طباعة
المجموعة: برنامج دين الرحمة
الزيارات: 1861

صيانة المجتمع من آفة الإدمان والمخدرات ج1

بثت في:

15/رجب/1431هـ

28/يونيو/2010م

----------------------

 

مقدم البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد من برنامجكم دين الرحمة.

من بين سائر الخلق كرَّم الله تعالى الإنسان بالعقل، فأبصر الحياة، وتعرَّف بعمقٍ على حقيقة الأشياء من حوله، وصار بذلك مهيأً مؤهلاً لكي يكون خليفة الله في الأرض، إن لحظة تدبرٍ في البهائم الزاحفة أو الدَّابة في الأرض يشعر الإنسان بمقدار الكرامة التي فُضِّلَ بها على سائر الخلق، والمسافة الشاسعة التي تَفْصِلُهُ عن مخلوقات الدنيا؛ لكنه في لحظة غفلة هناك من يَحمِلُ المعاول لاقتلاع العقل، وإلغاء المسافة بينه وبين تلك المخلوقات، ولك أن تتصور هذه العملية الخطيرة، ولك أن تتصور أيضا كيف بعدها سيكون، هكذا هم الذين رفضوا هذه الكرامة وقرروا السير في الدنيا عبر حزمة من أصدقاء السوء لا هَمَّ لهم سوى إطالة هذه الغفلة بالمخدرات، فهل سيقول المجتمع لا للإدمان ولا للمخدرات؟! ولكن كيف وهم إذا وقعوا فيها فلا صريخ لهم ولا هم يُنْقَذُونَ؟! أم لا تزال فرصة الإنقاذ باقية؟ ولكن كيف أيضا؟! وماذا على الفرد والمجتمع أن يفعل؟! وهل من سبيلٍ إلى فرض سياجٍ من الحماية للناشئة في زمنٍ تعددت فيه صور الإغراء، وحَمَلَتْ المخدرات وأخواتها أسماءً غير أسمائها؟!!

 

هذا محل نقاشنا اليوم في برنامجنا وفي حلقتنا من برنامجكم دين الرحمة، نحاور ونناقش فيه من أَعَدَّ هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة، راجين منكم أن تتواصلوا معنا في هذا الموضوع الحساس، والذي تحتاجه مجتمعات الأرض كلها، كما أننا كعادتنا نوجه لكم سؤالاً في نصف الحلقة؛ لكي تكون هناك مشاركةٌ فاعلة حول مضمون السؤال، وما يمكن أن يُفيدَ منه الجميع.

 

*********************

أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ..

 

الشيخ كهلان: حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات الذين يتابعون هذا البرنامج، وأسأل الله عز وجل في بدايته أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه تعالى سميعٌ مجيبٌ.

 

مقدم البرنامج: آمين.

فضيلة الشيخ في البداية نريد أن نتعرف على عناصر هذا الموضوع الذي نناقشه اليوم، ومن أي الجوانب نتناوله؟

 

الشيخ كهلان: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلا ريب أن برنامجنا دين الرحمة يَتَنَاوَلُ كل ما يُعنَى بالأخلاق تهذيباً وتزكيةً، وبالنفوس نماءً لكل ما يحقق السعادة لبني البشر في الدنيا والنجاة لهم في الآخرة؛ ولذلك فإننا في الحلقات الأخيرة تناولنا المسؤوليات المجتمعية، تناولنا بعضاً من القضايا التي يتحمل المجتمع أمانتها وعليه أن يؤدي مسؤولياته فيها، وأصَّلنا لذلك تأصيلاتٍ شرعية أن المجتمع بأسره مسؤولٌ عن وقاية نفسه بنفسه، ومسؤولٌ عن تعزيز سياج القيم والأخلاق، وصيانة أفراده من كل ما يمكن أن يؤثر عليهم، وصيانة ممتلكاته أيضا من كل ما يمكن أن يأتي عليها بالنقصان أو التبديل أو الهدم-عياذاً بالله-.

 

وقررنا لذلك الأصول الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وانتقلنا بعدها مباشرةً إلى الحديث عن الجوانب العملية التطبيقية كنماذج للمسؤوليات المجتمعية، كنماذج لفروض الكفاية التي تَدْخُلُ معها فروض أعيان على بعض الأشخاص، وكنا قد تحدثنا أول الأمر عن السلامة المرورية، ثم انتقلنا في بضعةٍ حلقات وتحدثنا عن مسؤولية التربية، ونحن اليوم نواصل حديثنا لنتحدث عن قضيةٍ هامةٍ كما تفضلتم في المقدمة وهي صيانة المجتمع من آفة الإدمان والمخدرات، وهي مسؤوليةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ كبرى؛ لأن ما نتحدث عنه يقضي على طاقاتٍ كان يمكن أن تَبنِي المجتمعات، وأن تُعِين على كل خيرٍ وصلاحٍ واستقامةٍ في هذه المجتمعات، نتحدث عن آفةٍ عظيمةٍ وعن داءٍ بدأ يستشري في مجتمعات المسلمين، وبدأ شره يستطير فيها وهو داء المخدرات والإدمان على هذه المخدرات، ولا ريب أنها-كما يعلم الجميع-تقضي على عقول الشباب، وعلى أبدانهم، وعلى نفوسهم، كما تقضي على ممتلكاتهم وأموالهم، فهي داءٌ بمعنى الكلمة، وهي شرٌّ مستطير تجتمع معه كل الخبائث التي يتصورها الناس، وآثارها-كما قلتُ-تتناول العقل، والبدن في صحته، والنفس، كما تتناول أيضا المال العام والخاص.

