طباعة
المجموعة: التربية والمربون
الزيارات: 2465

نتيجة بحث الصور عن الخليلي

مجموعة لقاءات في التربية والأخلاق مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، نشرت في روضة الصائم: ملحقٌ بجريدة عمان في رمضان عامي 1431هـ ، 1432هـ، قام موقع القبس بجمعها لكم هنا لتعلم بها الفائدة.

وقع العبادة في النفس

 

العبادة هي ضريبة العبودية لله سبحانه وتعالى فالعبد لا ينفك عن العبودية لله فإن الله هو مالكه وسيده ومصرف أرمه هو ربه الذي أخرجه من العدم إلى الوجود وأفاض عليه صنوف النعم وبسط له ما بسط من الكرم وآتاه ما آتاه من الخير وهداه النجدين وعرفه بحقيقة الحياة وبمطالب نفسه وضروراتها ليكون حرصا على مصلحة نفسه والله سبحانه وتعالى بين أن العبادات جميعا تفضي إلى تقوى الله سبحانه وتعالى فقد قال سبحانه وتعالى:

 

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وقال سبحانه وتعالى مبينا حكمة الصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وقال في الصلاة (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) وهذه حقيقة التقوى وقال في الزكاة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وهذه أيضا هي حقيقة التقوى وقرن الحج في مواضع كثيرة بذكر التقوى فقد قال سبحانه وتعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)،

 

ثم قال بعد ذلك (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) وقال (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) وقال في البدن (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) وقال سبحانه وتعالى أيضا (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) كل ذلك مما يدل على أن هذه العبادات جميعا مرتبطة بالتقوى وبتقوى الله تعالى يسود الاستقرار فيما بين الناس ويحصل الانسجام وتحصل مراقبة النفس حتى لا تقع في أي مخالفة من مخالفات أمر الله تعالى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 1 شوال1431هـ . الموافق  10 سبتمبر 2010م.

 ***********

كيفية تحقيق التوبة

 

التوبة إلى الله تعالى مطلب ضروري لا بد للإنسان من أن يتوب في جميع أحواله حتى ولو كان يرى أنه أتى الأعمال الصالحة واجتنب الأعمال السيئة فان الله تعالى حث المؤمنين وحظهم على التوبة عندما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ).

 

فالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى يجب على الإنسان ألا يفرط فيها في جميع الأوقات فعليه أن يختم أعماله في كل يوم من الأيام بالتوبة إلى الله والتوبة إنما هي الندم على فعل المعصية والإقلاع عنها وعقد العزم على عدم العودة إليها وطلب مغفرتها من الله تعالى وهو المعبر عنه بالاستغفار فان الاستغفار انكسار من العبد بين يدي الله تعالى وخضوع له وشعور بافتقاره إليه وأن الله سبحانه وتعالى غني عنه وان فضله سبحانه وتعالى فضلا واسعا ومن فضله أن بسط له التوبة ويسرها له وأعانه عليها وان الله سبحانه وتعالى جعل لكل ذنب توبة كما يدل على ذلك قوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ».

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 29 رمضان1431هـ . الموافق  9 سبتمبر 2010م.

***************

ليلة القدر وما ينبغي عمله لتحريها

 

ليلة القدر هي كاسمها ليلة ذات شأن عظيم لأن الله سبحانه وتعالى أضافها إلى القدر ولا ريب أن القدر يدل على الشأن العظيم والجسامة والعظة والله سبحانه وتعالى اختص هذه الليلة بان جلها ميقاتا لنزول كتابه على قلب عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ووصفها بسبب ذلك بأنها ليلة مباركة عندما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) وسماها ليلة القدر وانزل فيها سورة بأسرها تدل على عظم شأنها عندما قال سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

 

وجاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مبينا أن قيام هذه الليلة سبب لغفران جميع ما تقدم من الخطايا فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

 

ولا غرو فان الله تعالى جعلها خيرا من ألف شهر أي من الشهور التي ليست فيها ليلة القدر فهذه الليلة تفوق ألف شهر في خيرها فمن أحياها بالتهجد والقيام وذكر الله تعالى وتلاوة كتابه والمسارعة إلى طاعاته كان أجرها كأجر قيام ليالي ألف شهر من غيرها فلذلك يجب على الناس أن يتنافسوا فيها وهي في أوتار الشهر الكريم لا سيما العشر الأواخر منه فقد أخفاها الله تعالى في تضاعيف هذا الشهر المبارك من أجل أن يحرص الناس على قيام ليالي الشهر جميعا ولا يفوتوا ذلك حرصا على قيام ليلة القدر وحدها فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مبينا خفاءها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر فجدير بالإنسان أن يحرص على قيام ليالي الأوتار في شهر رمضان المبارك بل في العشر الأواخر خاصة مع الحرص على القيام في جميع ليالي رمضان حتى لا يفوت الإنسان خير هذا القيام.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 28 رمضان1431هـ . الموافق  8 سبتمبر 2010م.

**************

أحب الأعمال إلى الله

 

الأعمال جميعا لا بد من أن تكيف وفق مقتضيات الشرع ولابد من أن يحرص الإنسان على الأولويات فيها فالعمل الذي هو أحب إلى الله تبارك وتعالى هو ما فرض على عباده من البر الذي يجب عليهم أن يتنافسوا عليه فكل عمل يقربه إلى الله وكل عمل فرضه الله عليه فهو يجب عليه أن يحرص عليه وأن يبادر إليه وألا يفرط فيه هذا مع التنافس في مضمار الفضائل بقدر ما يسمح له ويتمكن منه فإن الله سبحانه وتعالى جعل الناس يتفاوتون بقدر تنافسهم في مضمار الخير فقد قال سبحانه وتعالى ((وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )).

 

والأعمال تتفاوت بقدر آثارها في النفس وبقدر آثارها في المجتمع والأمة والجنس فكل عمل يكون نفعه أبلغ وعاقبته أحسن فإنه أقرب إلى رضا الله سبحانه وتعالى ويجب على الإنسان أن يبادر إليه وأن يحرص على إتيانه وأن ينافس فيه المتنافسين وأن يحرص دائما على أدائه على أحسن وجه .

 

ولا ريب أن الأعمال التي تجعل الإنسان في مجتمعه يثمر الخير الكثير هي أعمال كثيرة منها بسط المعروف ومنها تعليم العلم النافع ومنها إعانة المحتاجين إلى غير ذلك من أنواع الأعمال التي تجعل الإنسان يسهم في النهوض بمجتمعه وفي تبصير مجتمعه وأمته والجنس البشري جميعا بالخير لأجل أن يحظى بفضل الله تعالى ورحمته.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 27 رمضان1431هـ . الموافق  7 سبتمبر 2010م.

***************

كيفية تحقيق الرضا بما قسم الله

 

الرضا بقسمة الله تعالى أمر تطمئن به النفس ويسكن به القلب ويزول به الاضطراب ويؤدي إلى رفع الحسد عن الناس لأن حكمة الله تعالى اقتضت أن يكون الناس متفاوتين في جميع مواهبهم الظاهرة والباطنة الدنيوية والدينية وقد أعطى الله سبحانه وتعالى لكل أحد نصيبه وهذه حكمة الله وعلى الإنسان أن يشعر أن الله سبحانه وتعالى من عليه بنعم كثيرة فإن كان حرم من بعض نعم هذه الحياة فكم بسط له من نعم عليه أن يستذكر أن الله تعالى وهبه الحياة والحياة طافحة بالنعم ووهبه الله سبحانه وتعالى الحواس وهي أيضا من نعم الله تعالى الجلا عليه وقد وهبه الله سبحانه وتعالى الهداية بإيقاظ ضميره وتعريفه بالواجب عليه وتبصيره بما يأتي ويذره في هذه الحياة لتكون الحياة كلها حياة بناءة ويفوز من بعد بخير الدار الآخرة.

 

على أن كل ما يحرمه الإنسان في هذه الدنيا أن رضي بقضاء الله تعالى في ذلك وقرت عينه بما قسم الله تعالى له يعوض عنه خيرا عظيما في الدار الآخرة وكل ما يعطاه في الدنيا لا يساوي شيئا بجانب ما يدخر له في الدار الآخرة إن أحسن التصرف فيما أعطي له وشكر الله تعالى على نعمه وحرص على طاعته فان الدنيا لا تساوي بجانب الآخرة شيئا فقد قال الله تعالى ((وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )).

 

الله سبحانه وتعالى ضرب الأمثال الكثيرة التي تبين الفرق بين قيمة هذه الدنيا وقيمة الدار الآخرة وحسب الإنسان أن الدنيا فانية والآخرة باقية فالدنيا لو كانت من ذهب والآخرة من تراب لكان جديرا بالإنسان أن يحرص على خير الآخرة لأجل بقائها وفناء الدنيا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 26 رمضان1431هـ . الموافق  6 سبتمبر 2010م.

***************

أثر التواصي في الرقي بالمجتمعات

 

التواصي بالخير ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية السليمة التي يفوز صاحبها بخير الدنيا والآخرة فإن الله سبحانه وتعالى جعل التواصي بالحق والتواصي بالصبر من أسباب نجاة الإنسان من الخسران وقرن ذلك بالإيمان والعمل الصالح عندما قال عز من قائل: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

 

ولا ريب أن التواصي بالحق أمر واسع ، كثيرة أبوابه كثيرة مداخله ومخارجه فإن كل خير يعود على الفرد أو على المجتمع أو على الأمة أو على الجنس البشري التواصي به يكون من التواصي بالحق فمن التواصي بالحق أن يتواصى الناس بالاستمساك بدين الله تعالى الحنيف وأن يتواصوا بتحسين العلاقات فيما بينهم وإقامتها على أساس النظام الشرعي الذي يعطي كل ذي حق حقه والتواصي بالتعاون بينهم من أجل النهوض بالأفراد والنهوض بالمجتمع والأمة جميعا من أجل أن تتبوأ الأمة مكانها اللائق بين الأمم وأن تكون فاعلة في هذه الحياة ذات أثر حضاري في كل جزئية من جزئيات الحياة.

 

ولا ريب أن كل ذلك يستوجب صبرا ومصابرة فلذلك كان التواصي بالصبر أمرا لابد منه إذ لم يكتف الحق سبحانه وتعالى بذكر التواصي بالحق حتى قرن ذلك بالتواصي بالصبر فإن الحياة لا بد من مواجهة لأنوائها وشدائدها وكذلك الأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان لا بد من أن يصبر ويصابر عليها وفطم النفس عن شهواتها ورغباتها التي تنحدر بها إلى الحضيض . ولا بد أيضا من أن يقترن بالصبر حتى يقوى الإنسان على لجم نفسه عن هذه الشهوات الدنيئة والسير بها في الطريق الصحيح.

 

ـــــــــــــــــــــــــ

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 25 رمضان1431هـ . الموافق  5 سبتمبر 2010م.

***************

الشكر وبناء المجتمعات

 

الشكر أداء للحق اللازم واعتراف بالجميل وإحساس بعظم النعمة والله سبحانه وتعالى أولى أن يشكر لأن كل ما يصيب الإنسان من خير وما يحيط به من نعم وما يكتنفه من رعاية فإنما هو من الله سبحانه وتعالى فقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده الذين يشكرونه بالمزيد من الخير فقد قال عز من قائل( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ).

 

ولا ريب أن الشكر يقابله الكفر فالشكر هو إظهار للنعمة والكفر هو طمس لها والإنسان حري بأن يظهر نعمة الله التي أنعمها عليه ويعترف بلسانه بأنه سبحانه وتعالى بسط عليه نعمته ويتمتع بالرضا بما قسم له الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة ويسارع مع ذلك على استخدام هذه النعم جميعا في طاعة الله سبحانه فإن الشكر كما يكون باللسان يكون أيضا بالجوارح ويكون أيضا بالجنان فالشكر هو أن يسخر الإنسان جوارحه لطاعة من أنعم عليه ويطفح قلبه بالشعور بهذه النعمة التي بسطها الله تعالى عليه فيؤدي ذلك إلى أن يكون حريصا على تواضعه لمن أنعم عليه بهذه النعم ومن أعظم نعمة من الله سبحانه وتعالى الذي جعل كل ذرات الوجود نعما على عباده أسبغها عليهم.

 

وشكر الناس هو أن يعترف بجميلهم وأن يحسن إليهم كما أحسنوا إليه وهو أيضا مما يقوي شكره لله سبحانه وتعالى فإنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 24 رمضان1431هـ . الموافق  4 سبتمبر 2010م.

****************

تجليات النفس المطمئنة

 

إن النفس المطمئنة تكون بقضاء الله وقدره راضية مستقرة ساعية إلى الخير حريصة عليه بعيدة عن الشر وآثار ذلك تنعكس في معاملاتها مع الآخرين، هذه النفس تكون نفسا غير مزلزلة في تعاملها بل تثبت على منهج واحد وهو المنهج الصحيح منهج الحق الذي جاء به القرآن وجاءت به السنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام فلذلك لا يصدر منها ظلم في حق أحد ولا يصدر منها أيضا توفير لأحد على حساب أحد غيره بل كل أحد ينزل منزلته ويعطى حقه كاملا غير منقوص وبهذا تكون الحياة حياة اطمئنان وحياة استقرار فيما بين الناس لأنه يقضي على الظلم فيها ويقضى على كل أسباب الشقاق والنزاع فعندما تكون النفوس بهذه الحالة يسودها الحب والوئام ويشملها الانضباط في كل تصرفاتها وفي كل أعمالها ويظهر أثر اطمئنانها في تفاعل النفوس الأخرى معها فإن طبيعة النفس البشرية أن تنسجم مع ما يؤلفها وأن تنفر مما ينفرها فإذا ساد الاطمئنان نفوس الناس وكان كل منهم ذا نفس مطمئنة هدأت الحياة عندهم واستقرت الأوضاع وترتبت لصالحهم وانتظمت شؤونهم كلها.. «الوئام والمودة والحنان».

