المفتي العام للسلطنة: مسارعة الرجال أو النساء إلى التجاوب مع كل نداء يستفزهم يعد ضعفا في الشخصية وذوبانا للهوية

إرشادات الله تعالى تأتي لتأخذ بيد الكائن البشري إلى سبيل الخير وما فيه عزه وسعادته -

 

- أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة ان الله سبحانه وتعالى ما ترك الناس في حيرة من امرهم بل ارسل إليهم رسله وأنزل إليهم كتبه.

- وأوضح: أن إرشادات الله تعالى تأتي لتأخذ بيد الكائن البشري الى سبيل الخير وإلى ما فيه عزه في الدنيا وسعادته في العقبى.

- وقال: على الانسان ذكرا كان أو أنثى ان يحرص على ان يتوجه بحسب توجيه الله سبحانه وتعالى والمؤمنون والمؤمنات يتنافسون في السباق الى الخير والى كل ما يعود عليهم بالفضل والسعادة في الدنيا والآخرة.

- وبين أن الايمان يقتضي ان يتفاعل الانسان مع ما آمن به كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

- واكد على ان مسارعة الرجال او النساء الى التجاوب مع كل نداء يستفزهم يعد ضعفا في الشخصية وذوبانا للهوية وعلى الانسان ان يسعى الى إثبات هويته.

- وقال: كلما اعتز الانسان بطاعة الله تعالى عز وكلما اعتز بغير طاعة الله تعالى ذل وعلى النساء ان يدركن ذلك.

- وبين ان الانسان كائن اجتماعي حياته تتوق على التداخل والتشارك والأخذ والرد والقبض والبسط والعطاء والمنع والسلم والحرب.

- وقال: إن الناس مطالبون بان يلتزموا بالشورى وبها خلاص هذا الانسان من نتيجة الاستبداد فعاقبة الاستبداد عاقبة سيئة.

- وأشار الى ان الملائكة بطبيعة الحال ألو نفوس صافية وهم جنس يختلف عن الجنس البشري في طبائعه فلذلك هم منزهون من الوقوع في محارم الله.

- وبين ان المسؤولية تكليف اكثر من كونها تشريفا فعلى الانسان أن يدرك هذا الأمر وان يحرص على اداء مسؤولياته على النحو الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يسخطه.

- واوضح ان الانسان يؤمر بأن يبدي صفحته للناس من حيث بيان ما في نفسه بكل وضوح حتى لا يكون هنالك ريب.

 

جاء ذلك في برنامج سؤال اهل الذكر الذي قدم يوم الأحد الماضي 1ربيع الأول 1434هـ 13-1-2013 والذي جاء في مقدمة مقدم البرنامج ما نصه (عندما تشترك العقول الناضجة في إقرار رأي تلغي نسبة الخطأ عادة تكون قليلة وقد تكون كثيرة أحيانا لكنه مبدأ أمر الله تعالى الناس ان يسيروا عليه مهما كلفهم ذلك خسائر قريبة بيد ان الشورى يتردد صداها عندما تقرر الأمة التداول في أمر يخص الكيان الكبير او يتعلق الصروف العامة والمصالح المشتركة بين الناس وكثيرا ما تشرح تفاصيل صورها وسائل الاعلام عندما ينعقد مجلس هنا او هناك ولكن ماذا عن فقهها وماذا عن أحكامها وماذا عن الدوائر الصغيرة العامة والخاصة وهل يطالب بها المتربع على عرش مؤسسة عامة او خاصة وهل في التعيينات والقرارات شورى الى اي مدى تصلح الشورى لغة الانسان في علاقاته العامة والخاصة وماذا عن مجالها في الأسرة وبين الأبناء) والى المزيد مما قاله سماحته في الجزء الأول من هذه الحلقة..

