طباعة
المجموعة: دراسات وبحوث
الزيارات: 2605

فقه المشترك الإنساني عند ابن بركة

أ.د: محمود مصطفى عبود آل هرموش

 

ترجمة العلامة محمد بن بركة:

       ترجمة العلامة عبد الله بن محمد بن بركة لا يتسع لها هذا البحث المختصر: هو عبد الله بن محمد بن بركة السليمي الأزدي[1]، ونسبته إلى سليمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث[2]، وكان يكنى بأبي محمد، من علماء القرن الثالث الهجري[3]، وتوفي ما بين عام 362ه وعام 363ه.

       تلقى علومه الأولى في صباه في مدينته "بهلى" ثم انتقل إلى صحار حيث التقى بشيخه أبي مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني نسبته إلى مسكنه في وادي صلان[4]، كما أخذ عن الإمام سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب الرحيلي المخزومي القرشي[5]، وكذلك سليمان بن محمد بن حبيب[6]، وكذلك الشيخ أبو يحيى عبد العزيز بن خالد ذكره ابن بركة في عداد من ذهب إلى (الوقف) في حكم أطفال غير المسلمين[7].

       وممن تلقى عليه أبو الحسن محمد بن الحسن السعالي النزوي[8].

تلاميذه:

       أما تلاميذ ابن بركة فقد اشتهر منهم:

1 – أبو الحسن البسيوي المعروف بالأصم صاحب الجامع، وقد سلك فيه مسلك شيخه، والمختصر وهو كتاب مفيد سهل التناول سلس العبارة خالٍ من التكرار والتعقيد[9]، وله كتب أخرى.

2 – أبو عبد الله محمد بن زاهر.

 

3 – أحمد بن محمد بن خالد، كان من رجال القضاء[10].

       ومن أراد التوسع في ترجمة الإمام فليرجع إلى مظانها[11].

       أما كتاب ابن بركة فكتاب له أهميته في الفقه الاباضي بعامة والعماني بخاصة، فقد وضع فيه مؤلفه مقدمة اشتملت على أهم مسائل علم أصول الفقه وبعض المسائل الكلامية لتكون مدخلاً إلى علم الفقه الذي وضعت مسائله تفريعاً على قواعد الأصول، وهذا ما تميزت به كثير من الجوامع والمؤلفات الاباضية، والمالكية. وقد ذكر ابن بركة الغرض من بدئه بعلم أصول الفقه بقوله:" ليكون بناء الفقيه على أصول صحيحة ليجعل كل حكم في موضعه ويجريه على سننه ويستدل على معرفة ذلك بالدلالة الصحيحة والاحتجاجات الواضحة"[12].

       كما أنه حاول أن يقدمه للأمة حافلاً بذكر مذاهب الصحابة وفقهاء الأمصار متضمناً للمذاهب الإسلامية الأخرى، كما ذكر خلاف الفقهاء، وتأثره بفقه العراق واضح، فهو في عرضه ومناقشاته ومشربه والمذاهب التي نقل عنها تدل على أنه متأثر بفقه أهل العراق إلى جانب تحريره للمذهب الاباضي وإبراز المعتمد فيه من غير المعتمد، ونقله عن كبار أئمة المذهب المتقدمين.

       إلا أن المطلع على الكتاب يرى وبشكل واضح لا يخفى على طالب العلم فضلاً عن أن يخفى على جهبذ خبير كابن بركة أن الجامع بحالته الراهنة كان مسودة لمشروع كتابٍ لم يُتَح لمؤلفه تبييضه وتنسيقه، وذلك لأنك ترى عدم الترتيب فيه من جهة، ومن جهة أخرى تكرار المسائل فيه مع الاختلاف في الأسلوب، وقد لاحظت ذلك خلال قراءتي له، فقد قرأته ثلاث مرات: الأولى لاستخراج قواعده، والثانية لاستخراج المسائل والقواعد المقاصدية عند الاباضية، والثالثة عند دراستي للفقه الإنساني المشترك.

       لذلك فإن هذا الكتاب من حق مؤلفه على علماء المذهب أن يرتب وينسق ويخدم خدمة تليق به، فضلاً عما حظي به من خدمة. ولما كان موضع البحث يدور حول الفقه الإنساني والمصلحة رأيت من الأفضل الدخول إلى دراسة المسائل ذات الصلة بالبعد الإنساني أن يكون من باب الكليات الخمس؛ لأن كتاب الإمام ابن بركة لا يخرج عنها، وبذلك تجتمع المسائل المشتتة تحت أواصر محددة تشتد فيها لُحمة القربى وصلة الرحم، فالمسائل العلمية رحم بين أصولها وفروعها لا بد أن يجتمع شملها لا سيما في كتاب لم يتسنَّ لمؤلفه أن يرتبه ويرفع المكرر منه.

       وقصدت بالكليات الخمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب.

       وسوف أبحث تحت كل مقصد من هذه المقاصد المسائل الفقهية عند ابن بركة مظهراً البُعد الإنساني فيها، وكذلك الأمر في المقاصد الحاجية؛ لأنها كالمكمل للضروري.

       وأبدأ بالكلي الأول الذي هو حفظ الدين:

       والمقصود بحفظ الدين قيام أركانه ودعائمه ودرء الخلل الواقع أو المتوقع عليه، وهذ المقصد من أعظم المقاصد في تحقيق السعادة الإنسانية، فبالدين تنهض البشرية، وبقيمه وتعاليمه ترقى البشرية من مستنقعها الآسن، وتصعد الأمم في مدارج الكمال. فالأمة التي لا تنضبط حياتها بضوابط الدين أمة تتخبط في ظلام الحيوانية. فالعالم المتقدم في مجال الصناعة التي أدهشت الدنيا في شتى الميادين يعيش في فراغ روحي رهيب أدى بالكثير من أفراده إلى الانتحار؛ لأن الحضارة  لا تنهض إلا بجناحين: العلم، والدين.

       ويوم أن قالت الماركسية المادية: الدين أفيون الشعوب، انهارت بكل منظومتها السياسية والمادية، والاجتماعية، وصارت أثراً بعد عين، يصدق فيها قول الله تعالى:{فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزَّق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}[13] يتحدث فيهم الركبان.

حفظ الدين عند العلامة ابن بركة:

       وقد تحدث ابن بركة عن حفظ الدين بجناحيه النظري التصديقي وهو المسمى بعلم التوحيد أو العقيدة، والمصطلح الأول أحبُّ إليَّ، والجناح الثاني هو الجانب العملي، فالأول هو الإيمان, الثاني هو الإسلام.

       فقد تكلم في جامعه عن مسائل في العقيدة مهمة، فقد تكلم فيما يوجب العقل في باب التوحيد وإثبات النبوة[14]، وتحدث أيضاً عن الدعاء لله وبيَّن أنه فريضة وأن الله قد ضمن الإجابة فقال تعالى:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}[15]، وبيَّن متى يستحب الدعاء وأوقات الإجابة، وبيَّن ما يجوز الدعاء فيه ومتى لا يجوز، وقال رحمه الله:" فلا يقع دعاؤه موقع الاعتراض على الله سبحانه"[16].

       ولا يخفى ما في دعاء العبد ربه والتضرع إليه من تربية إنسانية توقظ في الإنسان وازع المراقبة والخوف من الله تعالى، وما يعود في ذلك من الأثر الطيب في شتى الأعمال والتصرفات. وتكلم على ذنوب الأنبياء وبيَّن أنها صغائر وكان ذلك بضرب من السهو الذي رفعه الله بفضله عن العباد، واستقصى أقوال أهل المقالات في هذا الموضوع وأجاب عنها، وهنا تظهر النزعة الإنسانية في الأنبياء فهم بشر يعتريهم من الغفلة اليسيرة التي لا تؤثر في جنابهم المقر من أجل زيادة الرغبة إليه سبحانه والرهبة منه، والخضوع والتذلل في محراب العبودية الذي حكاه القرآن على لسان آدم :{ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين}[17]، والالتجاء إلى الله يقرِّب العبد من مولاه فتصلح دنياه وأخراه. هذا في الجانب العقدي.

       أما في الجانب العملي، فالعبادات التي ترجع لحفظ الدين أشار إليها النبي T بقوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً". وسوف أعرض لنماذج من هذه العبادات مبيناً البُعد الإنساني لها.

النموذج الأول: في الفرائض التي لا تتم الصلاة إلا بها[18]

       وأذكر منها ما يتعلق بالجانب الإنساني وهو:

1 – الطهارة: وقصد بها طهارة الثوب، والسترة، والأرض التي يصلي عليها. واستدل للطهارة بقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المراف وامسحووا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين}[19]، وبقوله تعالى:{ خذوا زنيتكم عند كل مسجد}[20]، قال:"وأجمعوا أن المصلي إذا صلى عرياناً وهو يجد السبيل إلى السترة الطاهرة أن صلاته باطلة". والحجة في طهارة الموضع قوله تعالى:{ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}[21]، وقوله T:"وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"[22].

       والطهارة مقصد إنساني فُطِرَ الناسُ عليها وابتلى الله بها أبا الأنبياء فأقامها فجعل بها إماماً للناس، قال تعالى:{ وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهنَّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}[23]. قال أهل العلم: والكلمات هن خصال الفطرة وهي جماع باب الطهارة.