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 23 رمضان1431هـ . الموافق  3 سبتمبر 2010م.

************

التعامل مع المحن

 

المحن تتحول إلى منح عندما يتلقاها الإنسان برحابة الصدر وقوة اليقين وسعة الإيمان ويدرك أنها جاءت من عند الله تعالى جاءت لابتلائه واختباره فيحرص على أن ينجح في هذا الاختبار والابتلاء وآيات الكتاب العزيز تذكر الإنسان بأن كل ما يصيبه إنما هو من قبل الله تعالى فقد قال تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون)،

 

ويقول سبحانه وتعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وبهذا يتغلب الإنسان على المحن بل تتحول عنده إلى منح عندما يتكيف معها تكيفا يجعله يقوى إيمانه وتقوى صلته بالله سبحانه وتعالى ويحاسب النفس على ما قدمت وأخرت ويحرص على تقوى الله وبره لأنه يدرك أن كل ما يسخط الله من بلاء أو يصيبه من أذى فإن أصله صادر عنه وقد قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) فيهرع الإنسان دائما عند ما يواجه لأواء أو يقاسي من شدة إلى محاسبة النفس وترويضها على قبول قضاء الله وقدره والتكيف مع منهاج طاعته لتنعم ببرد الرضا وحلاوة الإيمان ونعمة التسليم ولتكون هي منضبطة بضوابط الأحكام الشرعية سائرة في درب الهداية إلى مرضاة الله تعالى.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 22 رمضان1431هـ . الموافق  2 سبتمبر 2010م.

**************

علاقة الحياء بالإيمان

 

يوضح سماحة الشيخ أحمد الخليلي في هذه الحلقة قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الحياء شعبة من الإيمان) ومتى يكون الحياء مطلوبا ومتى يكون ممنوعا فيقول: الإيمان يشتمل على الأخلاق وعلى الأعمال والأقوال والاعتقاد وهذا ما بينه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال (الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان فهو عليه أفضل الصلاة والسلام رمز إلى كل هذه الجوانب بما ذكره هنا من الأمثال فقد رمز إلى الاعتقاد والقول بقوله أعلاها كلمة لا إله إلا الله ورمز إلى العمل بقوله وأدناها إماطة الأذى من الطريق ورمز إلى الأخلاق بقوله والحياء شعبة من الإيمان .

 

ولا ريب أن الحياء هو الشعور بالاضطراب عندما يكتشف من الإنسان شيئا يخل بما يريده ان يتصف به من مكارم الأخلاق فالحياء إذن انكسار في النفس سببه قوة الدافع من حياته بالشعور حتى يحس بالانقباض عندما يكتشف منه مالا يرضى بروزه للناس أو اتصافه به.

 

والحياء محمود عندما يكون انقباضا عن الأعمال السيئة والأخلاق الذميمة وإنما يذم عندما يكون مانعا من مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال وحسن العبادة وأداء الفرائض والقيام بالواجب والمسارعة إلى الطاعات عندما يكون الحياء مانعا من ذلك لا ريب انه في هذه الحالة يكون مذموما ولا يكون ممدوحا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 21 رمضان1431هـ . الموافق  1 سبتمبر 2010م.

************

علاقة الشباب والفراغ والجدة بالفساد

 

الإنسان كثيرا ما يغتر بالجدة ويتأثر بالخير الذي يحيط به ويغتر بنعيم الحياة وفراغها فلذلك قال الشاعر:

 

إن الشباب والفراغ والجدة .... مفسدة للمرء أي مفسدة

 

فالفراغ والشباب دافع إلى كثير من الورطات عندما لا يكيفه الإنسان تكييفا صحيحا وفق نواميس الحياة ووفق شريعة الله سبحانه لذلك كان الإنسان بحاجة إلى أن يتغلب على هذه الجوانب كلها فنحن نرى بان الشباب كثيرا ما يدفع الإنسان إلى اتباع الشهوات والتهام الملذات فان اجتمع ذلك مع الفراغ ومع الجدة أي اليسر كان ذلك سببا للاندفاع وراء رغبات النفس ونزواتها وكان ذلك باعثا لعدم التفكير في العواقب والله سبحانه وتعالى بين خطورة الجدة عندما قال (( كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)) فلذلك على الإنسان أن يتغلب على هذه النزعات وان يكيف هذه الجوانب تكييفا وفق شريعة الله تعالى ووفق نواميس هذه الحياة حتى تكون جميع طاقاته بناءة وجميع مواهبه تؤدي إلى ما فيه المصلحة في دينه ودنياه .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 19 رمضان1431هـ . الموافق  30 أغسطس2010م.

***************

العلاقة بين الإيمان والسلوك

 

السلوك ينبثق من إيمان الإنسان فبقدر ما يكون إيمانه صحيحا ويقينه صادقا وصلته بالله تعالى قوية يكون سلوكه على النهج الصحيح والله سبحانه وتعالى ربط بين الإيمان والعمل في آيات القرآن فكم من آية جاء فيها ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات وكذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يصف المؤمنين بالاستقامة في جميع الأحوال فهو القائل (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ويقول سبحانه وتعالى أيضا (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

 

وبين سبحانه وتعالى الارتباط ما بين الإيمان وما بين السلوك في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

 

ثم بين كيف تكون أوصاف هؤلاء المؤمنين فقال (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

 

فلا بد من أن يستجمع المؤمن ما بين هذه الخصال جميعا.

*************

أثر العبرة بالماضي

 

المؤمن ينظر في حاله وفي مآله وفي ماضيه كما يفكر في أحوال غيره فهو يفكر في أحوال الأمم وماذا طرأ على هذه الأمم وكيف بادت بعد وجودها وذلت بعد عزتها وافتقرت بعد غناها وامتحت رسومها وآثارها لذلك يحرص المؤمن دائما على أن يكون موصولا بالله لأنه لا يرى الحياة محصورة في هذا الواقع الذي يعيشه في هذه الدنيا بل لهذه الحياة امتداد فيما بعد فإن الدار الآخرة هي المنقلب وفيها يلقى كل إنسان جزاءه ويحرص الإنسان على أن يتصرف تصرفا يرضي الله سبحانه وتعالى في كل أعماله وفيما يصدر منه فالمؤمن دائما يكون موصولا بالله سبحانه وتعالى ويستفيد من العبر التي هي من حوله والتي كانت في الأمم الماضية والتي أيضا ستأتي من خلال معرفته بتقلبات الدهر وصروفه فالله سبحانه وتعالى يقول (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ).

 

وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى مصير القوم الظالمين فرعون وآله اتبع ذلك قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 17 رمضان1431هـ . الموافق 28 أغسطس2010م.

***********

الهموم والأحزان أسباب وعلاج

 

الإنسان عرضة للتقلب بين الفرح والحزن والراحة والتعب واليسر والعسر والمكره والمنشط والله سبحانه وتعالى جعل للمؤمنين قوة تجعلهم يتغلبون على هذه الأحوال فعندما يكون الإنسان موصولا بالله سبحانه وتعالى يتلقى كلَّ ما يأتيه من قبل الله سبحانه وتعالى برحابة الصدر ويدرك أن ذلك إنما هو لأجل أن يطمئن الإنسان ومن أجل أن يصل بعون الله وتوفيقه إلى النجاح المطلوب فكل ما يأتيه من قبل الله إنما هو امتحان واختبار من قبله تبارك وتعالى فلذلك يتلقى المؤمن هذا برحابة الصدر.

 

أما عندما يكون الإنسان همه الدنيا ورغبته في الاستكثار منها والمنافسة عليها فإنه ولا ريب يتأثر بكل ما يصيبه ولذلك يقع عرضة للأحزان من أجل الدنيا وعرضة للاضطراب النفسي فالإنسان جدير به أن يحرص على الصلة بالله سبحانه وتعالى وعلى التغلب على جميع مشكلات الحياة بيقينه أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له .

 

والمؤمنون بين الله سبحانه وتعالى أنهم دائما يحرصون على أن يستذكروا أمر الله ويتذكروا أنهم مصرفون بحكمه سبحانه وتعالى وأن منقلبهم إليه كما أن مبدأهم منه فالله تعالى يقول:(وبشر الصابرين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 16 رمضان1431هـ . الموافق 27 أغسطس2010م.

*************

مخاطر الغلو ج1

 

الغلو هو تجاوز الحد وهو المعبر عنه بالإفراط وكثيرا ما يعبر عنه في لغة العصر بالتطرف، فالغلو هو أن يتجاوز الإنسان الحدود كمثل الذين رفعوا عيسى ابن مريم عليه السلام إلى مرتبة الألوهية وقالوا بأنه هو الله أو أنه ابن الله فهؤلاء غالوا غلوًا عظيما، وأخرجوه من حدود العبودية، فما هو إلا عبد من عباد الله والغلو بطبيعة الحال يؤدي إلى الخروج عن دائرة الدين نهائيا عندما يتعدى الإنسان حدود الله سبحانه وتعالى فالغلو في الصالحين كثيرا ما يؤدي إلى الشرك، فالذين عظموا الأوثان كانت بداية تعظيمهم لها أنهم اتخذوا تماثيل من أجل أن تذكرهم ببعض الصالحين كما كان ذلك من قوم نوح عليه السلام الذين اتخذوا تماثيل تذكرهم بأسلافهم الصالحين من أجل أن يقتدوا بأفعالهم الخيرة ويسيروا على نهجهم الصحيح، ولكنهم لم يقفوا عند حدود الاعتدال فسرعان ما انقلبوا إلى الشرك، بحيث عظموهم تعظيما يخرج عن حدود ما جعل الله سبحانه وتعالى للإنسان من تكريم وتعظيم إلى أن رفعهم إلى مستوى الألوهية وعبدوا تماثيلهم من دون الله سبحانه وتعالى، وكان ذلك شركا أكبر وكان سببا لأن أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم نوحا عليه السلام الذي حاول أن يقضي على مظاهر الشرك وبقي يدعو قومه إلى الله سبحانه وتعالى ألف سنة إلا خمسين عاما، كل ذلك بسبب تأثير الغلو في النفوس، ومن الغلو أيضا أن يتجاوز الإنسان أحكام الله سبحانه وتعالى في أي شيء كان.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 14 رمضان1431هـ . الموافق 25 أغسطس2010م.

 

مخاطر الغلو ج2

 

يستكمل سماحة الشيخ الخليلي حديثه عن مخاطر الغلو فيقول: فمن الغلو أن يحرم الإنسان ما لم يحرمه الله تعالى عليه، فان في هذا من التشديد في الشرع ما يجعله في مصاف الشرك بالله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وقال سبحانه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) ويقول سبحانه (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) وبين سبحانه أن ذلك من شأن المشركين عندما قال (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقال سبحانه (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا).

 

فإذن الغلو بتعدي حدود أحكام الله تعالى أيضا هو فيه خطورة بالغة وكذلك الغلو بفرض أحكام لم يفرضها الله تعالى، فليس للإنسان أن يشرع فريضة من تلقاء نفسه يوجبها على نفسه أو يوجبها على غيره، فإن ذلك إنما هو من شان الله سبحانه وعلى الإنسان أن يقف عند حدود الله وألا يتجاوزها وهذا ما يدل عليه قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).

 

فكل شيء يخرج عن حده ينقلب إلى ضده، وعلى الإنسان أن يقف عند حدود الاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط، وذلك الذي أنزله الله تعالى في كتابه وكان عليه رسله وعلى رأسهم سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة السلام.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 15 رمضان1431هـ . الموافق 26 أغسطس2010م.

*************

أثر الأناة في الحياة

 

الأناة هي ألا يتعجل الإنسان في أمره وأن يتأنى في كل تصرف يتصرفه وأن يمعن نظره فيما يحاول أن يقدم عليه.

 

ومن المعلوم أن هذه الأناة تدعو الإنسان إلى أن يتريث كثيرا قبل أن يقدم على أي خطوة حتى يعرف عواقبها بحيث لا يضع قدمه في موضع إلا ويعرف كيف يضع القدم الأخرى فيما بعد تلك الخطوة وهكذا يؤمر الإنسان أن يصبر ثم إن الأناة تدعو الإنسان إلى أن يحرص دائما على ألا يتعجل أيضا في اتخاذ القرار المضاد لأي تصرف حصل من قبل أي شخص كان حتى يعرف عاقبة ذلك ويعرض ذلك أولا قبل كل شيء على الشرع الشريف حتى يتبين خير ذلك من شره وكذلك إذا كان هناك تجاذب بين فعل ذلك وتركه يعرض ذلك على عقله ليدرك كيف تكون عاقبة هذا التصرف الذي يتصرفه وبهذا يدور الإنسان في إطار السلامة ويبتعد عن أسباب الندامة فإن الإنسان كلما تريث في أمره كان ذلك سببا لسلامته إذ سرعة الخطى تؤدي إلى العثرات وكثيرا ما يكون الكلام الذي يتحدث به الإنسان أو القرار الذي يتخذه عندما يكون ارتجاليا يؤدي به إلى عاقبة وخيمة وقد قال الشاعر قديما:

 

يصاب الفتى من عثرة من لسانهِ

وليس يصاب المرء من عثرة الرجلِ

فعثرته بالقول تذهب رأسه

وعثرته بالرجل تبرى على مهلِ

 

فعليه أن يتريث قليلا فيما يقوله وفيما يعمله ليصل إلى العاقبة المحمودة من خلال قوله وعمله.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 13 رمضان1431هـ . الموافق 24 أغسطس2010م.

