الفكر الإسلامي » وثيقة الأخلاق في المدرسة الإباضية

السابعي: لفظ المدرسة أفضله وابتعد عن الفرقة لما فيه من معنى الاختلاف والافتراق

نريد أن نعطي الأشياء حقها والمسميات ألفاظها الصحيحة -

أكد الدكتور ناصر بن سليمان السابعي مدير عام الوعظ والإرشاد أن الأمم تبنى على الأخلاق والقيم وإذا غابتا عن أية أمة من الأمم وأي شعب فلا يفيد فيه كثرة المال ولا الأعداد ولا المدنية.

وقال: أصبحت الماديات والمدنيات مجالا لسحب البساط من تحت هذه الأخلاق والقيم لكي تحل محلها المصالح والماديات والأشياء التي تعني الإنسان نفسه دون ارتباطه بالآخرين رغم قيام الكثير من مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان.

وأشار إلى انه لا بد من الحديث عن القيم والأخلاق والتأكيد عليها والدفع بها إلى حياة الناس فإذا تركنا المجال للعواصف العاتية تتحكم بنا فلن يبقى في حياة الناس شيء يتمسكون به والدين رابط قوي للقيم والأخلاق فلا من التأكيد عليه.

وقال: لا أقصد أن القيم انتهت وأن الأخلاق غابت عن حياة الناس ولكن يجب أن يتكاتف الجميع وأن يكون هناك طرح جديد وبعث آخر يطرحه المفكرون والباحثون والسياسيون والعلماء وطلاب العلم للأخلاق.

وأوضح أن كل المذاهب والمدارس عنيت برسم خطتها وسياستها تجاه غرس القيم والأخلاق في الناشئين من الشباب وهناك وثائق تربوية كثيرة لرسم هذه الخطة الجميلة لتنشئة الناس تنشئة فاضلة وفق قيم هذا الدين العظيم.

وقال: لقد اخترت المدرسة الإباضية للحديث عن هذا الجانب ولا يعني هذا أن المدارس الأخرى خالية من البنود والدساتير المعنية بالأخلاق فالجميع تكلم عن الأخلاق في مؤلفات وكتب ورسائل وأبحاث من القديم والحديث وإلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.

وبيّن أن المدرسة الإباضية ساهمت بشكل قوي مباشر في جانب الأخلاق.

وأشار إلى أنه يفضل لفظ المذهب أو المدرسة ويبتعد عن لفظ الفرقة لما فيه من معنى الاختلاف والافتراق.

وأوضح أن المذهب يمثل الفكر والعلماء والمؤلفات والتاريخ فحينما نختزل مذهبا بهذا الحجم وهذه القوة إلى لفظ فرقة فنكون قد سلبناه حقه الأصيل في أن يكون له دور في حياة الناس.

وقال: نريد أن نعطي الأشياء حقها والمسميات ألفاظها الصحيحة.

وبيّن أن الأسماء التي اختارها أهل المدرسة (الإباضية لأنفسهم) هي:

جماعة المسلمين وأهل الدعوة وأهل الحق والاستقامة وأهل العدل

وإلى تفاصيل ما قاله في الجزء الأول من محاضرته التي ألقاها بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر في الحدس والعشرين من الشهر الماضي تحت عنوان (وثيقة الأخلاق في المدرسة الإباضية) بدأ الدكتور ناصر السابعي محاضرته بسؤال لماذا الحديث عن الأخلاق؟ وقال هذا هو المحور الأول في هذه الجلسة المباركة .. فلا شك أن الأمم إنما تبنى على الأخلاق وإذا غابت القيم والأخلاق عن أية أمة من الأمم وأي شعب من الشعوب فلا يفيد فيه كثرة المال ولا كثرة الأعداد ولا تفيد فيها المدنية وإنما تصير مباني خاوية من الروح..

يقول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وكلما تقدم الزمان وتطورت الأمور احتاج الناس إلى العودة إلى هذه القيم لأن القيم والأخلاق تتماهى وتضيع في خضم هذا الاستهلاك القوي والواسع والكبير للمعاني التي يتعامل بها الناس أصبحت الماديات والمدنيات مجالا لسحب البساط من تحت هذه الأخلاق والقيم لكي تحل محلها المصالح والماديات والأشياء التي تعني الإنسان نفسه دون ارتباطه بالآخرين.

وقفت ذات مرة على كتاب بعنوان (عصر الفرص) لمؤلف أمريكي يتكلم عن الثقافة الجديدة للرأسمالية ومن الأشياء الخطيرة التي تناولها أن الاقتصاد القادم لن تكون فيه للقيم والأخلاق أدنى اعتبار فنحن إذن أمام هذا التيار القوي الهادر الذي يقضي على قيمنا وأخلاقنا إضافة إلى ذلك رغم قيام الكثير من مؤسسات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان ورغم رعاية الدول الكثيرة المتنوعة في هذا العالم لهذه الحقوق نجد أن الذي يحدث هو العكس تضيع الحقوق والذمم والقتل والتشريد والجوع والفقر رغم قيام هذه المنظمات الواسعة الشاسعة المدعومة من الدول القوية ومن القوى الكبرى في هذا العالم ولكن على الرغم من كل ذلك لا بد من الحديث عن القيم والأخلاق والتأكيد عليها والدفع بها إلى حياة الناس لا بد من عودة الناس إلى هذه القيم والأخلاق لأننا إذا تركنا المجال لهذه العواصف العاتية تتحكم بنا فلن يبقى في حياة الناس شيء يتمسكون به لا بد من التركيز على القيم والمبادئ والحقوق والذمم هذه هي العلاقات المهمة التي تربط بعضنا ببعض.

الدين رابط قوي للقيم والأخلاق فلا من التأكيد عليه.

الحقوق من الذي يرعاها يرعاها الدين نرعاها نحن يرعاها المسلمون وأهل القيم والمبادئ إذن من الضرورة أن نعود للتأكيد مرة أخرى على هذه الجوانب المهمة لا أقصد أن القيم انتهت وأن الأخلاق غابت عن حياة الناس هناك أناس صالحون وهناك مجتمعات فاضلة وهناك حكومات ترعى هذه الجوانب ولكن يجب أن يتكاتف الجميع.

يجب أن يكون هناك طرح جديد وبعث آخر يطرحه المفكرون والباحثون والسياسيون والعلماء وطلاب العلم يجب أن يشاركوا، ويساهم الجميع في صياغة هذه الوثائق وهذه الدساتير المهمة لحياة الناس، الأخلاق ليست بدعة في حياة البشر وإنما نشأت منذ بدء الخليقة ولذلك يؤكد النبي عليه الصلاة والسلام على أن الأخلاق سارت في مواكب الأمم حينما يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وفي لفظ إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق هذا الحديث فيه روايات وفيها بعض الضعف ولكن حسنه بعض العلماء وربما يكون لمجموع رواياته وطرقه مقبولا حسنا أو صحيحا (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أو لأتمم صالح الأخلاق).

عندما جاء ديننا الإسلامي العظيم كانت هناك انبعاثة جديدة للخلق والقيم إضافة إلى ما ورثه الناس بعضهم عن بعض وجاء النبي عليه الصلاة والسلام مؤكدا هذه المعاني من خلال الدستور العظيم الذي انزله رب العالمين ومن خلال الترجمة العملية الواقعية لسيرته صلى الله عليه وسلم ولذلك وصفه الله تعالى بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سواء فسر الخلق بأنه القيم والمبادئ أو فسر بأنه الدين، والدين شامل لكل هذه الجوانب الفكرية والعلمية والعملية والأخلاقية وكانت سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم خير مثالا لهذه الترجمة العملية الحقيقية ولا أريد أن أخوض في صفاته صلى الله عليه وسلم المباركة فإن الحديث عنها لا ينتهي ولكن ألجُ بعد هذه التقدمة إلى الخلق الفاضل الكريم والمعاني الرفيعة التي ورثها المسلمون من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، كل المذاهب وكل المدارس عنيت برسم خطتها وسياستها تجاه غرس القيم والأخلاق في الناشئين من الشباب والفتيات في الأولاد والبنات والأزواج وفي الأمهات والآباء هناك وثائق تربوية كثيرة لرسم هذه الخطة الجميلة لتنشئة الناس تنشئة فاضلة وفق قيم هذا الدين العظيم.

