الشباب وإشاعة الإلحاد في المجتمع

الخليلي: محاولة الإغواء وإشاعة الإلحاد.. يجب أن يتصدى لها المجتمع وينتبه لها الشباب

الشباب المعاصر عليه أن يتسلح بالعلم وأن يدرك المسؤولية الملقاة على عاتقه

تقدم الأمم يقاس بصلاحها واستقامتها

مغريات العصر تتطلب من المربين إيقاظ ضمير الناشئة وتسليحهم بالإيمان

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أنه بقدر ما يكون عليه شباب كل أمة من الأمم من الصلاح والاستقامة والطموح إلى الخير تكون الأمة قوية صالحة فتية.. مشيرا الى انه من الواجب أن يُعنى بالشباب تربية وتوجيهاً وتسديداً وأخذاً بيده الى الخير.. مؤكدا أن الأمم تقاس بشبابها تقدماً وتأخراً ورقياً وانحطاطاً.

واضاف سماحته: ان مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والفتوة، والطموح والآمال وهي مرحلة تأجج الغرائز المختلفة، وانهم عرضة للتأثر بالمغريات، فلذلك كان لزاما ان يتسلحوا بالايمان، لأنه الطاقة الروحية التي تخرج الناس من الظلمات الى النور، وتبصرهم بعد العمى، وتهديهم بعد الضلالة، وترشدهم بعد الغيّ.

مؤكداً ان الشباب هم بحاجة الى  من يوقظ ضميرهم ويبصّرهم بطريقهم لأن كل عصر من العصور فيه مغريات شتى تنحرف بالشباب عن سواء الصراط.

وأكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة على أن محاولة الإغواء وإشاعة الإلحاد.. يجب أن يتصدى لها المجتمع وينتبه لها الشباب.. وأن على الشباب أن يتسلح بسلاح الإيمان الذي يبصّره بمسالك الطريق، ويقوده إلى الله، ويعرّفه بالدار الآخرة.. موضحا أن الإيمان هو الطاقة التي تدفع الانسان إلى أن يأتي الصالحات ويحرص عليها ويكون في مجتمعه عضوا بناء يسابق إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحرص على إرضاء الله سبحانه وتعالى.

وأوضح سماحته أن قيمة هذه الحياة هي بقدر ما تعمر بالأعمال الصالحة، وبقدر ما ينفع الناس الناس، وبما يتقربون به إلى الله وخدمتهم لعباده.. وأن خير الناس انفعهم للناس.. مشيرا إلى أن منقلب الإنسان بحسب ما يؤثر في هذه الحياة الدنيا، وأنه بين إيثار لهذه الدنيا على الآخرة وبين إيثار للآخرة على الأولى.. 

 

وإلى نص ما قاله سماحته في محاضرته التي ألقاها بجامع السلطان تيمور بن فيصل بالمعبيلة:

يقول سماحته: ان شريحة الشباب تعد بلا ريب ثروة الامة، فكل أمة من الأمم انما تقاس بشبابها تقدماً وتأخراً ورقياً وانحطاطاً، فبقدر ما يكون عليه شباب كل أمة من الأمم من الصلاح والاستقامة والطموح الى الخير والسعي اليه، والقوة والفتوة تكون هذه الأمة هي ذاتها قوية صالحة فتية وبقدر ما يكون هؤلاء على عكس هذه الصفات تكون ايضا الأمة هي في الاتجاه الآخر، في اتجاه الانحطاط والضعف والتأخر، فلأجل ذلك كان من الواجب ان يُعنى بالشباب تربية وتوجيهاً وتسديداً وأخذاً بيدهم الى الخير، على ان الشباب يتأثرون بمؤثرات شتى.. مؤثرات نفسية ومؤثرات اجتماعية كما هي طبيعة الانسان، فالإنسان لابد من ان يتأثر.. يتأثر بما يعتمل بين حنايا نفسه، ويتأثر بما يدور في مجتمعه وفي بيئته ومحيطه، فلأجل ذلك كان ذلك الشباب بحاجة الى من يوقظ ضميرهم ويبصّرهم بطريقهم هذه لان الطريق تمر بمنحنيات متعددة، وكل عصر من العصور فيه مغريات شتى تنحرف بالشباب عن سواء الصراط – الا من عصمه الله سبحانه وتعالى – بل تنحرف بالإنسان أيا كان، شاباً أو شيخاً عن سواء السبيل الا ان اخذ الله تعالى بيده وبصّره بمسالك الهداية وأنقذه من مسالك الغواية.