أهمية التفكر

 

من المعلوم أن التفكر في الكون والنظر في آيات الله تعالى التي تتجلى في كل ذرة من ذراته من أهم ما يرسخ الإيمان في النفوس ويقوي صلة المخلوق بالله سبحانه وتعالى ونحن نجد في كتاب الله تعالى ما يدل على هذا فقد قال عز وجل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فالإنسان مأمور وهو يفتح عينيه على هذا الكون الواسع ويرى تجليات الآيات الإلهية الكبرى في كل شيء منه أن يمعن نظره فيما يرى وأن يحس أن وراء هذا الكون مكونا وأن يحس أن القدرة التي تسيطر على هذا الكون وتدبره هي قدرة عظيمة لا تكتنه.

 

ولا ريب أن الإنسان في كل ما يفتح عليه عينيه من خلق الله تعالى في هذا الوجود عبرة باهرة فحسب الإنسان أن ينظر إلى خلق نفسه فقد خلقه الله سبحانه وتعالى من تراب ثم كونه بعد ذلك من نطفة ثم طوره طورا بعد طور حتى خرج بشرا سويا يفكر ويعقل ويمعن ويبصر ويسمع ويتصرف ويدبر فهذا كله مما يدعو الإنسان إلى أن يحس بافتقاره إلى الله سبحانه وتعالى ويحس بعظمة الخالق سبحانه وتعالى ويحس بان قدرة الله تعالى فوق كل شيء وان عظمته تحيط بكل شيء وانه سبحانه وتعالى وراء كل حركة في هذا الكون كما قال الشاعر:

 

ولله في كل تحريكة وتسكينة ابدا شاهد

 

والقرآن الكريم كثيرا ما دعا إلى التفكر وجعل الآيات التي تتجلى للناس سواء في خلق الله تعالى وتكوينه أو في وحيه وتنزيله هي للذين يتفكرون (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ويقول (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون)

 

قد تكرر هذا في كتاب الله تعالى ليدعو الإنسان إلى النظر في ملكوت الله سبحانه وتعالى كما أن صروف الدهر وتقلباتها بين رفع وخفض وعطاء ومنع ووهب وسلب كل ذلك مما يدعو الإنسان إلى التفكر في صنع الله تعالى في هذا الكون وتدبيره لهذا الوجود وتصريفه لكل شيء فيه فذلك يقوي الإيمان ويرسخ العقدية ويفتح للنفس آفاقا واسعة ويجعل صلة الإنسان بربه سبحانه وتعالى صلة متينة والله تعالى المستعان.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 12 رمضان1431هـ . الموافق 23 أغسطس2010م.

*************

كيف يتعامل الإنسان مع الحياة

 

في ظل الظروف الراهنة والشبهات المنتشرة في المعاملات وغيرها فإن الإنسان عليه أن يتعامل مع الحياة بالالتزام التام بالنهج الصحيح والبعد عن مضان الريب والحرص على الحلال من الرزق وتكييف هذه الحياة وفق مقتضيات الشرع والرسول صلى الله عليه وسلم بين كيف يكون الحذر من الشبهات والبعد عنها عندما قال الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه إلا وإن لكل ملك حمى إلا وإن حمى الله محارمه إلا وإن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.

 

فالإنسان مطالب بأن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يتجنب كل ما فيه شبهة وبهذا يستطيع أن يتجنب الحرام أما إن استمرأ الشبهات واتبعها وأخذ بها فلا ريب أن الأمر سينقلب إلى أن يحرم من الخير ويقع في محارم الله تعالى فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام كما أن الراعي الذي يرعى حول حمى معينا يوشك أن يقع في ذلك الحمى وهكذا من رعى حول الشبهات فإن حمى الله تعالى وهكذا من رعى حول المحارم واستمرأ الشبهات واستهان بها فأن محارم الله تعالى هي حماه الذي يجب ألا يقترب منه أي أحد وقد كان السلف الصالح حريصين على اجتناب المحارم بكل الوسائل كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة الوقوع في الحرام.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 11 رمضان1431هـ . الموافق 22 أغسطس2010م.

****************

حكم الاحتكار، وفيم يكون ؟

 

الاحتكار يمكن أن يكون في أي نوع من أنواع التجارة وهو من كبائر الإثم لأن كل ذنب ترتب عليه وعيد فهو كبيرة وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (المحتكر ينتظر اللعنة) وشدد النبي صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟ والأصل في الاحتكار أن يكون في المطعومات التي يحتاج إليها الناس في رزقهم ولكن عندما تشتد حاجة الناس إلى شيء أيا كان ويحتكره المحتكر فقد وقع في إثم المحتكرين ويكون بذلك من ضمن الذين يستحقون لعنة الله فعلى الناس أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن يبتعدوا عن الاحتكار فإن ذنب الاحتكار وترتيب اللعن عليه إنما هو بسبب أضراره الكثيرة التي تنقلب آثارها على الناس جميعا فعلى التجار أن يتقوا الله تعالى في تجارتهم وأن يحرصوا على الحلال من الرزق وعلى جميع الناس أن يحرصوا على دفع هذا العمل الشائن وأن يحرصوا على تنقية مجتمعاتهم من آثار هذه الانحرفات الشاذة البعيدة عن الحق.

وعلى أولياء الأمور أن يحرصوا أيضا على دفع هذا الفعل عن الناس بالقبض على أيدي المحتكرين ومنعهم من طاعة هوى نفوسهم فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل قادر عليهما وأولياء الأمور الذين بأيديهم الحل والعقد فهم أولى بهذا الواجب وهم أجدر بأن يقوموا بهذا العمل وقد بين الله سبحانه وتعالى أن قوام أمرة الأمة إنما يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجانب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 10 رمضان1431هـ . الموافق 21 أغسطس2010م.

***************

حث الإسلام على التعاون

 

الإسلام دعا إلى أن يتعاون الناس على البر والتقوى قال الله تعالى: {... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة:2).

                  

فكل أمر يؤدي إلى مصلحة العباد التعاون فيه مشروع بين الناس وكل أمر يؤدي إلى المضرة بأحد أو التفكك فيما بين الناس أو القطيعة فيما بين الأقربين أو القطيعة بين المجتمع الواحد أو انتشار الفساد في الأرض فإنه بطبيعة الحال ينهى عن فعله إذ التعاون فيه إنما هو من التعاون على الإثم والعدوان لذلك كان على المسلم أن يتقي كل ما يؤدي إلى المضرة بأسرته أو المضرة بمجتمعه أو المضرة بجنسه أو المضرة بأمته لأن ذلك مما يتنافى مع أمر الله سبحانه وتعالى من النظر إلى مصالح الأمة وتقديم هذه المصالح على غيرها في كل المجالات فالمصالح المشتركة يجب أن تكون نصب أعين الجميع وأن يكون التعاون في إطارها ما بين الناس جميعًا وكل واحد يدعو إلى ذلك عليه أن يكون مثالا للسبق إلى التضحية بكل ما يمكنه من التضحية براحة النفس وإلى التضحية بالمال وإلى التضحية بكل غالٍ وثمين فسبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة من أجل أن يكون المجتمع مجتمعًا صالحًا متعاونًا على البر والتقوى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 11 رمضان1432هـ. الموافق 11 أغسطس2011م.

**************

القدوة الصالحة وبناء القيم الرفيعة

 

القدوة الصالحة لها أثر كبير في تغيير مجرى الحياة من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح ومن الانحراف إلى الاستقامة ومن التفكك إلى الاجتماع وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى عن نبيه شعيب عليه السلام أنه قال:

 

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (هود:88) فإنه يحرص على أن يكون قدوة صالحة في تحقيق ما يدعو إليه من الخير والكف عما ينهى عنه من الشر.

 

وهكذا شأن جميع النبيين فالنبي- صلى الله عليه وسلم- كان مثالا في ذلك ولا ريب أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قد اجتمعت فيه المؤهلات القيادية التي جعلت الناس ينظرون إليه جميعا نظرة إكبار وتقدير وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ... } (آل عمران:159).

 

فهذه هي الصفات التي توجد في القرآن أولا أن يكون لين الجانب حسن المعشر يحرص على الخير للآخرين ثم مع ذلك أيضا أن يكون بجانب هذا حريصا على إشراك الآخرين في الرأي لأن في ذلك ربطا ما بين الأطراف كلها عندما يكون الرأي موحدا لا يستبد برأيه دون آراء الجماعة وإنما يعرض رأيه على الجماعة ويأخذ برأيهم ولربما رجح رأيهم على رأيه عندما يرى أن الأمر يستوجب ذلك وإن كان يرى أن رأيه هو الصواب فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم- كان رأيه هو الصواب ولكن كان ينزل عن رأيه عندما تقتضي المصلحة ذلك ولذلك في هذا المقام الذي أخطأت فيه الجماعة وأدى ذلك إلى أن تؤدي الأمة ضريبة غالية وهي سبعون شهيدا في وقعة أحد إلا أن الله سبحانه وتعالى أمرهم بعد ذلك بأن يشاورهم في الأمر حتى لا تموت الشورى في هذه الأمة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 12 رمضان1432هـ. الموافق 12 أغسطس2011م.

*************

علاج الإسلام للأمراض النفسية

 

الأمراض النفسية أمراض كثيرة وما أكثرها منها الشك والشرك والشقاق والنفاق والرياء والكبر والحسد وقد عالج الإسلام ذلك كله بالقيم الرفيعة فقد عالج الشك باليقين وعالج الشرك بالإيمان وعالج الرياء بالإخلاص وعالج العجب والكبر بالتواضع وعالج كل ناحية من هذه النواحي بما فيه القضاء على أسباب الفساد التي تنبعث من النفس الإنسانية فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يحرص كل منا على الإخلاص في القول والعمل وهذه هي الغاية من تشريعات الإسلام فإن كل تشريع إسلامي يجب أن يكون خالصا لله بحيث لا يؤدي إلا لطاعة الله سبحانه وتعالى فالله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...} (البينة:5) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 13 رمضان1432هـ. الموافق 13 أغسطس2011م.

***************

أهمية ترسيخ العلاقات بين أفـراد الأمة

 

العلاقة بين الناس ضرورة ملحة لأن الإنسان مدني بطبعه اجتماعي بفطرته يفتقر إلى بني جنسه ويحتاج إلى أن يرتبط مع أسرته وأن يترابط مع مجتمعه وأن يترابط مع أمته فلأجل ذلك شرعت الأحكام في الإسلام كلها في إطار الاجتماع والأخلاق وجمع الشمل ورأب الصدع والقضاء على الفرقة والخلاف فنحن عندما نرى كل عبادة من العبادات نجد هذا العنصر متوفرا فيها فالصلاة تجمع شتيت عباد الله المؤمنين على الخير وتجعلهم يستعلون على رغبات أنفسهم ونزغاتها وكذلك بالنسبة إلى أداء الزكاة هو من أسباب الترابط بين طبقات الناس وإذابة الفوارق بينهم وجمع قلوبهم على المحبة والوئام والمودة وكذلك بالنسبة إلى الصيام فإنه من أهم العبادات التي تجمع شتيت عباد الله المؤمنين على الخير وتعلمهم حسن العلاقة وتعلمهم الأخلاق وتروضهم على الصالحات من الأعمال وهكذا الحج وكذلك إذا جئنا إلى ما يأمر به الإسلام من الصدق والأمانة وعدم احتقار الآخرين وعدم الاغتياب وعدم سوء الظن كل ذلك مما يجمع الشتيت ويؤلف بين القلوب ويحفظ للأمة وحدتها ويحفظ لها مودتها ويحفظ لها حسن التعاون فيما بينها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 14 رمضان1432هـ. الموافق 14 أغسطس2011م.

***********

خطر التنازع وتحذير الإسلام منه

 

التنازع هو الذي يضعف الأمة ويفقدها مكانتها ويضعف المجتمع قوته ويفقد كل فرد من أفراد المجتمع أيضا قوته وسلامته في الحياة عندما يكون هناك تنازع وشقاق وقد يؤدي ذلك إلى التناحر وإلى إضاعة الأمن وإلى زعزعة الاستقرار في المجتمع فلذلك حذر الله تعالى من التنازع فقال: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ...} (الأنفال:46) والله سبحانه وتعالى بين أيضا بالنسبة للأقربين خطورة تقطيع الأواصر فيما بينهم حيث قال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ{22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد:22-23) إذن هذه الجوانب كلها لا بد من مراعاتها والحفاظ على الوحدة وتجنب أسباب الشقاق ومن أجل ذلك حذر الله سبحانه وتعالى من كل ما يؤدي إلى هذا الاختلاف وهذا الشقاق من النعرات فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات:11).

 

ونحن نرى مع اللمز قال: {... وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ...} ولم يقل ولا يلمز بعضكم بعضا من أجل أن يحس الإنسان بأن كل ما يؤذي غيره يؤذيه فالذي يؤذي أخاه إنما تنقلب أذيته عليه والوحدة الشعورية يجب أن تجمع المسلمين جميعا ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } الحجرات:12) ثم حذر من الاستعلاء بالأنساب والأحساب والتفاخر بها واحتقار الناس من اجلها حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات:13).

 

هكذا جاء الإسلام بما يرص الصف ويوحد الكلمة ويقضي على الخلاف.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 15 رمضان1432هـ. الموافق 15 أغسطس2011م.