 

وأما من حيث وسائل انتشاره-وسائل انتشار هذا الداء-فهي عديدةٌ لا يمكن أن تحصى؛ ولذلك فإن حلقتنا هذه لن تتعرض لما هو معروفٌ معلومٌ عند الناس من بيان الأحكام الشرعية للمسكِرات والمخدرات والمفتِّرات؛ لأن هذا أمرٌ معلوم، كما أنها لن تتعرض للأضرار الصحية والعقلية والمالية المصاحبة للإدمان ولتناول المخدرات والمفتِّرات والمسكِرات بأنواعها وكل ما يؤثر على العقل، وإنما نريد أن نتناول الجوانب العملية.. نريد أن ننظر إلى المدمن كضحيةٍ يحتاج إلى عونٍ ومساعدةٍ منا.. نريد أن نبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى زيادة الإدمان وانتشار المخدرات.. نريد أن نُوَفِّقَ بين أطروحتنا هذه وبين هذا التوجه المبارك في السلطنة في حملة (وطن بلا مخدرات)، التي تتزامن أيضا مع الحملة العالمية لمكافحة المخدرات، نريد أيضا أن نبين ما هي الأسباب التي أدت إلى انتشار المخدرات وإلى الإدمان عليها، ومن المسؤول، وكيف يمكن لنا نحن جميعاً أن نتعاون لكي نحقق هذه الشعارات، وكيف يمكن أصلاً أن تُجعَلَ هذه الشعارات شعارات عملية قابلة للتطبيق يُلاحَظ أثرها وتُرى نتائجها بإذن الله عز وجل، هذه هي المحاور والعناصر التي سوف نتناولها بمشيئة الله تعالى، ونسأل الله عز وجل أن يُجَنِّبَنَا جميعاً، وأن يُجَنِّبَ أولادنا ومجتمعاتنا هذه الشرور والأدواء الخطيرة.

 

مقدم البرنامج: بحول الله.. آمين..

لأن المخدرات مشكلةٌ خطيرة وعالمية والناس بحاجةٍ بالفعل إلى أن يتعلموا سبل الوقاية منها فإننا نرجو منكم المشاركة، وخاصةً أولئك الذين توفرت لديهم معلوماتٌ عن مدمنين، وكيفية التعامل معهم، نستمع الآن إلى هذه الآيات القرآنية، ثم نواصل حوارنا بإذن الله تعالى.

 

*********************

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (المائدة:90-92).

 

مقدم البرنامج: صدق الله العظيم.

فضيلة الشيخ بعد استماعنا إلى هذه الآية ما هي المعاني المتصلة بموضوعنا (لا للإدمان) الذي نستفيده منها؟ وما مدى احتياجنا كذلك في واقعنا اليوم إلى التذكير بهذه التوجيهات الربانية؟

 

الشيخ كهلان: يتجلى المعنى الأول في بداية هذا النداء الرباني لجماعة المؤمنين، فالله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ...} من ما يؤكد ما قلناه سابقاً من أن هناك مسؤولياتٍ تقع على عاتق المجتمع بأسره، ولا تبرأ ذمة المجتمع إلا بامتثال أمر الله عز وجل أو السعي لامتثال أمر الله عز وجل، وإبراء الذمة بأداء ما أَمَرَ، وبالانتهاء عن ما نهى سبحانه، فإذاً الخطاب للجميع؛ ولذلك فنحن في خطابنا اليوم أيضا في هذه الحلقة حتى نبتعد عن النظريات نَعْلَمُ أن قليلاً من المدمنين أو من تجار المخدرات من يتابعون هذه الحلقة؛ لكن كثيراً من شرائح المجتمع من يعتني بمتابعة هذا البرنامج؛ ولذلك فرسالتنا إليهم أن يكونوا أعواناً على الخير، فإن الله عز وجل قد خاطب الجميع، والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالتعاون؛ ولذلك فإن ما يتصل بمثل هذه المعاني التي نتناولها طالما أنها مسؤوليةٌ مشتركة فإنه ينبغي لنا جميعاً أن نؤدي هذه الأمانة كلٌّ بحسب استطاعته، وبحسب ما يمكن له أن يؤدي بها ما يُبْرِئُ له ذمته عند الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أن كل ذلك إنما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتشاور في ما بيننا حول أفضل السبل للوصول إلى النتائج المرجوة.

 

ثم إن الله سبحانه وتعالى يبين أن كل ما يفسد العقل ويهدر الطاقات ويؤدي إلى الكسب غير المشروع هو من أشنع ما يمكن أن يقترفه المسلم؛ لأنه من الرجس، ومن أعمال الشيطان؛ ولذلك أمر الله عز وجل عباده أمراً جازماً باجتنابه، وعلَّق الفلاح على ذلك، فدلالة النهي واضحةٌ لا مرية فيها، وهذا الاقتران بين كل هذه الأعمال بين الخمر والميسر وبين عبادة الأنصاب أو الاستقسام بالأزلام وبين كونها رجساً دلالة على أن الانحدار في دركات هذه الآثام مرتبطةٌ حلقاته بعضها ببعض، فكل ما يُفسِد العقل من الخمور ومن المفتِّرات، ومع ما يمكن أن يصاحبه أيضا من لعب الميسر، ومن الابتعاد عن عبادة الله عز وجل، ومن الكسب غير المشروع، ومن الكسب الذي يُبنَى على إفساد عقول الناس، وعلى استنزاف أموالهم بالباطل، إنما ذلك من ما يمقته الله عز وجل ويُحَذِّرُ منه، ولهذا فإنه يجب على المسلمين أن يتنبهوا لهذه المعاني، ثم يبين الله تبارك وتعالى أن عاقبة ذلك أنه يورث العداوات والبغضاء في المجتمعات، وهذا حاصل؛ فإن جرائم المخدرات غالباً ما تقوم بها عصابات، وعصاباتٌ عالميةٌ أو دوليةٌ أو إقليميةٌ لها وسائلها وطُرُقُهَا، ولها من المُكْنَةِ ما تتمكن من استهداف شرائح الشباب.

 

نحن هنا كما طالعتنا الصحف على سبيل المثال نجد أن أكثر المتعاطين في البلد هم من المواطنين، لكن أكثر المهربين والمتاجرين والمروجين هم من غير المواطنين، من ما يعني أن أولئك إنما يريدون أن يُكوِّنوا ثرواتهم باستنزاف عقول شبابنا، وباستهداف أموالهم، وباستهداف طاقاتهم للإثراء على حساب إدخالهم في دائرة الإدمان، وتزيين الباطل حقاً لهم، واِتِّبَاعِهِم سبل الشيطان-والعياذ بالله-، وغالباً ما تنشأ العداوات، وتكون الفتن، ويصاحب ذلك إراقة دماء، ويصاحب ذلك التفكك الأسري، ويصاحب ذلك أيضا حينما لا يجد المدمن بغيته من المخدرات يصاحب ذلك ارتكاب أنواع من الجرائم كالسرقة، والسطو، وعدم المبالاة بأموال الآخرين، وما أيضا يَنتُج من أثر فقدان المدمن لعقله ولتفكيره من ارتكابه للموبقات الأخرى؛ ولهذا فإن الله عز وجل يُحذِّرنا من ذلك في قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}.