 

 فالحياة كلها مغريات، اذ الله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، هذه الزينة بنفسها تستهوي هذا الانسان وتأسر هواه وتقوده الى مسالك الردى والعياذ بالله تعالى، ولذلك نجد نحن في كتاب الله تعالى الآيات الكثيرة التي تبصّر بهذه الحياة الدنيا وما يعقب هذه الحياة من مصير مرهون بالمسير، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، ثم بيّن الله سبحانه وتعالى ما يدعو الله عز وجل اليه عندما قال: ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، ثم بيّن المصير الذي هو مرهون بالمسير، فقال: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

 

 ويقول عز من قائل: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا، الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، ويقول: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، فالحياة بطبيعتها تستهوي الانسان.

مرحلة حساسة

 

والشباب بما انه يمر بمرحلة حساسة في هذه الحياة، هي مرحلة القوة والفتوة، هي مرحلة الطموح والآمال العريضة الكثيرة، هي مرحلة تأجج الغرائز المختلفة، لا ريب ان هذا الشباب يكون عرضة للتأثر بهذه المغريات، فلذلك كان لزاما ان يتسلح بما يقيه مسالك الردى. وأهم شيء يقيه ذلك هو الايمان، هذه الطاقة الروحية التي تقلب الحياة رأسا على عقب وتغير الاتجاهات من اتجاه الى اتجاه آخر، تخرج الناس من الظلمات الى النور، وتبصرهم بعد العمى، وتهديهم بعد الضلالة، وترشدهم بعد الغي..

 

هذا الايمان الذي حوّل الامم وحوّل المجتمعات وحوّل الأفراد من وضع الى وضع آخر، كما نرى أثر ذلك فيما قصه الحق سبحانه وتعالى علينا من انباء الامم السابقة، فالله سبحانه قص علينا ما كان بين فرعون وموسى عليه السلام من حرب ضروس دارت بينهما، حرب بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، حرب بين من استعلى في الارض، وقال (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، وبين من يدعو الى الله سبحانه وتعالى، حاول فرعون ان يستكثر من اتباعه وجنوده فحشر السحرة من اجل مواجهة موسى عليه السلام، كيف كان تصور هؤلاء السحرة للحياة، انما كانوا يتصورون هذه الحياة بقدر ما يكسبون من متاعها ومنافعها ويعيشون فيها في رغد من العيش وبحبوحة منه، فلذلك عندما جاؤوا الى فرعون ماذا قالوا له (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)، ولكن وضح لهم نور الايمان، وولج في ارواحهم ونفوسهم وخلط مشاعرهم وأحاسيسهم فقلبهم عما كانوا عليه وانقلبت الموازين عندهم، فلم ينظروا الى متاع الحياة الدنيا، هم الذين واجهوا فرعون العاتي الشديد بقولهم له متحدين: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).. نعم هكذا عرفوا قيمة هذه الحياة، هذه الحياة انما قيمتها بقدر ما يكسب فيها الانسان من خير، وبقدر ما يكون عليه من هدى، وبقدر ما يستمسك بحبل الله المتين، ويتبع نوره المبين، ولذلك لم يؤثروا فرعون على ما جاءهم من البينات بل تحدوه بان يقضي ما هو قاضيه لأن قضاءه لا يتعدى هذه الحياة الدنيا، والمنقلب في الآخرة الى الله وما عند الله سبحانه وتعالى خير وأبقى، (للذين آمنوا وعملوا الصالحات).

 

الايمان يحل ألغاز الكون

 

مضيفاً سماحته: هذا الايمان بطبيعة الحال يجعل الانسان مدركاً لحقيقة الحياة لأن الايمان هو الذي يحل ألغاز هذه الحياة، يعرف الانسان من أين جاء والى أين ينتهي، وماذا عليه ان يعمل بين المبتدأ والمنتهى..

