طباعة
المجموعة: الفكر الإسلامي
الزيارات: 4896

كهلان الخروصي: واجبنا نشر رسالة الحق والهدى والسلام إلى العالم أجمع

في محاضرته «هويتنا الفكرية وملامحها وسماتها»

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح فضيلةالشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن الايمان عند الإباضية اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان. مشيرا إلى أن الإيمان لا يكون صحيحاً نافعاً لصاحبه إلا باكتمال هذا الفهم للإيمان والعقيدة الصحيحة الراسخة بحقيقة التصديق بالله عز وجل رباً واحداً خالقاً مدبراً والإيمان باليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره.

مبيناً أنه حينما تتمكن هذه العقيدة تصديقاً جازماً في نفس المسلم تتملك له مشاعره وأحاسيسه ووجدانه وعاطفته فإنها توجه له بعد ذلك سيرورته في هذه الحياة وتصوغ له سائر حركته في هذه الحياة.

وأشار فضيلته إلى أن الكفر عندهم كفران لأن القرآن استخدم (الكفر) في معنيين اثنين، اما المعنى الأول فهو جحود نعمة الله عز وجل، والمعنى الثاني التلبس بالإلحاد والاشراك بالله سبحانه وتعالى، وهو الكفر المخرج من الملة، وهم حريصون على اعطاء كل معنى الأحكام اللائقة بهما معنى واصطلاحاً..  فإلى الجزء الاول من المحاضرة..

ابتدأ الدكتور الخروصي بتبيان السبب الداعي لطرق هذا الموضوع، موضحاً أن الكثير من اتباع المذهب الإباضي أو اتباع المذاهب الأخرى يتساءلون كثيراً عما يميز الفكر الإباضي عن غيره من مدارس المسلمين ومذاهبهم الفكرية، وبما يتميز المذهب الإباضي؟ وما الذي يختلف فيه ويلتقي فيه مع غيره من المذاهب الإسلامية؟ فقال: كثير من ابناء المسلمين ممن ينتسبون إلى مدارس فكرية ومذاهب اسلامية متعددة يرغبون في التعرف على ما في المذهب الإباضي من سمات وملامح، كما ان طائفة من ابناء المذهب نفسه لا يعرفون الكثير مما يشتمل عليه المذهب من مزايا وسمات ولذلك فإنهم بحاجة إلى ان يتعرفوا لكي يتمكنوا بعد ذلك من التعريف به، ولا نريد ان نقف عند حدود وصف سمات المذهب وملامحه ومزاياه بل نريد من خلال بيان هذه الصفات والسمات أن ننبثق إلى ابعاد ارحب تتصل بالدعوة الى الله سبحانه وتعالى وبأداء واجب نشر رسالة الحق والهدى والسلام والهداية والنور الى العالمين، لأنه لا يصح لنا أن نقف عند حدود ان نتعرف على مزايا هذا الفكر الاصيل ثم بعد ذلك لا نستجيب لما نتعرف عليه من مزاياه وصفاته، ولعل نشأة المذاهب الاسلامية وتاريخ تكوينها لا تسمح في كثير من الأحيان ببيان صفات المذاهب الاسلامية ونقاط التقائها وافتراقها.

عوامل تكوين المذاهب

وقال فضيلته: لابد من التأكيد على حقيقة واحدة مفادها أن هناك عوامل عدة ومكونات كثيرة ساعدت في تكوين المذاهب الاسلامية وفي تمايزها، مجموع هذه العوامل هو الذي يؤدي الى اصطباغ فكر ما او مذهب ما بمجموعة من الصفات والسمات والمعالم، لا يمكن ان ينشأ مذهب او فكر بفعل عامل واحد او مكون واحد يضفي عليه كل ما يميزه ويضيف اليه كل خصائصه بل هناك جملة من المكونات، ولا يتسع الوقت لاستعراض كل العوامل والمكونات. ولكني سأحاول جاهدا أن ألخصها في خمسة مكونات او خمسة عناصر.. هذه المكونات قد توجد لدى غير هذا الفكر من مدارس المسلمين ومذاهبهم لكنها ليست بذات القدر الذي توجد فيه مجتمعة في فكر أهل الحق والاستقامة، وقد يوجد في سائر المذاهب والمدارس الاسلامية من السمات والصفات ما لا يوجد عندنا ونحن ايضا بحاجة الى ان نتعرف على ما عند غيرها لأن الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو احق بها.

