت وأن يكون حريصاً على أن يسمع.

 

 هو يعرف ما عنده لكن ليسمع ما عند الآخر، ثم بعد ذلك يجيب عليه إما موافقةً أو بياناً لما وقع فيه من الخطأ .

 

فإذاً إن أردنا أن نعود مرةً أخرى لنلخص هذه الآداب التي ذكرناها إلى الآن ( الإخلاص، حسن القصد ،حسن القول، حسن الاستماع ، واحترام الطرف الآخر ، فاحترام الطرف الآخر من الأسباب المهمة  ).

 

 من النقاط  التي ذكرها أحد المتصلين وكنت على وشك الوصول إليها " العلم" ، وقد أشار إليها المتصل الثالث في اتصاله .

 

 من الناس من يبني حواره على جهل، انتصاراً للنفس، أو مماراةً للآخرين ، أو حباً للظهور سعياً وراء شهرةٍ كاذبةٍ  أو بريقٍ كاذب وهذا ليس من شأن ولا من شيم المسلم العاقل الذي يسعى للحكمة ، ويتلمس ما يؤدي به إلى الخير .

 

 فحينما يكون المرء معجباً بنفسه ، أو حينما يكون هدفه حب الثناء فقط وحب الشهرة أو أنه يظن أنه يأتي بجديد على الناس لا تعرفه الناس، أو أنه لا يبالي بالآخرين هذا لن ينجح في حواره مع الآخرين ولن يستفيد وسوف يظل منكفئاً على ذاته حتى وإن ظن أنه يدخل في حوار .

 

من الآثار السلبية لترك الحوار هو الانكفاء على الذات ، وكذلك من الآثار السلبية لعدم الأخذ بالأسباب الصحيحة للحوار - أي من الناس من يدعي أنه منفتحٌ ويحاور الآخرين، لكن في الحقيقة هو في طريقته يريد أن يُسمِع ولا يريد أن يَسمع ، أن يتكلم لا أن يَسمع ، أن يثبت أنه على صواب وأن غيره على خطأ - وهذا سوف تكون نتيجته أنه سوف ينكفئ أيضاً على ذاته ولن ينتفع بما عند الآخرين.

 

منهم من – كما قلنا – يحاور في موضوعٍ يجهل فيه ، وكم من الناس رأيناهم يحاورون في أمورٍ تنتمي إلى فنونٍ ومعارفٍ وعلوم هم لا يتقنونها ولم  يدرسونها، وتجد أنه لشبهٍ استمعها أو لشيءٍ توهمه فإذا به يتمسك بذلك الرأي ، ويدخل في حوار ويأتي فيه بطاماتٍ لا يمكن أن يقبلها عقل ، وهذا شائع في كثيرٍ من الأمور.

 

ولا بد من أن نتخلص من مثل هذه الطبيعة ، وأن يكون الحوار مبنياً على علم، إن كان هو لا يتقن معرفة ما يتصل بذلك الموضوع فليتعلم قبل ، وتعلمه يكون بالسؤال ، يكون بالانتفاع من الطرف الذي يعرف ، يكون بالقراءة ، يكون بمختلف الطرق التي يمكن أن يتعلم بها الفرد، ثم بعد ذلك إن احتاج أن يدخل في حوار فليدخل فيه.

 

 

مقدم البرنامج: أيضا النقطة التي ركز عليها المتصل الثالث هي سرعة النتيجة في مثل هذه الحالة ، أي قد يجادل إنسان ليست لديه معرفة إنساناً آخر أكثر منه علماً ودقةً وفهماً في الموضوع فيناقشه ويتراجع عن الفكرة التي كان يؤمن بها  ولربما هي من صلب معتقده ، يتراجع عنها لأنه لا يمتلك العلم الذي يناظر ويناقش به الآخر.