 

 الايمان هو الذي يقود الناس الى الخير وكل جزئية من جزئيات الايمان لها اثر كبير في تحويل الانسان من الشر الى الخير فضلا عن الكليات، هذه الكليات التي يعبر عنها بأركان الايمان وهذه الاركان انما اهمها ركنان: الايمان بالله واليوم الآخر، الايمان بالله هو الايمان بالمُبدئ المعيد، والايمان بالمبدئ يعني الايمان بالمبدأ، اي يعرف الانسان من خلاله ايمانه هذا ان حياته بدأت من مرحلة ولم تأت هذه الحياة عفوية هكذا، وانما جاءت من قبل واهب الحياة، وهو الله سبحانه وتعالى الذي (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) فكل ذرة من ذرات الكون هي كلمة من كلماته سبحانه دالة عليه، وناطقة بلسان حالها بأنها مفتقرة اليه، وان كل ما في الوجود انما هو صادر عنه سبحانه، فهو رب كل شيء، هو رب العالمين، والعالمون جمع عالم والعالم يصدق على كل ما كان علامة ودليلا على وجوده سبحانه وتعالى.

 

 فإذن كل ما في الكون انما هو مرهون لله وحده الحق المطلق في هذه الحياة، وعلى العباد جميعا ان يخضعوا له وينقادوا لأمره، ويستجيبوا لداعيه ويسلموا امرهم كله اليه، هذا الايمان بالمبدأ لا ريب انه يبعث عزائم الخير في نفوس الانسان ويؤجج الحماس لسلوك مسالك الرشد في هذه الحياة، لأن هذا الايمان يقود الانسان الى الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى، بحيث لا يؤثر هوى نفسه ورغباتها على طاعته سبحانه، وانما يعلم كل العلم بان كل ما امر به من قبل الله سبحانه ففيه خيره، وفيه مصلحته، ولا ريب ان هذا الايمان مع هذا التأثير البالغ في النفس الانسانية هو بحاجة الى ما يشفعه ايضا من وجه آخر وهو الايمان بالمصير.. الايمان بالمنقلب لأن الانسان وهو يسبح في خضم هذه الحياة ويسلك مسالكها بين منحنياتها ومنعطفاتها لابد من ان تستهويه امور تقعد به عما يجب عليه في حق الله سبحانه وتعالى، ولكن عندما يتعزز هذا الايمان بالايمان بالمصير، بحيث يعلم الانسان انه يُقدم على الله سبحانه وان الله عز وجل يحاسبه على ما قدّم وأخر، وما أتى وما ترك، وانه مجز كل يجزى بعمله (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

طاقة ايمانية

مشيرا سماحته الى انه عندما يدرك الانسان ذلك فان هذه الطاقة الايمانية تقوى في نفسه وتتغلب على مشكلات هذه الحياة، تتغلب على هوى النفس وتتغلب على ما يتصوره الانسان بعماه وضلاله وغيه ان مصلحته فيه وهو ما يركن اليه من متاع هذه الحياة الدنيا، فالدنيا لا تقاس بالآخرة، الدنيا لو كانت هي من ذهب وكانت الآخرة من تراب فان الآخرة مع بقائها وخلودها هي أغلى وأولى بأن يحافظ عليها من متاع الحياة الدنيا، فكيف والدنيا هي ارخص من التراب والآخرة هي أغلى من الذهاب بل الآخرة أغلى من كل ما يتصوره الانسان في حياته (وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، (وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) .

 

عندما يرسخ هذا الايمان لا ريب انه يتغلب على مشكلات الحياة، ولذلك نحن نجد في محكم كتاب الله تعالى عندما تحفز همم الناس الى فعل امر او الازدجار عن نهي يقرن الامر والنهي بذكر الايمان بالله واليوم الاخر، كما في قوله تعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وقوله: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، وقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)، وقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)..

