ربية الأبناء " قصتي مع مراهق"

نتيجة بحث الصور عن خلفان العيسري

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوعنا اليوم يتعلق في أبنائنا وبناتنا , وهم يمرون بهذه المرحلة الحرجة ، التي سمونها بمرحلة المراهقة , هذه المرحلة هي مرحلة مهمة في حياة الإنسان، والسؤال هو لماذا نجد أكثر أبناءنا في هذه المرحلة يمرون بمنعطف خطير؟؟ تكثر الشكاوى والنجوى من قبل أولياء الأمور , فتارة يقولون إن هؤلاء الأبناء متمردون , وتارة يقولون بأنهم انسلخوا من العادات والتقاليد , وتارة نسأل اسئلة لماذا لا يهتمون بدراستهم؟ لماذا يتكاسلون عن صلاتهم؟ لماذا لا يحبون القراءة؟ لماذا أبناؤنا وبناتنا ينسلخون من عقيدتهم ومن مبادئهم وقيمهم؟؟ لماذا يحبون التقليد الأعمى لغير المسلمين؟ لماذا ينجرون إلى كل ما استحدث من الصيحات؟ لماذا تراهم يتكاسلون عن الأعمال؟ لماذا يتهاونون في دراستهم؟ لماذا لا يحبون التجمع الأسري؟ لماذا يحبون مجالسة أصدقائهم؟ ولماذا يخوضون في مجازفات كثيرة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الخروج عن العادات والتقاليد؟؟ بل في بعض الأحيان يخوضون في أمور خطيرة كالمخدرات والجرائم والسرقات؟؟ لماذا يشتكي أولياء الأمور من أن أولادهم يحبون السهر في الليالي ويقضون نهارهم في النوم والكسل؟؟ لماذا نجد الأبناء في بيوت كثيرة لا يطيعون الأوامر ولنا أن نذكر أمثلة كثيرة على ذلك , ولكننا لسنا بمحل انتقاد الأبناء ولا لذكر العيوب التي يؤدونها في سلوكهم وفي أخلاقهم.

 

والسؤال هو : إن كانت جميع هذه الأسئلة تحتاج إلى جواب , فما هو الجواب الذي يجمع بين هذه الأشياء كلها؟ وكيف لنا أن ننهض بأبنائنا؟ كيف نستطيع أن نحمي أبنائنا من تيارات كثيرة يمرون عليها؟ كيف نستطيع أن نحافظ على أخلاقهم وعقيدتهم , ونعينهم على القيام بواجبهم تجاه ربهم , وتجاه انفسهم , وتجاه أهاليهم , وتجاه مجتمعهم , وتجاه وطنهم ؟ كيف نستطيع أن نعد أبنائنا حتى يكونوا متحملين لمسؤوليتهم الآن وفي المستقبل؟ كيف لنا أن نرقى بأبنائنا بأن يكونون ناجحين في دراستهم , وأن يكونوا نافعين لأنفسهم وأمتهم؟

 

أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب شافٍ كافٍ , ونقول بعون الله وتوفيقه بأن الكثير من أولياء الأمور مفاهيم المراهقة أغارت عنهم , فهم لم يفهموا معنى المراهقة كما ينبغي , وظنوا بأن السبيل الوحيد للتحكم في أبنائهم هو أن يكونوا جامدين معهم , وأن يتعاملون معهم بالقسوة , وتارة بالقهر , وتارة بالأوامر , وتارة بالعصا , وتارة بالضرب , وتارة بالكلمة الجارحة , وتارة بالسب , وتارة بأن يقللوا من شأن أبنائهم , بأن يقولوا ويأتوا بمصطلحات خطيرة التي تنبذ بالإنسان , كأن يقول أحدا لأبنائه : " أنته لا  فايدة منك , وأنت لا تنفع بشيء , وأخوك أحسن منك " ويأتي بمصطلحات كهذه ثم يكثر ولي الأمر العتاب واللوم , ويكثر النقد على هذا الابن.

 

نقول لهؤلاء ان هذه الطريقة منبوذة ؛ لأن نتيجتها خطيرة ووخيمة ,  فالأمر الأول : كثرة التحكم في أبنائنا , والإفراط في التحكم يؤدي إلى ما ليس يحمد عقباه ؛ لأن هذا الولد سيبحث عن متنفس خارج البيت , سيبحث عمن يواسيه خارج البيت , سيبحث عمن يؤمن به وبقدراته ويرفع من شأنه خارج البيت, وفي كثير من الأحيان إذا ما وجد تلك الصحبة , فإنها تأخذ به والعياذ بالله إلى مالا يحمد عقباه.