 

والأصل كما يقول هذا المتصل في مداخلته أن الإنسان لا يستعجل في التنازل عن أفكاره حتى يقرأ فيها ويتمعن، أو يرجع إلى أهل العلم لعل لديهم رداً ، أو لعلهم يمتلكون رداً على تلك الدعوى التي قال بها ذلك الشخص .

 

 

الشيخ كهلان : نعم ، هذا يعود فعلاً إلى قاعدة العلم ، في الحوار لا بد من العلم .

 

 الآن قد تتدرج مستويات العلم المطلوبة بحسب نوع القضية التي حولها الحوار ، نحن لا نتحدث فقط عن الحوارات في قضايا فكرية وإنما نتحدث حتى في قضايا بسيطة ، قضايا اجتماعية، قضايا تربوية ، قضايا يمكن أن تشغل من هموم الناس التي يمكن أن تشغلهم ، فإذا بالنقاش في تلك القضايا والهموم يشتد أحياناً حتى يصل إلى النفرة، في حين أن التزام شيءٍ من أدب الحوار كان سوف يُغني كل الأطراف عن الوصول إلى مثل تلك النتيجة .

 

 لكن في كل الأحوال مهما اختلفت درجة الموضوع المتحاور حوله وعلم الطرف الآخر لا بد أن ينطلق الإنسان من قاعدةٍ علمية في كل الأحوال ، حتى أيضاً لا يُلَّبس عليه من قِبل الطرف الآخر لأنه ليس بالضرورة أن يكون إخفاقه في الحوار دليلاً على خطئه في الموضوع الذي هو فيه ، أو في الرأي الذي يتبناه أو يراه ، لأن – كما قلت – قد يكون هو غير مؤهل أصلاً ولذلك نبه أهل العلم على أنه ينبغي أن يكون المرء مؤهلاً .

هذا يتصل بالمناظرات أكثر مما يتصل بموضوع الحوار – كما قلت - حتى في مستوياته إن صح التعبير أن نقول في مستوياته العادية بين الناس .

 

 

مقدم البرنامج: المتصل الثاني يسأل إذا تحاور شخص مع آخر لكن ذلك الشخص لا يعرف شيئاً عن فن الحوار ، ولا عن آداب الحوار ، ويفرض رأيه على الآخر ، أو لا يسمح حتى للآخر أن يحاوره ،هذا الشخص يكون محاوره أو الشخص الذي يتعامل معه عندما يطلع على صفاته تلك يرفض الحوار ، هو لا يدخل معه أساساً في نقاش، كيف التصرف مع مثل هذا الشخص؟

 

 

متصل رابع: نريد أن  نسمع رأي فضيلة الدكتور بالنسبة للشخص الذي دائماً يدعي بأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ ، هل يبقى له حق شرعي من حيث المناصحة؟ أي هل يبقى له حق في أن ينصحه الطرف الآخر؟

 

 

الشيخ كهلان: أريد أن أأكد مرةً أخرى على شيء مما ورد في القصص التي ذكرها الإخوة ، فالقصة التي ذكرها المتصل الأول – قصة الأعرابي الذي بال في المسجد – تبين لنا أهمية الحوار ، وتبين لنا طرفاً مما كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أخذ الناس بالتؤدة والأناة وتبين ما عندهم ومراعاة الأعراف والظروف التي جاؤوا منها .

 

 فالنبي– صلى الله عليه وسلم– أدرك أن هذا أعرابي لا يعرف مكانة المسجد وفضله وقدسيته فلو كان غيره – على سبيل المثال – ممن يعرف مكانة المسجد لعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اتخذ موقفاً آخر ، أما هذا الأعرابي فلأنه جاء من بيئة لا يعرف فيها مكانة المسجد وقدسيته، وهذا أمر ينبغي أن نضعه في الحسبان حتى- كما قلت–هذا النموذج الذي استمعنا من حوار إبراهيم – عليه السلام – لأبيه فيه الكثير من الإشارات إلى اعتبار أعراف المجتمع ، - فكما قلت – كون إبراهيم – عليه السلام - صغيراً وكون أبيه مهاباً في قومه كانت حاضرة في ذهن إبراهيم الخليل ولذلك كان خطابه له بهذه الطريقة التي تراعي هذه الأعراف والعادات .