ويضيف فضيلته: لأبدأ بالمكون الاول المتصل بجوهر هذا الدين وجوهر الدين الايمان بالله، العقيدة الراسخة التي تصل هذا المخلوق بالله جل وعلا الخالق وتبصره بحقائق هذه الحياة وتصوغ له حركته فيها لكي توصله بعد ذلك إلى الحياة الآخرة، هو التصديق الذي يستقر في مكامن النفس فيحرك لها جوارحها رغبة فيما عند الله وخشية مما اعده، وهذا الجوهر مما يشترك فيه المسلمون جميعا لكن الذي يميز اهل الاستقامة أن الايمان عندهم اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان.

وأشار الى ان الايمان لا يكون صحيحاً نافعاً لصاحبه في الآخرة وفي الدنيا الا باكتمال هذا الفهم للإيمان والعقيدة الصحيحة الراسخة، فلا بد من اعتقاد راسخ في القلب بحقيقة التصديق بالله عز وجل ربا ًواحداً خالقاً مدبراً وبكل ما امرنا ان نؤمن به سبحانه وتعالى من الايمان باليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره، فحينما تتمكن هذه العقيدة تصديقا جازما في نفس المسلم تتملك له مشاعره وأحاسيسه ووجدانه وعاطفته فإنها توجه له بعد ذلك سيرورته في هذه الحياة وتصوغ له فرداً وجماعة ومجتمعاً وأمة سائر حركته في هذه الحياة ولذلك نجد أن سلفنا رضوان تعالى عليهم كانوا حريصين على غرس هذا المعنى الإيماني لأنه امتداد لما في كتاب الله عز وجل ولما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح الثابت عنه فالله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فبين ان العقيدة التي يعبرون عنها بقولهم (رَبُّنَا اللَّهُ) انما تعكس ما في داخل قلوبهم من التصديق بالله سبحانه وتعالى إلهاً واحدا ومن استحقاقه وحده للعبودية والتي عبر عنها القرآن الكريم بقوله (ثُمَّ اسْتَقَامُوا) وكذا الحال في قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)، فان الايمان في الاستخدام القرآني يأتي في اغلب الأحيان والمواضع متبوعا بالعمل الصالح وهو الذي دعا علماءنا رضوان الله تعالى عليهم إلى اقرار هذه الحقيقة المحكمة التي لا يختلف عليها اثنان.

وأوضح فضيلته ان المسلم ان أتى بقول الإيمان اي بجملة التوحيد لكنه لم يتبع هذا القول بعمل صالح فان ذلك لا ينفعه في الآخرة وان نفعه بإجراء الأحكام الدنيوية عليه فتسري عليه احكام المسلمين لكن ذلك لا ينفعه عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة.

ثم إن مما يميز أهل الحق والاستقامة فيما يتصل بالجانب الإيماني او بالمكون الإيماني انهم يرتبون اثر الايمان على كل من التزم بهذا المبدأ الاصيل.

فمن أتى بالجملتين قلنا .. إخواننا وبالحقوق قمنا

فكل من جاء بجملة التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مؤمن له ما للمسلمين من حقوق وعليه ما على المسلمين من واجبات، ولذلك فإنهم يولون الأخوة الايمانية صدارة فيما يتصل بصلاتهم فيما بينهم ثم الذي يمايز بينهم فيما بعد هو قول الله عز وجل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فمنزلة المؤمن عندها انما تكون بقدر اخذه بأسباب تقوى الله سبحانه وتعالى وإلا فمنزلته حيث يحل نفسه، فان رضي لنفسه السوء وأتى ما يسخط  الله سبحانه وتعالى فهو ليس في ولاية المؤمنين وإن جرت عليه احكام الاسلام الظاهرة، هذا المعنى الإيماني قد لا يكون موجودا بنفس القدر لدى باقي المدارس الاسلامية والمذاهب الاسلامية.