اخترت المدرسة الإباضية للحديث عن هذا الجانب ولا يعني هذا أن المدارس الأخرى خالية من البنود والدساتير المعنية بالأخلاق فالجميع تكلم عن الأخلاق في مؤلفات وكتب ورسائل وأبحاث من القديم والحديث وإلى ما شاء الله سبحانه وتعالى وأردت أن أساهم في هذا المجال كما ساهم غيري داعيا الجميع إلى أن يساهم بالقول والعمل والبحث والتأصيل وبالرجوع إلى هذه المصادر وبإبراز هذه الكنوز التي سار عليها علماؤنا من هذا الوطن ومن غيره من الأوطان ومن هذا المذهب ومن غيره من المذاهب الأصلية الإسلامية الأصيلة لكي نبصر الناس الذي ابتعدوا عن هذا المبدأ الجميل يكفينا نحن أن لدينا دفعا قويا من النبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذا المعنى حينما يتكلم عن أهل هذا البلد الكريم حين ارسل عليه الصلاة والسلام إلى حي من أحياء العرب يدعوهم فسبوه وضربوه فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره قال (لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك) هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه وهناك جملة روايات في هذا المعنى عنه صلى الله عليه وسلم إذن مثل هذا النص إطار شامل عنوان للإنسان يستحق أن يعلق في البيوت والغرف وفي المنافذ الحدودية يستحق أن يحتفى به وأن يترجم سلوكا واقعا.

المدرسة الإباضية ساهمت بشكل قوي مباشر في جانب الأخلاق وقد اخترت لقب مدرسة بدلا من الحديث الدائم عن الفرقة هناك مسميات في الكتب المعنية بالفرق هناك لفظ الفرقة وهناك النحلة وهناك المذهب وهناك اللفظ المعاصر وهو المدرسة وهو الذي أحبذه.

الفرقة كما تلاحظون هي الافتراق والتشتت ويعني الخروج عن جماعة المسلمين الخروج عن الإسلام في بعض الأحيان هذه ألفاظ يطلقها كل مذهب على الآخر فلذلك أريد أن ابتعد عن الفرقة لما فيها من معنى الاختلاف والافتراق والبعد عن جماعة المسلمين افضل لفظ المذهب أو المدرسة.

المدرسة اشمل لما فيها من المساقات الدراسية التربوية وتنوعها إلى شتى المعاني عندما نتكلم عن المدرسة نجد فيها كل المواد من المواد الأدبية والعلمية والمعنية بالثقافة العامة ونحو ذلك هذا هو معنى المدرسة معنى أوسع وأشمل وإن كان لفظ المذهب أيضا جيد، الفرقة تشير إلى الافتراق وإلى التنصل من المجموعة والمذهب يشتمل على العلماء وعلى الأفكار وعلى المؤلفات وعلى التاريخ هذه أربعة عناصر أساسية للمذهب.

الفكر والعلماء والمؤلفات والتاريخ فحينما نختزل مذهبا بهذا الحجم وهذه القوة إلى لفظ فرقة فنكون قد سلبناه حقه الأصيل في أن يكون له دور في حياة الناس المدرسة تتكامل مع لفظ المذهب ولذلك في الحقيقة افضلها نظرا إلى البعد عن الجوانب المذهبية وحتى أن نتجنب ونتحاشى ونتلاشى هذه الأبعاد المذهبية في ألفاظنا وفي أطروحاتنا.

عندما تعود إلى كتب الملل والفرق تجد الأشياء الكثيرة تجد المسميات العجيبة (الأزارقة، والنجدات، والراسبية، والقطوية والكلابية والثعلبية، والمبهوتية، والصفرية، والعجردية، والكوزية، والأيادية، والبهيسية، والحازمية، والخلفية، والأخنسية، والمعبدية، والصلتية، والخمبرية، والمكرمية، والبدعية، والسابية، والنجارية والكرامية والباطنية. والراهوية والعطائية والثورية والطاقية. والزعفرانية والخرمدينية والأبيضية والسرخسية. والحشوية والشكاك والنواصب والرافضة والمجبرة).

أسماء عجيبة حاولت أن أحصر بعضها، شيء مذهل، كلام عجيب وغريب لا بد أن نبتعد، نريد أن نعطي الأشياء حقها والمسميات ألفاظها الصحيحة.

الأسماء التي اختارها أهل هذه المدرسة (الإباضية لأنفسهم) هي:

جماعة المسلمين لما في هذا المعنى من بعد الاجتماع والالتقاء وهذا معنى اكدوا عليه واختاروا أيضا أهل الدعوة وهذا اللفظ مسمى خاص للمنظم إلى التيار الحركي يوم كان أهل هذا المذهب في صدام وصراع مع مركز السلطة اختاروا هذا الاسم بمعنى الدعاة إلى إلى هذا المذهب وجماعة المسلمين هو المصطلح والدائرة الكبرى التي تضم الجميع ومن سلك المسلك الحركي اطلق عليه أهل الدعوة ثم لما تمايز المسلمون وصار كل تيار يختار لنفسه المصطلح الجميل مثل أهل السنة هذا مصطلح جميل كذلك وجد عند الإباضية مصطلح مماثل ومقابل وهو مصطلح (أهل الحق والاستقامة) وأحيانا يسمون انفسهم (أهل العدل) وجدت هذا اللفظ عند الشيخ أبي سعيد الكدمي وعند الشيخ الكندي وأبي الحسن البسيوي وغيرهم من الذين يختارون اسم أهل العدل.

 

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

جابر بن زيد واضع معالمها بالصورة الرسمية 

اكد الدكتور ناصر بن سليمان السابعي مدير عام الوعظ والإرشاد أن الأخلاق جزء من المنظومة الكبرى للمدرسة الإباضية.

وقال: إن منظومة التفكير هي الأوسع والأشمل فيها عدة جوانب جانب الإيمان الذي يسمى بالعقيدة وجانب العمل و جانب الأخلاق والقيم و جانب الشريعة هذه عناوين كبرى لمنظومة التفكير في المدرسة الإباضية.

وأشار الى ان في المدرسة الإباضية وجد منظرون كثيرون وعلماء ساهموا في صياغة منظومة التفكير في المدرسة الاباضية ومن ضمن الأشياء التي تكلموا عنها بعمق احيانا بشكل نظري واحيانا بشكل عملي هو جانب الأخلاق. وأوضح أن بعض العلماء ليس لهم مؤلفات مع شهرتهم الواسعة.

وأكد أن (ابو الشعثاء) جابر بن زيد رضي الله عنه كما نعرف هو مؤسس هذه المدرسة الإباضية وأقصد بالتأسيس انه وضع معالمها بالصورة الرسمية.

وبين ان المدرسة الإباضية امتداد لمدرسة الصحابة ومدرسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال: جابر بن زيد ألف كتاب الديوان كما هو معروف وحفظت لنا المصادر رسائل كان يبعثها إلى أصحابه والباقي منها ثماني عشرة رسالة وهذه الرسائل تعد وثائق أخلاقية لأنها اعتنت بالجانب الروحي كثيرا.