 

كل ذلك يدل على أثر الايمان بالله واليوم والآخر، فإذن هذا الشباب الذي يواجه تحديات هذه الحياة عليه ان يأوي الى هذا الركن الوثيق، ركن الايمان بكل ما فيه، بكل كلياته وجزئياته ولكن يعتمد اكثر ما يعتمد على الايمان واليوم الآخر بحيث يجعل امر الله سبحانه ونهيه نصب عينيه ومع ذلك يدرك كل الادراك ان الله تعالى محيط به، وهو القادر عليه، هو الذي اسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، هو الذي بوأه مبوأ هذه الحياة، هو الذي يسر له ما لا يتصوره، كل نفس يتنفسه هو من نعم الله عليه، بل كل في الكون من ذرات هذا الوجود من نعم الله سبحانه وتعالى على هذا الجنس البشري، عندما يدرك الانسان ذلك لا ريب ان ايمانه هذا يقوده الى طاعة الله ويقوده الى التغلب على مشكلات الحياة ويتعزز ذلك بإيمانه بالمنقلب الذي ينقلب اليه مع ادراكه ان هذه الحياة الدنيا ومتعها كيف ما كانت لا تسوى شيئا بجانب ما اعده الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة لأوليائه، كل ما في هذه الحياة الدنيا لا يسوى شيئا، كيف وقد اعد الله لهم جنة يصفها سبحانه وتعالى بان عرضها السموات والارض وما ادراكم ما عرض السموات والارض انما ذلك شيء لا يمكن ان يخضع لمقاييس البشر، هو فوق ما يتصور اي انسان مهما كان من تقدم علمي ومهما كان من اكتشاف كوني، كل ذلك يرتد حسيرا دون ادراك هذا البعد، بعد السموات والارض، كيف والناس في كل حين يأتون بشيء جديد فيما يتحدثون به عن ابعاد السموات والارض، عن ابعاد هذا الكون في كل حين يأتون بجديد بحيث يكتشفون ابعادا لم يكن اكتشفوها من قبل.

 

تأمل في الكون

واضاف سماحته قائلا: انه  قبل اكثر من اربعين عاما من الآن كان عندي كتاب عن الكون، وكان يتحدث عن البعد، بعد أبعد مجرة عن الارض، فقال انها تبعد عن الارض بمقدار خمسمائة مليون سنة ضوئية، معنى ذلك لو انطلق شيء بسرعة الضوء بحيث كان يقطع في الثانية الواحدة مائة ألف وميل وستمائة وثمانين ألف ميل وثلاثمائة ميل، او بعبارة اخرى ثلاثمائة ألف كيلومتر لما وصل الى هناك الا بعد خمسمائة مليون سنة، وبعد حين ليس ببعيد طالعتنا مجلة العربي في احد اعدادها بافتتاحية كتبها محررها في ذلك الوقت الدكتور احمد زكي وكانت هذه الافتتاحية تتحدث عن المقاييس، فذكر ان ابعد مجرة عن الارض بينها وبين الارض ألفان من الملايين ألفا مليون سنة ضوئية اي بينها وبين الارض من المسافة قدر ألفي مليون سنة ضوئية لو انطلق شيء بسرعة الضوء لما وصل الى هذه المجرة الا بعد هذه المدة.

 

 وما هي الا مدة قصيرة حتى طالعنا الدكتور النجار نشره اما في مجلة المجتمع او في مجلة البلاغ، جاء بان ابعد مجرة بينها وبين الارض خمسة آلاف مليون سنة ضوئية، والان قبل بضع سنين نشر كتاب عن الموسوعة الكونية تأليف الدكتور ماهر احمد الصوفي في ثلاثة عشر مجلدا، ذكر بان ابعد مجرة عن الارض بينها وبين الارض ثلاثة عشر مليار من السنين الضوئية، وهذه زاوية صغيرة من الكون، فالجنة سعتها سعة السموات والارض ثم ان هذه الجنة يصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لموضع سوط احدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها).. هذا بالنسبة الى الثواب الذي اعده الله تعالى للمتقين.