****************

حكم الغش وفيما يكون؟

 

في هذه الحلقة يتناول سماحته معنى الغش وعما إذا كان محصورا في التجارة أو أنه يشمل على القول والعمل معا وما هي مخاطره إذا ما تجذر في المجتمعات وكيف عالجه الإسلام فيقول: الغش لا ينحصر في التجارة بل يكون بالقول ويكون بالعمل وذلك بإظهار الإنسان خلاف الحقيقة ويكون بإبطان عكس ما يظهره الإنسان للناس.

 

فالغش في جميع أحواله مذموم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) أي من غش المسلمين فليس هو من المسلمين بحيث تجب البراءة منه ويجب فصله عن مجتمعه.

 

ولا ريب أن أي غش يصدق عليه هذا الحكم ولكن هناك تفاوت في الغش إن من الناس من يغش مجموعات لا تنحصر من الناس عندما يموه الحقيقة ويقول غير الحق ويدعو إلى غير الرشد فلا ريب أنه يضل ذلك أمما وينحرف بأقوام ويسير بالكثير من الناس إلى الصراط الزائغ عن الحق وبهذا يكون أثر غشه كبيرا فليس من غش أمة كمن غش فردا مع أن الكل مشتركون في الإثم وكل من غش سواء أكان غش واحدا أو غش أمة إنما هو في الحقيقة منفصل عن أمة الإسلام بسلوكه هذا وبعمله الشائن الذي هو بعيد عن مهيع الحق.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 9 رمضان1431هـ . الموافق 20 أغسطس2010م.

**************

أثر الكلمة الطيبة

 

الكلمة الطيبة ذات أثر كبير ومردود عظيم وغاية نبيلة بين الله سبحانه وتعالى كيف تتغلغل هذه الكلمة في هذه الحياة فتحول شرها إلى خير وانحرافها إلى استقامة وصدودها إلى إقبال فقد قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

 

فالكلمة الطيبة ذات أثر كبير من حيث تغيير الناس وتحويلهم من الباطل إلى الحق ومن الضلال إلى الهدى ومن الفساد إلى الصلاح ومن الاعوجاج إلى الاستقامة.

 

ولا ريب أن الكلمة إنما تكون ذات أثر كبير عندما يصدقها العمل بحيث لا يكون هنالك تباين بينها وبين عمل قائلها ولا يكون أيضا هناك تضارب بين ظاهرها وبين ما يضمره صاحبها في باطن أمره فهو بحاجة إلى أن يزكي كلمته هذه بإخلاص وان يصدقها بالعمل وقد قال بعض الدعاة المسلمين (إن الكلمة لتخرج ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة إذا هي لم تكن من قلب يؤمن بها ولن يكون الإنسان مؤمنا بما يقول حتى يستحيل هو ترجمة حية لما يقول وتصويرا واقعيا لما ينطق حينئذ تخرج الكلمة كلها دفعة حياة لأنها تستمد قوتها من حقيقتها لا من طنينها وتصور معناها من واقعها لا من بريقها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 8 رمضان1431هـ . الموافق 19 أغسطس2010م.

*****************

الفرق بين المؤمن والمسلم ج1

 

المؤمن هو من آمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالقرآن الكريم هاديا ودليلا واخذ بحجزة هذا الدين واعتصم به وقد جاء في القرآن الكريم وصف هؤلاء المؤمنين إذ يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).

 

وبيَّن تعالى من هم المؤمنون المفلحون عندما قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

 

وبين سبحانه وتعالى من هم المؤمنون الذين اشترى منهم الله سبحانه وتعالى أنفسهم وأموالهم عندما قال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ...إلى آخر الآية) ثم بين هؤلاء من هم فقد فقال: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وبين أيضا سبحانه وتعالى توطن العلاقة بين المؤمنين والمؤمنات وبين قوام ذلك عندما قال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

 

الله سبحانه وتعالى بين أن الإيمان يستوجب هذه الخصال وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله بعدما يستكمل الإنسان هذه الخصال لا ريب أنه يكون في عداد المؤمنين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 6 رمضان1431هـ . الموافق 17 أغسطس2010م.

 

الفرق بين المؤمن والمسلم ج2

 

يكمل سماحة الشيخ حديثه في هذه الحلقة عن (الفرق بين المؤمن والمسلم) يقول: قال عليه أفضل الصلاة والسلام (الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان).

 

فنحن نرى أن في هذا الحديث الشريف ما يدل على أن الإيمان يتغلغل خصال الإنسان جميعا بحيث يستوفي خصال الخير بأسرها فيدخل في العقيدة ويدخل في القول وفي العمل وفي الأخلاق وقد رمز الله سبحانه وتعالى إلى العقيدة والقول بقوله(أعلاها كلمة لا إله إلا الله) فان كلمة لا إله إلا الله هي رمز للعقيدة الحقة كما أنها رمز للكلم الطيب وكذلك بالنسبة إلى الأعمال نبه على أدناها وهو إماطة الأذى من الطريق وبالنسبة إلى الأخلاق نبه على أهم عنصر من عناصر الأخلاق في الإنسان وهو الحياء عندما قال( والحياء شعبة من الإيمان وكذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه إلا لله وان يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار والأحاديث في هذا كثيرة فهذا هو الإيمان.

 

أما الإسلام فهو في الأصل بمعنى الاستسلام والانقياد والإذعان ومن شواهد ذلك قوله تعالى ((وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) .

 

والإسلام الشرعي هو أن يكيف الإنسان نفسه وحياته بأسرها لتكون وفق أمر الله ودليل ذلك قول الله تعالى(( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )).

 

فالإسلام والإيمان من حيث المعنى اللغوي مختلفان ولكنهما من حيث المؤدى الشرعي معناهما واحد ونستطيع أن نقول بأن الإيمان هو الحقيقة الباطنة للإسلام والإسلام هو الصورة الظاهرة للإيمان ولا يتم احدهما إلا بالآخر فلا يتم إسلام بلا إيمان ولا يتم إيمان بلا إسلام وإنما قال الله تعال((قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)) أي أسلمنا في الظاهر فهم من حيث الظاهر منقادون و مذعنون ومعدودون في أمة الإسلام ولكنهم من حيث الحقيقة مجانبون للإيمان باعتقادهم معتقدات تنافي حقيقة الإيمان لأنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.

 ------------------------------------------

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 7 رمضان1431هـ . الموافق 18 أغسطس2010م.

************

انتشار البدع الأسباب والعلاج

 

شيوع البدع إنما هو نتيجة الجهل وكثير من الناس لا يفرقون بين الحقيقة والوهم ولا يميزون بين الحق والباطل ولا يدركون ما هي أبعاد هذه البدع التي يتبعونها فيرتكسون في الضلالة من حيث يدرون أو من حيث لا يدرون.

 

لذلك كان من الضرورة بمكان أن تبرز صورة الإسلام الصحيحة الناصعة الإسلام الذي يستقى من منابع القرآن ومن منابع السنة النبوية الثابتة عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام فعندما يرجع المسلمون إلى هذه المنابع الصافية ويستمسكون بهذا الرشد ويأخذون بحجزة هذا الدين الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى لاريب أنهم يكونون أبعد ما يكونون عن اتباع البدع والتسكع في الضلالات.

 

أما عندما يأخذون الدين بالتقليد ويجعلونه عصبية لآبائهم الأولين وأسلافهم الماضين ويسيرون على نهج طائفة من الناس معرضين عن دلائل القرآن ودلائل السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لا ريب أن ذلك مما يؤدي إلى شيوع الأوهام فيما بين الناس وتتبع البدع هذه الأوهام حتى تترسخ في نفوس الناس إذ البدع لا تعشش إلا حيث تنتشر الأوهام وتشيع الضلالة بين الناس.

 

والعلاج إنما يكون برد الناس إلى القرآن الكريم والى الثابت من سنة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ليكونوا على بصيرة من الأمر فإن الله سبحانه وتعالى أمرهم بان يحتكموا إليه والى رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم فقد قال تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) وقال (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 5 رمضان1431هـ . الموافق 16 أغسطس2010م.

************

فهم الحقيقة أولا

 

حديث سماحته اليوم عن بعض كتابات المسلمين التي تسهم في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ومدى الحاجة إلى ميثاق شرف إعلامي إسلامي للحد من ذلك وعما إذا كان في هذا الميثاق جدوى أم لا لتحقيق ذلك يقول: من أهم الأمور أن يكون هناك تفهم للحقيقة واتباع لها وثقة بمضامينها فعندما يدرك الناس الحقيقة وأبعادها وآثارها لا ريب أن ذلك مما يسوقهم سوقا إلى أن يتفقوا على دفع كل ما يسيء إلى الإسلام وان يحرصوا على تجنيب هذا الدين الحنيف كل ما يسيء إليه مما يكتبه الجهلة الذين لا يفرقون بين دبيرهم وقبيلهم ولا يميزون بينما ينفع وما يضر من الأعمال التي يأتونها فعلى الناس أن يستبصروا بنور الحق ليستلهموا الحقيقة وليفهموا مواطن الرشد ولا ريب أن اجتماع المسلمين على كلمة سواء في هذا الأمر وخروجهم بميثاق شرف يمنع كل ما يسيء إلى الإسلام من كتابة أو قول هو مما يصون هذا الدين الحنيف من السمعة السيئة ويدفع في صدور أعدائه لئلا يجدوا ما يبرر مؤامرتهم عليه واتهامهم إياه ثم مع خلوص النية وصفاء الطوية والرغبة في الخير والغيرة على حرمات الله سبحانه وتعالى تتفاعل النفوس جميعا من أجل صد كل هجمة على الإسلام وتطهير سمعته من كل ما يدنسها مما يقال سواء من قبل أعدائه أو من قبل الجهلة من أبنائه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 4 رمضان1431هـ . الموافق 15 أغسطس2010م

****************

كيف نحصن الشباب؟

 

أهم سبيل لتحصين وحماية الشباب المسلم مما يتعرض له من غزو فكري يهدف إلى تذويب هويته الإسلامية هي أن ترسخ فيه العقيدة الصحيحة عقيدة الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر مع الاعتداد بكل أصول الإيمان التي دل عليها القرآن والأحاديث النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وإنما الإيمان بالله واليوم الآخر هما بمثابة الركنين الركينين في بناء هيكل الإيمان في الإنسان ولذلك يأتي الاعتداد بهما كثيرا في القرآن الكريم عندما يحض الله سبحانه وتعالى على فعل خير أو عندما ينهى عن فعل سوء فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ويقول سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ويقول عز من قائل: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ويقول: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)،

 

فإذن الأدلة تدل جميعا على بعد أثر الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر في نفوس العباد ولا غرو في ذلك فإن الإيمان بالله إنما هو الإيمان بالمبدأ العظيم الذي أخرج الإنسان من العدم إلى الوجود وأفاض عليه صنوف نعمه ظاهرة وباطنة وجلله بثوب آلائه الفضفاض الواسع فالإنسان إذا ذكر ربه سبحانه وتعالى وما أنعم به عليه مع ذكره بكماليات الله سبحانه وتعالى بصفات قدسية تنبعث نفسه إلى الرغبة في طاعته والمسارعة إلى رضوانه ولكن قد تؤثر على الإنسان مؤثرات شتى عندما يدخل معترك الحياة فيكون بين جذب ودفع ويكون بين أخذ ورد لذلك كان هو بحاجة إلى أن يدعم إيمانه بالله بإيمان آخر أيضا يتغلغل أثره أيضا في أعماق نفسه ويجعله يستعلي على رغباته ونزواته ويتحكم في عواطفه ونزغاته وهو الإيمان باليوم الآخر عندما يدرك الإنسان أنه ينقلب إلى الله سبحانه وتعالى وأنه يجزى الجزاء الأوفى على ما قدّم في هذه الدنيا خيرا كان ذلك أو شرا فإن الدنيا لا تعادل بجانب الآخرة شيئا فإذا استحكم هذا الإيمان في النفس قاده إلى الرشد وأخذ به إلى مهيع الحق لذلك كان على الناس أن يحرصوا على ترسيخ الإيمان بالله واليوم الآخر في نفوس الناشئة من أجل تحصينهم من اتباع الأهواء والتأثر بالدعوات المختلفة والاندفاع وراء رغبات النفس وجماحها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 3 رمضان1431هـ . الموافق 14 أغسطس2010م.

*************

الفكر التربوي في رمضان

 

في هذا الشهر المبارك كثير من العطاء وكثير من الخير الذي يكتسبه الإنسان وكفى أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه القرآن الكريم وجعله موسم عبادة وجعل هذه العبادة من شأنها أن تذكي في الإنسان روح التقوى وان تبعثه على العمل بما في القرآن ودليل ذلك قول الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) حيث انه سبحانه ربط ما بين امتنانه على عباده بإنزاله القرآن في هذا الشهر المبارك وبين فرضية صيامه عليهم للفاء التي تقتضي ربط ما بعدها بما قبلها وفي هذا ما يؤذن بان هذا الصيام إنما هو سبب من أسباب المحافظة على تعاليم القرآن بل هو من أهم الأسباب وذلك واضح لأنه يقوي الإنسان بصيامه على ضبط غرائزه والتحكم في عواطفه وانفعالاته وهذا مما يؤدي إلى التمسك بأهداب التقوى وهذا بطبيعة الحال ما يؤذن به قول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لعلكم تتقون).