 

والى تفاصيل ما قاله في الجزء الثاني من محاضرته التي ألقاها بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر في الحادي والعشرين من الشهر الماضي تحت عنوان (وثيقة الأخلاق في المدرسة الإباضية) يقول الشيخ الدكتور ناصر السابعي موضحا هذه الوثيقة: وثيقة الأخلاق. هل نحن محتاجون إلى وثيقة أخلاقية؟ قد يتصور بعضكم كما تصور البعض من خلال العنوان ان هناك وثيقة وبنود كتبت من خلال علماء هذا المذهب وسميت وثيقة الأخلاق انا لا أقصد ذلك لا أقصد أن هناك وثيقة بعينها تحمل هذا الاسم وإنما أريد أن نتدارس الجوانب والزوايا التي يمكن ان نصوغ من خلالها بنودا تشكل وثيقة للقيم والأخلاق في هذه المدرسة الأصيلة.

 

الأخلاق جزء من المنظومة الكبرى للمدرسة الإباضية منظومة التفكير هي الأوسع والأشمل فيها جوانب جانب الإيمان الذي يسمى بالعقيدة وفيها جانب العمل وفيها جانب الأخلاق والقيم وفيها جانب الشريعة هذه عناوين كبرى لمنظومة التفكير في المدرسة الإباضية أنا أتناول هذا الجانب وهو جانب الأخلاق.

 

وجد في المدرسة الإباضية منظرون كثيرون وعلماء ساهموا في صياغة منظومة التفكير في المدرسة الاباضية ومن ضمن الأشياء التي تكلموا عنها بعمق احيانا بشكل نظري واحيانا بشكل عملي هو جانب الأخلاق هناك العلماء في هذه المدرسة وفي هذا المذهب كثيرون ولكن من عني ببعض الأشياء ومنهم من ألف ومنهم من لم يؤلف فنحن يهمنا الذي وصل الينا من الكتب والمؤلفات أحيانا بعض العلماء ليس لهم مؤلفات مع شهرتهم كالإمام أبي عبدالله محمد بن محبوب مع شهرته الواسعة يكاد يكون أبرز علم في عمان وفي المذهب في القرن الثالث الهجري ولكن مؤلفاته لم تصل إلينا ينسب إليه انه ألف مؤلفا ضخما في الفقه ولم يصل وصلت مختصرات يسيرة وبعض الرسائل فليس لدينا شيء كثير دونه بنفسه وانما ما نقله العلماء عنه فيهمنا الذي دونوا وساعد بهذا الخصوص أولهم جابر بن زيد ابو الشعثاء رضي الله عنه ابو الشعثاء كما نعرف هو مؤسس هذه المدرسة واقصد بالتأسيس انه وضع معالمها بالصورة الرسمية لأن هذه المدرسة هي امتداد لمدرسة الصحابة ومدرسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولكن عندما انحنى التاريخ عندما أصبح الفكر يخرج من عنق الزجاجة صار لا بد من وجود منظر حقيقي لهذه الأفكار.

 

جابر بن زيد

جابر بن زيد الف كتاب الديوان كما هو معروف وحفظت لنا المصادر رسائل كان يبعثها الى أصحابه والباقي منها ثماني عشرة رسالة هذه الرسائل في الحقيقة تعد وثائق أخلاقية لأنها اعتنت بالجانب الروحي كثيرا بالإمكان العودة إليها فهي مطبوعة لا زالت على الآلة الكاتبة قديما وحققت من بعض الباحثين وأهل العلم لكنها لم تنشر بشكل كتب الى الآن ومن كلامه في احدى الرسائل يقول:

أما بعد، فإنا سالمون صالحون إن اتقينا الله بحقه، وقد أتاني كتابك تذكر فيه أني من أهل ودك وصنيعتك ومناصحتك، لما جعل الله بيننا وبينك من الإسلام، فهو أفضل النسب، وأفضل ما تواصل الناس به، وتشبث حبلهم بحبله».

 

هذا تركيز على الجانب الروحي ويقول في رسالة اخرى:

«وكفى بالعباد شقاء أن يكونوا بمنزلة يرون أن لهم فضلا على سائر العباد بخير ابتلاهم الله به واختصهم به.

واعلم أن المصغر إليه نفسه، المحتقر إليه عمله، بمنزلة زيادة غبطة عند الله وشرف».

 

كل الرسائل فيها مقدمات تعنى بالجانب الروحي والجانب الأخلاقي بشكل مكثف وقوي كل الرسائل الثماني عشرة المحفوظة تعنى بهذا الجانب وليت ان تقام عليها دراسات فيها احكام فقهية وفيها جوانب اخلاقية وفيها إشارات الى الجانب الحركي الذي اتجه الإمام جابر أحيانا يوصي أصحابه بعدم ذكر اسمه تجد في الرسالة أحيانا أنك بأرض أكره أن تذكر لي فيه اسمك احيانا يطلب محو ما وصل إليه في أكثر من جانب ليت انها تدرس ربما قد درست من خلال الرسائل التي قدمت وأرجو ان نراها في القريب العاجل.

 

سالم بن ذكوان

هناك ايضا سالم بن ذكوان احد تلامذة الامام جابر له سيرة تسمى سيرة سالم بن ذكوان من ابدع ما فيها بنود اخلاقية عجيبة في التعبير عن الآراء والمواقف مثلا يقول - «نرى حق الوالدين وحق ذي القربى وحق اليتامى والمساكين وحق أبناء السبيل وحق الصاحب وحق الجار وحق ما ملكت أيماننا علينا حقاً أبراراً كانوا أو فجاراً، ونؤدي الأمانة إلى من استأمننا عليها من الناس كلها من قومنا أو غيرهم، ونوفي بعهود قومنا من أهل الذمة إن استطعنا الذي يأخذونهم به من الظلم من قومنا ومن غيرهم، ونجير من استجارنا من قومنا ومن غيرهم، ويأمن عندنا منهم حضرة القتال الكاف المعتزل».

ميثاق أخلاقي صريح في بيان الحقوق التي يلتزم بها تجاه الآخرين ولا نرى استعراض قومنا ما داموا يستقبلون القبلة ولا نرى قتل صغيرنا من أهل القبلة لا ذنب له ولا نرى انتحال الهجرة.

 

- «... من غير أن نكون نراهم نـزلوا منازل عبدة الأوثان فنستحل سباهم وقتل ذراريهم وخمس أموالهم وقطع الميراث منهم، ولا نرى الفتك بقومنا وقتلهم في السر وإن كانوا ضلالاً ما دمنا بين ظهرانهم ونظهر لهم الرضا بالذي هم عليه، وذلك بأن الله لم يأمر به في كتابه ولا نعلم أحداً ممن مضى من أولياء الله في الأمم الماضية استحل شيئاً من ذلك وهو مثل منـزلتنا فنقتدي بسنتهم في ذلك، ولم يفعله أحد من المسلمين ممن كان بمكة بأحد من المشركين فنفعله نحن بأهل القبلة...».

 

- «... ونرى مناكحة قومنا وموارثتهم لا تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا».

 

- «... ولا نرى استعراض قومنا ما داموا يستقبلون القبلة من قبل أن ندعوهم إلى مراجعة الحق والأخذ به، لأن الله رضي الدعاء لنبيه وأمره به وأهل الإيمان».

 

- «... ولا نرى قتل صغير من أهل قبلتنا لا ذنب له».

 

- «... ولا نرى أن نستحل فرج امرأة رجل تزوجها بكتاب الله وسنة نبيه حتى يطلقها زوجها أو يتوفى عنها ثمّ تعتد عدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها».

 

- «... ولا نرى انتحال الهجرة من دار قومنا كهجرة النبي وأصحابه من دار قومهم، ولكن يخرج من خرج منا مجاهداً في سبيل الله على طاعته، فإن هو رجع إلى دار قومه توليناه إذا كان عارفاً لحق الله مقراً به في نفسه وماله...».