 

ثم هنالك فئة أخرى من أولياء الأمور ظنوا بأن توفير كل مستلزمات الحياة هو الأسلوب الوحيد لكسب أبنائهم , فذهبوا في التفريط من حيث توفير كل مستلزمات الراحة لأبنائهم , فتحوا المجال وأطلقوا الحرية لأبنائهم في أن يتصرفوا كيفما شاءوا , فلا سؤال ولا رقيب ولا يدرون كيف يقضوا أبنائهم أوقاتهم , أو مع من يقضوا أوقاتهم , ولا مع من يجالسون , ولا يهتمون كيف كان شأن هذا الابن في دراسته , وفي عبادته , وفي أخلاقه , وفي ملبسه , وفي حركاته وسكناته , ظنوا بأنهم إن وضعوا الثقة التامة في أبنائهم , فإنهم سيتحملون المسؤولية. فنقول لهؤلاء أولياء الأمور إن فعلتم ذلك فإن النتيجة والعياذ بالله تكون وخيمة ؛ لأن فترة النضوج لم تصل بعد ليستطيع هذا الابن أن يميز بين الحق والباطل , وبين الخير والشر , وبين الحلال والحرام .

 

ثم هنالك فئة أخرى من أولياء الأمور , أخذوا الأمور بوسطية , فهم بين إفراطٍ وتفريط , هم أخذوا الأمور بالوسطية من حيث وجّهوا أبنائهم ومع ذلك احترموا ذات هذا الشاب وهو في هذه المرحلة , فهموا ما يجري لأبنائهم وبناتهم فجعلوا من نفسه وأهله وسيلة لإعانة هذا الابن كي يتخطوا هذه المرحلة , فأهتموا في ثلاثة أشياء التي ساعدت أبنائهم أن يخرجوا من هذه المرحلة بسلام , بل وهم يحافظون على مبادئهم وقيمهم , ويحفظون على رصيدهم من العلم والأخلاق.

 

ماذا فعل هؤلاء أولياء الأمور مع أبنائهم وهذا هو المطلوب من الجميع؟

أولاً : كانوا هم القدوة في الأخلاق , كانوا هم القدوة في التطبيق , كانوا هم القدوة في المعاملة والصحبة , وكانوا هم القدوة في أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم.

 

الأمر الثاني : وجهوا أبناءهم إلى الأمر الصحيح , دون الإكثار من الأوامر, دون الإكثار من العتاب واللوم, دون الإكثار من النقد , فهم وجهوا أبناءهم من خلال الحوار الهادف , الحوار الذي يكون متصل بينهم , فهم يعلمون الصغيرة والكبيرة عنهم دون الخوض في خصوصيات أبنائهم , فهم لا يفتشون عن أبنائهم ولا يتجسسوا عليهم , ولا يجلسون مع أبنائهم جلسة المحاسبة على صغيرة وكبيرة , فتارة تجدون هؤلاء يذكرون قصص الناجحين فالحياة , حتى يتعلم ابنه من هذه القصص , وتارة يجد بأنه يسأل ابنه عن إنجازاته وعن الرصيد الذي حققه في حياته في معاملاته وأخلاقه , في دراسته , وفي عبادته , ومع ذلك تجد الحوار في أكثر الأوقات يتضمنه شيء من الحماس والتحفيز والتشجيع والثناء والاشادة حتى يجد هذا الابن الثقة بنفسه ويتحمل مسؤولياته.

 

الأمر الثالث الذي أفاد أولياء الأمور حتى وصلوا إلى مرحلة القدوة مع أبنائهم هم أنهم حمّلوهم المسؤولية منذ الصغر , علموا بأن هؤلاء الأطفال وهم مازالوا أطفالا عندهم القابلية في تحمل المسؤولية , وهو أمر مطلوب من الجميع , فمنذ نعومة أظفارهم علموا أولادهم تحمل المسؤولية في أنفسهم , وفي أخلاقهم وسلوكهم , وفي معاملاتهم وفي لبسهم وفي شربهم ودراستهم , فكانوا معينين لأبنائهم في تحمل المسؤوليات, وعلى محاسبة النفس فلا يحتاج رقيبا بعد الله في أن يكونوا على الخط المستقيم , فهو مدرك إدراكاً تاماً على ما ينفعه ويضره , وهو مدرك بأن القرار الذي يتخذه هو الذي سيجعل منه إنساناً ناجحٍ أو إنساناً فاشلاً في المجتمع.