 

فحول سؤال الدكتور سيف الهادي مقدم البرنامج الذي يقول فيه : قبل أن نبدأ في موضوع الشورى وما يتعلق بها من احكام هناك سؤال نرى من الضرورة ان يتقدم هذه الحلقة ثم بعد ذلك نشرع في الشورى هذا السؤال تقدمت به بعض النساء بإلحاح تقول: انتشرت بعض البدع بين النساء كانتشار النار في الهشيم ومما ساعد في انتشارها المغريات الكثيرة والتقليد الأعمى والتباهي والتفاخر واتباع صيحات الموضة والتنافس في اتباعها وقد حذر الله تعالى من تلك البدع بل ان بعضا منها تعد من الكبائر التي توعد الله تعالى فاعلها بالطرد من رحمته فما هي نصيحة سماحتكم لهذه النساء اللواتي اغراهن الشيطان.

 

يرد سماحته على هذا السؤال بقوله : ان الله سبحانه وتعالى ما ترك الناس في حيرة من أمرهم بل أرسل إليهم رسله وأنزل إليهم كتبه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وتأتي ارشادات الله تعالى لتأخذ بيد الكائن البشري الى سبيل الخير الى ما فيه عزه في الدنيا وسعادته في العقبى فعلى الانسان ذكرا كان او انثى ان يحرص كل الحرص على ان يتوجه بحسب توجيه الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).

 

نعم المؤمنون والمؤمنات يتنافسون في السباق الى الخير ويحرصون على ان ينالوا الحظ الأوفر من كل ما يعود عليهم بالفضل والسعادة في الدنيا وفي الآخرة الله سبحانه وتعالى وجه الانسان الوجهة المرضية ولا ريب ان الانسان هو خاسر ايا كان الا من اجتمعت فيه خصال اربع جمعها قول الله تعالى (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر).

 

لابد من ان يجمع الانسان بين هذه الخصال الأربع ليصل الى الغاية المرجوة غاية الخير الى السعادة وهي الإيمان والايمان يقتضي ان يتفاعل الانسان مع ما آمن به كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر لأن الأمانة الملقاة على العواتق هي امانة ثقيلة والاضطلاع بها يقتضي صبرا ومصابرة صبرا على تحمل مشاقها وصبرا على العزوف عن اي شيء تميل اليه النفس مما هو فيه مضرتها فإذن الناس مطالبون بان يلتزموا هذا الالتزام.

 

ولا ريب ان مسارعة الرجال او النساء الى التجاوب مع كل نداء يستفزهم هذا مما يعد ضعفا في الشخصية وذوبانا للهوية وعلى الانسان ان يسعى الى اثبات هويته والله سبحانه وتعالى بين ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فكلما اعتز الانسان بطاعة الله تعالى عز وكلما اعتز بغير طاعة الله تعالى ذل اذ العز كل العز في طاعته والذل كل الذل في معصيته.

 

والذين يريدون العزة من خلال تقليدهم او اتباعهم مناهج الآخرين انما هذا كله دليل الضعف والذوبان وعدم الثبات انما على الانسان ان يبتغي العزة في اتباع النهج الصحيح والله تعالى اكرم هذه الأمة بان بعث اليها رسولا كريما وانزل عليه ذكرا حكيما فيه ما بيان ما تأتيه وما تذره وفيه بيان ما يسعدها وما يشقيها التمس به هو معقل العز فعلى المؤمنين والمؤمنات ان يدركوا ذلك ونحن نجد أن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاءت بالوعيد الشديد في بعض التصرفات التي تتصرفها النساء مما يؤدي الى خسرانهن فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:( صنفان من امتي من اهل النار لم ارهما بعد رجال بايديهم سياط باذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا).