 

كذلك رسول – صلى الله عليه وسلم – عندما جاءه عتبة بن الوليد وشدد عليه في الخطاب ثم إنه قال له : إن كنت تريد الباءة زوجناك خير نساءنا ، وإن كنت تريد كذا.. وإن كنت تريد كذا لكن على أن تدع هذا الأمر الذي أنت فيه ، النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : هل فرغت يا أبا الوليد ؟ وفي رواية أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم ، قال النبي: فاسمع مني كما سمعت منك ، فهذا الأدب الرفيع الأدب القرآني في الحقيقة.

 

 إذا كان الله سبحانه وتعالى يقول لموسى – عليه السلام – ولأخيه هارون " اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه : 44)  فإذاً هذه كلها تضاف إلى آداب الحوار التي نتحدث عنها.

 

ثم في الحوار نفسه من القواعد المهمة (إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدعياً فالدليل) – أي لا يمكن أن تحاور غيرك بدعاوى تدعيها دونما تأتي عليه بدليل ، ولا يمكن أيضاً أن تنقل عن غيرك إلا نقلاً صحيحاً – وهذه أصلاً من أخلاق المسلمين .

 

الآن نأتي إلى محاورة من لا يقبل الحوار ، محاورة من لا يقبل الحوار هي لا تدخل فقط في باب الحوار – أي ليست معاملة الطرف الآخر مقتصرة على موضوع الحوار – هناك النصيحة ولها آداب وشروط ، هناك حق المسلم على أخيه المسلم ، وهناك تفاصيل لهذه الحقوق لكن خلاصة ما نجيب به على مثل هذه المواقف التي ذكرها عدد من الإخوة ولعلهم ولعل غيرهم أيضاً يعاني من مثل هذا النوع أن من يأبى قبول الرأي الآخر ، ومن يأبى أن يسمع فإنه بعد أن يؤدى له حق النصح ، وبعد أن يبين له الحق فإنه يكون قد أسقط حقه في الحوار .

 

 لا يُكلف المرء أن يكون ملحاً على غيره في قبول ما يعرضه عليه، عليه أن يؤدي واجب النصح ، وعليه أن يسعى بالطرق التي تؤدي أيضاً إلى تحقيق النتيجة المبتغاة المتوخاة للطرف الآخر لأنه في آخر الأمر هو يبتغي مرضاة الله سبحانه وتعالى ، فيبين له وينوع في أساليبه فإن انقاد فبها ونعمت ، وإن لم وتكرر ذلك منه وتبين أنه يفعل ذلك عن قصد وأنه لا يرغب في السماع فإنه قد أسقط حقه في ذلك ، ولا يلزم المسلم أن يكلف نفسه بذل ماء وجهه فيما هو مصلحةٌ لغيره إن كان ذلك الغير لا يريد.

 

 لكن هذا لا يعني بت العلاقة ، أو أن تُسد إذا كان هو لا يقبل من زيدٍ من الناس فلعل عمرا يكون يقبل منه.

 

مقدم البرنامج: أي يبحث عن مجالٍ آخر ، أو عن شخصٍ آخر.

 

الشيخ كهلان: أو أن يتولى غيره ، هو لا يلزمه أن يبحث هو بنفسه ، وإنما نحن نقول فيمن تعرض، ولكن ليس له من أن يمنع الآخرين من أن ينصحوه.

*********************

 

قال الله تعالى :

"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل - 125)

 

 

مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ استمعنا الآن إلى هذه الآية القرآنية الكريمة نحتاج فيها إلى تعليق حول ما يستفاد من هذه الآية.