 

ثم يبين الله سبحانه وتعالى أن الصلاح والسعادة والخير إنما تكون في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله المُبلِّغ من عند ربه، وكلٌّ يتحملُ وزره، وكلٌّ مسؤولٌ عند ربه تبارك وتعالى، ولذلك جاء ختام هذه الآيات {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}، فكل هذه المعاني واضحة.. واضحةٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، وهي من حيث ارتباطها بموضوعنا شديدة الارتباط، لا تنفك عنها، وواضحٌ.. بَيِّنٌ أن الله سبحانه وتعالى شَرَعَ لعباده كل ما فيه رحمةٌ بهم، وكل ما فيه رفقٌ بهم.. بعقولهم، ونفوسهم، وأبدانهم، وأموالهم، كما بأرواحهم، وصِلتهم بالله سبحانه وتعالى.

 

مقدم البرنامج: تَذْكِيرُ هذه العقول وتنبيهها يعني قَطْعَ مصادر التمويل لهذه العصابات التي تسعى إلى تدمير المجتمعات، والعيش على هذه الدوائر التي تُوَسِّعُها في كل مجتمع.

طيب فضيلة الشيخ نحن الآن أمام شعارات، وأنتم ذكرتم بعضها، من ضمنها: لا للإدمان، لا للمخدرات، وآخر شعار وطنٌ بلا مخدرات، نريد أن نتعرف على كيفية وضع هذه الشعارات موضع التنفيذ، بمعنى من المسؤول عن ذلك؟ وما دور الفرد والمجتمع؟

 

الشيخ كهلان: هذه الشعارات في الحقيقة ما لم توضع موضع التنفيذ فإنها سوف تكون شعارات فارغة، ولا يمكن أن تُحَقِّقَ أثراً في المجتمعات، وأول ما ينبغي أن تُحَقَّقَ به هذه الشعارات في المجتمعات هو أن تكون مضامينها متسقةً لا ريب مع الخطاب الإلهي.. مع معالم هذا الدين الحنيف وتوجيهاته وإرشاداته؛ ولذلك فإن أول ما يمكن أن نحقق به هذه الشعارات الخَيِّرة هو أن نتحمل جميعاً مسؤولياتنا، بمعنى أن لا نتدافع المسؤوليات، وأن لا يظن أحدنا أنه خَلِيٌّ من المسؤولية، وأن لا لائمة عليه حينما تنتشر المخدرات في المجتمعات، وأنه في مأمن من أن يصل إليه.. إلى أسرته أو إلى أحد أقاربه أو إلى معارفه أن يصل إليه هذا الداء المستطير، بل لابد أن نمتثل أمر الله عز وجل بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...} (التحريم:6)، فإذاً الشعور بالمسؤولية هو الواجب الأول الذي ينبغي أن يتقنه الناس، وأن يتنبهوا له حينما يريدون أن يجعلوا من هذه الشعارات حقيقةً واقعة، طبعا هذا كله بعد ما قررناه من أن تنبثق جميع هذه الشعارات من التوجيهات الإلهية من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-،

 

ثم مع الشعور بالمسؤولية لابد أيضا من البحث عن الأسباب، فإن لكل ظاهرةٍ سيئةٍ أسباباً، ولا يمكن معالجة هذه الظواهر دون البحث عن الأسباب، وأسباب الإدمان وأسباب انتشار المخدرات معلومةٌ كثيرة، تبدأ من ما كنا قد ذكرناه من الإفراط والتفريط في التربية، فإن التفريط الذي يؤدي إلى تنشئة الأولاد في ترفٍ وفي مجون يؤدي بطبيعة الحال إلى أن يألف هؤلاء الأطفال أن يألفوا هذا الترف وذلكم المجون، وأن يسعوا إلى أن تكون حياتهم هكذا هي دائما في ترفٍ ولهوٍ ومتعةٍ، وذلك في ظنهم وتصوراتهم إنما يتحقق لهم بتناولهم لهذه المخدرات التي تُحدِث أثرها من إيهامهم بالشعور باللذة والمتعة،

 

كما أن أيضا الإفراط في القسوة وفي العنف والظن بأن التربية والأدب إنما يعنيان الضرب والمبالغة في الحزم بدون مبررات وبدون سبب هي أيضا من ما يمكن أن يؤدي إلى أن يدمن الولد على المخدرات، كذلك التهاون في ما يمكن أن يؤدي.. لأن الإدمان وتناول المخدرات هي مرحلةٌ متقدمةٌ لخطواتٍ سابقة، تبدأ بالتدخين، ثم بعد ذلك يمكن أن تستمر وتتوالى حتى تصل إلى الخمور، ثم بعد ذلك إلى المخدرات؛ ولذلك فالتهاون في الخطوات الأولى وإهمال الناشئة في تناولهم لـِ.. ، بل تبدأ بما هو دون التدخين، من أنواع المضغات التي يتناولها الأطفال والتي تنتشرُ حتى في الأسواق، وللأسف الشديد كما أشرتم في المقدمة فإنها تُعطَى أسماء تُوحِي بأفضليتها، وتُوحِي بأنها من ما تبعث الهمة لدى الناشئة ولدى الأطفال، فيُزَيِّنُ الشيطان لهم ذلك، ويتهاون الآباء وتتهاون الأمهات، نحن سنأتي إلى موضوع الأسباب؛ لكن جَعْلُ هذه الشعارات حقيقة إنما يكون بالبحث عن الأسباب، وعدم التهاون في علاج هذه الأسباب، أما أن يُنظَرَ إلى المدمن أو إلى انتشار المخدرات وكأنه نتيجة لم تكن لها مقدماتٌ أولى فهذا من الأخطاء، فلا يمكن أن تُحَوَّلَ الجهود جميعاً إلى مكافحة المخدرات وإلى الوقاية منها والتصدي لها وإهمال الخطوات الأولى التي هي بإقرار المنظمات الدولية والتقارير الطبية المعنية والإحصائيات هي فعلاً البدايات التي تؤدي إلى هذه النتيجة.