 

فالغاية من الصيام هي التقوى وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك فقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الإمام الربيع بن حبيب رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صيام إلا بالكف عن محارم الله) وكذلك جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

 

على أن فضل الصيام وأثره لا يقفان عند هذا الحد بل يتجاوزان ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق بحيث أن الصائم لا يطلب منه مجرد الكف عن إيذاء غيره من الناس وإنما يطلب منه أن يحتمل الأذى وأن يقابل الإساءة بالإحسان فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم) فما أعظم هذا الأدب الذي يؤدب به النبي صلى الله عليه وسلم أمته من خلال هذه الفريضة المقدسة والشعيرة الواجبة على الناس وما أعظم هذه التربية الإيمانية التي يربيهم عليها بحيث لا يقابل الإنسان الإساءة بالإساءة وإنما يقابلها بالإحسان فإن تعرض للأذى من غيره فليس له أن يزيد على قوله إني صائم ليذكر نفسه بقدسية الصيام وليذكر غيره أيضا بأنه في حال عبادة مقدسة تتنافى قدسيتها مع ما صدر منه من الأذى وفي هذا ارتقاء بهذه النفوس إلى أوج الفضائل وتزكية لها بتعويدها على مكارم الأخلاق وإبعادها عن كل ما يسبب سوء العلاقة بين الناس ويسبب اندفاع النفوس وراء العواطف الرعناء والرغبة في الانتقام من الغير.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 2 رمضان1431هـ . الموافق 13 أغسطس2010م.

*************

شهر الهدى والهداية

 

إن شهر رمضان المبارك هو شهر الإيمان والقرآن شهر الهدى والهداية شهر البر والتقوى فعلى الإنسان أن يحرص على فضائل الأعمال وان يسارع إلى كل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى سواء كان ذلك مما يعود إلى الصلة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى أو كان ذلك مما يعود إلى علاقته لغيره من الناس فإن كل ذلك مما يضاعف أجره في هذا الشهر المبارك كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أدى فيه نافلة كان كمن أدى في غيره فريضة ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى في غيره سبعين فريضة فالناس عليهم أن يتخذوا من هذا الشهر المبارك مضمارا يتسابقون فيه ويتنافسون من أجل الحصول على المكاسب العليا من مرضاة الله سبحانه وتعالى وتوفيقه للخير.

 

ولا ريب أن تحصين أنفسهم من معاصي الله تعالى جميعها ظاهرها وباطنها من أهم هذه المكاسب وكذلك إقامة العلاقات الحسنة فيما بينهم بحيث يبر كل واحد الآخر فيحنو القوي على الضعيف والغني على الفقير وفي المقابل أيضا يكون من الفقراء تجاه أصحاب البر والخير من الأغنياء الإخلاص في الدعاء لهم فكل ذلك مما يكسبه الإنسان في هذا الشهر المبارك إن أحسن العمل فيه وحرص على ما يقربه إلى ربه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحقٌ بجريدة عمان: الخــمـيـس غرة رمضان1431هـ . الموافق 12 أغسطس2010م.

************

اغتنموا الفرصة

 

سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة:-- إن شهر رمضان المبارك شهر يتميز على بقية الشهور بخصائص عظيمة ومميزات لا تنكر فقد جعله الله ميقاتا لنزول القرآن الكريم على النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم وخصه بفرض صيامه على الناس وجعل بين الصيام وبين المحافظة على تعاليم القرآن رابطا عظيما لأن في الصيام ما يعين هذه النفوس على الأخذ بكتاب الله سبحانه وتعالى وتطبيقه في حياتهم الفكرية والعملية والأخلاقية فالله سبحانه وتعالى يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...} (البقرة:185) وفي هذا الرد ما يؤذن بأن للصيام تأثيرا كبيرا على النفس حتى تتكيف مع تعاليم القرآن وتأخذ بحجزته وتستمسك بعروته وتستبصر ببصيرته وتسير على نهجه والله سبحانه وتعالى ميز هذا الشهر إذ جعل ليلة من لياليه تفوق ألف شهر في فضلها ومكانتها وهي الليلة التي كانت ميقاتا لنزول القرآن على قلب النبي عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام فقد قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر)، وهي الليلة المباركة التي ذكرها الله تعالى في سورة الدخان في قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (الدخان:3-5).

 

وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قام هذه الليلة إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

 

ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسب حسابه لهذه الليلة فلذلك كان يحرص على الاعتكاف في شهر رمضان المبارك وفي بادئ الأمر كان يعتكف في العشر الأولى ثم جاءه جبريل فقال إن الذي تطلبه أمامك فصار يعتكف في العشر الوسطى ثم جاءه جبريل فقال له إن الذي تطلبه أمامك فواصل اعتكافه في العشر الأواخر ثم ظل يعتكف في العشر الأواخر وكان إذا دخلت هذه العشر كما تقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله) وهكذا يجب على المسلمين أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وان يحرصوا على تتبع خطواته وان يسيروا على نهجه وفي محافظتهم على هذا الخير الوفير الذي جعله الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الفضيل ما يجعلهم بعون الله سبحانه وتعالى سائرين على نفس النهج الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فدعوتي إلى الجميع أن يغتنموا هذه الفرصة وأن لا يفرطوا فيها .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 1 رمضان1432هـ. الموافق 1 أغسطس2011م.

************

مصدر القيم الرفيعة

 

إن الله سبحانه وتعالى فرض صيام شهر رمضان وجعل في هذا الصيام تعويدا للنفس على الفضائل وتربية لها على الأخلاق وتدريبا لها على ضبط النفس وقيد الجوارح حتى لا تقع في شيء من معاصي الله فقد قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك فالنبي عليه افضل الصلاة والسلام يقول ولا (صوم إلا بالكف عن محارم الله) ويقول صلوات الله وسلامه عليه (من لم يدع قول الزور والعلم به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه) فالإنسان عندما يؤدي الصيام على هذا النحو بحيث يمتنع عن تعاطي أي شيء من محارم الله واستعمال أي عضو من أعضائه فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى يهون عليه في سائر العام أن يضبط نفسه ويقيد جوارحه فلا يقع في شيء من معاصي الله سبحانه وتعالى فالإنسان مطالب وهو صائم أن يكف نفسه عن النظر الحرام فلا يمد بصره إلى أي منظور يحرم عليه النظر إليه ولا يستمع إلى صوت يحرم عليه الاستماع إليه ولا يمد يده إلى تعاطي شيء مما حرمه الله سبحانه وتعالى ولا يمشي برجله إلى شيء من محارم الله ولا يلغ لسانه في أي عرض من أعراض الناس ولا في أي حرمة من حرمات الله بل يظل مقيدًا لكلماته ومقيدًا لأفعاله وحركاته ومقيدًا لتصرفاته وأعماله وفق مقتضيات شريعة الله وبهذا يتدرب على السير قدما في المنهج الذي يرضي الله سبحانه وتعالى فلا يقع في شيء من محارم الله تعالى قط.

 

وبجانب هذا أيضا يؤمر بان يستعلي على نزغات النفس ونزعاتها فلا يتأثر بالعواطف الرعناء عندما يتعرض لأذى من احد الناس فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم) فهذه تربية على الأخلاق ومعنى ذلك أن الصيام مدرسة أخلاقية يتدرب فيها الإنسان على ممارسة الأخلاق الفاضلة متجنبا الأخلاق المذمومة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 2 رمضان1432هـ. الموافق 2 أغسطس2011م.

**********

نصيحة

 

من المعلوم أن الإنسان مسؤول عن عمره جميعا كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم) وإذا كان يسأل عن جميع العمر فانه يسأل عن مرحلة الشباب سؤالا خاصا لما للشباب من مزايا تجعل الإنسان فيه قادرًا على ممارسة عبادات أكبر وأعمال أفضل فلذلك كان عليه أن يحرص على استغلال طاقة الشباب في الخير وان لا يفرط في هذه الطاقة بحال.

 

وإذا كان الإنسان يسأل عن أي وقت من أوقاته لأن الأوقات هي هبات الله فالأوقات التي تتميز بنفحات الله سبحانه وتعالى وبالبركات العظيمة التي ينزلها الله سبحانه وتعالى على العابدين الذاكرين هي أولى بان تستغل في الخير وأن لا يفرط الإنسان فيها.

 

ولا ريب أن رمضان هو موسم يتميز بمضاعفة الله تعالى فيه أجور العباد وقد جاء في الحديث أن من أدى فيه نافلة كان كمن أدى في غيره فريضة ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى في غيره سبعين فريضة).

 

فمن الذي يفرط في هذا الخير العظيم ومن الذي يزهد في هذا العطاء الجليل، ومن الذي لا يحرص على هذه المكاسب العظيمة لذلك على الناس جميعا شيبهم وشبابهم أن يستغلوا فرصة شهر رمضان المبارك وان يحيوا لياليه بالعبادة والقيام وان يداوموا في نهاره على ذكر الله والعمل الصالح الذي يقربهم إلى الله وتعلم العلم النافع ونشره بين الناس وقراءة القرآن الكريم وتدبره فإن القرآن الكريم يتأثر به الصائم تأثرًا بالغًا ويتمكنوا من التفاعل معه والأخذ بحجزته في كل ما يأمر به وفي كل ينهى عنه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 3 رمضان1432هـ. الموافق 3 أغسطس2011م.

**********

حكم جوائز الترويج

 

لسماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة:-- يقول سماحة الشيخ الخليلي للذين يمارسون الترويج لبضائعهم ويرفعون أثمان السلع حتى يتمكنوا من تغطية قيمة الجوائز من مجموع المشترين فيربحون ويخسر المشتري.. على الإنسان دائما أن يحرص على أن يكون سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى هكذا شأن المؤمن كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحرم الربح ولكن على الإنسان أن يراعي الجوانب الأخرى فالبائع والمشتري أن يكون كل واحد منهما متقيا لله سبحانه وتعالى حريصا على مراعاة مصالح الآخرين ومهما كانت الجوائز التي يبذرونها فإن الغاية لا تبرر الوسيلة وإنما على الناس أن يخرجوا الصدقات والنفقات التي ينفقونها في سبيل الله تعالى من حر مالهم متقربين بها إلى الله سبحانه وتعالى غير مستغلين أوضاع الناس وحاجاتهم.

 

والترويج إن كان في حدود الجائز بحيث لا يكون هنالك مدح للبضاعة وإنما إخبار عن وصفها فقط لا حرج فيه أما إذا كان يخرج إلى الكذب أو يخرج إلى تزييف الحقيقة أو يكون الترويج بطريقة تؤدي إلى أن يتهالك الناس على الابتياع من غير ان كانوا بحاجة إلى ما يبتاعونه فذلك مما لا يجوز.

 

أما الجوائز التي تكون في سبيل الخير ولأجل تشجيع ملكات الناس في الخير فلا حرج عليها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 4 رمضان1432هـ. الموافق 4 أغسطس2011م.

**************

القيم أعم من الأخلاق

 

سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة:-- في المفهوم الأخلاقي في القرآن والسنة المطهرة ومعنى القيم والعلاقة بينهما يقول سماحة الشيخ الخليلي القيم أعم من الأخلاق لأن القيم في العقيدة والقيم في العبادات والقيم في المعاملات والقيم أيضا في الأخلاق فكل ما يمارسه المسلم يرتبط بقيم الإسلام وأما الأخلاق فهي الطبائع الحسنة والخصال الحميدة التي يتحلى بها المسلم ويبدأ ذلك بتطهير النفس وتجريدها من آثار السوء ونزغات الشيطان بحيث يكون الإنسان مخلصا في عمله بعيدا عن الرياء غير متكبر على الناس ولا مستعل عليهم وأن يكون غير حاقد على إخوانه المسلمين وان يكون في نفس الوقت حريصا على الكلم الطيب وعلى التواضع في جميع الأحوال وعلى التجرد من الحسد والتجرد من جميع الأخلاق المذمومة هذا هو الخلق الحميد الذي يجسده القرآن الكريم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الصورة المثالية الحية لهذه الأخلاق القرآنية والله سبحانه وتعالى وصفه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }  (القلم:4) وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 5 رمضان1432هـ. الموافق 5 أغسطس2011م.

***********

دور الأخلاق في الحياة

 

إن الإسلام قامت حضارته على الأخلاق بل قام فكره وعقيدته عليها فان كل ما ينبثق من الإسلام فيما يتعلق بالعبادات أو فيما يتعلق بالمعاملة أو فيما يتعلق بالأخلاق إنما هو يدور إطار الأخلاق إذ لا يكاد يفقد عنصر الأخلاق في أية جزئية من جزئيات تشريع هذا الدين الحنيف فلذلك كان هوين أخلاق وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وحسبنا أن الله سبحانه عندما أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم وبين ميزته عن غيره إنما ميزه بالخلق العظيم ولم يذكره الله تبارك وتعالى بغير ذلك من المزايا وهذا دليل على عظم شأن الأخلاق فقد قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4) والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الأخلاق هي ميزان التفاضل بين الناس وبها يكونون اقرب إلى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم فبقدر ما يتحلى الإنسان بالأخلاق الحميدة يكون أرضى لله وأقرب من رسوله صلى الله عليه وسلم وبقدر ما يتخلى عن الأخلاق الحميدة يكون بخلاف ذلك فهو عليه أفضل الصلاة والسلام يقول: (إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وان أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون).

 

وعندما سألته السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها عن المرأة يكون لها أزواج في هذه الحياة الدنيا ثم يجتمعون في الجنة لمن تكون منهم فرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (لمن هو أحسن خلقا ثم قال لها يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة) يعني انه لم يبق لغيره بقية من خير الدنيا والآخرة بل جمع كل خير دنيوي وخير أخروي فلذلك يتجلى للناس جميعا أن دين الإسلام هو دين الأخلاق وأن هذه الأمة عليها أن تتحلى بالأخلاق الفاضلة وان تتخلى عن الأخلاق المذمومة وبهذا تكون ارفع شأنا وأعلى قدرا وأفضل مكانة من سائر الأمم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 7 رمضان1432هـ. الموافق 7 أغسطس2011م.