 

- «وندعو إلى الله أن يطاع الله فنحل حلاله ونحرم حرامه ونحكم بما أنـزل الله في كتابه ونتبع سنة نبيه وسنة الصالحين من عباد الله، ليس من رأينا بحمد الله الغلو في ديننا ولا الغشم في أمرنا ولا العدا على من فارقنا، حكمنا اليوم فيمن ترك قبلتنا ووجه غيرها حكم نبينا فيمن ترك قبلته وحكم المسلمين بعده فيمن وجه غير قبلتهم، وحلالنا اليوم في دار قومنا حلال لنا إذا خرجنا، وحرامنا إذا خرجنا حرامنا اليوم في دار قومنا، نعلم بحمد الله أنه لا يحرم على الخارج منا شيء هو للقاعد حلال، ولا يحل للقاعد منا شيء هو على الخارج حرام».

 

طالب الحق

وهناك شخص ثالث وهو أبو يحيى عبدالله بن يحيى الكندي الملقب بـ طالب الحق يقول في إحدى خطبه:» ندعو إلى الله، وإلى كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونجيب من دعا إليها، الإسلام ديننا، ومحمد نبينا، والكعبة قبلتنا، والقرآن إمامنا، رضينا بالحلال حلالا، لا نبغي به بدلا، ولا نشتري به ثمنا، ولا قوة إلا بالله، وإلى الله المشتكى، وعليه المعول. ندعو إلى فرائض بينات محكمات، وآثار مقتدى بها، ونشهد أن الله صادق فيما وعد، عدل فيما حكم.

 

ندعو إلى توحيد الرب، واليقين بالوعيد، وأداء الفرائض، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والولاية لأهل ولاية الله.

 

وإن من رحمة الله أن جعل في كل فترة بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون على الألم في حب الله، يقتلون في سالف الدهر، فما نسيهم ربهم، (وما كان ربك نسيا)، أوصيكم بتقوى الله، وحسن القيام على ما وكلكم بالقيام به، قابلوا الله حسنا في أمره وزجره «.

 

المختار بن عوف

وهناك خطبة المختار بن عوف المعروف بأبي حمزة الشاري خطبته الشهير التي قال فيها: «يا اهل مكة فيها من مراعاة الحقوق ومن يقول: ايها الناس يا أهل مكة، إنكم تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابا ؟! أما إني عالم بتتايعكم فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ فوق أيديكم.

 

نعم، شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال غضية عن الشر أعينهم، بطيئة إلى الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم؛ كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم، من طول القيام وكثرة الصيام، مستقلين لذلك في جنب الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، إذا رأوا سهام العدو فوقت، ورماحهم قد أشرعت، وسيوفهم قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، مضى الشاب منهم قدما حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، قد رملت محاسن وجهه بالدماء، وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف قد بانت بمعصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله، وكم من خد رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد، رحمة الله على تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان «.تاريخ خليفة بن خياط 365، 386. عن الزنجي بن خالد قال: خطبنا أبو حمزة بمكة خطبة شكك المستبصر وزاد المرتاب، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء، فقلتم فيهم والله الذي نعرف؛ قلتم : أخذوا المال من غير حله فوضعوه في غير حقه، وجاروا في الحكم واستأثروا بحقوقنا وفيئنا، فجعلوه دولة بين أغنيائهم وذوي الشرف منهم، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء، فقلنا لكم : تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله، فقلتم : لا نقوى على ذلك، وددنا أنا أصبنا من يكفينا، فقلنا لكم : نحن نكفيكم، ثم الله راع علينا إن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه، فجئنا فاتقينا الرماح بوجوهنا والسيوف بصدورنا، وجعلنا الله علينا راعيا كفيلا لئن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه، فعرضتم دونهم فقاتلتمونا، فأبعدكم الله، فوالله لو قلتم : لا نعرف الذي تقولون ولا نعلمه، كان أعذر، مع أنه لا عذر للجاهل، ولكن أبى الله إلا أن ينطق بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة».

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

الإنسان يسعى لإقامة الحق والعدل شاركه الناس أو لم يشاركوه

عهود مهمة تمثل دستورا أخلاقيا للحقوق

أكد الدكتور ناصر بن سليمان السابعي مدير عام الوعظ والإرشاد ان الإنسان يسعى لإقامة الحق والعدل شاركه الناس او لم يشاركوه.

وقال: لدينا من العلماء ممن كتبوا في هذا المعنى الشيخ أبو أيوب وائل بن أيوب الحضرمي وابو عبيدة له سيرة تسمى نسب الإسلام من اجمل السير ولدينا ايضا الشيخ أبو سفيان محبوب بن الرحيل من قريش وهو ربيب الربيع بن حبيب رحمه الله له رسالتان واحدة موجهة الى عمان وواحدة موجهة الى حضرموت والرسالتان يناقش فيهما قضايا مهمة. واوضح ان لدينا عهودا مهمة جدا تمثل دستورا اخلاقيا لحقوق الانسان.

وبين ان المدرسة الرستاقية تتميز بشيء مهم جدا وهو الحفاظ على الأصول كل خلاف يحدث ينظر فيه الى الأصل وهذه المدرسة هي مدرسة كبرى ولها آراؤها وعلماؤها وهي تختلف في جوانب عن المدرسة النزوانية التي تقوم فكرتها على شيء مهم وهي فكرة الاحتمالات ما دامت هناك احتمالات فلا تحكم على انسان بالفسق والفجور.

واشار الى ان ترجمة علمائنا في القيم والأخلاق حدث ولا حرج ومما قاله المنير بن النير فيهم: «أهل فقه وأهل علم وحلم وتودد ووقار وسكينة ولب وعقل وبر ومرحمة وصدق ووفاء وتخشع وعبادة وورع وتحرج وصلة ونصيحة ظاهرة مقبولة،

لا يطمعون بمطامع السوء، ولا يتعاطون من الناس الحقوق، ولا يدخلون في خصومات الناس، ولا يجتعلون على استخراج الحقوق، ولا يسترشون على طلب الحوائج التي تعينهم من أهل الرعية، ولا يستفضلون في الرزق على السعة، ولايغتاب بعضهم بعضا...

وإلى تفاصيل ما قاله في الجزء الثالث من محاضرته التي القاها بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر في الحادي والعشرين من الشهر الماضي تحت عنوان(وثيقة الأخلاق في المدرسة الإباضية) ويبدأ الدكتور ناصر السابعي في حلقته الثالثة من محاضرته بالخطبة الشهيرة للمختار بن عوف المعروف بأبي حمزة الشاري التي قال فيها:» يا اهل مكة فيها من مراعاة الحقوق ومن يقول: ايها الناس.. يا أهل مكة، إنكم تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابا؟! أما إني عالم بتتايعكم فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ فوق أيديكم.

نعم، شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال غضية عن الشر أعينهم، بطيئة إلى الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم؛ كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم، من طول القيام وكثرة الصيام، مستقلين لذلك في جنب الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، إذا رأوا سهام العدو فوقت، ورماحهم قد أشرعت، وسيوفهم قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، مضى الشاب منهم قدما حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، قد رملت محاسن وجهه بالدماء، وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف قد بانت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله، وكم من خد رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد، رحمة الله على تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان «. تاريخ خليفة بن خياط 365، 386

عن الزنجي بن خالد قال: خطبنا أبو حمزة بمكة خطبة شكك المستبصر وزاد المرتاب، حمد الله وأثنى عليه ثم قال:

«أيها الناس، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء، فقلتم فيهم والله الذي نعرف ؛ قلتم: أخذوا المال من غير حله فوضعوه في غير حقه، وجاروا في الحكم واستأثروا بحقوقنا وفيئنا، فجعلوه دولة بين أغنيائهم وذوي الشرف منهم، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء، فقلنا لكم: تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله، فقلتم: لا نقوى على ذلك، وددنا أنا أصبنا من يكفينا، فقلنا لكم: نحن نكفيكم، ثم الله راع علينا إن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه، فجئنا فاتقينا الرماح بوجوهنا والسيوف بصدورنا، وجعلنا الله علينا راعيا كفيلا لئن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه، فعرضتم دونهم فقاتلتمونا، فأبعدكم الله، فوالله لو قلتم: لا نعرف الذي تقولون ولا نعلمه، كان أعذر، مع أنه لا عذر للجاهل، ولكن أبى الله إلا أن ينطق بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة».