 

مقدم البرنامج: طيب فضيلة الشيخ عندي سؤالان في هذه القضية بالذات، الآن أنتم تحدثتم عن بعض هذه الأسباب: قضية التربية.. الإفراط والتفريط، وأن الشعارات لا تُتَرْجَم إلا باكتمال هذا الوعي في موضوع التربية، وهناك سؤالان:

السؤال الأول: لنتحدث عن قضية هذه المضغات التي يتناولها الشباب الصغار قبل الكبار، ما الذي تحققه لهم من متعة، بمعنى لماذا يلجأون إليها وهي لا تحقق شيئاً من المتعة، ولا تحقق أيضا شيئاً من المصلحة للبدن ولا للجسم ولا للمجتمع ولا للمال؟ هذا السؤال.

السؤال الثاني: الذي يكون في حزمةٍ من الأصدقاء ويُقَرِّرُ كل واحدٍ منهم أن يَتَعَاطَى المخدرات، يجدُ نفسه شاذاً بينهم، لماذا ينهزم أمام أصدقائه فيلجأ إلى المخدرات ليكون حاله كحالهم؟

 

الشيخ كهلان: نعم أحسنتم.

هناك أسبابٌ نفسية وراء كل هذا، ومن ضمن هذه الأسباب النفسية محاولة إثبات الرجولة، والظن بأن الرجولة والفتوة-ولا نقصد بالرجولة هنا ما يتصل بالرجال أي بالشباب الذكور فقط بل حتى بالنساء-أي إثبات أنه قد بَلَغَ حَدَّاً من حرية التصرف والاستقلال، كل هذه من ضمن الأسباب، فإذا ما قارن ذلك إهمالٌ من قِبَلِ الأولياء، وغيابٌ للقدوة الحسنة، وغيابٌ للرفقة الصالحة وللقرناء الخيرين؛ فإن هذه الأسباب سوف تدفع بمثل هؤلاء الأطفال إلى الوقوع في هذه أو أن يسلكوا هذه الخطوات الأولى التي يمكن أن تؤدي بهم بعد ذلك إلى الإدمان، فإذاً مرةً أخرى نعود ونقول أنه لابد من توعية الأطفال بدايةً، وتكون التوعية بكل صراحةٍ، وبكل ما يُفْهِمُ الأطفال خطورة مثل هذه المضغات وهذه العلكات المخدِّرة؛ لأنها لا تتصل إلى الرجولة وإلى الاستقلال وإلى الحرية في مقابل فتح المجال لهم لما هو حقيقةً استقلالٌ وحريةٌ وأَخْذُ آراءٍ وتشاورٍ وغير ذلك، مع تهيئة الأجواء المناسبة للرفقة الصالحة في الوقت الذي يكون الولي من أبٍ وأمٍ أو-لا شك-كليهما يكونان على حزمٍ ودرايةٍ واطلاع بالرفقة التي يقترن بها ولدهم،

 

كذا الحال بالنسبة للمؤسسات المعنية بمعنى أنه لا يُعقَل أن نُطالِب الطفل بأن لا يسلك هذا المسلك وهو يرى أن مُدَرِّسَهُ يمضغ مثل هذه المخدرات أو أنه يُدَخِّنُ أو أنه يتناول شيئاً من المخدرات أو يُثنِي ويمتدح من يقوم بذلك، كما لا يمكن أيضا أن تُقبَلَ نصيحة واعظٍ أو إمام مسجدٍ إن كان أيضا واقعاً في شيءٍ من هذه الأخطاء والآثام، إذاً لابد من وجود القدوة الصالحة.

 

ثم مسألة هامة وهي قضية الرموز التي يراها أبناؤنا وبناتنا، هذه الرموز في الحقيقة سواءً قلنا بأنه من مشاهير الرياضة أو من مشاهير ما يسمى بالفن أو بالنجوم أو غير ذلك للأسف الشديد ليس هناك وعيٌ لدى الأُسر في تنبيه أولادهم إلى أن هذه الرموز هي رموزٌ وهمية، تزخرفها هذه الفضائيات المفتوحة، وينبغي إرشادهم إلى القدوات الحسنة وإلى الأمثلة الصحيحة التي يمكن لهم أن يقتدوا بها، وإلا فإن هذه الرموز التي يراها أطفالنا-كما قلتُ-من المشاهير ومن ما يسمونه هم بالنجوم إلى غير ذلك حياتهم هكذا أو إن لم تكن هي هكذا فإنهم يَظْهَرُوْنَ بمظاهر تُخَفِّفُ من نظرة المجتمع.. من نظرة هؤلاء الأطفال إلى المخدرات، وإلى التدخين، وإلى الخمور، وإلى المفتِّرات، وإلى العلاقات المحرمة، وهي غالباً-كما قلتُ-سلسلة يأخذ بعضها بحلقات بعض، فيؤدي-والعياذ بالله-بعد ذلك إلى الإدمان والضياع والشتات.

 

مقدم البرنامج: قبل أن نطرح سؤالنا على المستمعين نتحدث الآن عن المجتمع المتفرج، هناك في مجتمعات الناس قد يُشَاهِدُ الإنسان مثلاً أُسْرَةً نُكِبتْ في أبنائها عن طريق المخدرات، ولربما يعتصروا ندماً ويسكبوا شيئاً من الدموع حسافةً وحسرةً على ما جرى؛ لكنه يظل في النهاية متفرجاً، ما الذي يفعله المجتمع عموماً في قضية معالجة المخدرات التي يصاب بها بعض أفراد المجتمع؟ وهل أنتم مرتاحون لدرجة التوعية الثقافية الموجودة في قضية التنبيه على خطر المخدرات؟

 

الشيخ كهلان: الحقيقة أن هذه القضية قضية محورية في هذا الموضوع، وهذا الموقف-موقف التفرج والمشاهدة-هو موقفٌ سلبيٌ من هذه القضية.. من هذه الظاهرة، والظن كما قلتُ في بداية الحديث بأن الأُسر المحافظة هي في مأمن هذا ظَنٌّ خاطئ؛ لأنه-كما قلتُ-يستقي أولادنا الآن من هذه الفضاءات المفتوحة.. من رفقةٍ لا يَعْلَمُ عنها الآباء والأمهات شيئاً.. في الشارع.. في السوق.. في المجمعات.. في المحلات.. في المتنزهات.. في الشواطئ.. في المدارس إلى آخره، أيضا يُغَرَّرُ بهم أحياناً فيقعون ضحايا، ثم بعد ذلك يألفون تلك العادات السيئة فيَصِلُونَ إلى حَدِّ الإدمان.