 

هكذا يبين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة هذا الأمر وكم من نساء يحاولن هكذا بحيث يجعلن رؤوسهن كاسنمة البخت المائلة هذا الحديث انما هو من معالم اعجاز كلامه صلى الله عليه وسلم فهو عليه افضل الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى فالله سبحانه وتعالى اطلعه على ما سيأتي وبين له الحقائق كما بين له الحقائق الماضية وبين له حقائق الوجود فكانت سنته صلى الله عليه وسلم مجمعا للمعجزة كما كان القرآن الكريم ولذلك جاءت مثل هذه العبارات التي تنبىء عما سيحصل في المستقبل وقد حصل كما اخبر صلوات الله وسلامه عليه كما انذر هذه الأمة فعلى النساء ان يدركن ذلك وعليهن ان يتجنبن كل ما يؤدي بهن الى الذل في الدنيا او الى شقاوة في الدار الآخرة وعليهن ان يدركن ان العزة منوطة بطاعة الله تعالى لا بمعصيته فمن تسارع الى معصية الله تسارع الى الذل والله تعالى المستعان.

 

حدث عظيم

وعما إذا كان أخبار الله تعالى لملائكته بخلق آدم في المشهد الذي حكاه الله تعالى بينه وبين ملائكته الكرام مجرد اخبار ام استشارة تكريمية أم تهيئة لاحترام هذا المخلوق الجديد اكد سماحة الشيخ بقوله: ان خلق ادم وخلق الجنس البشري من خلال خلقه انما هو حدث عظيم وان يتحمل واجباته وان الخلافة بقعة مهمة في هذا الكون في الأرض التي جعلها الله تعالى متنزلا لرسالاته ومكانا لامتثال أمره والازدجار عن نهيه ولاختبار خلقه فالانسان استخلف في هذا المكان وقد آذن الله الملأ الأعلى بهذا النبأ العظيم قال لهم اني جاعل في الأرض خليفة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) لاريب ان الله تعالى ليس بحاجة الى استشارة احد او الى عرض قضية ما على احد وانما هذا امر اراده الله سبحانه وتعالى ان يكون فيه اختبار لهؤلاء الملائكة ليحصحص الحق ويتجلى هل هم جميعا على حسب امر الله او انه اندرج فيما بينهم من يحمل في نفسه عزما على مخالفة امر الله سبحانه وتعالى وهو ابليس الذي كان مندسا فيما بينهم.

 

ولاريب ان هذا الحدث هو حدث عظيم هذا الحدث ساقه الله تعالى في هذا السياق الذي يوحي ظاهر لفظه ان الكلام سيق مساق مشورة وليس هذا في الأصل الغرض من هذا السياق ولكن مهما كان اراد الله سبحانه وتعالى ان يبين ان هذا الإنسان الذي سيوجد في هذا الكون وسيخلق ليكون خليفة في هذه الأرض هذا الانسان هو كائن اجتماعي حياته تتوقف على التداخل والتشارك والأخذ والرد والقبض والبسط والعطاء والمنع والسلم والحرب سيكون هناك ما بين افراد هذا الجنس من ذرية هذا الإنسان الأول الذي خلقه الله تداخل يؤدي الى هذا كله.

 

ولا ريب ان الناس مطالبون ان يمثلوا امر الله وان يزدجروا عن نهيه وان يلتزموا الحق هذه الجماعة التي تلتزم هذا الأمر هي بحاجة فيما بينها الى التشاور لأجل نضج الفكرة حتى تتبين المصلحة اين هي ويضع الأمر فهم يتحملون تبعاته جميعا عندما يدلي كل احد منهم برايه ثم تجتمع هذه المجموعة على قبول رأي معين وترجيح رأي معين بحيث يترآى لهم انه هذا هو الرأي الأرجح الكل يتحمل تبعة هذا الأمر فإذن أراد الله سبحانه وتعالى ان يؤذن الملائكة بان هذا الانسان هو بحاجة الى ان يتشاور مع بني جنسه وقد اراد الله سبحانه وتعالى بجانب هذا التكريم العظيم الذي كرمه هذا الجنس البشري من خلال إيذان الملائكة بان الله تعالى خالقة اراد الله تعالى مع ذلك ان يحس هذا الانسان انه بحاجة الى التشاور وبحاجة الى الأخذ والعطاء مع بني جنسه لا يستقل احد برأيه عن الآخرين ناهيكم ان الله سبحانه وتعالى جعل الشورى ما بين اقام الصلاة والانفاق من رزق الله (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

 

امرهم شورى يتشاورون فيما بينهم ومع ذلك ينفقون فاذن امر الشورى ليس بالأمر الهين الناس مطالبون بان يلتزموا هذه الشورى وبها خلاص هذا الانسان من نتيجة الاستبداد فعاقبة الاستبداد عاقبة سيئة لو استبد كل احد برأيه لأدى ذلك الى تصادم كبير بين الناس ولكن عندما يلتقون ويتشاورن ويتناصحون فيما بينهم تكون حصيلة هذه الشورى هي فائدة كبيرة لكل من اخذ بها.