************

صفات الداعية اليوم

 

ينبغي للداعية اليوم ليتمكن من تعميق القيم والأخلاق في النفوس أن يستوعب أولا تعاليم الإسلام ومنهج الإسلام وأن يتصور سيرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين الذين كانوا مثالا في التحلي بالأخلاق وكانوا مثالا أيضا في النجاح في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بهذا يمكن للمسلم أن يتغلب على العقبات وان يتجاوز كل التحديات وان يصل إلى مبتغاه في نشر دعوة الحق.

 

ومن الصفات التي يجب أن تتوفر في الداعية هي أن يكون في كل أمر يجسده بنفسه بخلقه المرضي وفعله الحميد وسلوكه الحسن بحيث تكون أعماله وأخلاقه أدعى إلى الحق من أقواله لأن المدعو عندما يجد نشازا ويجد فجوة بين المبادئ التي يدعى إليها وبين سلوك الداعية لا ريب أنه تتولد في نفسه ردة فعل وتؤدي لا إلى مجرد اتهامه للداعية فحسب بل تؤدي إلى اتهامه للمبادئ التي يدعو إليها فلذلك كان من الضرورة بمكان ألا تبقى هنالك فجوة بين واقع الداعية وبين المبادئ التي يدعو إليها.

-----------------------------

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 8 رمضان1432هـ. الموافق 8 أغسطس2011م.

**********

مواصفات التربية الصحيحة

 

التربية الصحيحة التي تنشأ من خلالها الأخلاق هي تلك التربية التي تكون أولا على العقيدة السليمة الصحيحة بحيث يكون الإنسان موصولا بربه سبحانه وتعالى وموصولا بقيم الإيمان التي جاء بها ديننا الحنيف، ويكون كثير الخشية من الله وكثير الرجاء لله وكثير التعلق بالله وكثير الغيرة على حرمات الله مع التعلق بالدار الآخرة هذه هي التربية التي نشّأ عليها الإسلام إتباعه وبهذه التربية تتغلب على كل الصعاب فإنهم كانوا أمة عقيدة أمة تدرك الحقيقة وتوازن ما بين الدنيا والآخرة وما بين إرضاء الله تبارك وتعالى وإرضاء الناس فلذلك آثرت هذه الأمة إرضاء الله وآثرت الدار الآخرة على هذه الدنيا التي لا تساوي شيئًا بجانب الآخرة ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فالتمسك بهذه العقيدة والتمسك بهذه التربية هو الذي سينهض بهذه الأمة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 9 رمضان1432هـ. الموافق 9 أغسطس2011م.

************

الإنسانية والأنانية

 

الإنسانية هي أن يكون الإنسان حسب مقتضيات الفطرة التي فطره الله تبارك وتعالى عليها فإن الله تبارك وتعالى فطر الناس على الأخلاق الفاضلة وفطرهم على السجايا الحميدة وعلى السلوك الحسن إذ فطرهم على الدين القيم فإن الله تعالى يقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } (الروم:30) لذلك كان كل عمل حسن وكل خلق مرض وكل قول سديد هو تعبير عن هذا الدين وتجسيد لتعاليمه وقيمه وكل ما خالف ذلك هو خروج عن الدين فإذن الإنسانية هي التمسك بأهداب الفضيلة بكل معانيها أما الأنانية فهي أن يتجرد الإنسان عن مدنيته الحقيقية وهي حسن العلاقة بينه وبين بني جنسه وبينه وبين أمته وبينه وبين مجتمعه حتى يتغلب جانب حب النفس وحب الذات مراعاة لمصالح الآخرين فإن من الإنسانية أن يحرص الإنسان على خدمة بني جنسه وعلى خدمة أمته خصوصا وعلى خدمة مجتمعه بصفة أخص وعلى خدمة أسرته بصفة أكثر خصوصية أما إن تخلى عن ذلك فليس هو من الإنسانية في شيء وإنما هذه الأنانية التي يرجح فيها الأنا والتي يرجح فيها النحن على مراعاة حقوق الآخرين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 10 رمضان1432هـ. الموافق 10 أغسطس2011م.

***********

حث الإسلام على التعاون

 

الإسلام دعا إلى أن يتعاون الناس على البر والتقوى قال الله تعالى: {... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة:2).

                  

فكل أمر يؤدي إلى مصلحة العباد التعاون فيه مشروع بين الناس وكل أمر يؤدي إلى المضرة بأحد أو التفكك فيما بين الناس أو القطيعة فيما بين الأقربين أو القطيعة بين المجتمع الواحد أو انتشار الفساد في الأرض فإنه بطبيعة الحال ينهى عن فعله إذ التعاون فيه إنما هو من التعاون على الإثم والعدوان لذلك كان على المسلم أن يتقي كل ما يؤدي إلى المضرة بأسرته أو المضرة بمجتمعه أو المضرة بجنسه أو المضرة بأمته لأن ذلك مما يتنافى مع أمر الله سبحانه وتعالى من النظر إلى مصالح الأمة وتقديم هذه المصالح على غيرها في كل المجالات فالمصالح المشتركة يجب أن تكون نصب أعين الجميع وأن يكون التعاون في إطارها ما بين الناس جميعًا وكل واحد يدعو إلى ذلك عليه أن يكون مثالا للسبق إلى التضحية بكل ما يمكنه من التضحية براحة النفس وإلى التضحية بالمال وإلى التضحية بكل غالٍ وثمين فسبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة من أجل أن يكون المجتمع مجتمعًا صالحًا متعاونًا على البر والتقوى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 11 رمضان1432هـ. الموافق 11 أغسطس2011م.

*********

القدوة الصالحة وبناء القيم الرفيعة

 

القدوة الصالحة لها أثر كبير في تغيير مجرى الحياة من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح ومن الانحراف إلى الاستقامة ومن التفكك إلى الاجتماع وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى عن نبيه شعيب عليه السلام أنه قال:

 

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (هود:88) فإنه يحرص على أن يكون قدوة صالحة في تحقيق ما يدعو إليه من الخير والكف عما ينهى عنه من الشر.

 

وهكذا شأن جميع النبيين فالنبي- صلى الله عليه وسلم- كان مثالا في ذلك ولا ريب أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قد اجتمعت فيه المؤهلات القيادية التي جعلت الناس ينظرون إليه جميعا نظرة إكبار وتقدير وحسبنا أن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ... } (آل عمران:159).

 

فهذه هي الصفات التي توجد في القرآن أولا أن يكون لين الجانب حسن المعشر يحرص على الخير للآخرين ثم مع ذلك أيضا أن يكون بجانب هذا حريصا على إشراك الآخرين في الرأي لأن في ذلك ربطا ما بين الأطراف كلها عندما يكون الرأي موحدا لا يستبد برأيه دون آراء الجماعة وإنما يعرض رأيه على الجماعة ويأخذ برأيهم ولربما رجح رأيهم على رأيه عندما يرى أن الأمر يستوجب ذلك وإن كان يرى أن رأيه هو الصواب فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم- كان رأيه هو الصواب ولكن كان ينزل عن رأيه عندما تقتضي المصلحة ذلك ولذلك في هذا المقام الذي أخطأت فيه الجماعة وأدى ذلك إلى أن تؤدي الأمة ضريبة غالية وهي سبعون شهيدا في وقعة أحد إلا أن الله سبحانه وتعالى أمرهم بعد ذلك بأن يشاورهم في الأمر حتى لا تموت الشورى في هذه الأمة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 12 رمضان1432هـ. الموافق 12 أغسطس2011م.

*************

علاج الإسلام للأمراض النفسية

 

الأمراض النفسية أمراض كثيرة وما أكثرها منها الشك والشرك والشقاق والنفاق والرياء والكبر والحسد وقد عالج الإسلام ذلك كله بالقيم الرفيعة فقد عالج الشك باليقين وعالج الشرك بالإيمان وعالج الرياء بالإخلاص وعالج العجب والكبر بالتواضع وعالج كل ناحية من هذه النواحي بما فيه القضاء على أسباب الفساد التي تنبعث من النفس الإنسانية فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يحرص كل منا على الإخلاص في القول والعمل وهذه هي الغاية من تشريعات الإسلام فإن كل تشريع إسلامي يجب أن يكون خالصا لله بحيث لا يؤدي إلا لطاعة الله سبحانه وتعالى فالله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ...} (البينة:5) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 13 رمضان1432هـ. الموافق 13 أغسطس2011م.

************

أهمية ترسيخ العلاقات بين أفـراد الأمة

 

العلاقة بين الناس ضرورة ملحة لأن الإنسان مدني بطبعه اجتماعي بفطرته يفتقر إلى بني جنسه ويحتاج إلى أن يرتبط مع أسرته وأن يترابط مع مجتمعه وأن يترابط مع أمته فلأجل ذلك شرعت الأحكام في الإسلام كلها في إطار الاجتماع والأخلاق وجمع الشمل ورأب الصدع والقضاء على الفرقة والخلاف فنحن عندما نرى كل عبادة من العبادات نجد هذا العنصر متوفرا فيها فالصلاة تجمع شتيت عباد الله المؤمنين على الخير وتجعلهم يستعلون على رغبات أنفسهم ونزغاتها وكذلك بالنسبة إلى أداء الزكاة هو من أسباب الترابط بين طبقات الناس وإذابة الفوارق بينهم وجمع قلوبهم على المحبة والوئام والمودة وكذلك بالنسبة إلى الصيام فإنه من أهم العبادات التي تجمع شتيت عباد الله المؤمنين على الخير وتعلمهم حسن العلاقة وتعلمهم الأخلاق وتروضهم على الصالحات من الأعمال وهكذا الحج وكذلك إذا جئنا إلى ما يأمر به الإسلام من الصدق والأمانة وعدم احتقار الآخرين وعدم الاغتياب وعدم سوء الظن كل ذلك مما يجمع الشتيت ويؤلف بين القلوب ويحفظ للأمة وحدتها ويحفظ لها مودتها ويحفظ لها حسن التعاون فيما بينها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 14 رمضان1432هـ. الموافق 14 أغسطس2011م.

************

خطر التنازع وتحذير الإسلام منه

 

التنازع هو الذي يضعف الأمة ويفقدها مكانتها ويضعف المجتمع قوته ويفقد كل فرد من أفراد المجتمع أيضا قوته وسلامته في الحياة عندما يكون هناك تنازع وشقاق وقد يؤدي ذلك إلى التناحر وإلى إضاعة الأمن وإلى زعزعة الاستقرار في المجتمع فلذلك حذر الله تعالى من التنازع فقال: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ...} (الأنفال:46) والله سبحانه وتعالى بين أيضا بالنسبة للأقربين خطورة تقطيع الأواصر فيما بينهم حيث قال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ{22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد:22-23) إذن هذه الجوانب كلها لا بد من مراعاتها والحفاظ على الوحدة وتجنب أسباب الشقاق ومن أجل ذلك حذر الله سبحانه وتعالى من كل ما يؤدي إلى هذا الاختلاف وهذا الشقاق من النعرات فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات:11).

 

ونحن نرى مع اللمز قال: {... وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ...} ولم يقل ولا يلمز بعضكم بعضا من أجل أن يحس الإنسان بأن كل ما يؤذي غيره يؤذيه فالذي يؤذي أخاه إنما تنقلب أذيته عليه والوحدة الشعورية يجب أن تجمع المسلمين جميعا ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } الحجرات:12) ثم حذر من الاستعلاء بالأنساب والأحساب والتفاخر بها واحتقار الناس من اجلها حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات:13).

 

هكذا جاء الإسلام بما يرص الصف ويوحد الكلمة ويقضي على الخلاف.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 15 رمضان1432هـ. الموافق 15 أغسطس2011م.

***********

وجوب المحافظة على المال العام

 

المال العام هو أمانة في أعناق الجميع فعليهم أن يحافظوا عليه وألا يفرطوا فيه فان هذا المال يشترك في استحقاق منافعه الصغير والكبير والمرأة والرجل .

 

ولا ريب أن لليتامى والمساكين حقوقا في هذا المال فلذلك كان التفريط فيه تفريطا في حق هؤلاء جميعا والله سبحانه وتعالى حذر من التلاعب بأمر الأموال فقد قال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة:188) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } (النساء:29).

 

وحذر سبحانه وتعالى أيما تحذير من الاجتراء على أموال اليتامى حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } (النساء:10).

 

وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم القليل من أموال الناس يورث النار ومنها قوله ردوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة وقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر كما جاء في حديث أبي هريرة (قال سافرنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال والثياب والمتاع فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يسمى مدعما فوجه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى وادي القرى حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إذ جاءه سهم غائر فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا" قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقال-صلى الله عليه وسلم-شراك او شراكان من نار.

 

هذا كله مما يدعو الإنسان إلى الاحتياط وعدم التفريط في شيء مما يتعلق بالمال العام لأن للكل حقوقا فيه على أن المال كله يسأل عنه العبد يوم القيامة سؤالين من أين اكتسبه وفيما أنفقه والله تعالى المستعان.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 16 رمضان1432هـ. الموافق 16 أغسطس2011م.

***********

مسؤولية الفرد عن الأموال العامة

 

من المعلوم أن كل احد مؤتمن على كل ما يكون تحت يده من ماله بنفسه أو مال غيره كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ان العبد يسأل يوم القيامة سؤالين عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه" فإذن كل واحد مسؤول وإذا كانت هذه المسؤولية حتى في المال الخاص بالإنسان فكيف بالمال العام الذي يشترك فيه الكثير من الناس بل يشترك فيه حتى المؤسسات الخيرية بأسرها لأن لكل منها حق في هذا المال فلذلك كل من تسول له نفسه بان يجترئ على هذا المال إنما يجب أن يذكر بالوعيد الشديد الذي جاء في الآيات التي ذكرناها في الحلقة الماضية ومنها قوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة:188) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } (النساء:29).