هذا بيان للإنصاف والدفاع عن حقوق الناس ان الإنسان يسعى لإقامة الحق والعدل شاركه الناس او لم يشاركوه لدينا من العلماء ممن كتبوا في هذا المعنى الشيخ أبو أيوب وائل بن أيوب الحضرمي هذا من تلاميذ أبي عبيدة وله سيرة تسمى نسب الإسلام من اجمل السير فيها كل هذه المعاني ولدينا ايضا الشيخ أبو سفيان محبوب بن الرحيل هذا من قريش وهو ربيب الربيع بن حبيب رحمه الله الامام الربيع تزوّج امه وهو من بني مخزوم له رسالتان واحدة موجهة الى عمان وواحدة موجهة الى حضرموت وله ايضا (عهد) تجدونه في كتاب طبقات المشايخ بعنوان (عهد محبوب بن الرحيل الى طالب الحق والمقصود بطالب الحق ليس الامام وانما كل من طلب الحق والرسالتان التي وجههما الى عمان والى حضرموت يناقش فيهما قضايا مهمة من تلك القضايا (ما حكم من شبه الله تعالى مع اعتقاده تنزيهه هل هو خارج عن الاسلام ام لا فارسل رسالتين الى عمان والى حضرموت يخطىء من يقول ان هؤلاء خرجوا عن الاسلام فقد اطلق الرأي الإباضي على تصويبهما هارون وتخطئة من خالفه هناك بعض اهل العلم من خالف في ذلك ولكن لا يمثل الأغلبية الساحقة هذا طبعا يعالج جزءا من الأخلاق من هذه المنظومة.

ولدينا عهد الامام الصلت بن مالك عندما بعث جيشه لتحرير جزيرة سقطرى من النصارى وهذا العهد كتبه كما اتوقع الامام محمد بن محبوب هوالذي كتبه لأن الامام الصلت لم يكن من العلماء الكبار فكتبه محمد بن محبوب واعطى قائد الجيش (...بن همام ) فهذه من العهود المهمة جدا وهي تمثل دستورا اخلاقيا لحقوق الانسان ولذلك مرجوع الى كل ما اذكر تستفيدون الأشياء الجميلة الرائعة.

أبو الحسن البسيوي

ابو الحسن البسيوي من النصوص التي دونها في كتبه وسيره ورسائلة يقول: «والمسلمون لا يعترضون الناس، ولا يقتلونهم بغير حق، ولا يلعنونهم، ولا يبرأون منهم وهم يقرون بالحكم ويرضون به، ولا يقاتلون قوما حتى يدعوهم إلى الإسلام، ولا يأخذون بشبهة ولا ميلولة في هوى ولا حد في شبهة، ولا يخيفون آمنا، ولا يقطعون سبيلا، ولا يقطعون رحما، ولا ينقضون عهدا، ولا يقاتلون الناس إلا بعد البغي والامتناع، ولا يعترضون الناس بالقتل من غير دعوة، ولا يغتنمون العثرة، ولا يأخذون بحنة ولا بظن ولا بشبهة، ولا يتجسسون العورة، ولا يبيتون الناس في منازلهم (اي لا يهجمون عليهم ليلا)، ولا ينبهون نائما، ولا يقتلون موليا، ولا يجبرون الناس على القتال.

ولا نسير بسيرة نعتذر عنها، ولا ندين بالشك والارتياب، ولا نغنم مال أهل القبلة، ولا نسبي عيالهم، ولا نهدم أموالهم، ولا نقطع نخلهم، ولا نخرب عامرا، ولا نقطع مثمرا، ولا نرد التوبة على أهلها، ولا ندخل البيوت بغير إذن أهلها، ولا نخيف الناس بعد الأمان، ولا نضرب الناس على التهم والظنون، ولا نلقى الناس بوجوه كدرة، ولا بنيات مختلفة، ولا بقلوب فاسدة، ولا يطعن بعضنا على بعض، ولا يقذف بعضنا بعضا بالمكفرات.

ولا نأمن عدونا مع طائفة ونخاف مع الأخرى، ولا نجبي صافية ولا جزية حتى نكون حكاما، ونمنع من جنبنا من الظلم والعدوان، ونملك بلادنا وأمصارنا وبرنا وبحرنا، ولا نسأل الناس من أموالهم ونحن الحكام عليهم، ولا نأخذ عشر من لم نمنع من السيارة الذين يمرون بنا من الأمصار، ولا نجبي جباية من لم يجر فيه حكمنا، ولا نتبع مدبرا نقتله ممن لم يقتل لنا قتيلا ولا ينصب لنا حربا.

فهذه آراؤنا، وهذه سيرتنا التي مضى عليها العلماء ثابتة من أئمتنا وأسلافنا».

أبو محمد عبد الله بن بركة

أبن بركة هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة مؤسس المدرسة الرستاقية والمدرسة الرستاقية تتميز بشيء مهم جدا وهي الحفاظ على الأصول كل خلاف يحدث ينظر فيه الى الأصل وهذه المدرسة هي مدرسة كبرى ولها آراؤها وعلماؤها وهي تختلف في جوانب عن المدرسة النزوانية.

أبو سعيد الكدمي

أبو سعيد الكدمي هوالمؤسس للمدرسة النزوانية وهذه المدرسة فكرتها تقوم على شيء مهم وهي فكرة الإحتمالات انك تحتمل احتمالات كثيرة لأي شخص ما دامت هناك احتمالات لكون هذا الانسان مصيبا فلا تحكم عليه بالفسق والفجور ولدينا الكثير من هؤلاء العلماء.

المبادئ الأخلاقية في المدرسة الإباضية

وعن مصادر المبادئ الأخلاقية في المدرسة الإباضية يقول ابو سعيد الكدمي في كتابه المعتبر: «واعلم أن أصدق الكلام وأعدل الأحكام، ما أنزل الله في القرآن الكريم، ثم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال الله فيما يحدث لهم من الأمور: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وهم العلماء الذي جعل الله لهم الأنوار، التي أبصروا بها الآثار، فهم الأدلاء عند الظلمات، وبهم يقتدى في المحيا والممات». المعتبر 2/76

أولا القرآن الكريم

إذن (القرآن) هو مصدرنا الأصيل يقول جابر بن زيد في احدى رسائله لأحد اتباعه

«فإذا جاءك كتابي فكن قاضيا على نفسك، واجتمع أنت وخصمك عند كتاب الله، ثم ليقص كل واحد منكما قصته على كتاب الله، فإن جمع أمركما فَدُومَا على ذلك، وإن فرق بينكما فليأت أحدكما صاحبه، ولا تشقيا، وليعترف أحدكما لصاحبه، فإن التنازع والتشاجر هلاك لأمركما».

ثم يقول في نص آخر «فإن أفضل المؤمنين عند الله شرفا ومنزلة ووجها، أفضلهم تعظيما له ولكتابه، ولدينه ولحرمته، ويؤتي الله المؤمنين لكل ذي فضل فضله».