 

 

الشيخ كهلان: هذه الآية تدل على أن الأصل في الدعوة إلى الله تعالى وفي محاورة الآخرين ووعظهم أن تقام على أساسٍ من الدعوة بالحسنى " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..."

 

 تتكرر كلمة أو مشتقات الحسن في الموعظة الحسنة، وفي بالتي هي أحسن ، وبالتي هي أحسن متعلقة بالجدال "وجادلهم" وقلنا ان الجدال بمعنى الحوار ".. وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...." حينما نتذكر خطاب الله عز وجل لموسى وهارون بأن يقولا قولاً ليناً لفرعون ، وفرعون الذي ادعى الإلوهية  ندرك أهمية القول الحسن ، والموعظة الحسنة في تحقيق الآثار التي يتوخاها المسلم.

 

وهذه القاعدة ينبغي أن تعمم في كل الحوارات – كما قلت – لا يقتصر الأمر على الحوارات في قضايا فكرية وإنما حتى في أبسط الحوارات التي ندخل فيها مع إخواننا ، أبنائنا ، أزواجنا ...الخ

 

على أن هناك استثناءً من هذه القاعدة، وهذا الاستثناء ورد في كتاب الله عز وجل ، أصله حينما يقابَل المسلم بظلم ، حينما يظلمه الطرف الآخر فكيف يتعامل معه؟؟

هل يسقط حق المسلم في دفع الظلم عن نفسه ، ويكون أيضاً مأموراً بالمعاملة بالحسنى أو بالقول الحسن؟

 

يقول الله سبحانه وتعالى : " لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ..." (النساء - 148)   ويقول في موضوع الجدال تحديداً " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ..." (العنكبوت:46) فحينما يتعرض الطرف الآخر لما فيه ظلمٌ لك في معتقدك ، في دينك ، في مقدساتك... الخ  فإنه في هذه الحالة يمكن أن يلجأ المسلم إلى أسلوبٍ آخر غير الجدال بالحسنى ، هناك وسائل أخرى للتعريف بالحق ، ودفع الظلم غير المجادلة.

 

فلذلك هذه الآية كما يقول أهل العلم هي نص في حالاتٍ لا يكون المؤمن فيها مأموراً بالمجادلة بالحسنى ، حالات الظلم الواقعة عليه من طرف آخر " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ..."

 

  وكذلك قوله تعالى في سورة النساء " لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ..." حينما يكون مظلوماً فعلاً ، وبعض أهل التفسير يقصر دلالة هذه الآية  من سورة النساء على القضاء – أي عندما يرفع أمره للقضاء طلباً للحق – وبعضهم وسع قليلاً وقال: حينما يذكر أمره عند من يرجو به دفع الظلم عنه ، فإنه له أن يبين مساوئ الطرف الآخر الذي ظلمه حقيقةً وفعلاً.

 

مقدم البرنامج: لأن فتح قنوات الحوار مع شخص ظالم ينتهك الحقوق ، ويغصب الناس حقوقهم دليل ضعف؟

 

الشيخ كهلان: نعم دليل ضعف، ونحن نتحدث عن حوار كقيمة من القيم التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها لأجل أن يصل إلى الحق ويُوصل الحق الذي لديه.

*********************

 

خاتمة الحلقة

 

 اجتمع متكلمان فقال أحدهما: هل لك في المناظرة؟

 فقال: على شرائط ( أن لا تغضب ، ولا تعجب ، ولا تشغب ، ولا تحكم ، ولا تُقبل على غيري وأنا أكلمك ، ولا تجعل الدعوى دليلاً ، ولا تجوِّز لنفسك تأويل آيةٍ على مذهبك ، إلا جوزتَ لي تأويل مثلها على مذهبي ، وعلى أن تؤثر التصادق وتنقاد للتعارف، وعلى أن كلاً منا يبني مناظرته على أن الحق هو ضالته ، والرشد غايته )

 

انتهت الحلقة