 

وحذر سبحانه وتعالى أيما تحذير من الاجتراء على أموال اليتامى حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } (النساء:10).

 

وبجانب ذلك أيضا نجد أن الغلول حذر منه أيما تحذير في القرآن الكريم فالله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...} (آل عمران:161) يعني أن كل من يغل شيئا فإنه يأتي حاملا إياه يوم القيامة وقد جاء ذلك توضيحه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ : " لأَعْرِفَنَّ رَجُلا يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٍ لَهَا ثُغَاءٌ ، أَوْ عَبْدٍ لَهُ صِيَاحٌ ، أَوْ فَرَسٍ لَهَا حَمْحَمَةٌ ، أَوْ بَغْلٍ لَهُ شَحْجٌ قَدْ غَلَّهُ " .

 

فإذن كل واحد إنما هو مسؤول على المحافظة عن هذا المال والتفريط فيه يؤدي إلى هذا العقاب.

 

أما بالنسبة إلى العقاب الدنيوي فإن أمر ذلك إنما يرجع إلى ولي الأمر فهو الذي يعاقبه بحسب ما يفضي إليه اجتهاده وبحسب ما يكون من هؤلاء الأشخاص غير المكترثين من تفاوت في طريقة اجترائهم على هذا المال فمنهم من تكون طريقه وحشية فهذا عقابه يجب أن يكون أغلظ ومنهم من يكون دون ذلك وهذا ينبغي أن يكون عقابه أيضا بقدر إساءته.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 17 رمضان1432هـ. الموافق 17 أغسطس2011م.

************

تجليات احترام الحقوق من خلال الصيام

 

هذا كله إنما يتم فيما إذا أدى الإنسان هذه العبادة المشروعة عبادة الصيام في شهر رمضان على النحو الذي يرضي الله تعالى فإن في الصيام تقويما للأخلاق وتهذيبا للنفوس وترويضا للإنسان على الأعمال الصالحة وتجنب الأعمال السيئة ودليل ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183) أي لتتقوا فالغاية من مشروعية الصيام هي تقوى الله سبحانه وتعالى كما أن ذلك واضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم "ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله" وقوله: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وجاء في الحديث ما يدل على أن الصيام يروض الإنسان على أن يحسن أخلاقه ويهذب سلوكه ويقوّم أعماله فقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم" وهذا يعني أنه يتعود الإنسان خلال أدائه لهذه العبادة المقدسة أن يتعامل مع الكل باللطف والرفق فلذلك تحسن العلاقة بين الناس جميعا من خلال أداء هذه العبادة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 18 رمضان1432هـ. الموافق 18 أغسطس2011م.

************

وجوب المحافظة على البيئة

 

البيئة هي المناخ الذي يستقر فيه الإنسان وهي مأخوذة من باء يبوء لأن الإنسان يبوء إلى هذه البيئة أي إلى هذا المناخ وهذه البيئة يجب أن يحافظ عليها من شتى الوجوه ونحن نرى أن الإسلام الحنيف جاء بالآداب الكثيرة والواجبات المتنوعة التي تؤدي الى المحافظة على هذه البيئة فنجد أن الإسلام الحنيف يحذر من تلويث البيئة مثلا وكذلك من تلويث الظلال وقد شدد الإسلام الحنيف من قضاء الإنسان حاجته في الماء وكذلك في قضاء حاجته في الأماكن التي يتخذها الناس ظلالا لهم آو تحت الأشجار المثمرة أو نحو ذلك وكذلك أيضا نجد أن الإسلام الحنيف حذر من كل خبيث ومن بين هذه الخبائث التدخين ولا ريب أن الدخان مفسد للبيئة أيما إفساد وهذا مما ثبت علميا فإن الأطباء الغربيين أنفسهم بينوا أن ما يدخنه الشخص المعتدل خلال ثلاثين عاما يكفي لتسميم مدينة سكانها عشرة آلاف نسمة ومن خلال ذلك تبين أن ما ينتج سنويا من السجائر في العالم يكفي لتسميم أربعة مليارات من الأشخاص وهذا أمر فيه خطورة بالغة فإذن الإسلام الحنيف عندما حرم هذه الخبائث لا ريب أنه بهذا حافظ على البيئة وأمر بصونها من كل ما يؤدي إلى أي شيء من فسادها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 19 رمضان1432هـ. الموافق 19 أغسطس2011م.

**************

الله تعالى لا يغير ما أنعم به على العباد

 

يقول الله سبحانه وتعالى: {... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...} (الرعد:11) حقيقة الأمر أن الناس حملوا هذه الآية على أن التغيير من الفساد إلى الإصلاح أو من الشر إلى الخير إنما يكون بتغيير أنفسهم والواضح من سياق الآية الكريمة أن الآية تدل على أن الله تعالى لا يغير ما انعم به على العباد من خير إلا إذا ارتكبوا هم الأسباب الموجبة لهذا التغيير بحيث يخالفون أمره سبحانه فالآية فيها وعيد وليست وعدا كما تصورها الكثير من الناس وأدلة ذلك في تفسير القرآن بعضه لبعض فالله سبحانه وتعالى يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ...} (الأنفال:53).

 

فمعنى ذلك لا يغير الله ما أنعم به على عباده من النعم حتى يغيروا هم هذه النعم فإنهم يستحقون عقاب الله سبحانه وتعالى كما قال سبحانه وتعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ{45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ{46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (النحل:45-47)، فالمعاصي تؤدي والعياذ بالله إلى النقم والله تعالى المستعان.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 20 رمضان1432هـ. الموافق 20 أغسطس2011م.

**********

شكر النعمة وكيفيته

 

شكر النعمة أمر تحتمه الفطرة السليمة إذ النفس مجبولة على حب من أنعم اليها وأحسن إليها ونعمة الله سبحانه وتعالى على الإنسان لا يكاد الإنسان يحصيها ابدا فلو كانت خلايا جسمه ألسنة ناطقة ومع ذلك أمدته الكائنات بأسرها بذراتها لتكون ألسنة ناطقة ووقف ذلك كله على شكر الله تعالى وذكره بسبب أدنى نعمة من النعم لما استطاع أن يوفي حق هذه النعمة فكيف بجلائل النعم حسب الإنسان انه يسبح في خضم نعم الله سبحانه وتعالى التي لا يحصيها أي عقل ولا أي لسان وحسب الإنسان أنه منذ وجوده والى نهاية وجوده تحيط به هذه النعم وتتدفق عليه في كل لحظة بل فيما هو أدق من اللحظات والله سبحانه وتعالى وعد الشاكرين بالمزيد و {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (إبراهيم:7).

 

ومن المعلوم أن ضد شكر النعمة كفرها فمن لم يشكر النعمة فهو كافر بها وقد بين الله سبحانه وتعالى أن المنعم عليه لا بد من أن يكون شاكرا وإما كفورا فقد قال سبحانه وتعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } (الإنسان:3) وحكى عن عبده سليمان عليه السلام أنه قال: {... لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } (النمل:40).

 

فجدير إذن بالإنسان أن يواجه شكر نعمة الله ولا يكون هذا الشكر إلا بصرف هذه النعمة في الغرض الذي انعم الله سبحانه وتعالى من أجله بها وهذا يعني أن يستخدم الإنسان كل نعمة من نعم الله في طاعته سبحانه وتعالى بهذا يكون موفيا للشكر إذ الشكر كما هو معلوم إنما هو وضع النعمة في موضعها وهو يكون إما باللسان وإما بالجنان وإما باليد وسائر الجوارح وهذا معروف لغة فإن الشاعر يقول :

 

أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا

 

وهو اصطلاحا وضع نعمة الله تعالى في الغرض الذي أنعمها الله تعالى من اجله فيجب استخدام كل نعمة في طاعته تبارك وتعالى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 21 رمضان1432هـ. الموافق 21 أغسطس2011م.

************

آثار شكر النعم

 

شكر النعم يترتب عليه المزيد من فضل الله تعالى لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (إبراهيم:7) فمن شكر فإنما يعود عليه هذا الشكر بزيادة عوائد الخير من الله سبحانه وتعالى أما من كفر فالأمر بخلاف ذلك فان الله سبحانه وتعالى يقول: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } (النحل:112) لذلك كان على الإنسان أن يقيد النعمة بشكرها وأن يحافظ عليها بشكرها وأن ينميها بشكرها وأن يطلب المزيد عليها بشكرها فمن شكر نعمة الله سبحانه كان شكره إياها سببا لتزايدها وقد يجعل الله في تلك النعمة بنفسها البركة وقد يضيف إليها أمثالها وأمثال أمثالها حتى تتزايد هذه النعم إلى أن يعيش في بحبوحة منها بحيث تحيط به في كل جانب وحسبه عناية الله سبحانه وتعالى التي تحفظه من كل سوء وتحميه من كل هلاك وتمنعه من كل ترد في أي فساد فإن هذه العناية هي مزيد نعمة وإنما هي تنال بشكر الله سبحانه وتعالى فالله سبحان يبسط عنايته ويبسط سائر آلائه لمن شكر هذه الآلاء.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 22 رمضان1432هـ. الموافق 22 أغسطس2011م.

***********

معنى الإيثار ومظاهره

 

الإيثار ضد الاستئثار وهو أن يؤثر الإنسان غيره بما معه والاستكثار هو أن يستبد بالخير لنفسه دون أن يشرك غيره فيه.

 

والله سبحانه وتعالى ذكر الأنصار ووصفهم بالإيثار إذ قال عز من قائل: {... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...} (الحشر:9) فهم يؤثرون غيرهم ولو كانت بهم خصاصة أي ولو كان بهم فقر لأنهم يريدون الخير لغيرهم كما يريدون الخير لأنفسهم فقد كانوا يحرصون على راحة إخوانهم المهاجرين وكان الأنصاري إن كان عنده مال يشطر ماله شطرين ويعرض على المهاجر كلا الشطرين ليختار ما يشاء منهما وإن كانت عنده زوجتان أيضا عرض عليه زوجتيه ليختار واحدة منهما حتى يطلقها له كل ذلك من الإيثار الذي وصل إليه هؤلاء الأنصار بسبب أنهم انتزع من نفسهم الشح وحب الدنيا والركون إليها فكانوا مثالا في إيثار غيرهم على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة وهذه محمدة وأي محمدة بل حسبهم أنهم آووا المهاجرين في دورهم وأشركوهم في خيرهم وقدموهم على أنفسهم وعلى أولادهم وهو أمر يعد في منتهى قمة الإيثار على النفس بخلاف الاستئثار وهو أن يحب الإنسان الخير لنفسه ويشح به عن غيره.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 23 رمضان1432هـ. الموافق 23 أغسطس2011م.

**********

الإحسان وأنواعه وصفاته

 

الإحسان لفظة واسعة المعاني وإنما ينظر إلى كل معنى من هذه المعاني بحسب ما تسوقه إليه القرائن فان الإحسان في العبادة بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك".

 

هذه هي مرتبة الإحسان وهي تأتي فوق مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان وذلك بان يعبد العبد الله تعالى كأنما يراه لأنه يشعر ويحس أن الله تعالى محيط به فهو يراه وإن كان لا يراه.

 

وأما الإحسان فيما عدا ذلك فهو أن يتقن الشيء ويبلغ فيه منتهى ما يمكن أن يصل إليه من إجادته فإحسان المعاملة مع الإخوان أن يتلطف بهم وأن يصفح عن مسيئهم وأن يشكر محسنهم وأن يقابل إحسان المحسن بمثله وألا يقابل الإساءة بمثلها.

 

والإحسان بالنسبة إلى الأهل أن يوسع الإنسان صدره لهم ويعاملهم بالرفق ويتخللهم بالموعظة ويرشدهم إلى الخير ويعلمهم أمر دينهم ودنياهم.

 

والإحسان إلى الجيران هو أن يشركهم فيما آتاه الله من خير وأن يكف أذاه عنهم وأن يصلهم في جميع الأحوال في بؤسهم ونعيمهم في سرائهم وضرائهم بحيث يهنئهم عندما يكونون في نعمة ويعزيهم عندما يكونون في مصيبة ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ويقوم بالواجب بينه وبينهم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأربعاء 24 رمضان1432هـ. الموافق 24 أغسطس2011م.

************

مواصفات النفس المطمئنة

 

النفس المطمئنة هي التي امتلأت باليقين ووثقت بوعد الله سبحانه وتعالى وتجنبت كل ما يؤدي إلى وعيده وأشفقت من عذاب الله وسعت حسب جهدها في مرضاة الله تعالى بفعل أوامره والازدجار عن نواهيه والانضباط في كل حركة وفي كل سكنة بحسب ما يقتضيه أمر الله بحيث لا تتحرك إلا في محيط أمره سبحانه وتعالى مع الحذر عن الوقوع في المزالق على اختلاف أنواعها وهي مع ذلك صابرة على كل ما يصيبها في هذه الدنيا من نكد الحياة ولأواء العيش ومشقة التكاليف لأنها مطمئنة إلى وعد الله سبحانه راجية من فضله أن يسبغ عليها نعمه وأن يجزيها أحسن الجزاء.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الخميس 25 رمضان1432هـ. الموافق 25 أغسطس2011م.