الحرص على جمع الكلمة

ويضيف قائلا: ومع ما نراه اليوم من نزاعات وخلافات وشقاق حول جملة من القضايا التي تنسب إلى العقيدة من القضايا العقدية فإننا لو تأملنا تاريخ سلفنا رضوان الله تعالى عليهم لوجدنا انهم احرص ما يكونون على جمع الكلمة ورد الناس الى الصراط المستقيم وأداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لهم بحيث يردونهم إلى عقيدة الايمان الصافية، وهذا ليس بشعارات نظرية ترفع وانما هي حقائق عمل بها اهل هذا المذهب عبر تاريخهم ولذلك تجد انهم فيما يتصل بهذا الجانب العقدي يردون الناس الى اركان الايمان ويجعلون اركان الايمان هي اساس العقيدة وهي التي تعلم من الدين بالضرورة، واذا تأملنا اركان الايمان من حيث ذاتها، من حيث وجوب الايمان بها فلا نجد خلافا بين المسلمين فيها، قد نجد خلافات فيما يتصل بتفسيراتها وبعض فروعها لكن اصحابنا رضوان الله عليهم، كانوا دائما يدعون الى جمع الناس الى هذه الاركان وعدم توسعة ما يمكن ان يورثهم خلافا او نزاعات، ولذلك فانهم يعدون جملة مما يعده غيرهم سببا للتفسيق والتبديع والتكفير، يعدونه من فروع العقيدة لأنه لم يقم على ادلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة وانما عدوه – اي بعض هذه الفروع العقدية – عدوها مما يتسع لها الخلاف لأن الامور العقدية عندهم تقوم على ادلة شرعية لابد ان يتحقق فيها شرطان: الشرط الاول ان تكون قطعية الثبوت، اي ان تأتي من مصدر قطعي وهو إما ان يكون آية من كتاب الله عز وجل أو حديثا متواترا من احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الشرط الثاني فان تكون دلالة هذا الدليل قطعية ايضا، فان كانت آية من كتاب الله عز وجل فلابد ان تكون آية محكمة، وان كانت حديثا من احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك لابد ان تكون دلالتها ناصة على معناها.

وأشار الى ان لو التزم المسلمون اليوم بهذا المبدأ لضاقت دائرة الخلاف ولأعلوا من شأن الأخوة الايمانية ولاقترب بعضهم من بعض ولذلك نجد أن اصحابنا حتى في مؤلفاتهم، حتى في المؤلفات المعاصرة نجد انهم حينما يشرحون أركان الإيمان او حينما يشرحون قضايا العقيدة يستدلون لها بأدلة محكمة من كتاب الله عز وجل وأدلة نصية ظاهرة من احاديث متواترة من احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتبونها وفقا لأركان الايمان، حتى المؤلف الأخير لسماحة شيخنا العلامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله تعالى وعافاه تصنيفه هو ايضا كذلك وفقا لأركان الايمان، وهذا لم يأت اعتباطا لأنه امتداد لهذه المدرسة التي تحاول ان تضيّق وان تركز على المشتركات وان تبني حقائق الايمان وفقا لهذه المعطيات ووفقا لهذه المبادئ الواضحة البينة.