السنة النبوية

ثانيا: السنة النبوية والسيرة النبوية التي رواها علماؤنا في مسند الامام الربيع وغيره من كتب الحديث ومن الأحاديث التي جاءت في مسند الامام الربيع في باب ( 51) جامع الآدب (أبو عبيدة عن جابر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». و(أبو عبيدة عن جابر عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو أيوب الأنصاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». و(أبو عبيدة عن جابر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً».

قال الربيع: ولا تجسسوا، أي: لا يتبع بعضكم عورة بعض، ولا تحسسوا، أي: لا يمش أحدكم بالنمائم، ولا تنافسوا، أي: ولا ينتقم بعضكم من بعض بما جعل فيه من السوء. و699- أبو عبيدة قال: بلغني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إياكم والحسد، والظن، والبغي، فإنه لا حظ في الإسلام لمن فعل ذلك، ولا حظ في الإسلام لمن فيه إحدى هذه الخصال «.و(أبو عبيدة قال: بلغني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: من علمنا فيه خيراً قلنا فيه خيراً وظننا فيه خيراً، ومن علمنا فيه شراً قلنا فيه شراً، وظننا فيه شراً ) و(أبو عبيدة قال: سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حسد فلا يبغ، ومن تطير فلا يرجع، ومن ظن فلا يحقق، وهو فرق ما بين المسلم والمنافق».

صفات أهل الحق والاستقامة

ومن ترجمة أئمة المذهب لمبادئ الأخلاق والقيم يقول السابعي: اما ترجمة علمائنا في هذه القيم والأخلاق فحدث ولا حرج يقول المنير بن النير: «أهل فقه وأهل علم وحلم وتودد ووقار وسكينة ولب وعقل وبر ومرحمة وصدق ووفاء وتخشع وعبادة وورع وتحرج وصلة ونصيحة ظاهرة مقبولة، لا يطمعون بمطامع السوء، ولا يتعاطون من الناس الحقوق، ولا يدخلون في خصومات الناس، ولا يجتعلون على استخراج الحقوق، ولا يسترشون على طلب الحوائج التي تعينهم من أهل الرعية، ولا يستفضلون في الرزق على السعة، ولا يغتاب بعضهم بعضا، ليس من شأنهم الغيبة، ولا البغي، ولا الحسد، ولا التقاطع، ولا التدابر، ولا البغضة، ولا شيء من أخلاق أهل الريبة، يحرصون على ما رابهم في الدين ومع أهل الدين، ويكرهون العيوب، ويهجرون أخلاق الفجور والمعاصي. هم أنوار في الأرض، وعود في الناس، يعرفون بسيماهم، وكيف لا يكون كذلك من باع لذة نفسه ينتظر حتفها صباحا ومساء؟!

ليس لهم في شيء من الأمور ولا لأحد من الناس دنت رحمته أو بعدت، أو عظم خطره أو صغر، أو ارتفع شأنه أو تواضع، هم إلا ما وافق الحق، مع ما لا يحصى من أخلاقهم الحسنة الجميلة التي زينهم الله بها في الدنيا، وترك عليهم الثناء الحسن الجميل في من خلف بأعقابهم».

أبو الشعثاء

من المواقف النبيلة الجميلة لأبي الشعثاء جابر زيد» خرجت آمنه زوجة جابر إلى الحج، ولم يخرج تلك السنة، فلما رجعت سألها عن كريها (سير الشماخي 1/185)، فذكرت سوء الصحبة، وأثنت ثناء قبيحا، فخرج إليه، وأدخله دارا، واشترى لإبله علفا، وعولج له طعام، واشترى له ثوبين كساه بهما، ودفع له ما كان مع آمنه من قربة وأدوات وغير ذلك، فقالت: أخبرتك بسوء الصحبة، ففعلت ما أرى ؟ فقال: أفتكافئه بمثل فعله فنكون مثله ؟ لا، بل نكافئه بالإساءة إحسانا، وبالسوء خيرا». هذا موقف من المواقف الكثيرة للإمام جابر بن زيد.

الامام ابو عبيدة

وقال أبو سفيان محبوب بن الرحيل: «كان سابق من خيار من أدركت.قال: «خرج أبو عبيدة ذات مرة حاجا مع سابق العطار، فبينما هما نازلان في بعض المنازل، إذ وقفت عليهما أعرابية بلبن وسمن وجدي، فاشتراها سابق بقارورة خلوق وقلادة، فجاء باللبن إلى أبي عبيدة، فقال: ابو عبيدة أخّر عنا لبنك يا سابق، كم ثمن القلادة ؟ قال: نحو دانق، وكذا القارورة، قال(الكفر هنا هو المعصية ): ويحك إنما الغبن للعشرة اثنان أو خمسة للعشرة أو للدرهم درهم (يعني ان الإمام ابا عبيدة رأى ان القيمة المدفوعة اقل مما تستحقه المرأة ) ثم ارسل سابق الى الاعرابية يسألها عن الثمن قالت: لا ثمن له قال: وثمن اللبن والسمن قالت: اربعة دراهم فأخرج سابق اربعة دراهم فدفعا لها قال: ابوعبيدة هلم الآن إلى البنك ياسابق) (ولعله والله أعلم أنه أراد: ما ثمنه درهم تبيعه بدرهمين يعني الثلث أو السدس أو النصف) (سير الشماخي 1 -106).

(امتنع أبو عبيدة أولا أن يشرب اللبن لأنه خشي أن يكون سابق قد أعطى الأعرابية دون ما تستحقه من ثمن اللبن، فلما زادها أربعة دراهم اطمأن أبو عبيدة إلى أنها أخذت حقها). سير الشماخي 1/106.

ورع أبي عبيدة الصغير

خرج أبو عبيدة الصغير عبد الله بن القاسم إلى الصين تاجرا، فاشترى قوم عودا، فسألهم أن يشركوه ففعلوا، فأقبلوا يعيبون العود عند صاحبه، حتى استنقصوه مما كانوا اشتروا به، فظن أنهم صادقون، ونقد معهم عشرين دينارا، فلما خرجوا أقبلوا يمدحون، فقال: سبحان الله! تعيبون عودا بلا عيب؟! ردوا علي رأس مالي، فاستغنموا منه ذلك، وردوا عليه ماله.سير الشماخي 1/87.

ورع الإمام الربيع بن حبيب

وقال أبو سفيان محبوب بن الرحيل: «اجتمع وائل بن أيوب والمعتمر بن عمارة وجماعة إلى الربيع، فسألوه أن يخرج إلى الموسم، قال: فقال: لا أقدر، وما عندي ما أتحمل به، فمشوا إلى رجل من المسلمين يقال له النظر بن ميمون، وكان رجلا موسرا من تجار الصين، فأعلموه بقوله، قال: فأتاه بأربعين دينارا، فقال: حج بها، فلم يقبلها منه وكان به خاصا، قال: فجاءه وائل والمعتمر فقالا له: سبحان الله يا أبا عمرو! تعلم حاجة الناس إليك، وكنت اعتللت بأنك لا تجد ما تحمل عليه، فلما جاءك الله بما تتمتع به أبيت أن تقبل، قال: إنه قال لي: خذها على أنك تحج بها، ولست أقبلها على شرط، قال: فأتوا إلى النظر فأعلموه بما كره من قوله فاعتذر، فقال: والله ما علمت أنه يكره ذلك، والآن فخذوها أنتم فادفعوها إليه، قال: فأبى أن يقبلها بعد ذلك». طبقات المشايخ 2/60 سير الشماخي 1/95.