 

وهذا الموقف السلبي الذي سَمَّيْتُهُ سلبياً يزيد من الجراح، ليته يكون الموقف المحايد، هو ليس كذلك، السكوت وترك الأمور ومجرد المشاهدة والتفرج هي في الحقيقة تزيد من الجراح مع أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَار"، ويأمر بأن نتعاون جميعاً؛ لأن المسلمين كالبنيان المرصوص، ويقول: "لا يُؤْمِنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه"، إذاً على أفراد المجتمع أن يتعاونوا وأن لا يَقِفُوا متفرجين؛ ولذلك فإن ما أشرتُم إليه من التوعية ومن التحصين ومن الحَمَلاتِ التي تُنبِّه الآباء وتُنَفِّرُ هذه الشرائح المستهدفة من الناشئة ومن الشباب ومن المراهقين يجب أن تكثف، ويجب أن تُعْرَضَ عبر الوسائل التي يتابعها هؤلاء المراهقون والشباب والأطفال، وان تكون أيضا بصورةٍ تحقق غاياتها وأغراضها، وأن تُوجَدَ أيضا من الوسائل ما يُعِينُ المجتمع.

 

للأسف الشديد فإن المجتمع لم يكتفِ بالتفرج فقط بل إنه لا يُعِينُ.. لا يَفتَحُ أبواب التوبة أمام هذا الذي وَقَعَ أسيراً للإدمان، هَبْ أنه باختياره وَقَعَ في الإدمان هل يعني هذا أن أبواب التوبة والغفران قد سُدَّتْ أمامه؟! بالطبع لا، هذا هدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وصحابته الكرام أنهم كانوا يُفَتِّحُونَ أبواب التوبة لمن وَقَعَ في شيءٍ من الأخطاء، ويأمرونه بأن يستتر بستر الله عز وجل، ويفرحون لتوبته، وتَجِدُ أنه بعد توبته أو أثناء سعيه للاستغفار والتوبة والندم تجد أنهم يُعِينُوهُ على ذلك، وأنهم يفرحون بذلك، وهذا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يُبَيِّنُ الغِبْطَةَ التي تكون حينما يؤب العبد إلى ربه تبارك وتعالى، كل ذلك من أجل أن يُنَبَّهَ الناس جميعاً إلى أنه ليس لهم أن يَسُدُّوا أبواب التوبة أمام المخطئين، بل عليهم أن يَفْتَحُوا وأن يجعلوا الأبواب مُشْرَعَةً لكي يُصَحِّحَ الناس أخطاءهم، ولكي تُقَالَ لهم عثراتهم، وتُصَوَّبَ لهم زلاتهم.

 

مقدم البرنامج: قضية التوبة وفتح باب التوبة في ما يَخُصُّ المجتمع تَعرفنا عليه الآن؛ لكن هناك ثقافةٌ خاصة بالمدمن نفسه في قضية التوبة، يقول المدمن بأنه بَلَغَ خَطّاً يصعب عليه أو يستحيل أن يَتَرَاجَعَ عنه؛ لأنه أمسى أسيراً بإدمانه هذا؛ ولذلك بسبب هذا أغلب المدمنين يرى أن مصيره قد تَقَرَّرَ، وأنه لا رجعة له، تعتريه بعد ذلك أفكار تمنعه من الإفصاح عن ما هو فيه كالفضيحة أو المعاقبة من الجهات المختصة أو أحياناً يَفْقِدُ الأمل، فهل هناك ما يمكن أن نقوله له؟

 

الشيخ كهلان: نعم، أولاً نحن نقول للمدمن أو نقول لمن يمكن أن يُوصِل كلامنا للمدمن أن أهم ما على المسلم أن يشتغل به هو صلته بربه تبارك وتعالى، ولئن سُدَّتْ أبواب الخلق جميعاً فإن باب الله سبحانه وتعالى لا يُسَدّ، والله عز وجل يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ...} (الزمر:53)، ويقول سبحانه: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ ...} (النساء:17)، وقال أهل العلم أن التوبة من قريب هي التوبة قبل الممات، فإذاً أبواب التوبة مفتوحة، ولكل ذنبٍ توبة، ولكل خطأ صوابٌ يمكن أن يُلجَأ إليه.

 

فإذاً عليك أن لا تفقد الأمل، وأن تَعلَمَ أن ما أنت فيه إنما هو حالةٌ فإما أن تكون ذا حزمٍ وشجاعةٍ فَتُخْرِجَ نفسك بعزيمةٍ وإصرار، وهناك سوف تجد بإذن الله عز وجل من الوسائل والسبل ما يعينك في المجتمع الذي تعيش فيه ما يعينك على تخطِّي هذه المحنة التي أنت فيها فتَخرُج بإذن الله تعالى معافاً نقياً مُصَفَّى، وتجدد صِلتك بالله عز وجل، والله عز وجل وعد التائبين بأن يُبَدِّلَ سيئاتهم حسنات، ثم بعد ذلك هذه الأفكار خاطئة أي مسألة أن يَخْشَى الفضيحة أو أن يَظُنَّ أنه إن أفصح عن حال نفسه سوف تكون نتيجته العقوبة، هذه من الأخطاء.

 

هناك الآن-أنتم أشرتُم إلى حملة وطن بلا مخدرات-تم فتح خطٍّ ساخن لمساعدة هؤلاء المدمنين ولمساعدة أهلهم وذويهم، ولمكافحة المخدرات وجرائم المخدرات، والقانون صِيْغَ بما يعين هذا المدمن على أن يتخطى محنته دون عقوبة، وأن يُعان على العلاج والشفاء، وأنا اتصلت بنفسي جربت هذا الرقم وتأكدت منهم فأكدوا لي ما تم نشره في الجرائد، وأَصْبَحَتْ مثل هذه الخطوط موجودة في أغلب الدول الخليجية والعربية والإسلامية، رقم هذا الخط عندنا في السلطنة 1444، المدمن إن أفصح عن نفسه واعترف للجهات المعنية فإنه لا يُعاقَب، القانون هكذا نَصَّ على هذا، وحتى أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية إن أَخبَروا عنه فإنه لا يُعاقَب وإنما يُعالَج، وما يَنشُدُهُ هو أن يُعالِج .. هو أن يحظى بالعلاج والشفاء.