 

مقام استجلاء وأخذ ورد

وحول ما حفز الملائكة عليهم السلام في ابداء التساؤل امام القدرة الإلهية وما الذي يجب ان يستفيده او يفيده من اسند إليه اتخاذ قرار في هذه الدنيا يقول سماحته:

الملائكة بطبيعة الحال ألو نفوس صافية وهم جنس يختلف عن الجنس البشري في طبائعه فلذلك هم منزهون من الوقوع في محارم الله وقد رأوا ان المقام انما هو مقام استجلاء مقام اخذ ورد فعليهم ان يكونوا ناصحين فلذلك قالوا هذه الكلمة التي تعود في الحقيقة الى صفاء نفوسهم (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) لأنهم اشفقوا على سكان الأرض من الافساد ومن سفك الدماء فلذلك قالوا ما قالوه هذا من باب ابداء النصح الواجب النصيحة لله تعالى والله سبحانه وتعالى اخبرهم انه يعلم ما لم يعلموا حكمة الله حكمة عظيمة على كل من تربع على أية مسؤولية من المسؤوليات ان يدرك انه امام مسؤولية فيما بينه وبين الله والله تعالى سائله وانه حمل هذه المسؤولية ليختبر اذ المسؤولية هي تكليف اكثر من كونها تشريفا فعلى الانسان ان يدرك هذا الأمر وان يحرص على اداء مسؤولياته على النحو الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يسخطه.

 

الإنسان يؤمر بإبداء صفحته للناس

وعما اذا كان صاحب القرار يطالب بتقديم البراهين لبيان صواب رأيه او قراره ام ان ذلك يدخل في باب التلطف بالاقناع وارضاء النفس اكد سماحته ان الانسان يؤمر بان يبدي صفحته للناس من حيث بيان ما في نفسه بكل وضوح حتى لا يكون هنالك ريب والناس بطبيعة الحال كثيرا ما تعتمل في نفوسهم تساؤلات عندما يجدون امرا مستنكرا فلذلك كان من الضرورة من يتحمل مسؤولية ان يبرئ نفسه وان يظهر الحقيقة حتى لا يغمط حقه من حسن الظن به والنبي صلى الله عليه وسلم مع علو قدره ورفعة شانه وكونه عند جميع المسلمين مبرأ من كل ما يريبه عليه افضل الصلاة والسلام لأن الله تعالى هيأه لتحمل هذه الأمانة والاضطلاع بهذه الرسالة فهو بعيد عن المؤثرات النفسية وغيرها مما يميل بالانسان ذات اليمين وذات الشمال ولكن مع ذلك كان يحرص على ان يجنب اصحابه رضي الله تعالى عنهم أي تساؤل فيما يتعلق ببعض الأمور التي تريبه.

 

عندما وجده أحد من أصحابه وكانت بجنبه امرأته صفية رضي الله تعالى عنها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه بان هذه صفية حتى لا يقع في نفسه شيء من الريبة لأجل الشفقة عليه من ان يظن به ظنا سيئا صلى الله عليه وسلم وهو المبرأ من كل سوء فاذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا صنع فكيف بسائر الناس ومن الذي يرقى الى هذا المقام الأرفع الذي ارتقى اليه صلوات الله وسلامه عليه بتكريم الله سبحانه وتعالى له.

_______________________________________

جريدة عمان: الجمعة 6 ربيع الاول 1434هـ / 18 يناير 2013م

متابعة: سيف الخروصي