       والأمة المسلمة أمة طاهرة نظيفة في أبدانها، نظيفة في ثيابها، نظيفة في أفنيتها، نظيفة في شوارعها، نظيفة في كل ناحية من نواحيها. والنظافة في ديننا جزء من الإيمان، قال T:" النظافة من الإيمان"[24].

النموذج الثاني: صلاة الجمعة والجماعة

       وسوف آخذ بعض الأمثلة التي لها علاقة بالبُعد الإنساني، قال رحمه الله:" أوجب الله تعالى على من خوطب بالصلاة التوجه إلى الكعبة لقوله تعالى:{ فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[25]، وإن كان المصلي مشاهداً لها صلى إليها عن طريق المشاهدة، وإن كان غائباً عنها استدل عليها بالدلائل"[26].

       والبعد الإنساني يظهر في ربط الأمة الإسلامية بالبيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، تهفو إليه النفوس والأرواح، فهو أول بيت وضع للناس، فهي قبلة المسلمين وهي مركز الالتقاء، وهي العَلَمُ الذي اجتمعت تحته الأمة. وهي المركز الذي جعله الله واحة للأمن لقوله تعالى:{ ومن دخله كان آمناً}[27]، وقال تعالى:{أَوَلم نمكِّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلِّ شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون}[28]، وقال تعالى:{ أَوَلم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويُتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون}[29] .

       وحاجة الإنسانية إلى بقعة يتجسد فيها السلام العالمي مقصد إنساني وهذا ما تداعى له العالم عندما اختاروا مدينة جنيف في سويسرا مدينة بعيدة عن النزاع والصراع، فقد كان الإسلام أسبق في تحييد مكة والمدينة عن الصراعات الدولية.

النموذج الثالث والأخير: في الصلاة، هو صلاة الجماعة

       ذكر ابن بركة رحمه الله صلاة الجماعة قال:"وصلاة الجماعة فرض على الكفاية وينبغي لمن سمع الأذان والإقامة أن لا يتخلف عن الجماعة لقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}[30]، وقوله T لابن أم مكتوم وقد كان ضريراً وبعيد الدار عن المسجد وقد طلب منه الترخص له بترك الجماعة:"أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: أجب النداء"[31]، وقوله T:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"، قيل: يا رسول الله، فما عذره؟، قال:" خوف أو مرض"[32].وقال T:" لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"[33]. والبعد الإنساني واضح جداً.

       فالإسلام حريص على أن يعيش الناس في اجتماع وتواصل يتفقد بعضهم بعضاً، ولذلك كانت شعائر هذا الدين أغلبها تؤدى بصورة جماعية تحقيقاً لمقاصد الناس الذين هم بطبيعتهم اجتماعيون، فالصلاة المفروضة والجمعة، والاستسقاء، وصلاة الجنازة، والخسوف، والكسوف، تؤدى في جماعة، والحج جماعي، وكذلك الصوم.  

       أما في الخائف والمريض فتصلى في البيت، والرخص في الشريعة شرعت لدفع الضرر والحرج عن الناس وهو معنى إنساني عظيم؛ لأنه يؤدي إلى رفع الحرج عن الأمة وذلك من أهم المقاصد الإنسانية.

البعد الإنساني في الزكاة:

       الزكاة ينظر إليها من زاويتين:

الأولى: كونها سبباً في حفظ الدين من جانب الوجود؛ لأنها تدفع الشح عن صاحبها.

الثانية: كونها سبباً في حفظ كلي آخر وهو حفظ المال؛ لأنها سبب في نماء المال والبركة فيه.

       وتكلم ابن بركة عن الزكاة، زكاة الفطر، وزكاة الأموال

زكاة الفطر:

       قال رحمه الله:" زكاة الفطر عندنا واجبة كما قال أصحابنا، لما روي من طريق عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله T فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من بُرٍّ أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد، ذكرٍ أو أنثى، صغير أو كبير[34]. فكل من قدر عليها فعليه فعلها"[35].

       وقد علل النور السالمي الحكمة من هذه الزكاة قال رحمه الله:"إن تأخيرها – أي زكاة الفطر – منافٍ للحكمة التي شرعت من أجلها وهي تطهير الصائم وإغناء الفقير في ذلك اليوم.. لقوله T:"أغنوهم في هذا اليوم"[36] أي عن سؤال الناس.

       والحكمة تبين البعد الإنساني من صدقة الفطر وهي إدخال السعادة والسرور والشعور بالغنى في يوم يكثر فيه المال في يد الأغنياء ويوسعون فيه على أولادهم، فلكي لا تنكسر قلوب أولاد الفقراء جاءت صدقة الفطر في يوم العيد، ولهذا المعنى جاءت سنة الأضاحي يوم الأضحى، وفي ذلك من المقاصد الإنسانية ما لا يخفى، وبذلك يقوم التكافل بين الأغنياء والفقراء فيحب الفقراء الأغنياء ويدعون لهم بالبركة في أموالهم، ويرحم الأغنياء الفقراء، ويشعرون بأن لهم حقاً معلوماً في أموالهم فيجودون به طيبة به نفوسهم.

       وتكلم على زكاة المال فقال:" الزكاة تجب في مال كل مسلم بالغاً أو غير بالغ، مغلوباً على عقله أو عاقلاً". ثم بيَّن حكمتها بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم

وتزكيهم بها}[37]، وبقوله T:" أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم"[38]. فالزكاة طهرة للمال من الحرام وللقلب من الشح، ومواساة للفقراء والمساكين وهي أحد وجوه التكافل الإنساني والتعاون على البر والتقوى، وقد عاش المسلمون الأولون بهذا التكافل والتراحم في سعادة وعافية سجلها لهم التاريخ ونزل بها قرآن يتلى إلى قيام الساعة، قال تعالى:{ والذين تبوَّؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}[39].

البعد الإنساني في الحج:

       وفي الحج من الفقه الإنساني المشترك ما لا يغيب عن عقل عاقل، وفيه من المصالح السياسية والاقتصادية، والاجتماعية الشيء الكثير. وقد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى:{ليشهدوا منافع لهم}[40]، وقد نكَّر المنافع لتعظيمها وتهويل أمرها. فالحج مؤتمر إسلامي وإنساني عظيم، مؤتمر دعا الله الناس لحضوره، ولو أحسن المسلمون استغلاله فيما يعود على الأمة سياسياً. ومن خلال اجتماع أهل الحل والعقد وبحث الأمور التي تهم الأمة. وهو سوق إسلامية مشتركة رمز إليها القرآن بقوله تعالى:{ أَوَلم نمكِّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلِّ شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون}[41]، وقد سبق ذكر ذلك عن كلامي على البعد الإنساني في التوجه إلى القبلة.

       وهو مؤتمر على الصعيد الاجتماعي يتعارف فيه المسلمون على بعضهم ويتحقق التعارف الذي هو المقصد من تعدد الشعوب والأمم واختلاف ألسنتهم وألوانهم لقوله تعالى:{ وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}[42].

       ومن مظاهر الفقه الإنساني في الحج: تحريم قتل الصيد في الحرم، لقوله تعالى:{ يا أيها

الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم}[43]، وجعل الله فيه الجزاء قال تعالى:{ ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثلُ ما قتل من النَّعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة}[44]. قال رحمه الله:"والمدينة حرم؛ لأن رسول الله حرمها"[45]،"لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته.. ولا يختلى شجره"[46].

       وقد سبق أن أشرت إلى الفقه الإنساني في تحريم مكة والمدينة وتحييدها عن الصراع وأنه مطلب إنساني فطن إليه العالم في تحييد جنيف ولوزان في سويسرا عن الصراعات المسلحة لتكون واحة للأمن، وهذا ما نص القرآن عليه {ومن دخله كان آمناً}[47]، قال الفقهاء: ولو قتل إنسان آخر خارج الحرم ثم دخل الحرم ليعصم دمه فإن ذلك لا يعصمه؛ لأن عصمته تخل بمقصد كونه آمناً للناس لئلا يكثر فيه المجرمون.

       قال رحمه الله تعليقاً على قول الله تعالى:{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}[48]:" فالجدال الذي نهى الله عنه هو المحظور مثل ما تقع مخاصمات الناس حتى خرج عن الحق ... والفسوق كل شيء يحرم عليه إتيانه"[49]. وهذا فقه إنساني؛ لأن الجدال والفسوق من الصفات التي تفسخ المجتمعات وتزرع بين أبنائه الحقد والبغضاء.

المطلب الثاني: في المقصد الثاني من الضروريات، وهو حفظ النفس

       بحث ابن بركة رحمه الله وكذلك فقهاء المذهب الاباضي، الفقه الإنساني الذي يعود إلى حفظ النفس في باب القصاص، والقود، والديات، والحدود، وهذه المباحث تعود إلى حفظ النفس من جانب العدم؛ لأن الشريعة حفظت المقاصد من جهتي الوجود والعدم.

 

       وأبدأ بالقصاص:

       ذكر العلامة ابن بركة القصاص فقال رحمه الله تعالى:" والقصاص يجب للصغير والكبير، ويجب بين الذكر والأنثى لقوله تعالى:{ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}[50] وروي عن النبي T أنه قال:" إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا.."[51]، وقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى}[52]، وقال تعالى:{ ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً}[53]، فهذا عموم، فكل من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه الاقتصاص"[54].