 

ويتابع سماحته قائلا: اما بالنسبة الى العذاب فحدث ولا حرج، ايضا ما هو شأن هذا المعذب في نار الجحيم، هذه النار التي تتقد باستمرار، تأتي على كل شيء في الانسان، تأكل ظاهره وباطنة.. ان اراد ان يشرب لا ينقذ الا بالحميم والعياذ بالله، الذي تتقطع منه الأكباد ويتقطع كل ما في البطن، فإذن هذا الانسان بإيمانه يقيس بين المنقلبين، ولا بد من أن يؤثر المنقلب الصحيح، أن يؤثر المنقلب الى جنة عرضها السموات والأرض، ولا بد من ان يسلك الى هذه الجنة السبيل المفضي اليها، فان الله سبحانه وتعالى بيّن كيف مصير من يريد الدنيا ومصير من يريد الآخرة، الله سبحانه وتعالى يقول: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ويقول سبحانه وتعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)، ويقول عز من قائل: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا). ويقول: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).

 

شعارات هدامة

ويقول سماحته: نعم.. هكذا يكون منقلب الانسان بحسب ما يؤثر في هذه الحياة الدنيا هو بين ايثار لهذه الدنيا على الاخرة وبين ايثار للآخرة على الاولى، هذا الايمان هو الطاقة التي تدفع الانسان الى أن يأتي الصالحات ويحرص عليها ويكون في مجتمعه عضوا بناء يسابق الى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحرص على ارضاء الله سبحانه وتعالى، ولا ريب ان هذا الايمان يحرص اعداء الحق والدين على زعزعته بكل ما يملكون من وسيلة، كما يحرص اولئك على زعزعة هذا الايمان بما يملكون من وسائل، مسائل معنوية، ومسائل حسية، كما يحاولون ان يشككوا المسلم في ايمانه وان ينحرفوا بالشباب.

 

 جاءتنا اخبار وتأكدنا من صدقها بأن هناك فئات من الشباب يريدون ان يغووا الشباب من الجنسين، وايضا هؤلاء الذين يقومون بهذا الدور – دور الاغواء – هم من الجنسين، يشيعون الالحاد في الناس ويجمعون بين الفتيان والفتيات ويحرصون على غرس مبادئ الالحاد فيهم وصدهم عن سبيل الله، وقولهم ان الانسان لا يعيش حرا، الا اذا قطع صلته بالايمان بالله واليوم الاخر، لان الايمان بالله واليوم الآخر هو الذي يقيد حرية الانسان لا سيما الشباب ويحول بينهم وبين الاستمتاع بمتع هذه الحياة، فلذلك يغرسون هذه المبادئ وهذه الافكار في الناس، وبجانب هذا هناك فئات تتستر بشعارات متعددة، هذه الشعارات ربما غرّت الناس في وقت من الاوقات وظنوا فيها الخير، ولكن تكشفت عما تنطوي عليه وتقف بلا ريب وراءها الصهيونية العالمية، لأجل اغواء الناس، لأجل زعزعة هذا الايمان.

 

تفسير سلبي

ويضيف سماحته: هناك من يسمون انفسهم العقلانيين كانوا في وقت من الاوقات يتظاهرون بالغيرة على القرآن الكريم، ويدّعون بانهم مستمسكون بالقرآن الكريم، وهم ابعد الناس عن القرآن وأكفر الناس بالله وبما انزل في كتابه وبما جاء نبيه عليه الصلاة والسلام، هؤلاء ايضا يريدون ان يزهّدوا الناس في الدار الاخرة حتى ان منهم من قال ان ما ذكر في القرآن الكريم من التشويق الى الآخرة وان في الآخرة جنات تجري من تحتها الانهار يجب ان يفسر تفسيرا حضاريا، التفسير الحضاري يعني ان يهتم الناس في هذه الدنيا بحفر الآبار وتشقيق الانهار واجرائها وغرس الأشجار حتى يعيشوا في ظلال وفي بحبوحة من العيش، معنى ذلك ان الاهتمام انما يكون بهذه الدنيا ولا يكون الاهتمام بالدار الآخرة ولذلك ايضا فسّر هؤلاء قيام الليل الذي يدعو اليه القرآن وتدعو اليه السنة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام بمعنى الضرب في الأسواق ان يتردد الناس في الاسواق في الليل لأجل كسب العيش، وقالوا ان تفسير القيام بالعبادة انما هو تفسير سلبي، هكذا بلغ بهم الضلال وقد عموا عن قول الله تعالى في وصف عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) الى غير ذلك من الآيات التي تدل على ان قيام الليل انما هو قيام عبادة، وهذا لا يعني ان الانسان يحرم نفسه من كسب ما هو محتاج اليه في الحياة ولكن على ان يكون ذلك مؤطرا في اطار الفضيلة وفي اطار شرع الله سبحانه وتعالى مع الاهتمام بالدار الآخرة وألا يكون اهتمامه بالدنيا اكثر من اهتمامه بالآخرة، فان الدنيا كما قلت لا تسوى بجانب الآخرة شيئا، هؤلاء اصبحوا وهم والملاحدة الصرحاء في خندق واحد يحاربون الاسلام ويحاولون ان يجتثوا العقيدة الاسلامية بما يثيرونه من الشكوك في هذه العقيدة.