 

عباد الله: أبناؤنا مسؤولية , أبناؤنا وبناتنا أمانة في أعناقنا , ذكر الله سبحانه وتعالى بأنهم هبة من الله فيجب الحفاظ عليها , وأن ندرك ماذا يحتاج أبناؤنا في هذه المرحلة الخطيرة , وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله .

وقبل أسابيع جاءني رجل واشتكى لي ابنه , وذكر كل الأخطاء التي يرتكبها ابنه , وقال بأن هذا الابن قد وصل إلى مرحلة خطيرة, ربما تؤدي به إلى الصحبة السيئةٍ ومنها إلى المخدرات والجرائم , فقلت له هل لنا أن نجلس معه بشرط أن يكون من الحاضرين الأب والأم والولد , فجلسنا جلسة ثم سألت الأب : أذكر لي مما تشتكي من ابنك؟ وبدأ يسرد القصة , ومن ضمن ما قاله بأن هذا الابن اصبح عاقاً لوالديه , فهو لا يحترم أباه ولا يوقّر أمه , بل في بعض الأحيان يرد عليهم بألفاظٍ بذيئة , وصل لمرحلة التمّرد بأنه لا يبالي في دراسته ولا في عبادته , كثير السهر , كثير النوم في النهار , لا يبالي لما يطبخ في البيت فهو يأكل في الخارج مع أصدقائه , ولا يعلمون أين يذهب , طرد من أكثر من مدرسة وهذا هو إنذار أخير من مدرسة أخرى وعمره لم يتجاوز الثالثة عشر .

 

هذا الكلام يقال والابن يستمع , ثم قلت للأب وللأم : هل لي أن تفسحوا لي المجال لخمس دقائق من أجل سماع ابنكم على انفراد؟  فقالوا : نعم نسمح لك , وقبل أن يتحدث الابن قلت له : دعني أحدثك , أعيد الكلام كي أفهمك , في نظري أنت تظن بأن والديك لا يفهموك فقال : نعم , وفي نظري أنك تظن كذلك أنهم لا يحترمونك قال : نعم , وقلت له وأنت تعتقد بأنهم لا يثقون فيك بتاتا قال : نعم , كذلك أنت تظن بأنهم يظنون بأنك ما زلت صبيا صغيرا لا تفقه شيئا , ولا تتحمل المسؤولية , ولا تعرف معنى المسؤولية , ولا الدراسة ولا العبادات ولا غيرها قال : نعم , وأنت إذا أردت الحوار معهم فالحوار طرف واحد , اتجاه واحد فقط يعطوا لك الأوامر وكثرة النصائح ولا يستمعون إليك قال : نعم , فما زلت أكرر جملة بعد جملة وفي كل جملة يقول نعم , ثم قال لي : أنت جلست معي ثلاث دقائق وفهمتني , وهم لم يفهمونني رغم أني أعيش بينهم , وجلسنا جلسة حوار , قلت لهم بأن هذا الابن يحتاج منكم إلى ثلاثة أشياء :

أول أمر : يحتاج إلى عناية والعناية تعني بأن تعتنوا به وهو يمر في هذه المرحلة , مرحلة التغيير من الطفولة إلى الرجولة , فزيولوجيا يتغير والهرمونات تتغير في جسمه , ومع تغير هذه الهرمونات لا يجد الطاقة , التغيير في الهرمونات يستنزف الطاقة , فهو إن بدا لكم خاملاً وكسولاً إلاّ أنه ليس برغبته , فالجسم يتغير , والعظام تنمو والهرمونات تتغير , وهذا كله يحتاج إلى طاقات , سُلبت منه الطاقة , فهو يحتاج إلى عناية من الحنان والحب والاحترام ومن التقدير.

 

الأمر الثاني : هذا الابن يحتاج منكم إلى تعزيز، بمعنى كلما ارتكب فعلاً ما وأنجز يحتاج إلى تعزيز , تعزيز في الأخلاق , تعزيز في الأداء , تعزيز في النتائج , تعزيز في كل ما هو ينجح فيه , فإن صلّى عزز ذلك بمبادرة بمكافئة , وإن قام بواجبه في الدراسة عزز ذلك بإشادة , إن بدا محترماً في البيت فعزز ذلك بكلماتٍ إيجابية , والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول "أعينوا أولادكم على بركم" إذن هو محتاج إلى تعزيز.