       وإنك لتلحظ الحكمة من القصاص في قوله تعالى:{ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}[55]، وهذه الآية لا يساويها شيء من بلاغة البلغاء، وقد أثر عن العرب أنهم قالوا: القتل أبعد للقتل، وأثر عنهم: القتل أنفى للقتل، فأنزل الله تعالى هذه الآية التي تعتبر علة لوجوب القصاص. فإذا أيقن المجرم أنه سوف يقتص منه على قدر جريمته سواء كانت على النفس أو الأطراف، وسوف يتجرع من الكأس الذي سقى منه الناس فإنه سوف يعرض عن الجريمة. وبالفعل فإن القصاص قلل كثيراً من الجريمة فعاش الناس في أمن على أرواحهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم.

       ومن القواعد التي ذكرها ابن بركة في باب القصاص:" كل ما قدر عليه في القصاص وجب فيه القصاص، وكل ما لا يقدر عليه ففيه الدية"[56]،. ومراده بما لا يقدر عليه كل ما لو استوفي فيه القصاص لوقع في الحيف والظلم بسبب الزيادة فيه، فهذا فيه الدية؛ لأن المماثلة فيه متعذرة، وفي ذلك من العدل والرحمة ما لا يخفى.

 

ومن الفقه الإنساني في هذا الباب:

أولاً - الدية :     وقد ذكر العلامة ابن بركة مسألة في الديات، فقال:" والدية في الإبل مائة فإذا كانت مغلظة أخذت أثلاثاً: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. والمخففة على أربعة أجزاء: خمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة".

       ومن القواعد المقررة في الدية قاعدة:" الأصل في الدية أنها توزع على الأطراف"، وفي الدية مواساة لأولياء الدم وتوسعة عليهم في مقابل ما خسروه، وقد يكون معيلاً لهم، ففيها من البعد الإنساني ما هو ظاهر.

ثانياً – الحدود: والحدود أنواع متعددة، فمنها ما يتعلق بحفظ النفس كحد القود، ومنها ما يتعلق بحفظ المال كحد السرقة، ومنها ما يتعلق بحفظ العقل كحد الخمر، ومنها ما يتعلق بحفظ الدين كحد الردة، ومنها ما يتعلق بحفظ الأمن وهو حد الحرابة، وهذا يرجع إلى حفظ النفس والمال.

       والذي يهمنا في حفظ النفس هو القود، وقد تكلم ابن بركة عن حد القود في باب القصاص ذهاباً منه إلى أنه داخل فيه، واستدل على القود بقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}[57].

       فكل داخلٍ تحت الاسم يجب بينهم القصاص، وقال بعض أصحابنا: لما قال الله تعالى: الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، علمنا أنه أراد التساوي[58].

       وفي القود معنى إنساني ظاهر وبه يعيش الناس آمنين على دمائهم وأموالهم، وأعراضهم، وهذا ما أشارت إليه الآية بقوله تعالى:{ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}[59]، فالمجتمع الذي لا يأخذ بقانون القصاص مجتمعٌ يعيش أهله في تهارج وخوف، وفتنٍ وأحقاد وضغائن، لا يشعر أهله بنعمة الأمن الذي امتنَّ لله به على عباده، قال تعالى:{ لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا ربَّ هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}[60]. قال العلامة أطفيش في معنى قوله تعالى:{ ولكم في القصاص حياة}:" أي ولكم في شرع القصاص لا نفسه حياة الدنيا وهي حياة عظيمة أيضاً من حيث إن الإنسان إذا علم أنه إن قتل أحداً قُتل به ارتدع من يريد القتل عن القتل لئلا يقتل فيحيا من يريد القتل هو ومن أراد قتله"[61].

       وقال الشيخ أحمد الخليلي :" ومع أن القصاص حق ثابت لولي الدم يحبب إليه التنازل عنه بعد أن يمكَّن منه إما إلى العفو المطلق، أو إلى الدية، وفي هذا ما يعطي دليلاً على تفوق الإسلام على كل الأنظمة الأخرى، فهو يحبب إلى ولي الدم العفو لما فيه من شعور إنساني ولكنه لا يفرضه عليه لئلا يشعر بحرمان من هو له ولئلا يجد المجرمون الباب مفتوحاً أمامهم للعبث في الأرض وسفك دماء الأبرياء"[62].

       فالله تعالى جعل التراحم بين القاتل وولي الدم ورغبه في العفو فقال:{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين}[63]. يعني فإن عفا ولي المقتول عن القتل فأجره على الله وإن قتل فله ذلك[64].

       وسمى الله المقتول والقاتل أخوين في الدين إذا تاب القاتل ورجع إلى الحق وأدى الدية[65]. وفي ذلك بعدٌ إنساني عظيم بين اثنين كان القتل مظنة العداوة بينهما، فما أعظم هذا الدين الذي يحيل العدوَّ ولياً حميماً.

المبحث الثالث: في المقصد الثالث من المقاصد الضرورية وهو حفظ المال في الفقه المشترك الإنساني عند ابن بركة:

       والكلام عن حفظ المال سيكون من جانب الوجود ومن جانب العدم عند ابن بركة، والبحث في هذا المقصد سوف يغطي مساحة كبيرة من فقه ابن بركة رحمه الله.

       فمن جانب الوجود تدخل المعاملات كالبيوع، والرهون، والشركات، والمضاربات، والإشهاد على الدين، والضمان، والحجر. أما حفظ المال من جانب العدم فيدخل تحته حد السارق.

       وسوف أتناول هذه المسائل بقدر ما يسمح به المقام منبهاً على الفقه الإنساني المشترك وشتكون كل مسألة في مطلب.

المطلب الأول: في البيع

       بدأ العلامة ابن بركة كتاب البيوع بالآيات والأحاديث التي تدل على المعاني الإنسانية وهي تحريم أكل أموال الناس بالباطل، وتحريم الربا، وحرمة أكل المال إلا بطيب من نفسه، فبدأ بقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}[66]، وقال جل ذكره:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}[67]، وقال جل ذكره:{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم}[68]، وقال T:" لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه"[69].

       وهذه الطائفة من النصوص الصحيحة الصريحة شكلت مقصداً ضرورياً هو حفظ المال من جانب الوجود لكل من البائعين والمشترين وحفظ المال مصلحة إنسانية ضرورية. وقد حددت هذه النصوص حل المال بضوابط محددة ، من هذه الضوابط: تحريم الربا، والمقصود به هنا ربا النسيئة؛ لأن الربا يدخل في عملية التجارة والتعامل المالي البيني. وقد ذكر العلامة ابن بركة أن التجارة وإن كانت جائزة إلا أنها يعتريها بعض الأخطار كالربا، والحلف الكاذب[70]؛ لأن الربا يورث الحقد والبغضاء بين الناس ويجعل الإنسان لا يفكر إلا بالبرح من أخيه فيثقل كاهله بالربا، ويصبح المجتمع المسلم مجتمعاً تسوده الكراهية والطبقية، ويعيش أفراده كما يعيش الحيوان في الغابة أو الحيتان في البحار يأكل القوي منهم الضعيف. وقد شنَّع الإسلام على الربا والمرابين ووصفهم بأقبح الصفات وتوعدهم بأشد الوعيد.

الضابط الثاني: تحقيق التراضي

       فكل عقد يتخلف فيه الرضا فإنه يقع باطلاً غير صحيح، وهنا تبطل جميع العقود المالية التي يتخلف فيها الرضا، كعقود الغرر بكل أنواعه، وجميع أنواع التدليس، والنجش، وتلقِّي الجلب قبل أن يُفضي به ربُّه إلى السوق، وجميع أنواع الغش، والغلط، والإكراه، وكل ما يعيب الرضا، ويدخل أكل المال بالباطل بجميع صوره الأخرى كالكهانة، والقمار، وكل أنواع الشعوذة. فقد شلكت هذه الآية قاعدة كلية قرآنية يندرج تحتها جميع صور أكل المال بالباطل.

الضابط الثالث: أن يكون المال قد طابت به نفس صاحبه

       فلا يحل أكله بالغصب، والإكراه، أو بسيف الحياء، أو بالظلم، أو بالأيمان الكاذبة، قال ابن بركة رحمه الله:"قال رسول الله T:" هلك الثلاثة، هلك الثلاثة"، قيل يا رسول الله مَن الثلاثة؟ قال:" التاجر الحلاف والمعاهد النكاث، والمنفق سلعته بالكذب". فالواجب على الناس أن يتقوا معصية ربهم وأن يحذروا عقوبة سخطه"[71].

       ومن المسائل التي بحثها العلامة ابن بركة في البيوع بيع الرجل على بيع أخيه، قال:"وصح عن النبي T أنه نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأن يخطب على خطبته". قال رحمه الله:" وروي عن عمر أن النبي T نهى عن تلقي الأجلاب وأن يبيع حضري لبادي، قال:"معناه هو ما نهى عنه من الخديعة والغرر وأن خديعة المسلم محرمة وذلك أن الرجل يبلغه أن الركب قد أقبلوا فيلقاهم فيخبرهم بكساد الأسواق فيشتري منهم ما لا يعرفون سعره في البلد فيكون هذا غرراً منه، ومعنى قوله:" وألاَّ يبيع حاضر لبادٍ" هو أن الرجل والجماعة من أهل القرى يلتقون بالجماعة فيسألون البيع ويتحكمون على أهل البلد بالأثمان التي يريدونها فقال T :" ذروا الناس ينتفع بعضهم من بعض"، فهذا تأويل الخبر"[72].