 

وإذاً حتى نظرة المجتمع لا ينبغي الآن أَمَا وقد بَلَغَ إلى هذا الحال من الإدمان-وكما قلتُ أنا في البداية قد يكون ذلك باختياره، وقد يكون ساقته الظروف والأحوال، وهو على كلٍّ مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن تصرفاته-؛ لكن لا ينبغي أن يُزاد الوضع سوءً، وأن نكون أعواناً على انتشار الشر، وعلى أن يَبلُغَ هؤلاء حدوداً من فقدان العقل الذي يمكن أن يؤدي بهم إلى عواقب وخيمة والعياذ بالله، بالمناسبة أغلب حوادث الانتحار إنما تكون بأخذ جرعات زائدة من المخدرات، وهذا انتحار، ويتحمل الواقِعُ في ذلك وزره؛ لكن كان يمكن للمجتمع أن يعين، فإذاً الأسرة يجب أن تثقف نفسها، وأن تَعِيَّ، وأن تقوم بدورها ومسؤولياتها.. المسجد.. المدرسة.. الإعلام.. المعنيون بالمواقع الإلكترونية التي يرتادها الشباب والمراهقون.. حتى مؤسسات القطاع الخاص التي تُعنى بالإرشاد النفسي والإرشاد الأسري والتربوي يمكن لها أن تقوم بحَمْلاتٍ.. المحلات.. حتى المجمعات التجارية، والأماكن السياحية.. المتنزهات والشواطئ يمكن أن تقام فيها برامج وفعاليات كلها تَصَبُّ في مصلحة القضاء على هذه الظاهرة، وإعانة الواقِع في المخدرات على الخروج منها بإذن الله عز وجل.

 

مقدم البرنامج: وتكثيف هذا الأمر في المدارس أهم بكثير من غيره.

الحقيقة لن تكون هناك بالفعل فضيحة، فحتى أولئك الذين يُبَلِّغُونَ عن أنفسهم ويَطْلِبُونَ العلاج سيظل أمرهم في كتمان، حتى أقاربهم ربما لا يعرفون..

 

الشيخ كهلان: نعم، هذا من ما يكفله القانون نفسه، حتى في العلاج السرية هذه من ما كفلها لهم القانون.

 

مقدم البرنامج: نعم، وحتى أولئك الذين لازالوا في بداية الطريق لأن تعاطي المخدرات في بعض الأحيان يحتاج إلى علاجٍ سريعٍ أي لا يَنْتَظِر الإنسان حتى يكون مدمناً فَيُبَلِّغَ عن نفسه، وإنما بمجرد وقوعه فريسةً لمثل هذه العصابات عليه أن يتدارك نفسه مباشرةً.

 

طيب نحن الآن نتوجه بالسؤال إلى مستمعينا الأكارم: ما الذي يمكن أن تقولوه للمدمن أنتم أيها المستمعون والمستمعات؟ كيف يمكن أن نَحُدَّ من انتشار المخدرات بين أولادنا؟ وماذا تقولون للمدمن؟ ونحن ننتظر المكالمات حول هذا الموضوع وللإجابة أيضا على هذا السؤال، لنبقى الآن مع هذا الحديث النبوي الشريف ريثما يتهيأ الإخوة بالاتصال.

 

*********************

عن أبي هريرة عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: قال الله عز وجل: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يَذْكُرُنِي، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، ومن تقرب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلتُ إليه أهرول".

 

مداخلة متصل: مداخلتي تخص الإدمان على التدخين:

زميل في العمل هو مدمن تدخين، وحاولنا نصحه عدة مرات بشتى الجهود؛ وبسبب المادة رأى أن ينقطع عن التدخين، وانقطع عنه لمدة أسبوع تقريباً، ثم عاد إليه من جديد، وادعى في ذلك بأن قال: (ما استطعت أتركه، لأني خلاص اعتدت الإدمان).. وشيء من هذه الأقاويل.

 

مقدم البرنامج: ولكن تركه أسبوع كامل..!

 

المتصل: هو قال تجربة أسبوع كامل، حتى أنه لم يكن يُحضِر السجائر إلى مكان العمل، لكن بعد ذلك رجع مرة أخرى للإدمان، نريد من الشيخ أن يوجهنا لطريقة معينة.

 

مقدم البرنامج: في قضية الإقناع.

 

المتصل: نعم.

 

مداخلة متصل آخر: توجد ظاهرة منتشرة في هذا الزمان بين أبنائنا، خاصةً ظاهرة ما تسمى بالأفضل أو ما شابه ذلك، والتي توضع ما بين الشفتين، هذه الظاهرة هي التي تؤدي إلى التدخين، وإلى المخدرات، وإلى ما شابه ذلك-والعياذ بالله-، فنرجو من الإخوان تجنب هذه الأشياء وخاصةً الأطفال الصغار الذين الآن في المدارس.. هذه الظاهرة منتشرة في المدارس حتى بعض الأحيان بين المدرسين أنفسهم.

 

مقدم البرنامج: أخي إذا صادفتَ في حياتك طَالِباً مثلاً في مراحله الدراسية الأولى وهو واقعٌ في هذه المشكلة، ما الذي تقوله له؟ كيف تأخذ بيده إلى إصلاح حاله؟

 

المتصل: أنا صراحةً صادفتُ أكثر من موقفٍ من هؤلاء الشباب فأخذتهم بالرأي السليم.. بالكلام الطيب.. قلنا يا إخوان هذه الظاهرة ليست مُصلِحَة مُفسِدَة، فحاولت قدر الإمكان نصحهم: تعالوا إلى المسجد اسمعوا الأحاديث.. تعالوا نقيم ندوات، وما إلى ذلك..، وللأسف الشديد الأشياء المفسدة تنتشر بسرعة بين الشباب..

 

مقدم البرنامج: طيب هذه ظاهرة المضغات التي تتحدث عنها-نحن استخدمنا نفس اللفظة التي استخدمتها-هل هي ظاهرة بالفعل منتشرة موجودة بهذه الكثافة التي تبعثك على القلق؟

 

المتصل: نعم.. نعم منتشرة هذه الظاهرة.. منتشرة وبشكلٍ كبير، حتى في بعض الأحيان عندما أذهب إلى السوق أجد أشياء ممضوغة في الشارع.. وهو منظر غير مناسب بيننا نحن كعمانيين أو للناس الوافدين كزائرين يرون هذه الحالة، ونسأل الله تعالى أن يهديهم إلى الطريق المستقيم، وللأسف الشديد محلات المواد الغذائية هي التي تبيع هذه الأشياء بقيمة مائتي بيسة أو مائة بيسة، تؤدي إلى ضياع أولادنا وأطفالنا.. وهلم جر.