 

النقطة الثالثة : يحتاج إلى الثقة منكم فحمّلوه مسؤولية , شاركوه في أمور البيت , اجعلوه يتحمل مسؤولية الدراسة والعبادة والأخلاق , وبعض الواجبات المنزلية , دعوه يتحمل المسؤولية وشاركوه في المسؤوليات , إن فعلتم ذلك كسبتم ابنكم , وإن لم تفعلوا ذلك سيبحث من يعتني به , ومن يعزز قدراته وطاقاته وإنتاجاته , ومن يحمّله المسؤولية خارج البيت , وربما تكون الصحبة السيئة .

 

ثم ختمنا الحديث باستراتيجيتين مهمتين :

أولاها : أتفقنا مع الأسرة بأن يتجنبوا ثلاثة أشياء ويبدأوا بثلاثة أشياء، ثلاثة أشياء ينبغي أن يتجنبها ولي الأمر في التعامل مع أبنائه وبناته , ثلاثة أشياء مجتمعة في كلمة واحدة تذكروها كلمة \" نمل\" حاربوا النمل القاتل , نمل ثلاثة أحرف وكل حرف له مغزى :

حرف النون : قللوا من النقد , لا تكثروا الانتقاد لأبنائكم وبناتكم , فإنه يقلل من الثقة بالنفس ويجعل الإنسان مهزوما ومهزوزاً من الداخل.

حرف الميم : تجنبوا المقارنة مع الأخرين , لا تقارنوه بإخوانه الصغار , لا تقارنوه بأولاد الجيران وأولاد فلان وعلان , كلنا ولد متميزا مختلفا عن الأخر , والمقارنة الوحيدة المسموحة هي بين القدرات والأداء , ما استطيع وماذا افعل.

حرف اللام : تجنبوا اللوم وكثرة العتاب , بأن يقول الأب أنا وفرت لك الأكل والمسكن , أنا أعمل وأكدح من أجلكم وأنت غير مهتمين!! كثرة هذا الكلام يحسس الابن بالذنب وهذا خطير كذلك , فالنقد والمقارنة واللوم يسبب العلاقة بأن تكون سلبية وخلق فجوة تكون كبيرة بيننا وبين أبنائنا .

 

والسؤال هو إن كان مجتمعنا في كثير من الأوقات يكثر فيه النقد والمقارنة واللوم نستبدلها بكلمة أخرى تسمى ب\"نحل\" رحبوا بالنحل. نحل ثلاث أحرف وفيها ثلاث كلمات :

حرف النون : ركزوا على النجاح , كلما نجح هذا الابن أو هذه البنت عززوا ذلك بالثناء و بالإشادة وبالفرح والسرور والابتهاج والحمد والشكر والثناء , كأن لبست البنت الحجاب وعمرها ثمانية سنوات , قولوا لها ما شاء الله أنت أميرة بهذا اللباس , واظب هذا الولد مدة اسبوع على الصلاة قل ما شاء الله هذه صفات المتقين , هذا الابن قام بحل واجباته المدرسية قل له ما شاء الله هذه صفة من صفات الناجحين , كلما عمل أمر إيجابي عززوه بالإشادة.

حرف الحاء : هو حسن الخلق في التعامل مع الأخرين , ونبدأ بأبنائنا وبناتنا , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : \"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق\" ويقول صلى الله عليه وسلم : \"أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا\" فلماذا نكون عنيفين وخشنين مع أبنائنا وحسن الخلق نجده خارج البيت , فلنبدأ من بيوتنا , خيركم لأهله.

حرف اللام : كن لينا مع أبنائك \ "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك \" فاللين مطلوب في كثيرٍ من الأوقات , وخاصة نحن نتعامل مع أبنائنا مع فلذات أكبادنا .

 

فلنحارب النقد والمقارنة واللوم , ولنرحب بالنجاح وحسن الخلق واللين في التعامل معهم , إن فعلنا ذلك مع المراهقين فإنهم سيجتازون هذه المرحلة الخطيرة بنجاحٍ وبأمانٍ وبفوزٍ وفلاح , ثم بعد ذلك نسعد بنجاحهم في حياتهم , في دينهم وأخلاقهم  وفي دراستهم ومعاملاتهم , فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أنها مسؤولية , وادعوا الله سبحانه وتعالى بدعاء المتقين \"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعينٍ وأجعلنا للمتقين إماما" .