       فانظر إلى هذا الفقه الذي يجيش بالمشاعر الإنسانية النبيلة الذي يجسد أصلاً أصيلاً في التعامل التجاري القائم على قاعدة:"لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، ويحرص على مصالح التجار والمستهلكين في آنٍ معاً، وينشر الرحمة والمحبة بين الناس وينظف السوق من الجشع والطمع، والأنانية والأثرة.

       وذكر رحمه الله نوعاً من التدليس – وهو التصرية – وهي أن تُترك الناقة أياماً من غير حلب حتى يتحفل ضرعها باللبن فيرغب في شرائها المشتري، وتسمى بالمصراة وبالمحفلة، قال رحمه الله:" ويروى عن عمر أن النبي T قال:" بيع المحفلات خلابة"، يعني خديعة، وخلابة المسلم لا تحل وهو أن يحبس الرجل اللبن في أخلاف نافته، وضرع شاته، وبقرته يوماً أو ثلاثة ليغر المشتري". قال:" ويعجبني أن يكون الخيار للمشتري".

 ثم ذكر بقية أنواع الغرر كبيع حبل الحبلة، وبيع الطير في الهواء، وبيع السمك في الماء، والحمل في بطن أمه.. والجزر والبصل في الأرض، وبيع ما في الأرحام، وبيع المنابذة وهو أن يقول لصاحبه: إذا نبذتُ حصاة فقد وجب البيع.

كما تكلم على بيع النجش وفسَّره بأن يزيد المشتري في ثمن السلعة لا ليشتريها ولكن ليغر غيره بالمواطأة بين البائع والناجش. وذكر نهيه T عن المحاقلة، وهي أن يبيع سنبله بحبٍّ معلوم كيله إلى أجل وهذا من الغرر الذي نهى عنه الإسلام. وكذلك نهي النبي T عن بيع الثمرة قبل بدوِّ صلاحها ونهيه عن بيع القبالة وهي أن يبيع الرجل زرعه سنين، وذكر الحكمة في ذلك وهي الخوف من الجوائح.

       أما الرهن فقد بيَّن ابن بركة حكمته وهو كونه ثقة بيد المرتهن مقابل الدين، وهو أمانة في يده فإن هلك من غير تعدٍّ فلا ضمان عليه كما في الأمانة لقوله تعالى:{ ما على المحسنين من سبيل}[73] .

       ومن القواعد الفقهية التي ذكرها ابن بركة:" الرهن في يد المرتهن ثقة بحقه"[74]، وقاعدة:      " المرتهن أمين"[75]، وقاعدة:" لا يُغلق الرهن له غُنمه وعليه غُرمه"[76]، وذكر الخلاف في الهاء في (غنمه وغرمه) فقيل: تعود إلى الرهن نفسه، وقيل: لصاحبه[77].

       والبُعْدُ الإنساني واضح في الرهن، فإن الله تعالى أراد توثيق المعاملات والديون صيانة للأموال عن العبث ورفع أسباب النزاع والشقاق وحفظ المال من الضياع وهو مقصد من مقاصد هذه الشريعة.

ومن المسائل التي تتعلق بحفظ المال: مسألة الإشهاد على الدين

       وقد نص العلامة ابن بركة على ذلك نصاً صريحاً فقال:" أجمع علماؤنا فيما تناهى إلينا أن الإشهاد على الدين غير واجب وأن الأمر في ذلك على التأديب والحث على حفظ الأموال"[78]. ولعل العبارة الصحيحة:" أن الأمر في ذلك على الندب، لكون المصلحة فيه دنيوية وليست أخروية". واستدل بقوله تعالى:{ واستشهدوا شهيدين من رجالكم}[79]. وفي الإشهاد توثيق للدين وحفظ لأموال الناس، وهذا من الفقه الإنساني الذي يرجع إلى مقصد إنساني مهم جداً وهو حفظ المال الذي جاءت به كل الشرائع.

المضاربة:

       ومن المسائل التي تعود إلى حفظ المال، المضاربة. وهي أن يدفع الرجل إلى آخر مالاً يتَّجر به ويكون الربح بينهما[80]. وبدأ بمضاربة المسلم مع الذمي فقال رحمه الله:" واختلف علماؤنا في مشاركة الذمي للمسلم في التجارة فمنع كثير منهم من جواز ذلك لما يحذر من إدخال الربا فيها وما يدينون بتحليله مما هو حرام في دين المسلمين، وكره آخرون ذلك، والحجة عندي توجب جوازها؛ لأن ما اعتل به الفريق الأول لو كان يوجب المنع لم تجز إلا مشاركة العدل من المسلمين؛ لأن فيهم من يستحل في تجارته الحرام ويرتكب في ذلك ما لا يجوز في مذهبه، وإذا كان هذا هكذا كانت مشاركة الذمي جائزة"[81].

       وفي قبول أهل الذمة في التجارة مع المسلمين مصلحة إنسانية عظيمة لما في ذلك من الانفتاح على التجارة العالمية وتوسيع دائرة السوق المشتركة بين المسلمين وغيرهم إذا كانت على أسس واضحة وقواعد شرعية لا تخدش الدين، وقد تعامل الصحابة والتابعون ومن قبلهم النبي T مع اليهود بيعاً وشراء، ورهناً، وإجارة. والمضاربة أو الشركة لا تخرج عن ذلك.

       ومن القواعد الفقهية التي ذكرها ابن بركة قاعدة:" المضارب أمين لا يضمن إلا بالتعدي"[82]. وذلك لأن الأصل في الناس العدالة حتى يثبت العكس، أما إذا حصل منه تفريط، أو تعدٍّ فعليه الضمان؛ لأن الضمان باب من أبواب حفظ المال.

       والكلام في الشركة كالكلام في المضاربة؛ لأن المضاربة أحد وجوه الشركة.

الإجارة:

       وهي بيع منفعة معلومة، كسكنى الدار ولوقت أو مدة معلومة.

       تكلم ابن بركة عنه الإجارة، ومما ذكره من الفقه الإنساني الذي يعود إلى حفظ أموال الناس، قواعد أذكر أهمها: قاعدة:" من أحدث حدثاً في مالٍ لا يملكه أخذ بحدثه"[83].

       ومعنى ذلك لو أن المستأجر أحدث في العين المستأجرة حدثاً فأتلف شيئاً فيها فإنه يضمن ما أحدث فيها، وهكذا الحكم في جميع الصنَّاع كالخياط والحداد، والصبَّاغ وغيرهم فإنهم ضامنون لما بين أيديهم، ويسمى هؤلاء بالأجراء المشتركين الذين يعملون في أموال الناس، فلا بدَّ من ضرب الضمان عليهم لا سيما في الزمن الفاسد الذي يقلُّ فيه الورع، ويتطلع فيه الصانع إلى أموال الناس، وفي تضمين الأُجَرَاء إجراءٌ احترازيٌ، وتصرُّفٌ وقائي يعود على الناس بالخير والمصلحة والحفظ لأموالهم.

       ومن هذه القواعد:" الإجارات الفاسدة التي ورد النهي عنها لا يجوز إتمامها ولا الحل فيها". ومثَّل لذلك باستئجار الكاهن، وإعطائه الأجرة على كهانته، واستئجار النائحة، واستئجار الحجام، واستئجار الفحل لضرابه[84]. فهذه إجارات فاسدة، وبذلُ المال فيها إهدار لأموال الناس التي جاءت الشريعة بحفظها، فالمال قوام الحياة ونعمة من نعم الله على الإنسانية التي تستوجب الشكر، وليس من الشكر إهدارها وعدم تسليطها على هلكتها بالحق.

بيع مال الولد:

       تكلم العلامة ابن بركة عن حكم بيع الرجل مال ولده الكبير، قال رحمه الله:" قال بعضهم: يجوز ذلك إذا كان فقيراً محتاجاً إلى مال ولده، وإن كان غنياً لا يجوز. وأجاز بعضهم انتزاعه وبيعه سواء كان فقيراً أو غنياً. وقال بعضهم: يقتصر من ذلك على ما يأكله الأب أو يقضي دينه". قال:" وأما موسى بن علي فكان يسمي آكل مال ولده لصاً". قال: "وعندي أنه كان يريد بذلك من الآباء الأغنياء والله أعلم".

       وذكر دليل من جوَّز بيع مال ولده بقوله T:"أنت ومالك لأبيك". وقد ردَّ رحمه الله على هذا الاستدلال بأن المقصود بقوله T :"أنت ومالك لأبيك" بأن معناه أنت ومالك من أبيك؛ لأن أدوات الخفض ينوب بعضها عن بعض فأراد النبي T بذلك تعظيم شأن الوالد ورفع منزلته قال:" ولو كان قوله T:" أنت ومالك لأبيك" يوجب أن يكون مال الإبن لأبيه لما كان للحاكم أن يفرض للأب على ولده النفقة إذا كان فقيراً أو محتاجاً؛ لأن الحاكم لا يفرض لأحد النفقة في مالٍ يملكه، وإنما يفرض له في مال غيره"[85].