 

مداخلة متصل ثالث: عندي موضوع بخصوص التدخين:

كنت مدخناً مدمناً على التدخين، فحاولت بأي طريقة أن أقلع عن التدخين ولم أستطع لأنني كنت مدمناً عليه، فالحمد لله بفضل من الله سبحانه وتعالى الزوجة التي تزوجتها زوجة صالحة، فحاولتُ وهي حاولتْ مساعدتي؛ ولكن ما استطعت تركه، ثم اتجهت إلى الحلف باليمين على القرآن الكريم بأن لا أعود إلى التدخين، وفعلاً توضأت وجئت إلى المصحف ووضعت يدي عليه وحلفت بالله سبحانه وتعالى أن لا أقارب هذه الأشياء بتاتاً، ولا أعرف هل ما فعلتُه كان صائباً أم أني أخطأت في هذا الأمر؛ لأنني حاولت وحاولت وما استطعت، بأي طريقة ما استطعت، لكن الحمد لله رب العالمين الآن يمكن من خمس سنوات أو ست سنوات لم أدخن، ولكن حَلِمْتُ ما يقارب الثلاث مرات في منامي أني أدخن فأستيقظ، لكن الحمد لله رب العالمين لم أرجع إليها بتاتاً.

 

بعض الشباب معنا في العمل يدخنون فتجد منهم رائحة السجائر الكريهة.. فأحسست في نفسي كيف أنا أدخن ثم أجلس بجانب أهلي.. بجانب زملائي ورائحتي كريهة!!، الآن عندما تأتي إلى هؤلاء الشباب وتجد رائحة أفواههم كريهة وتخبرهم بذلك فإنهم لا يتقبلون تنبيهك، أريد تعليق الشيخ، وأيضا هل الحلف الذي حلفته صحيح؟

 

مداخلة متصلة: فقط أحببت أن أوجه أن هذه المشكلة ليست ناشئة من الشباب فقط وإنما من الأهالي أيضا، فمثلاً عندما يرسب الولد خلال مرحلة من مراحله الدراسية فإنه لابد أن يحصل على تشجيعٍ من الأهل، ولكن ما نعايشه أن بعض الأهالي يكسرون معنويات هذا الولد بقولهم له طول الوقت: أنت ساقط.. أنت فاشل.. ولا تصلح لأي شيء، فهنا يصاب الولد باليأس ويلجأ إلى مرافقة أصحاب السوء ثم يبدأ في تعاطي السجائر ويعذر نفسه قائلاً: (أريد أنسى همومي)، وشيئاً فشيء إلى أن يصل إلى المخدرات والخمر وغيره؛ أما عندما يجد هذا الولد تشجيعاً من الأهل.. من الأم أو الأب: (الله يعوضك السنة الجايه.. الله يهديك تروح المسجد) فإن الوضع سيختلف؛ لكن أحياناً نجد أن الأب نفسه لا يذهب إلى المسجد فكيف تريد من الولد أن يكون المثل الأعلى في هذه الأمور! ونحن نتمنى للشباب الهداية، وأن يبتعدوا عن هذه الأشياء لأنها مضرة بالصحة، وليست في مصلحتهم، وكذا الحال بالنسبة للبنات، ومثلما قال الأخ المتصل الثاني في مداخلته بأن هذه الآفة منتشرة فعلاً في المدارس.. حتى بين البنات في المدارس.

 

الشيخ كهلان: أولاً بالنسبة لاتصال الأخ المتصل الأول وهي نقطة مهمة التي أثارها: نحن حينما نتحدث على أن المدمن سواءً كان مدمن دخان أو خمر أو مخدرات يمكن له أن يؤب إلى ربه وأن يتخلص بإذن الله عز وجل من هذه الآثام والأخطاء فإن ذلك لا يعني الانقطاع المفاجئ؛ لأن هذه سوف تُحدِث أضراراً صحيةً عليه إن كان انقطاعه عنها انقطاعاً مفاجئاً، وليس المقصود من التوبة إلحاق ضررٍ به، المقصود هو تنجيته ومساعدته على التخلي من ما هو فيه بطريقةٍ صحيحةٍ، فلذلك حينما نتحدث عن هذه العادات لابد من التنبه إلى أن الترك والتخلي عنها لا يمكن أن يكون بشكلٍ مفاجئ، قد يمكن في بعض المحرمات كالمضغة أي ما يمضغه بعض الناس وبعض الأولاد والبنات كما تلقينا الآن في هذه المكالمات.

 

أيضا بعض حالات التدخين يمكن أن تكون بالعزيمة الصادقة وبالحزم يمكن أن تكون في انقطاعٍ شبه فوري؛ لكن في أغلب الأحوال يحتاج إلى تدرج، وهذه نقطة هامة تليها في الأهمية وهي متصلة باتصال من حكا لنا تجربته وقال بأنه كان مدمناً ثم أقسم حبذا لو استشار هؤلاء المختصين من الأطباء سواءً كانوا أطباء متخصصين في إقلاع المدمنين عن الإدمان أو كانوا أطباء نفسانيين أيضا؛ فالانقطاع يحتاج أيضا إلى مشورة المختصين، بل قد يكون رأي المختصين لابد منه، لا يكفي فقط أن توجد عنده العزيمة والرغبة؛ لأن هذه تورث.. لأنها في حقيقتها هذه المواد المخدرة هي تعطل إفرازات الدماغ لتلك المواد، وبالتالي فالجسم يحصل عليها من مصادر خارجية، وحتى يُنَشَّط الدماغ لإفرازها مرةً أخرى ولإيجاد بدائل لها يحتاج إلى تدرج، وهذا لا حرج فيه شرعاً، وهو مطلوبٌ صحةً وعقلاً.

 

مقدم البرنامج: لكن الأخ الكريم الذي اتصل استطاع بالفعل، الآن خمس سنوات ولم يتناول شيئاً.

 

الشيخ كهلان: نعم خمس سنوات ولم يتناول، وأيضا لجأ إلى أن يُلزِم نفسه بمعاهدة الله عز وجل والقسم على ذلك، وهذا حَسَن؛ لكن لا صحة لأن يُقْسِمَ على المصحف.. ، القسم إنما يكون بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وما يظنه الناس من القسم على القرآن بأن يضع يده على المصحف لا أساس له من الصحة.