تضييق دائرة التكفير

وقال فضيلته: ان هذه السمات العقدية تترتب عليها فيما يتصل بالعقيدة جملة من الأحكام التي يحتاج مسلمو اليوم إلى أن يتعرفوا عليها وإلى أن يأخذوا منها المثال والقدوة، ومن هذه الأحكام تضييق دائرة التكفير والإخراج من الملة، ونحن نعلم جميعا ان كثيرا من اسباب النزاع والشقاق والخلاف بين المسلمين اليوم انما هي اثر من اثار الجرأة على الله سبحانه وتعالى بإخراج الموحدين أهل القبلة من هذا الدين. وإعلان كفرانهم او تكفيرهم وتفسيقهم وتشريكهم وما يترتب عليه من استحلال الدماء والأموال والاعراض والعياذ بالله. وهذا امر غير معهود ولا وجود له لدى اتباع هذا الفكر، اتباع مذهب اهل الحق والاستقامة لأنهم حريصون كل الحرص على رد الناس الى جملة التوحيد واركان الايمان وعدم نبزهم بالألقاب او عدم التنابز فيما بينهم بالألقاب، يجمعون ولا يفرقون، يؤلفون ولا يشتتون، من منطلق ايمان خالص، ولهذا فانهم يسمون من مختلف عنهم في الفكر يسمونهم (أهل القبلة)، تذكيرا بالعامل المشترك الذي يجمع المسلمين جميعا، تذكيرا بالجانب العملي، ودعوة الى تأليف الكلمة ولذلك فانهم يبتعدون عن النبز بالألقاب وعن اصدار الأحكام جزافا حتى فيما يتصل بتسميتهم، هم لم يسموا انفسهم اباضية وانما كان الامام عبدالله بن اباض مدافعاً لهم متحدثاً عن آرائهم لاسيما في مجالات السياسة، فنسب من يتبنى اقواله اليه فسموا إباضية وارتضوا هم ذلك. أما هم فقد سموا انفسهم (اهل الاستقامة) و(أهل الدعوة) و(اهل الحق) ولهذه التسميات دلالات لا يمكن ان نغفل عنها، فاذا قلنا (اهل الاستقامة) فهذا يعني ان مكونهم الأول انما يبنى على حسن الاستقامة التي هي اثر من آثار الايمان الصادق الراسخ وليس مجرد دعوى الايمان او رفع شعار الايمان دون ان يتبع بعمل صالح، دون ان يتبع بتقوى الله سبحانه وتعالى والخشية منه وهي التي عبروا عنها بالاستقامة.

أصل التسمية

وأوضح الخروصي ان تسمية الاباضية بأهل الحق فلأنهم يتمسكون بالحق، والله تعالى يقول: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، ولذلك حرص الاباضية على ان يتمثل فيهم معنى هذه الآية الكريمة تمثلا تاما، فهم يشكرون الله سبحانه تعالى على ان هداهم للإيمان وأن جعلهم من أمة خاتم الانبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنهم يأتمرون بأمره، يهدون بالحق حينما يتحركون في هذه الحياة فانهم هداة، دعاة، ودعوتهم التي يهدون الناس اليها هي دعوة الحق لا دعوة باطل ولا فساد او افساد في الارض، هي دعوة حق وإصلاح مبناها امام راسخ وعقيدة واضحة بينة تملأ شغاف القلوب وبه – اي بهذا الحق لا بسواه – لأن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، فبه – اي بالحق لا بسواه – يعدلون، فهم يعدلون مع انفسهم ويعدلون مع غيرهم، ينصفون الناس من أنفسهم ويطالبون الناس بإنصافهم اقامة للعدل والقسطاس المستقيم وذلك انما يأخذونه من الحق وبالحق، ومصدر الحق هو كتاب الله عز وجل لأنه سبحانه وتعالى يقول: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) فاذا ما حصل اختلاف فانهم يردون الناس الى المحكمات من آيات الكتاب العزيز.

الكفر نوعان

وبين فضيلته قائلا: وكذا الحال فيما يقابل الايمان فالذي يقابل الايمان عندهم هو (الكفر) لكن الكفر عندهم كفران لأن القرآن استخدم (الكفر) في معنيين اثنين، اما المعنى الاول فهو ترك شكر نعمة الله سبحانه وتعالى، هو جحود نعمة الله عز وجل، وأما المعنى الثاني للكفر فهو تغطية الايمان والتلبس بالإلحاد والكفر والاشراك بالله سبحانه وتعالى، فهو كفر ملي يخرج من الملة، وهناك كفر بمعنى ترك شكر النعمة فالله عز وجل يقول: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) ويقول سبحانه: (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) فهذا الاستخدام للكفر هو في مقابل شكران النعم. ولهذا يحرصون ايضا على اعطاء كل معنى من هذين المعنيين الأحكام اللائقة بهذا المعنى وبهذا الاصطلاح.

-----------------------------

جريدة عمان: 2 رجب 1435هـ / 2 مايو 2014م