       وهذا التدليل والتعليل من ابن بركة يؤسس لبُعْدٍ إنساني مقاصدي وهو حماية مال الولد من تصرف كثير من الآباء الذين يتخذون من الحديث ذريعة وتكأة لأكل أموال أولادهم بحق وبغير حق، فتقع الكراهية بين الآباء والأبناء، وهذا لا يعني عقوق الإبن لأبيه مادام أن هنالك مساحة واسعة لبر الولد لأبيه ونفقته عليه بالمعروف وليس بسلطان النص وقوة القانون.

الأمانة والوديعة:

       ومن الفقه الإنساني المشترك الأمانة والوديعة. وقد تكلم عنها ابن بركة وذكر لها ضوابط تكشف عن عناية الفقه بالمعاني الإنسانية المشتركة فيما بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم.

من هذه الضوابط: وجوب رد الأمانة إلى أهلها، لقوله تعالى:{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}[86]

القاعدة الثانية:" عدم الخيانة فيها"، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}[87].

القاعدة الثالثة:" تحريم أكل المال بالباطل"، قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}[88].

القاعدة الرابعة:" لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه"[89].

القاعدة الخامسة:" نهى النبي T عن إضاعة المال"[90].

القاعدة السادسة:" من تعدى في الأمانة فعليه الضمان فيما تعدى فيه"[91].

       ففي هذه القواعد والضوابط مقصد من مقاصد هذه الشريعة التي ترجع إلى حفظ مصلحة ضرورية ذات بُعْدٍ إنساني مشترك بين المسلم وأخيه المسلم، وبين المسلم وغير المسلم، فالنبي T كان أميناً في الأرض قبل أن يصبح أمين السماء، ومن العجب أنه كان T يوم الهجرة مشغولاً برد الأمانات لقريش في حين أن قريشاً كانت تتأمر عليه في دار الندوة[92]، وقد سماه الناس بالصادق الأمين. وقد تقدم الكلام على هذه الضوابط من حيث الفقه الإنساني المقاصدي أثناء الكلام على البيوع، والكلام في الوديعة، والعارية لا يخرج عن مضمون الكلام في الأمانة؛ لأن الوديعة، والعارية، وكذلك الرهن في حكم الأمانة.

المطلب الرابع: في المقصد الرابع من المقاصد الكلية الضرورية وهو حفظ العقل

       حفظت الشريعة العقل من جانب العدم فشرعت تحريم الأشربة المسكرة وعاقبت عليها. وقد تكلم ابن بركة عن ذلك فقال:"ومن وُجد سكراناً من الشرب لزمه الحد، ولا أعلم في ذلك خلافاً "[93].

       وتكلم عن حكم شرب النبيذ، وخلص إلى أنه يجوز في حال الضرورة إذا كان في الأسقية دون الأواعي. واستدل بحديث وفد ابن عبد القيس الذين وفدوا على النبي T من البحرين فذكروا للنبي T علتهم وحاجتهم إليه، فأجاز لهم شربه للعلة التي كانت بهم ونهاهم أن يتخذوه في المزفت، والنقير، والخنتم ، والدباء ، ورأى رحمه الله أن هذا الحكم خاص بهم للعلة التي فيهم شأنهم في ذلك شأن العرنيين الذين شكوا إلى النبي T فرخص لهم في شرب الألبان والأبوال للمرض الذي كان بهم[94].

       والحكمة من تحريم الخمر والحد عليها ظاهرة وهي حفظ العقل الذي صار به العبد أهلاً للفهم عن الله وعن رسوله، وأهلاً لحمل أعباء التكليف، ولولا العقل لصار الإنسان كالبهيمة المهملة. فالإنسان إنما تتحقق معاني الإنسانية فيه لكونه أهلاً لتحمل الخطاب، وبهذه الأهلية تعمر الحياة الإنسانية، ولولا العقل لكان الإنسان كالعجماوات. لذلك أعلى الله من شأن العقل في القرآن الكريم فقال تعالى:{انظر كيف نصرِّف الآيات لعلهم يعقلون}[95]، وقال تعالى: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، والنجومُ مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}[96].

المطلب الخامس من المقاصد الضرورية في فقه ابن بركة: حفظ النسب

       والكلام في هذا المطلب يشمل الضروري ومكمله، فالضروري في حفظ النسب تشريع النكاح والترغيب فيه، وتحريم الزنا والتنفير عنه، هذا من جانب الوجود. ومن جانب العدم تشريع الحد عليه من الجلد والرجم. أما مكمل الضروري فهو كالكفاءة في الزواج، وأخذ مهر المثل، وعدالة الشهود، ونحو ذلك.

       وقد تكلم العلامة ابن بركة في باب النكاح على مسائل كثيرة فبدأ بالآيات التي ترغِّب بالنكاح وتأمر به، وتكلم عن نكاح المحصنات من أهل الكتاب، قال رحمه الله:" ثم استثنى من جملة ما حرم المحصنات من أهل الكتاب وهن الحرائر وبقي الباقي على التحريم"[97].

       ومن المسائل التي تعود لحفظ النسب مسألة العدة، وقد ذكرها ابن بركة، وذكر في موضع من مواضع مسائل النكاح أنها لاستبراء الرحم[98]، وهذه المسألة من أهم المسائل التي يحتاط فيها للنسب كي لا تختلط الأنساب، وهذه الحكمة لها بُعدٌ إنساني عظيم حيث يعرف الإنسان دائرة القربى التي ينتسب إليها وأنه لم يُدْلِ إليها من ليس منها زوراً وبهتاناً، ويعرف الناس أنسابهم ورحمهم ومحارمهم فلم تدنس بعنصر أجنبي ولم يُعَيَّر أحد بسبب أو نسب، وهذه حكمة عظيمة.

       ومن المسائل: مسألة الكفاءة، وهي من المسائل التي اعتبرها الناس ميزاناً للتفاضل والتفاخر، وقد ذكرها العلامة ابن بركة وبيَّن أن الكفاءة تعتبر في الدين موافقاً الشافعي ورادًّا على أبي حنيفة الذي تمسك بأن القرشي كفؤ للقرشية فأثبت نقيض قوله بالسنة فقال:"وهذا من أبي حنيفة غلط بيِّنٌ وذلك أن النبي T زوَّج زيداً بابنةٍ لخالته وهي ابنة عمته أيضاً هاشمية. وقيل إن زيداً من الأنصار، وقال من قال هو من سائر اليمن. وتزوج الأشعث بن قيس بأخت أبي بكر الصديق، والأشعث كندي وهي قرشية، وزوجة أبي موسى الأشعري عربية وهو من الأشاعر، قال: وكان عزان ابن الصقر يرى أن أهل الإسلام أكفاء بعضهم لبعض، إلا المولى والحجام، والنساج والبقال"[99].

       وباب الكفاءة من مكملات حفظ النسب وفيه فقه إنساني عظيم وهو أن من حقوق الأبناء على أهلهم ألاَّ يُدخلوا في نسبهم مَنْ يُعَيَّرون به، ولما كان الإسلام هو الشرف الذي ما بعده شرف، والعز الذي ما بعده عز، اعتبر عزان بن الصقر وكذلك كثير من الفقهاء في المذاهب الأخرى أن أهل الإسلام أكفاء بعضهم لبعض، لقول الرسول T:" من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"[100] ، وقد قال الله تعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[101].

وقال الشاعر: أبي الإسلام لا أب لي سواه            إذا افتخروا بقيس أو تميم

       والتفاضل على أساس من الدين يفتح الباب واسعاً أمام الشعوب الإنسانية المختلفة التي أضنى كاهلها التمييز العنصري والصراع العِرقي، والتمايز الطبقي إلى الدخول في كنف هذا الدين الذي تنصهر فيه جميع الفوارق العرقية واللونية، والإقليمية، واللغوية، ويتزواج الناس بعضهم من بعض ليؤلفوا الأسرة الإنسانية الكبيرة في ظل الدين الحنيف.

 

المطلب السادس: في الفقه المشترك بين المسلمين وغير المسلمين من منظور الفقه العماني:

       وفي هذا المبحث سوف أقارن ما سطره العلامة محمد بن بركة وبين ما سطره الإمام السالمي وفقهاء المذهب الاباضي؛ لأن المقصود من فقه ابن بركة الفقه العماني.

       فقد تعامل الفقه الاباضي بعامة والفقه العماني بخاصة ومنهم ابن بركة والإمام السالمي رحمهما الله تعالى مع من يخالفهم في الدين بآصرة الإنسانية ولم ينظروا إليهم نظرة مبنية على النفي والطرد كما يحدث اليوم في عصر الحرية وحقوق الإنسان، والقانون الدولي من التطهير العرقي في كثير من دول العالم وقد نال المسلمون منه القسط الأوفى.

       فقد وضع الفقه الإسلامي بعامة والفقه الاباضي بخاصة قواعد وضوابط ناظمة لعلاقة المسلم بغيره تقوم على تأصيل فقهي إنساني مشترك تراعي فيه الحقوق والمصالح الإنسانية المشتركة.

       وسوف أعرض للمسائل التي كانت موضع تعامل بين المسلمين وغيرهم وهي كما يلي:

1 – مسألة الجزية:

       نص الفقه العماني على أن الجزية وهي ضريبة مالية يؤديها المواطنون من غير المسلمين لقاء حمايتهم والذود عنهم. وقد نص السالمي رحمه الله على أنها ساقطة عن الرهبان، والصبيان والزمنى، والعبد والطفل، والمرأة والشيخ الهرم، كما نص على ذلك العلامة محمد بن بركة[102].