 

مقدم البرنامج: لكن قضية الجواز وعدم الجواز قلتم لا يجوز المستمع يفهمها على أنها..

 

الشيخ كهلان: قلتُ أنا لا أساس له من الصحة، فالقسم.. اليمين أحكامٌ عُلِّقَتْ على الألفاظ، ولا علاقة لها بأن يترك يده على المصحف أو أن يَظُنَّ أن ذلك يزيد في..

 

مقدم البرنامج: أي لا تؤثر في القَسَمِ؟

 

الشيخ كهلان: لا تؤثر؛ ولذلك ينبغي أن يتركها الناس؛ لأنها لا أساس لها من الصحة، وهو قال بأنه أقسم بالله ونحن تعليقنا فقط على أنه وضع يده على المصحف-كما يقول-أثناء القسم لا حاجة له إلى ذلك، ليس هو من السنة، لكن هذه وسيلة، وهو أشار إلى الزوجة الصالحة التي أعانته، وإلى العزيمة، وإلى لجوئه إلى أن يعاهد الله سبحانه وتعالى، وهذه وسائل يمكن أيضا أن يَنْتَفِعَ بها الآخرون، لكن لعل تركه المفاجئ له كان صعباً عليه في البداية.. كان صعباً شاقاً، ولذلك فحبذا..  والآن حسب علمي كل المراكز الصحية في السلطنة مهيأة لمعالجة المدمنين وللعون على الإقلاع عن التدخين.

 

لكن في هذا السياق نُشَدِّد على مسألة أيضا تدخين الشيشة وآثارها، وأنها أيضا من ما يجب أن يُتَنَبَّه إلى أنها من الأخطاء الفادحة التي هي في ذاتها أيضا تُوصِل المرء المتعاطي لها إلى الإدمان، ويكون بذلك أسيراً لها، غير قادرٍ على الفكاك منها، وتُحْدِثُ في نفسه أيضا تُحْدِثُ له في صحته وعقله وبدنه وماله ما تُحْدِثُه سائر المخدرات.

 

مقدم البرنامج: هذه نقطة مهمة فضيلة الشيخ، أنا حسب قراءاتي عن التوبة للمدمنين وجدتُ مجموعةً منهم يقولون بأنهم أدمنوا عن طريق الشيشة، يأتي بعض رفقاء السوء فيضعون لهم مخدراً في الشيشة نفسها دون أن يشعروا به ليصبحوا أسارى ويقعوا فريسةً لهذه المشكلة، فأصدقاء السوء لا يهمهم أن يكون هذا الرجل مستقيماً، إنما الذي يهمهم أن يدعوه إلى حزبهم، وأن يستغلوا خيراته.

 

الأخ المتصل الثاني ذَكَرَ مجموعة من النقاط، نركز على واحدة منها لأن الوقت قد انتهى، يقول بأن بعض المحلات تبيع هذه الأنواع للأبناء، قد تكون السُّلُطَات بَذَلَتْ جهوداً للوصول إلى هؤلاء لمنعهم، لكنها في كثيرٍ من الأحيان لا تتمكن من ضبطهم، إذا رأى فردٌ من المجتمع هذه الظاهرة ما الذي عليه أن يفعله؟

 

الشيخ كهلان: في هذه الحالة عليه أن يُبَلِّغ، ومع ذلك نحن نقول بأنها مسؤولية مشتركة، فعلى الأولياء أن يعرفوا حينما يدفعون لأولادهم مبالغ مالية ليشتروا بها ما يحتاجون إليه فليس صواباً أن يتركوهم دون معرفة ما يشترون.. دون معرفة ما يرون أنهم يمضغونه، والحقيقة أنهم فقط إما أن يكونوا في غفلةٍ كبيرة أو أن يكونوا مُقِرِّينَ راضين بما يصنعه أولادهم؛ لأن مضغ هذه المواد يَظْهَر، يَظْهَرُ على الأسنان.. يَظْهَرُ على اللثة.. يَظْهَرُ في بزاقهم.. يَظْهَرُ في صحتهم كما يقول أهل الاختصاص، فإما أن يكونوا مُقِرِّينَ راضينَ بذلك أو أن يكونوا في غفلةٍ كبيرة، وهنا يأتي دور التوعية والتثقيف اللازم لنتمكن من تحصين أنفسنا وأُسَرِنَا ومجتمعاتنا من هذه العادات الذميمة.

 

مقدم البرنامج: الأخت المتصلة ترى أن المسؤولية واقعة على الأهل.

 

الشيخ كهلان: نعم صحيح، شدة التقريع وَسَدُّ أبواب التوبة حتى في ما يتصل بقضية التربية وكنا قد استغرقنا أوقاتاً فيها لكن دائما أن يكون الوقوع في الخطأ مدعاة للتخويف من النار ومن غضب الله عز وجل ولا إشارة ولا ذكر لفتح باب الرجاء والأمل والتوبة وتصحيح الخطأ والسعي إلى الثواب والجنان هذه من الأخطاء، وبالتالي فهذا من ما يؤدي بعد ذلك إلى أن تكون نفسياتُ هؤلاء نفسيات مضطربة، تسعى إلى التخلص من ما هم فيه من هَمٍّ وكَرْبٍ وحزنٍ فيقعون فريسةً لهذه المخدرات.

 

مقدم البرنامج: التعمد للإفشال-فضيلة الشيخ-يتعمد البعض إفشال ابنه من خلال الكلمات السلبية كما تقول الأخت المتصلة أنت فاشل.. أنت راسب.. أنت..

 

الشيخ كهلان: نعم هذه من الأخطاء التربوية التي-كما قلتُ-تؤدي إلى آثارٍ نفسية خطيرة سلبية بالغة، وتؤثر على شخصياتهم، وتؤثر على مستقبلهم؛ فلذلك لابد مع القدوة الحسنة لابد من مراعاة هذه الجوانب في التربية، كما أنه لابد أيضا من المعنيين جميعاً من أصحاب هذه المحلات أو من المروجين أو من يعلمون أن يتعاونوا جميعاً للقضاء على هذه الظاهرة..، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُجَنِّبَ مجتمعاتنا شرورها.

 

مقدم البرنامج: آمين يا رب العالمين..

شكراً لكم فضيلة الشيخ على هذا العطاء، وشكرا للإخوة المتصلين.

 

الشيخ كهلان: بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.

 

مقدم البرنامج: شكراً لكم أعزاءنا الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

انتهت الحلقة