 

قيمة الحياة

وأشار سماحته إلى ان الشباب يتعرض لمشكلات متعددة فلذلك يجب ان يتسلح بسلاح الايمان، الايمان الذي يبصره بمسالك الطريق، الايمان الذي يقوده الى الله، الايمان الذي يعرّفه بالدار الاخرة،  وما هي قيمة الدار الاخرة بجانب قيمة هذه الحياة الدنيا، الدار الآخرة لا انقطاع لها، دار ابدية، دار الخلود، فريق في الجنة وفريق في السعير بينما الدنيا، الحياة فيها وهمية، كل احد لا يمكن ان يعرف متى ينصرم اجله، كل احد انما ينتظر ريب المنون، في كل صباح وفي كل مساء، وفي كل ليل وفي كل نهار، لا يدري احد متى يفجئه ريب المنون على ان الحياة وان طالت هي قصيرة.

على لحظات ينقص العمر مرّها .. تؤكد آمال البقاء وتزيدُ

ولو أملاً ادركته لم تجد له .. وفاءً ولم تصحبك منه عهودُ

كل انسان لا يدري متى يفجئه ريب المنون ولكن لو خيل لنفسه انه سيعش عمرا طويلا، ماذا عسى ان يعيش في هذه الحياة؟، لا اظن احدا عاقلا يتصور انه يعيش اكثر من مائة عام، فينظر ماذا بقي له من المائة، ان كان ابن عشر سنوات مضى له من المائة عشر وبقيت تسعون، وان كان ابن عشرين مضى له من المائة عشرون وبقيت ثمانون، وان كان ابن ثلاثين ما بقي له الا سبعون.. وهكذا، لنتصور ان هذا الشخص هو ابن عشرين سنة في فتوته وفي قوته وفي طموحاته، بقيت له ثمانون سنة على حسب هذا التخيل الذي يتخيله ما هي الا ثمانون الدورة بالنظر الى سرعة مرور السنين، ودنو الآجال مع ان الموت يتخطف الناس وهم في ريعان الشباب وهم في لهوهم وغمرة نشوتهم لا يحسبون حسابا للدار الآخرة، اذن كل احد انما عليه ان يتسلح بالايمان، الايمان الذي يقود الى الله والايمان الذي يقيم الموازين، موازين القسط يعرف الانسان قيمة هذه الحياة وان قيمة هذه الحياة بقدر ما تعمر بالاعمال الصالحة، بقدر ما ينفع الناس الناس، بقدر ما يتقربون الى الله بعبادته وخدمتهم لعباده، فان خير الناس انفعهم للناس.. وهكذا يجب ان تكون شريحة الشباب قائمة بهذا الدور.

 

والشباب بلا ريب كما ذكرت مرحلته مرحلة هيجان الغرائز المختلفة، هذه الغرائز يجب ان توجه الوجهة الصحيحة – اي غريزة كانت – غريزة حب المال، غريزة الجنس، غريزة حب الجمال، الله سبحانه وتعالى لم يحرم عباده الانتفاع بالخيرات.. (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

------------------------

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني

 

جريدة عمان: الجمعة, 5 جمادى الأولى 1435هـ. 07 مارس 2014م