       وبذلك يتضح أن الفقه العماني نظر إلى من هم شركاء في الوطن نظرة رحمة وشفقة وأن المسلمين كانوا هداة وليس جباة، وأنهم فتحوا القلوب قبل الحصون، وقد أشعر الفقه الإسلامي المشاركين في الوطن بأنهم مساهمون في رفد بيت المال إلى جانب المسلمين وليسوا عالة على غيرهم.

       وقد نص السالمي وغيره من أئمة الاباضية على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب إذا خلا لهم من حماية المسلمين ثلاثة أشهر.وفي قول إذا وفرت لهم الحماية شهراً[103] وقد ذكر الشريفي أن الجزية منوطة بالإحاطة والدفع[104].

       وقد ذكر أبو يوسف في الخراج أن أبا عبيدة ردَّ الجزية لنصارى الشام لما ضعف الجند عن حمايتهم أمام هجمات البيزنطيين بسبب تفرُّق الجيش الإسلامي في الأمصار، وقال لهم: هذه جزيتكم ردت إليكم لن نستطيع حمايتكم[105].

       ومن حكمة الجزية أنها لتأمين العجز والشيخوخة، فقد رأى عمر يهودياً يتسول في أسواق المسلمين فقال له: ألستَ كنت تدفع الجزية؟ قال: نعم، فقال عمر: ما أنصفناك أكلنا شيبتك وتركناك في هرمك، ثم أجرى عليه راتباً مادام في كنف المسلمين[106]. ومن حكمتها إعفاؤهم من الجندية.

       وهذا فقه إنساني مشترك بتكافل فيه المسلمون مع غيرهم من أهل الكتاب ومن جرى مجراهم، ويتعاونون على تحقيق المعاني الإنسانية النبيلة، ويقدم كل طرف الدعم والولاء والتقدير للوطن الذي يعيش فيه.

 وما يذكره بعض الفقهاء من معاني الإذلال أثناء أداء الجزية فهو محض خيال من الفقيه لا تسعفه حقائق التاريخ ونظرة الإسلام للتكريم الإنساني الذي نص القرآن عليه في قوله تعالى:    { ولقد كرمنا بين آدم}[107].

2 – لهم جميع ما للمسلمين من حقوق مما يثبت في شريعتهم:

       ذكر السالمي في طلعة الشمس وغيره من الكتب المهمة أن القتال ينتهي بوضع الجزية ويتركون على ديانتهم التي دانوا بها، ولا يجوز التعرض لهم في شيء من الأشياء وإن أكلوا الخنزير، وشربوا الخمور، وتزوجوا ذات المحارم إذا كان ذلك مشروعاً في دينهم الذي تدينوا به.. كتمسك المجوس في تزويج ذوات المحارم بشريعة آدم عليه السلام. لكن لا يقرون على فعل لم يكن مباحاً ولا مشروعاً عندهم كأكل الربا لقوله تعالى:{ وأخذهم الربا وقد نهوا عنه}[108]، وقد استدل السالمي رحمه الله بقول النبي T:"اتركوهم وما دانوا به"[109].

       واستدل أبو الحسن البسيوي بقوله تعالى:{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}[110]. وقال: وقد صالح النبي T الوفد الذي أتاه من نجران وأقرهم على دينهم[111]. وقال: خميس بن سعيد: ويتركون على دينهم مع علمنا أنهم يستحلون الأمهات والبنات[112].

       والحرية الدينية من أعظم الحقوق الإنسانية التي وفرها المسلمون لشركائهم في الوطن.

3 – حق الجوار:

       ومن المسائل التي تتجسد فيها المعاني الإنسانية حق الجوار وإن كانوا مشركين قال السالمي:" وأما مواصلة الجوار فإنها حق ثابت على الجيران بعضهم لبعض كان الجار قريباً، أو بعيداً لقوله تعالى:{ والجار ذي القربى والجار الجنب}[113]. قال: ولا يجوز أن يؤذي جاره وإن كان مشركاً[114].

4 – حماية أموال أهل الكتاب:

       والذين عقدوا ذمة مع المسلمين فإن الفقه الإسلامي وفَّر لهم الحماية، وحفظ المال مقصد ضروري حققته الشريعة لمن يعيش مع المسلمين من غير المسلمين، وقد نص السالمي رحمه الله على وجوب الضمان على من أتلف أموالهم فأراق لهم خمراً، أو أتلف لهم خنزيراً[115].

       وفي عهد عمر لأبي عبيدة:" أن امنعْ المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم وأكل أموالهم إلا بحلها"[116].

5 – وجوب الاستئذان عند الدخول عليهم:

       وهذا حق من حقوق الإنسان ومن تعظيم حرمات بيوت غير المسلمين، فالدخول عليهم لا يجوز إلا بإذنهم، فهو حق لأعراضهم فبيوتهم لها حرمتها لا يجوز لمسلم ولا لذمي أن يقتحم هذه الحرمة. قال العلامة أطفيش:" وتدخل بيوت أهل الذمة بإذن بعد استئذان"، وعلل ذلك بأن لهم حقاً.. ونحن مكلفون بتحريم النظر إلى عوراتهم[117].

       وقال السالمي:" ولا يسلم على بيوت أهل الذمة ولكن لا يدخل عليهم إلا بإذنهم"[118]. وفي الاستئذان معنى إنساني كريم يجعل غير المسلمين يعيشون في كنف المسلمين آمنين في بيوتهم على عوراتهم، وحرماتهم وأموالهم ودمائهم، وفي ذلك مصلحة ضرورية تعود إلى حفظ أعراضهم فإن عورة الذمي محرمة كعورة المسلمين.

6 – اتخاذ المعابد، والبيع:

       يرى الفقه الاباضي تبعاً للفقه الإسلامي بعامة أن للذميين أن يصلوا في كنائسهم ومعابدهم، نص على ذلك الفقه الاباضي من غير أن يحدثوا كنائس جديدة لا سيما في الأمصار التي اختطها المسلمون كالكوفة والبصرة وبغداد، وأيضاً فيما فتحه المسلمون عنوة. أما الكنائس الموجودة والبيع فلا يجوز هدمها؛ لأن الصحابة لم يهدموا شيئاً مما فتحه الله عليهم من هذه الكنائس[119].

       وهذه تعود إلى حرية المعتقد وهي من أهم حقوق الإنسان، وقد عاش أهل الكتاب ردحاً من الزمن شعروا بالعدالة والأمن والحرية بكل أبعادها، بحرية المعتقد، والفكر، والتعبير، والتنقل والإفادة من مرافق الدولة المسلمة، وهذا بُعدٌ إنساني عظيم يصطبغ به الفقه الإسلامي بعامة والاباضي بخاصة.

7 – موافقة أهل الكتاب في غير العبادات:

       ومن مظاهر الفقه الإنساني موافقة أهل الكتاب في غير ما أمرنا بمخالفتهم وهي العبادات، فقد ذكر الفقهاء أن المحرم من اتباع أهل الكتاب هو ما يتعلق بخصائص عباداتهم وأديانهم، أما موافقتهم في الأمور الاجتماعية والأعراف الإنسانية التي لا تناقض شرائع المسلمين فلا مانع من موافقتهم فيها، وقد كان النبي T يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه[120].

 

8 – إعطاء الزكاة والصدقات لفقراء أهل الكتاب:

       أهل الكتاب ومن لحق بهم إذا كانوا مواطنين فإنه يحق لأغنياء المسلمين بذل الصدقات لهم، هذا ما نص عليه الفقه العماني. قال السالمي رحمه الله:" قال أبو سعيد: أهل الذمة داخلون في عامة الفقراء وأهل الدعوة أفضل من غيرهم وأهل الخلاف أفضل من أهل الذمة"[121].

       وقد احتج السالمي على جواز دفع الزكاة لهم بقوله تعالى:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}[122]. كما أجاز رحمه الله دفع صدقة الفطر لفقراء أهل الذمة.

       وقال الشيخ الخليلي متع الله بحياته:" إن عمر بن عبد العزيز أمر أن يواسى بها – أي صدقة الفطر – فقراء أهل الكتاب"[123].

       وذكر السالمي عن أبي سعيد: أن المساكين كانوا قوماً من أهل الكتاب أهل مسكنة، وقد جعل الله لهم سهماً والفقراء فقراء أهل القبلة[124]. وهذا قول في المذهب، وهناك أقوال أخرى.

       وهذه المواساة فقه إنساني رائع وفيه نبل عظيم، فإن في إدخال المسلم الغني الفرحة على قلب المسكين المخالف في الدين أو بعض فروع العقيدة مظهراً من مظاهر التعايش والتراحم الإنساني المشترك يؤسس لمجتمع إنساني فاضل، فالفقه الإسلامي بعامة والاباضي بخاصة يشرع أحكاماً تتلاءم مع العيش الإنساني الكريم في حدود ما أباح الله ورسوله.

9 – الصلاة في كنائس أهل الذمة:

       من مظاهر الفقه الإنساني في الفقه العماني الصلاة في كنائس أهل الذمة أو في بيوتهم، فقد ذكر السالمي في المسألة ثلاثة وجوه: أحدها الجواز، واستدل بصلاة أبي موسى الأشعري في كنيسة، ورخص في ذلك عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي[125].