 

-----------------------------------------------------------------------

 

د. السابعي: الإنسان لا يمكن أن يوصف بالخلق وهو لا يؤدي الفرائض ويرتكب المحرمات -

أكد الدكتور ناصر بن سليمان السابعي مدير عام الوعظ والإرشاد أن الأخلاق في المدرسة الإباضية مرتبطة بالإيمان وهذا شيء مهم جدا موضحا أن الأخلاق السلوك والقول عمل من الأعمال الصالحة ولا يمكن ان يجعل شيئا هامشيا فالخلق ليس شيئا مكملا او ثانويا او تحسينيا إنما هو ركيزة في فكر اصحاب هذه المدرسة وفي البناء الاسلامي بصورة عامة وهو مرتبط بالعمل.

 

وقال: لا يمكن ان يوصف انسان بالخلق وهو لا يؤدي الفرائض ويرتكب المحرمات ولا يمكن ان يوصف بحسن الخلق وهو مرتكب الفواحش.

 

وسار الى ان امراض القلوب ومنها الرياء والاعجاب بالنفس والحسد وحب المناصب هذه الأشياء عولجت في الفكر الاباضي بعمق.

 

وأوضح ان الشكر اعتراف وعمل وان شكر الله على نعمه جزء من الأخلاق وان كفر النعم والكفر بالله ابتعاد عن الأخلاق.

 

الأخلاق مرتبطة بالجانب المعرفي فالأخلاق هي علم ومعرفة ولذلك ربط اصحابنا وعلماؤنا بين الآداب والأخلاق وبين العلم.

 

وبين ان:» العلماء على رتب وطبقات، ومنازل ودرجات، بعضها أرفع من بعض، كارتفاع السماء على الأرض، فالعالم حقا من أطاع الله في علمه، وأخلص عمله، وانتفع به متعلما، ونفع غيره معلما.

 

وأوضح ان العقل رأس الفضائل وينبوع الأدب، لا يكون عنده كثير نفع بغير علم وأدب، وإنما ينفع ويثمر بالعلم والأدب الذي يلحقانه فاحترام العقل هو قيمة من قيم الأخلاق.

 

وقال: لا جهل ولا تجاهل في الإسلام فاذا اعتذر الانسان عن سوء الأدب بالجهل فهذا لا يعذر.

 

والى تفاصيل ما قاله في الجزء الرابع من محاضرته التي القاها بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر في الحادي والعشرين من الشهر الماضي تحت عنوان (وثيقة الأخلاق في المدرسة الإباضية) يقول الدكتور ناصر السابعي في حلقته الرابعة من محاضرته: انتقل إلى محور آخر وهو المحور الرئيسي في هذه الجلسة وهو المعالم الأخلاقية في المنظومة الإباضية او المدرسة الإباضية.

 

أولا: الأخلاق في المدرسة الإباضية مرتبطة بالإيمان وهذا شيء مهم جدا .

الأخلاق جزء من الإيمان؛ لأن الأخلاق السلوك والقول عمل من الأعمال الصالحة مرتبط بالايمان لا يمكن ان يجعل شيئا هامشيا ليس الخلق شيئا مكملا او ثانويا او تحسينيا إنما الخلق ركيزة في فكر اصحاب هذه المدرسة وهو ركيزة في البناء الاسلامي بصورة عامة وهو مرتبط بالعمل فالعمل جزء من الايمان في المدرسة الاباضية ويدخل فيه اداء العمل الصالح اداء الفرائض وهذا جزء من الخلق لا يمكن ان يوصف انسان بالخلق وهو لا يؤدي الفرائض ويرتكب المحرمات ولا يمكن ان يوصف انسان بحسن الخلق وهو مرتكب الفواحش ويدخل فيه امراض القلوب ومنها الرياء والاعجاب بالنفس والحسد وحب المناصب هذه الأشياء عولجت في الفكر الاباضي بعمق لو رجعتم الى رسائل جابر بن زيد ترون فيها شيئا عجيبا في توجيهه لتلاميذه وطلابه في الابتعاد عن امراض القلوب يقول جابر بن زيد من ضمن رسائله:

(وأوصيك بتقوى الله الرب العظيم الذي يعلم منك ما تجهل من نفسك، والذي اطلع على ما يضمر قلبك، وما تختان عيناك، وما تبدي أو تخفي في نفسك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد. فانظر هذا الرب الذي نزل منك هذه المنزلة فكن منه أشد مخافة، وله أشد اتقاء من غيره، واعلم أنك إن أطعته رافقته في داره مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وأنك إن عصيته أدخلك نارا وقودها الناس والحجارة».

 

اعود مثلا الى كتاب قناطر الخيرات في الحديث عن هذه الأمراض وكيفية علاجها.

 

كل شيء يدعو إلى شكر الله

يقول ابن بركة: «والاعتبار بهذا القول وهذا المذهب، يدعو إلى الخضوع والشكر لله، ويذكر نعمته على من اعتبر به (فاعتبروا يا أولي الأبصار)».

 

والشكر اعتراف وعمل: «وأفضل الشكر أن تجتنب ما حرم الله عليك معصية من أنعم عليك، لأن حقيقة الشكر أن تجتنب سخط من أنعم عليك، وإن كان الشكر باللسان أن يقول: الحمد لله على ما أنعم علينا، فحسن، لأن الشكر هو الاعتراف بحق المنعم، والعمل بما أمر».

 

ويدخل في هذا الجانب ايضا ان الشكر جزء من الأخلاق: ان شكر الله على نعمه جزء من الأخلاق وان كفر هذه النعم والكفر بالله ابتعاد عن الأخلاق يقول الإمام جابر في الحديث عن الغرور مخاطيا احد تلاميذه عندما ارسل اليه انه عمل عملا او انه ولي وظيفة من الوظائف يقول: (وقد أتاني كتابك تذكر الذي ولاك الله من أهل عمان مما ابتلاك به، وتخبرني أنك حريص على الاقتصاد فيه. لعمري لئن فعلت ذلك لا يسعد به أحد غيرك، ولئن ضيعت ذلك ما يحمل وزر ذلك غيرك، فإن استطعت أن تبلغ بالذي أنت فيه الشرف عند الله وملائكته والمؤمنين، فإنه ليس من عامل يعمل على عمل فيقعد فيه فيأخذ بالعدل إلا أعطاه الله من شرف الآخرة على قدر شرف عمله. ولعمري لقد استعملت على عمل شريف إن لم يفسدك فيه الشيطان»

 

الأخلاق مرتبطة بالجانب المعرفي

وثانيا: الأخلاق مرتبطة بالجانب المعرفيفالأخلاق هي علم ومعرفة ولذلك ربط اصحابنا وعلماؤنا بين الآداب والأخلاق وبين العلم يقول العوتبي في كتابه الضياء: «وقلّ من تعجب بالعلم إلا كان فيه مقصرا أو مقللا، لأنه يجهل قدره، ويحسب أنه قد نال بدخوله أكثره، وأما من كان فيه مستكثرا، فهو يعلم من بعد غايته والعجز عن إدراك نهايته، ما يصده عن العجب به، ويحضه على الجهد في مزيد من التواضع! «وروي عن المعتمر بن عمارة - وكان من خيار من أدركته من المسلمين - أنه قال: حق على كل ذي دين أن يدين لله تعالى بكتمانه ما لم يحتج إليه».

 

أداء الفرائض من الأخلاق قال أبو سفيان محبوب بن الرحيل في الصلاة: «سمعت المعتمر بن عمارة - وكان من خيار من أدركته من المسلمين - يقول: ما لقي الله أحد ممن يقر بالإسلام، بذنب أعظم من ترك الصلاة متعمدا».

 

وترك الفواحش من الأخلاق وتربية النفوس على قبول الحق: قال أبو سفيان محبوب بن الرحيل القرشي: «استأذن عمارة بن حيان (عمارة بن حيان: يتيم عاش في حجر جابر بن زيد). على جابر، فقال: ارجع، فلما ذهب قال: ردوه، قال: أراك وجدت في نفسك! أما إنه أزكى لك إذ رجعت».