************

سعة رحمة الله

 

رحمة الله تعالى وسعت جميع الوجود لقوله تعالى: {... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ...} (الأعراف:156) ولكن هذه الرحمة بين سبحانه وتعالى لمن تكون إذ قال عقب ذلك {... فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } (الأعراف:156) فرحمة الله تعالى تسع الوجود كله ولذلك تسع كل مسيء إن تاب إلى الله وعاد إليه فالله سبحانه وتعالى خاطب المسيئين بقوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر:53).

 

وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر:54-58) فرحمة الله تعالى تسع جميع خلقه ولكن بشرط عودهم إليه وطلبهم رحمته واستمساكهم بحبل التقوى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الجمعة 26 رمضان1432هـ. الموافق 26 أغسطس2011م.

******

معنى الدعاء مخ العبادة

 

الدعاء هو مخ العبادة لأن العبادة خاصة بالله تعالى والدعاء لا يكون أيضا إلا موجها إلى الله إذ لا يدعى غير الله تعالى فكما أنه يحرم على الإنسان أن يوجه عبادة من العبادات لغير الله بحيث يصلي لغير الله أو يصوم لغير الله أو يزكي لغير الله أو يحج لغير الله كذلك دعاء غير الله لأنه لا يملك احد أن يكشف ضراء ولا أن يمنح سراء إلا الله تعالى فقد قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (الأحقاف:4) ثم قال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } (الأحقاف:5) ثم قال: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } (الأحقاف:6) يعني سبحانه وتعالى أن هؤلاء الذين يدعون من دون الله غير الله تعالى هم في ضلال بعيد ذلك لأنهم لا يمكنهم أن يستجيبوا لدعائهم إلى يوم القيامة ثم ليس ذلك فحسب بل إذا حشر الناس يوم القيامة كان هؤلاء المدعوون أعداء للداعين إذ يتبرؤون منهم ويتنصلون منهم ويقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً } (فاطر:40) فلا يجوز أن يدعى غير الله لذلك كان الدعاء مخ العبادة لأنه يجب أن يكون خالصا لله كما تكون العبادة خالصة لله سبحانه وتعالى والآيات القرآنية التي نعت على المشركين الذين يدعون من دون الله هي كثيرة جدا فالله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (الرعد:16).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: السبت 27 رمضان1432هـ. الموافق 27 أغسطس2011م.

*************

معنى آية

 

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } (الأعراف:205) هذه الآية تحض على ذكر الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال فعلى الإنسان أن يذكر ربه سبحانه وتعالى في سره فيما دون الجهر إذ لا يقتصر الذكر على حال الجهر فحسب بل الذكر في حالة السر له اثر كبير على النفس من حيث الإخلاص ومن حيث المراقبة لله سبحانه وتعالى ومن حيث تربية النفس على التعلق بالله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال فالإنسان مطلوب أن يذكر ربه تبارك وتعالى في السر وفي العلانية وفي المكره وفي المنشط وفي الشدة وفي الرخاء وفي كل حال من الأحوال لأن ذكر الله سبحانه وتعالى في الرخاء هو سبب لنيل الفرج في الشدة وذكر الله سبحانه وتعالى في حال اليسر هو سبب لفتح الأبواب عند العسر وذكر الله سبحانه وتعالى عندما ينساه الناسون هو سبب لنيل مبتغى النفس في الحالة التي يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى فيها اللاجئون.

 

على أن ذكر الله تعالى نور يشع في جنبات القلب ويبدد من النفس ظلمات الطبع ويصل الإنسان بالله سبحانه وتعالى بحيث يجعله دائما مراقبا لله في حركاته وسكونه وفي سلمه وفي حربه وفي مكرهه وفي منشطه فلا يقدم على أي أمر يخالف أمر الله لأنه يحس برقابة الله تعالى تحيط به ويحس بافتقاره إلى الله في كل لحظة من اللحظات فالذكر هو معقد السلامة ومناط الاستقامة وسبب لوصول الإنسان إلى مبتغاه من فضل الله تعالى في الدنيا والآخرة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الأحد 28 رمضان1432هـ. الموافق 28 أغسطس2011م.

**************

تفسير«خِيفَة» و«خُفْيَة»

 

أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يدعوه تضرعا وخُفْيَة وتضرعا وخِيْفَة فالتضرع هو أن يكون الإنسان يحس بافتقاره إلى الله ولجوئه إلى الله ورغبته فيما عند الله ولزوم تذللـه بين يدي الله سبحانه وتعالى لينال مبتغاه من فضل الله وليسبغ عليه الله تعالى رحمته وليبوئه نعمته ولينشر عليه هدايته وليجعله موصولا به يستجيب دعاءه إذا دعاه ويغفر ذنبه إذا استغفره ويتوب عليه إذا تاب إليه.

 

وأما التضرع والخيفة فهو أن يكون بجانب تضرعه وتذللـه بين يدي الله سبحانه وتعالى يخشى الله لأنه لا يدري هل وفى ذلك الدعاء الذي دعاه حقه؟ وهل قام بما عليه حق القيام أم انه مقصر في ذلك وعليه أن يتهم نفسه دائما بالتقصير وأن يحس بعظم حق الله تعالى عليه؟ فإنه مهما حاول الإنسان أن يوفي ما عليه فلا بد أن يشعر دائما بالتقصير إذ حق الله تعالى اكبر لأن نعم الله تعالى لا تحصى ولأن حقه سبحانه وتعالى هو أعظم من أن يتصوره العباد كيف وهو سبحانه هو الذي أخرج الإنسان من العدم إلى الوجود وأسبغ عليه النعم الظاهرة والباطنة والمنقلب إليه سبحانه وتعالى على أن الإنسان مهما حاول أن يستمسك بالعروة الوثقى وأن يتبع الحق الذي أنزل الله عليه أن يشعر بأن للنفس هزات تعتريها وللشيطان وساوس يمليها فلذلك عليه أن يكون دائما يقظا حذرا وأن يكون خائفا وجلا راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يصونه من مزلات النفس ومن نزغات الشيطان وأن يحفظه من كل سوء ويوفقه لكل خير في الخِيْفََة والخُفْيَة.

 

(الخِيفَة) هي أن يكون الإنسان في حال تضرعه خائفا من الله و(الخُفْيَة) أن يكون ذلك بينه وبين الله لأن ذلك ادعى إلى الإخلاص لوجهه حيث لا يراعي عينا تراه من قبل خلق الله تعالى.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 29 رمضان1432هـ. الموافق 29 أغسطس2011م.

**********

حاجة الأمة إلى القيم

الخليلي: الأمة تمــــــــر بمنعطف حرج وهي بحاجة إلى أن تراجع حساباتها..

دعا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة الأمة الإسلامية، وهي تمر بمنعطف حرج في هذه الآونة، إلى أن تراجع حساباتها وتلملم شتاتها وأن تجعل كلمتها هي الكلمة التي تسود في هذه الأرض وذلك ما لا يتم أبدا إلا عندما ترجع إلى كتاب ربها سبحانه وتعالى لتنهل من مناهله العذبة ولتستبصر بنوره الوقّاد ولتسير على نهجه السوي.

 

وأضاف سماحته في كلمته للمسلمين بمناسبة حلول الشهر الفضيل أن الله سبحانه وتعالى بين أن القرآن فيه هداية لهذه الإنسانية وفيها تبصير لها من كل ضلالة وفيه الخير كله الله تعالى في وصفه {... هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } (البقرة:2) و {... هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...} (البقرة:185) و {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } (لقمان:3) و {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (النمل:2) و {... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (النحل:89) و {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } (الإسراء:9) و {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } (الإسراء:82).

 

مشيرا سماحته إلى أن الله سبحانه وتعالى بيّن الترابط بين هداية القرآن وبين فرضية صيام شهر رمضان الذي كان ميقاتا لنزول هذا القرآن عندما قال {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...} (البقرة:185) في هذا الربط بالفاء التي تقتضي ربط ما بعدها بما قبلها ما يؤذن بأن في الصيام عونا للإنسان على التغلب على أهواء النفس وشهواتها ونزعاتها ونزغات الشيطان حتى تطبق هذه النفس تعاليم القرآن في حياتها وفي مجتمعها وفي أمتها وما بين أفراد جنسها لتنعم الإنسانية كلها بخير القرآن الكريم فعلى هذه الأمة أن تراجع حساباتها وهي تمر بهذا المنعطف الخطير وتستقبل هذا الشهر العظيم.

 

ضرورة صيام

{... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...} (البقرة:185) ما المقصود بمن شهد في الآية؟

المفسرون اختلفوا قيل المراد بمن شهد الشهر من كان حاضرا مقيما غير مسافر وذلك الحكم يقابل بقوله سبحانه وتعالى: {... فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ...} (البقرة:184) وقيل من شهد الشهر معناه من أبصر الهلال أو كان في حكم من أبصره لان الهلال يسمى أيضا شهر كما في قول الشاعر:

 

إخوان من نجد على ثقة ... والشهر مثل قلامة الظفر

حتى تكامل في استدارته ..... لأربع زادت على عشر

 

ومهما يكن فإن من المعلوم أن الآية الكريمة تؤكد على ضرورة صيام هذا الشهر العظيم وعدم التردد في هذا الأمر الذي جاء من قبل الله.

 

أدب رباني

(الصوم جنة) كيف يتحقق ذلك في حياة المسلم؟

الصوم جنة يعني وقاية والقرآن الكريم دل على هذا فإنه بين أن الصيام انما شرع لأجل ما يؤدي إليه من التقوى وقد قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183) أي لتتقوا والصيام إنما يكون سبيلا إلى التقوى ويكون جنة من المعاصي عندما يؤديه الإنسان على النحو المشروع فإنه ليس مجرد كف عن الأكل والشرب وقضاء الوطر الجنسي فحسب بل هو بجانب ذلك تكييف للحياة كلها وفق مقتضيات الشرع وفطم للنفس على شهواتها وتقوية لجانب الإرادة على جانب الرغبات والشهوات في نفس الإنسان فإن الصيام الصحيح فهو الذي يحبس فيه الإنسان جوارحه كلها ويقيدها حتى لا تقدم على شيء من معاصي الله فلا ينطق عندما ينطق إلا بحق ولا يبصر عندما يبصر إلا ما كان جائزا ولا يسمع عندما يسمع إلا حلالا ولا يتناول بيده إلا الحلال ولا يمشي بقدميه إلا إلى الجائز ولا يتصرف أي تصرف إلا في حدود الجائز فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ويقول الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم (ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله) على أن قوله صلى الله عليه وسلم (الصيام جنة) جاء شرحه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عندما قال على اثر ذلك (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم) فهذا أدب رباني يؤدب به رسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمة حتى تتكيف مع مقتضيات الشريعة وتهتدي بهدى الله سبحانه وتعالى وتسير على نهجه حتى تنتهي إلى رضوانه وتتبوأ مقعد صدق  في جنة عدن عند مليك مقتدر.

 

يصدق على الكذب والنميمة

ما الذي يقصده النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (اجتناب قول الزور)؟

يصدق قول الزور على الكذب والنميمة ويصدق على كل قول باطل ينطق به الإنسان فكل ذلك يؤمر أن يجتنبه.

 

تميل بعض النفوس إلى الصوم لأجل الصحة ولأجل التغذية المكثفة كهدف أسمى ويتناسون الجانب التعبدي، كيف يوجه هؤلاء؟

 

أمّا من صام لأجل الصحة فصيامه غير الصيام الشرعي لأن الصيام عبادة من العبادات والعبادة لا بد لها من نية {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة:5) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فالإنسان مطالب بأن يؤدي العبادة بنية صحيحة وأن يكون قصده التقرب إلى الله.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الاثنين 1 رمضان1432هـ. الموافق 1 أغسطس2011م.

*********************

كلمة الختام

 

ان الحمد لله سبحانه وفقنا لصيام هذا الشهر المبارك وما كنا لنقوم بذلك لولا توفيقه سبحانه وتعالى والشكر لله سبحانه على نعمه التي أحاطت بنا ومن بين هذه النعم نعمة الهداية إلى الإسلام دين الله الحق الذي شرع الله تعالى فيه هذه الشعائر العظام التي تزكي النفوس وتهذب الأخلاق وترتقي بالألباب وتنهض بالأفراد والمجتمعات والأمم ويجب علينا جميعا ان نحرص على مكاسب هذا الشهر المبارك فإن العاقل هو الذي يحرص على أن يحوز مكاسبه وألا يفرط فيها ومن أعظم هذه المكاسب ما يعتاده الإنسان في هذا الشهر من تقوى الله والعمل بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسارعة إلى الطاعات والوقوف عند حدود الله وفطم النفس عن شهواتها فهذه خصال محمودة يجب أن يكون أثرها باقيا في حياتنا ما امتدت بنا الأيام وألا ننسى الله تعالى فيما عدا هذا الشهر المبارك بل علينا أن نشكره دائما وأن نحمده وأن نطيعه وأن نسارع إلى ما أمر به وان نزدجر كل الازدجار عما نهى عنه وأن نسارع إلى مغفرة منه ورضوان وجنة عرضها السموات والأرض {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{134} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران:133-135) فعلينا أن نلتزم كل هذه الخصال المحمودة التي يصف بها المتقين الذين وعدهم الله جنة عرضها السماوات والأرض وأن لا ننسى الله سبحان وتعالى وننسى أمره ونهيه ووعده ووعيده وفضله ونعمه ودلائله وامتنانه عندما نودع هذا الشهر المبارك والله تعالى ولي التوفيق وهنيئا لجميع الصائمين والصائمات في اختتام صيامهم واستقبال عيدهم وكل عام والجميع بخير.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: روضة الصائم: ملحق بجريدة عمان: الثلاثاء 30 رمضان1432هـ. الموافق 30 أغسطس2011م.