 

 

10 – اعتبار أبدانهم طاهرة:

       ومن مظاهر الفقه الإنساني المشترك اعتبار أبدانهم طاهرة، نص على ذلك الشيخ الثميني في التاج المنظوم[126]، ورأى أن النجاسة التي أضافها الله لهم في سورة التوبة في قوله تعالى:{ إنما المشركون نجس}[127] قد نزل في مشركي العرب، وأن عمر توضأ من جرة نصرانية.

       وهذه نظرة إنسانية من فقهائنا؛ لأن الخلطة بين المسلمين وغير المسلمين ينتج عنها مصافحتهم والأكل من طعامهم والشرب من مياههم ومساقيهم، وهذا مما عمت به البلوى في البلاد المشتركة بين المسلمين وأهل الكتاب في بلد واحد أو قرية واحدة، أو شارع واحد.

11 – نكاح حرائر أهل الكتاب:

       ومن الفقه الإنساني المشترك نكاح حرائر أهل الكتاب، وقد أباح الله ذلك للمسلمين. وقد تقدم ذلك في أثناء الكلام على باب النكاح الذي يرجع إلى مصلحة حفظ النسب، وقد ذكر ذلك أئمة الفقه العماني منهم ابن بركة، والنور السالمي عليهما الرحمة.

       ولا يخفى أن في جواز نكاح حرائرهم تأسيساً لعلاقة أسرية حميمة تقوم على المصاهرة بين المسلمين وأهل الكتاب، وهذه العلاقة تعتبر تجسيداً لقاعدة التعايش بين المسلمين وأهل الكتاب، وهذا فقه إنساني مشترك، مع ما يستتبع ذلك من حرية المعتقد التي وفرها الفقه الإسلامي للزوجة الكتابية، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى درجة أن يوصلها زوجها إلى الكنيسة إن بقيت على دينها مادام أنه لا يكرهها على عقيدته، وهذا تسامح لم تصل إليه جميع الأديان على وجه الأرض فيما أعلم.

12 – الوفاء بالعهد:

       من أروع صور الفقه الإنساني الوفاء بالعهد مع غير المسلمين، فالوفاء من الدين، والغدر والخيانة من صفات المنافقين، وقد أمر الإسلام بالوفاء بالعهود والمواثيق التي أبرمت مع أهل الكتاب وبموجب هذا الوفاء حافظ الإسلام على دماء أهل الذمة، وأموالهم وأعراضهم.

       وقد أثار السالمي هذه المسألة بقوله:" ونوفي بعهود قومنا من أهل الذمة وغيرهم ونجير من استجارنا من قومنا وغيرهم، ويأمن عندنا الكافُّ عن القتال منهم"[128].

13 – التحاكم إلى المسلمين:

       ومن صور الفقه الإنساني الذي يؤسِّس للتعايش بين المسلمين وغيرهم في مجتمع إنساني راقٍ التحاكم إلى قضاة المسلمين الذين يقضون بينهم بالعدل، والإنصاف، فقد أثار هذه المسألة الإمام السالمي نور الدين رحمه الله فقال:" أما قوله تعالى:{ فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}[129] فقال قوم: إن حكمها منسوخ بقوله تعالى:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله}[130]. وقال قوم: إنها في أمر خاص وهو قضية وقعت عند اليهود في زمنه... وقال آخرون: إنها عامة في كل من جاءه من الكفار ليحكم بينهم[131].

 وله أن يدخل مساجد المسلمين إذا أراد التحاكم إليهم. ذكر فقهاء الاباضية أن للذمي أن يدخل إلى المسجد إذا كان القاضي يحاكم فيه، وقد استدل من أجاز ذلك منهم بأن النبي T قد أنزل وفد ثقيف المسجد[132]، وقيل: وفد نجران.

وهذه صورة وضيئة ومشرقة للفقه الإنساني الداعي إلى العيش المشترك بين المسلمين وغير المسلمين.

ومن صور الفقه الإنساني لدى الفقه الاباضي عامة: توفير الحماية لغير المسلمين، وتحريم دمائهم وأموالهم وأذيتهم بكل أنواع الأذى، كما وفَّر لهم حرية التنقل، والبيع، والشراء، وكل أنواع المعاملات التجارية، كما وفَّر لغير المسلمين العيش الكريم وضمن لهم حق العجز والشيخوخة كما ثبت عن عمر بن الخطاب مع اليهودي.

       وقد ذكر العلامة أبو سته عبارات صدرت عن مقام النبوة تمنع أذى المعاهد بكل أنواع الأذى، من هذه العبارات: قول النبي T :" من قتل معاهداً أو ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة"، ثم ساق روايات عدة بهذا المعنى[133].

 

 

المطلب السابع: الفقه الإنساني في أصول وقواعد ابن بركة

       وفي هذا المبحث سأشير بشكل موجز وسريع إلى أصول ابن بركة التي يظهر فيها الجانب الإنساني المشترك، وسوف أتناول منها بقدر ما يسمح به هذا البحث.

       وأبدأ بالمصادر أو الأدلة العامة التي بنى عليها العلامة ابن بركة والتي يتجلى فيها الجانب الإنساني وهي:

1 – العرف: وهو من الأصول التي بنى عليها ابن بركة بل أئمة الفقه الاباضي فقههم، وقد أقر الإسلام العرف؛ لأن نزع الناس عما ألفوه مشقة فادحة، لذلك أقرت الشريعة العوائد رعاية لمصالح الناس وتنزيلهم على عوائدهم وأعرافهم، وأوضاعهم التي أضحت جزءاً من حياتهم وكيانهم.

       ومن قواعد العرف عند ابن بركة:" الأيمان محمولة على العرف"[134]، وقاعدة:"العادة تعتبر إذا اطردت"[135]، وقاعدة:"العادة محكمة"[136]، وقاعدة:"ما ليس له ضابط في الشرع ولا في اللغة يُرَدُّ إلى العرف"[137].

       والعرف يعتبر من أهم أسباب مرونة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومن أهم المصادر الناظمة لتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان. ومن أهم قواعد العرف قاعدة:"لا يُنكر تغيُّر الأحكام بتغير الأيام"[138].

2 – المصالح: والمصالح من أهم ما يزدان بها الفقه الإنساني، فالشريعة جاءت لمصالح الناس في عاجلهم وآجلهم، ولذلك نص الفقهاء على اعتبار المصالح بشتى أنواعها الضرورية، والحاجية، والتحسينية، فالناس يحرصون على مصالحهم ولذلك كانت الشريعة موضوعة على نمط يحقق هذه المصالح للناس. ومن قواعد المصلحة عند ابن بركة قاعدة:"التصرف على الرعية منوط بالمصلحة"[139] .

المطلب الثامن: القواعد الفقهية ذات البُعد الإنساني:

       ذكر ابن بركة كثيراً من القواعد الفقهية، وسوف أقتصر على ذكر بعض ما يتصل بالفقه الإنساني. من هذه القواعد:

1 – قاعدة:"الضرر يزال"[140]:

هذه قاعدة من القواعد الكبرى التي عليها مدار الفقه، وبُعدُها الإنساني واضحٌ، فإن هذه الشريعة جاءت لدفع الضرر الواقع أو المتوقع، ومن هنا جاءت النصوص في الكتاب والسنة تمنع الضرر ابتداء وتمنع الضرر مقابل ضرر آخر، قال تعالى:{ لا تضارَّ والدةٌ بولدها ولا مولود له بولده}[141]، وقال T:"لا ضرر ولا ضرار"[142]. ومن هنا بُني الفقه الإسلامي على نفي الضرر عن الناس، ومن هنا شرعت الشفعة لدفع الضرر عن الشريك، وشرع حق الارتفاق لدفع الضرر عن الناس، وحرمت الخمرة دفعاً للضرر عن العقل، وحرم الاحتكار لذلك، وحرم تلقي الركبان، والغش وجميع أنواع الغرر، وهذا لمصلحة الناس ودفع المكروه عنهم، وهذا جانب إنساني عظيم.

2 – قاعدة:" الضرورات تبيح المحظورات"[143]:

       وهذه من القواعد الكبرى التي عليها مدار الفقه، وقد ذكرها ابن بركة وفرَّع عليها مسائل كثيرة، وقد ثبتت مشروعية هذه القاعدة بقوله تعالى:{ فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم}[144].

       وعلى أساس هذه القاعدة شرعت الرخص في الشريعة، من ذلك: أكل الميتة للمضطر، وشرب الخمر لإساغة اللقمة، وكشف الرجل عورته للمريض، وكذلك المرأة، وهذا جانب من الفقه الإنساني، وعلى أساسها شرعت التخفيفات في كتب الأصول بعوارض الأهلية، أو أسباب التخفيف. وهذا من الفقه الذي روعي فيه الجانب الإنساني وبه تحققت سماحة الشريعة وعاش الناس في يسر ولين.

 

3 – قاعدة:" المشقة تجلب التيسير"[145]:

       وهذه القاعدة تشكل أصلاً من أصول هذه الشريعة. ودليل هذه القاعدة قوله تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج}[146]، وقوله تعالى:{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[147]، وقوله T:" بُعثت بالحنيفية السمحة"[148]، وقوله T:" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[149].