 

وثانيا: الأخلاق مرتبطة بالجانب المعرفي «ومن آداب العلماء: أن يتأدبوا بآداب الله قولا وفعلا، وأن تكون مضاهية أفعالهم».

 

و»العلماء على رتب وطبقات، ومنازل ودرجات، بعضها أرفع من بعض، كارتفاع السماء على الأرض، فالعالم حقا من أطاع الله في علمه، وأخلص عمله، وانتفع به متعلما، ونفع غيره معلما» ويقول: «والرباني والربي لا يسمى به إلا من كان عالما معلما عاملا معا. والراسخون في العلم هم الذين رسخ علمهم وإيمانهم كما رسخ الجبل في مكانه». التزام الجانب العملي والجانب الأدبي والأخلاقي في اهل العلم لا يمكن ان يفترقا.

 

ويقول ايضا العوتبي موضحا العلاقة بين العلم والعقل والأدب: «والعقل رأس الفضائل وينبوع الأدب، والعقل لا يكون عنده كثير نفع بغير علم وأدب، وإنما ينفع ويثمر بالعلم والأدب الذي يلحقانه» ويبين فوائد الأدب بقوله:» والأدب هو رياضة النفس على طاعة الله عز وجل، والأدب هو جلاء اللسان وجلالة الإنسان، وبه يصح البيان واتضح له البرهان، وهو مادة العقل وكمال الفضل، وفيه قوة العلم، وبه يقرب الفهم، ويجب أن يبتدئ به الإنسان ليقيم به اللسان» ويوضح (حاجة العالم لعلوم الأدب) بقوله: «وذلك أن من لم يكن للأدب عارفا، كان للعلوم مصحفا، وللكلام محرفا، فلا يخلو من تحريم حلال وتحليل حرام، إذ الصواب مضبوط بحركات الإعراب، وباللحن والتصحيف والتبديل والتحريف تكون الضعة (الضعة هي: المنزلة الدنية). والكفر معا» ويقول: «ومن آداب العلماء: نزاهة النفس والقناعة، وصون النفس عن الطمع والشناعة».

 

العقل لا يتحرك بشيء حتى تستعمله

في هذا الجانب يأتي احترام العقل فالعقل محترم لابد من كون العقل له دور في الجانب الأخلاقي في الإنسان فاحترام العقل هو قيمة من قيم الأخلاق.

 

«قال أبو محمد ابن بركة عن العقل: العقل له ترتيب، إنما هو كالميزان لا يتحرك بشيء حتى تضع فيه الشيء، فإذا وضعت فيه الشيء احترك بما فيه، وكذلك العقل لا يتحرك بشيء حتى تستعمله، فإذا استعملته احترك بالخير والشر». اذن لابد من استعمال العقل.

 

اتساع الفكر طريق لتحصيل العلم

ويقول أحمد بن عبد الله الكندي صاحب المصنف: «فمن لم يتسع صدره لتأمل المعاني النظرية والاعتبارات الهندسية، ضاقت حوصلته عن عرفان الحقائق، وانسدت عن عينه مناهج الطرائق، وفاته البلوغ إلى تحصيل الحقائق «هذا الجانب عن جانب العقل.

 

وهناك جانب آخر انه لا جهل ولا تجاهل في الإسلام: عرض على جابر بن زيد مسالة قضى فيها عبد الملك بن مروان رجل تزوج زوجة ابيه توفي ابوه ثم تزوجها هذا الانسان وبلغت المسألة عبد الملك بن مروان فامر بقتله فاخبر جابر بن زيد بذلك قال اصاب عبد الملك (لا جهل ولا تجاهل في الاسلام) اذن لا يمكن ان نلغي الجانب المعرفي في قضية الأدب والأخلاق ان ترتكز الأمور والأقوال والأفعال والأعمال على هذا الجانب المعرفي فالمعرفة مرتبطة بالأخلاق والآداب فاذا اعتذر الانسان عن سوء الأدب بالجهل فهذا لا يعذر ليس من العذر ان نعذر انسانا عن سوء ادبه بسبب عدم معرفته بالحقوق والواجبات.

 

ما يسع الناس جهله

قال أبو سفيان محبوب بن الرحيل: «والذي روى لنا عن جابر بن زيد، رحمة الله عليه، أنه سئل: ما يسع الناس جهله ؟ فقال: ما دانوا بتحريمه، ما لم يركبوه، أو يتولوا راكبه، أو يبرأوا من العلماء إذا برئوا من راكبه، أو يقفوا عنهم».

 

يقول الحضرمي في كتابه الدعائم:

فما عذري بجهلي عند ربي وهل أنا واجد في الجهل عذرا

 

العقل مناط التكليف

يقول الإمام عبدالله بن محمد بن بركة: «فالواجب على من آتاه الله حاسة العقل، وقطع بها عذره، أن يناصح بها نفسه فيما كلفه من حاجة نفسه، ومكنه من الأسباب المؤدية إلى درك ما ندب إليه وخص به، لأن أسباب العلوم ودلائل البنيان موقوفة على العقول، ومعلومة بها دون غيرها، فبزوالها يزول عنه الخطاب، ويسقط عنه العتاب، ويجب بصحته الثواب والعقاب».

 

الأخوة في الله أساس في التعامل

وثالثا: الأخوة في الله أساس في التعامل: يقول الشيخ الكندي في كتاب الاهتداء 161:» ومن رأينا، رحمكم الله، أن تعافوا الأعتاب التي بينكم، وأن تلاطفوا، وتعاطفوا، وتناصفوا، وتواصلوا بالحق، وما مضى عليه سلفكم بالتواضع لبعضكم بعضا، لا يرى أحد منكم لنفسه فضلا على أخيه، فإنها الآفة العظمى. ألا، ولا تحقروا صغيرا منكم، وخذوا بيده إليكم، وضموه إلى جماعتكم، وافزعوا جميعا إلى التوبة، فإنها مآلكم، والعصمة لكم، والكفاية التامة لجميعكم من جميع ما أشكل عليكم».

 

ويقول في موضع آخر: «وقد قيل: لو بقي بينك وبين أخيك كنسج العنكبوت، فلا تهتك سره».

حاول ان يبقى بينك وبين أخيك ولو مثل هذه الخيوط التي تتواصل بها مع الناس لا تقطع الانسان قطيعة نهائية ولو حدث بينك وبينه ما حدث.

 

أيضا يدخل في هذا عفة اللسان: وهي ترك السب والشتم والغيبة والنميمة في احدى الرسائل التي كتبها علماؤنا يقول: «فأول ما سير سيرته أظهر الشتم لمن سمعه من المسلمين، وسجع في ذلك سجعا، ولن نعجز عن السجع ولا عن الشتم، ولكن ليس من ديننا أن نسير السير بالشتم والسباب، وإنما نبين للناس الحق».

 

هذه الأوصاف والأحكام واطلاق المسميات والأسماء والسب والشتم كل انسان قادر عليه ولكن المهم في هذا الجانب ان نحفظ السنتنا وتكون عفيفة.

 

السب يوجب بدل الصيام

يقول محمد بن روح بن عربي: «وأخبرنا أبو الحواري رحمه الله، عن الصلت بن خميس رحمه الله، أنه أخبره عن محمد بن محبوب رحمه الله، أنه رأى على من قال لخادمه في غضبه: يا كلب، أن عليه بدل صوم يومه». وبذلك عندنا الغيبة والنميمة تفطران الصائم وتنقضان الوضوء وكذلك السب والشتم والكذب.

__________________________________________

جريدة عمان: نشرت بتواريخ الجمعة 1، 8 ، 15 فبراير، و1 مارس 2013م

 متابعة: سيف الخروصي