       وعلى أساس هذه القاعدة كانت المشقة من الأسباب الميسرة كمشقة المرض والسفر، وغير ذلك، وهي في معنى قاعدة:"الضرورات تبيح المحظورات".

       وقد فرَّع عليها ابن بركة فروعاً منها: أن المستحاضة تصلي بالغسل أكثر من صلاة بطريق الجمع، اعتباراً بالمسافر، وهي أولى منه لاعتبار المشقة عليها أعظم[150].

       وتندرج تحتها جميع التخفيفات المنصوص عليها في كتب الأصول.

       وهذه القاعدة تشكل فقهاً إنسانياً تتصل بأعذار الناس وما من شأنه أن يثقل كاهلهم وقد يؤدي بهم عدم مراعاته إلى الانقطاع عن العبادة؛ لأن ذلك من شأنه أن يصطدم مع السماحة واليسر الذي اصطبغ به هذا الدين الحنيف.

       هذا ما استطعت الاطلاع عليه من خلال قراءتي لجامع ابن بركة قراءة متأنية، وقد نظرت فيه من نافذة الفقه الإسلامي المشترك المبني على المصلحة، وقد اقتصرت على ذكر المسائل التي تظهر فيها مصلحة الإنسان وسعادة الناس، وتتجلى فيه الأبعاد الإنسانية ومصالحهم.

      

 

 

      

 

 

[1] - الأنساب للعوتبي 2/218.

[2] - المصدر السابق 2/218.

[3] - ابن بركة وآراؤه الأصولية ص24 للسعدي.

[4] - الأنسان للعوتبي 2/219.

[5] - الاستقامة للكدمي 1/210.

[6] - إتحاف الأعيان للطباشي 1/427.

[7] - الإمام ابن بركة ودوره الفقهي في المدرسة الاباضية لزاهر بن خميس ص51.

[8] - المرجع السابق ص51.

[9] - اتحاف الأعيان 1/229.

[10] - الايضاح في الأحكام 2/26 واتحاف الأعيان 1/416.

[11] - مثل مقدمة محقق الجامع، وكتاب ابن بركة للشيخ زاهر بن خميس، وابن بركة وآراؤه الأصولية للسعدي.

[12] - جامع ابن بركة 1/14-15.

[13] - سورة سبأ ، الآية 19.

[14] - كتاب الجامع 1/109.

[15] - سورة البقرة، الآية 186.

[16] - الجامع 1/128.

[17] - سورة الأعراف، الآية 23.

[18] - الجامع 1/251.

[19] - سورة المائدة، الآية 6.

[20] - سورة الأعراف، الآية 31.

[21] - سورة المائدة، الآية6.

[22] - متفق عليه.

[23] - سورة البقرة، الآية 124.

[24] - رواه الطبراني في الأوسط.

[25] - سورة البقرة، الآية 144.

[26] - كتاب الجامع 1/488.

[27] - سورة آل عمران، الآية 97.

[28] - سورة القصص، الآية 57.

[29] - سورة العنكبوت، الآية 67.

[30] - سورة الأنفال، الآية 24.

[31] - رواه مسلم.

[32] - متفق عليه.

[33] - رواه أبو داود والنسائي.

[34] - متفق عليه.

[35] - الجامع 2/29.

[36] - معارج الآمال 9/362.

[37] - سورة التوبة، الآية 103.

[38] - متفق عليه.

[39] سورة الحشر، الآية 9.

[40] سورة الحج، الآية 28.

[41] - سورة القصص، الآية 57.

[42] سورة الحجرات، الآية 13.

[43] - سورة المائدة، الآية 95.

[44] - سورة المائدة، الاية 95.

[45] - الجامع 2/53و62و71.

[46] - متفق عليه.

[47] سورة آل عمران، الآية 97.

[48] - سورة البقرة، الآية 197.

[49] - الجامع 2/67.

[50] سورة البقرة، الآية 179.

[51] - متفق عليه.

[52] سورة البقرة، الآية 178.

[53] سورة الإسراء، الآية 33.

[54] الجامع 2/506.

[55] سورة البقرة، الآية 179.

[56] - الجامع 2/510.

[57] سورة البقرة، الآية 178.

[58] - الجامع 2/506.

[59] - سورة البقرة، الآية 179.

[60] - سورة قريش.

[61] - هميان الزاد 2/177.

[62] - جواهر التفسير 1/104 وشرح النيل 30/492.

[63] - سورة الشورى، الآية 40.

[64] - جامع أبي الحسن البسيو 1/295.

[65] - كتاب الدراية تفسير العلامة أبي الجواري 1/99.

[66] - سورة آل عمران، الآية 130.

[67] - سورة البقرة، الآية 275.

[68] - سورة النساء، الآية 29.

[69] - رواه أحمد.

[70] - كتاب الجامع 2/319.

[71] - كتاب الجامع 2/319.

[72] - الجامع2/322.

[73] - سورة التوبة، الآية 91.

[74] - الجامع 2/436.

[75] - الجامع 2/436.

[76] - الجامع 2/345.

[77] - الجامع 2/345.

[78] - كتاب الجامع 2/353.

[79] - سورة البقرة، الآية 282.

[80] - كتاب الجامع 2/368.

[81] - كتاب الجامع 2/380.

[82] - الجامع 2/370.

[83] - المصدر نفسه2/394.

[84] - المصدر نفسه 2/395 وما بعدها، وانظر منهج الطالبين11/128.

[85] - كتاب الجامع 2/358.

[86] - سورة النساء، الآية 58.

[87] - سورة البقرة، الآية 283.

[88] - سورة النساء، الآية 29.

[89] - الجامع 2/294 وشرح النيل9/67.

[90] - الحديث ذكره السالمي في شرح الجامع الصحيح 3/114 وأبو سته في حاشية الترتيب 3/134وهو حديث صحيح مشهور.

[91] - انظر جامع ابن بركة 2/249 وما بعدها.

[92] - الرحيق المختوم1/128للمباركفوري، ملتقى أهل الحديث.

[93] - كتاب الجامع 2/550.

[94] - كتاب الجامع 2/550 ورواه جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري، موسوعة جابر بن زيد 2/217.

[95] - سورة الأنعام، الآية 42.

[96] - سورة النحل ’ الآية 16.

[97] - كتاب الجامع 2/110.

[98] - المصدر نفسه 2/151 وانظر شرح النيل 13/418.

[99] - كتاب الجامع 2/152.

[100] - رواه مسلم عن أبي هريرة ، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم 2699.

[101] - سورة الحجرات، الآية 13.

[102] - جامع ابن بركة 1/454 وجوابات السالمي 5/33 ومنهج الطالبين 4/207.

[103] - جامع ابن بركة 1/454 وجوابات السالمي 5/33 ومنهج الطالبين 4/207.

[104] - مقاصد الشريعة: مصطفى شريفي 10/166.

[105] - كتاب الخراج لأبي يوسف ص139.

[106] - أحكام أهل الذمة لابن القيم1/144، ط1، الرمادى للنشر، الدمام.

[107] - سورة الإسراء، الآية 70.

[108] - سورة النساء، الآية 161.

[109] - طلعة الشمس 2/308.

[110] - سورة البقرة، الآية 256.

[111] - جامع أبي الحسن1/40و237.

[112] - منهاج الطالبين 14/195.

[113] - سورة النساء، الآية 36.

[114] - تلقين الصبيان 1/46.

[115] - طلعة الشمس 2/309.

[116] - غير المسلمين في المجتمع الإسلامي للقرضاوي ص15.

[117] - شرح النيل10/75.

[118] - معارج الآمال2/212.

[119] - انظر شرح النيل 7/130.

[120] - متفق عليه.

[121] - معارج الآمال9/367.

[122] - سورة الممتحنة، الآية8.

[123] - فتاوى الخليلي1/267.

[124] - معارج الآمال2/107.

[125] - معارج الآمال5/112 وانظر بيان الشرع1/54.

[126] - التاج المنظوم1/301.

[127] - سورة التوبة، الآية28.

[128] - تحفة الأعيان1/162.

[129] - سورة المائدة، الآية 42.

[130] - سورة المائدة، الآية 49.

[131] - جوابات الإمام السالمي5/51.

[132] - شرح النيل9/422.

[133] - حاشية الترتيب4/203.

[134] - كتاب الجامع2/89 و2/169.

[135] - المصدرنفسه 2/305.

[136] - المصدر نفسه2/144 وانظر طلعة الشمس2/229.

[137] - المصنف25/108.

[138] - الجامع2/604.

[139] - الجامع2/180 وانظر أشباه السيوطي ص142 ومعجم القواعد الفقهية الاباضية 1/148.

[140] - الجامع لابن بركة 1/47.

[141] - سورة البقرة، الآية 233.

[142] رواه أحمد وأصحاب السنن.

[143] - الجامع2/71 وبيان الشرع94/119 و29/12 و18/14 و91/57.

[144] - سورة البقرة، الآية173.

[145] - كتاب الجامع2/237 وبيان الشرع7/36 و10/41 و11/78 والايضاح 1/288.

[146] - سورة الحج، الآية 78.

[147] - سورة البقرة، الآية 185.

[148] - أخرجه أحمد في مسنده 45/255، (21260).

[149] - متفق عليه.

[150] - الجامع 2/237.