طباعة
المجموعة: دراسات وبحوث
الزيارات: 3307

التعارف والاعتراف

الشيخ علي معمر والشيخ أحمد الخليلي أنموذجاً

 

بحث مقدم لندوة تطور العلوم الفقهية في عمان

 

 إعداد

د/ خالد سعيد يوسف تفوشيت

وكيل الشؤون العلمية بكلية القانون والعلوم السياسية

جامعة الجبل الغربي -  دولة ليبيا

 

 1435هـ - 2014م


مقدمة

       يتناول البحث بالتحليل مفهومي التعارف والاعتراف وموقعهما في الحوار عند عالمين جليلين يمثلان مدرسة فقهية وسطية تسعى إلى لَمِّ الشمل ورأب الصدع وتأليف القلوب المتناحرة وتوحيد صفوف الأمة ألا وهما: الشيخ علي يحي معمر، وسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، وذلك من خلال محاولة توضيح مسألة التعارف والاعتراف من خلال فكرهما النير واهتمامهما فيه بتحديد المفاهيم التأسيسية لصلة المسلم بالمسلم أولاً، ثم صلة هذا المسلم بأصحاب الحضارات الأخرى. ويوظف البحث المنهج التحليلي ليعالج موقع التعارف والاعتراف في عملية الحوار، مستهدفاً بناء إطار عام لمسألة الحوار المنضبطة بقيم التعارف وقوانين التدافع، وتمتلك رؤية منسجمة تماماً مع الفطرة، حتى تنضبط بقوة الإيمان، وقوة القيم، وقوة المعرفة والعلم، وقوة الحكمة والبيان.

       ومن هنا فإن موضوع الحوار المتمثل في التعارف والاعتراف المبني على معرفة ما عند الآخر من أهم المداخل عند العالمين الجليلين في مسألة العمل من أجل تحقيق التفاعل والتعايش الإيجابي في مسيرة الأمة.

        وقد سعى كل منهما بأمانة وروية، إلى إبراز الرؤية الإسلامية في موضوع الحوار والتفاعل مع الآخر، وذلك باستجلاء منهج القرآن الكريم الذي أسس لرؤية كونية متوازنة ومتكاملة في الحوار والاتصال والتفاعل، ومنهج سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وضرب أمثلة واقعية حية لأعمال الخلفاء الراشدين، والصحابة، والتابعين وسير سلفنا الصالح التي تجسد قيم الحوار، والاتصال القرآني في ممارسات الأمة الإسلامية وحضارتها وفي صلتها مع الأديان، والأمم، والشعوب، والثقافات الأخرى.

        والباحث المنصف والدارس لفكر الشيخ علي معمر وسماحة الشيخ أحمد الخليلي المتمثل في مصنفاتهم وأبحاثهم العلمية، والدروس والمحاضرات الفكرية والدعوية يدرك بيسر إبرازهم للقيمَ والمبادئ التي أحاطت بعملية الحوار في الإسلام؛ سواء أكان حواراً فردياً أم جماعياً، عقدياً أم عملياً، فكرياً أم سلوكياً. كما يدرك أنّ النهج الذي سلكوه لا يَدَعُ مجالاً للشك في أنَّ التوجه العام لمذهبهم الإباضي هو توجه السِّلم والحوار، والتفاعل مع الآخرين مهما كانوا. فقد ترك هذين العالمين تراثاً علمياً عملياً في حواراتهم واتصالاتهم مع الآخر، وبيّنوا لنا أنسب الطرق، وأصلح المناهج، وأسنى القيم المطلوبة في الحوار والتفاعل، والتواصل والتسامح الناتج عن التعارف والاعتراف.

      فكان كل منهما خير مَنْ مثل الإسلام في رؤيته العالمية الحضارية في الحوار والاتصال، وفي تبيّن هذه الرسالة العظيمة لقيم الحوار، ومناهجه، وضوابطه، وأخلاقياته، ودوائره، وأهدافه، وفي جعلها مبنياً على التعارف والاعتراف بالآخر من أهم الوسائل في تبليغ دعوة الحق، وإيصاله للآخرين، وإقامة الحجة والدليل عليهم.

      كما بيَّنَا الحقيقة الأساسية التي ركز عليها الإسلام في قضية الحوار ووُظِّفتْ في بيان الحق وخدمته في مختلف صوره وأشكاله، فكان التعارف عندهما هو الجسر الذي يربط بين الجماعات المتنوعة والمختلفة، فمن دون هذا الاختلاف ما كانت هناك حاجة للمعرفة، وما كان للتعارف أساسا أن يكون.

فلم يكن التعارف الإسلامي من وجهة نظرهما خطابا مثاليا، وإنما تجربة إسلامية فعلية، ورسالة إسلامية للعالم في الانفتاح على الثقافات الأخرى، وعلى أنَّ العلاقة التي لا تؤسس على المعرفة والتعارف والاعتراف تتأثر بالصورة النمطية التي لا تكمن خطورتها فقط في حجب التواصل والزج إلى الصراع بالنسبة إلى الآخر، وإنما أيضا في سوء تقدير الذات.

      وقد استدعى ذلك كله تقسيم موضوع هذه الورقة إلى ثلاث محاور:          

المحور الأول: مفهوم التعارف والاعتراف وإطاره النظري.

المحور الثاني: جوانب التعارف وضوابطه.

 المحور الثالث: العلاقة التكاملية بين الاختلاف والتعارف والاعتراف.

 

 

 

المحور الأول: مفهوم التعارف والاعتراف وإطاره النظري.

أولاً: مفهوم التعارف والاعتراف:

    التعارُف لغةً: مأخوذٌ من عرف الشيء عرفانا ومعرفة، أي أدركه بحاسة من حواسه، وتعارفَ يَتعارف تعارُفًا، فهو مُتعارِف، ومُتعارَف عليه، وتعرف إلي فلان جعلتُـه يعرفني، وتعارف الرَّجلان تحقَّق كلاهما من الآخر وعرَفه، وتعارف الصَّديقان بعد سنواتٍ من الفِراق، وتعارف الطُّلاَّب: عرَف بعضُهم بعضًا، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، وتعارفوا على أمرٍ: أصبح متّفقًا عليه بينهم في السلوك والعادات والمعاملات ونحو ذلك حين تصبح مقبولة دون اتّفاق رسميّ، مثل لُغةٌ مُتعارَفٌ عليها، وأجرٌ مُتعارَفٌ عليه، وهذا أمرٌ مُتعارَفٌ عليه.

- والاعتراف مأخوذٌ من اعترف يعترف اعترافاً: أي اعترف بالشيء وأقرّ به، أي اعترف بالخطأ، واعترف الشيء: عرفه، واعترف إليه: أخبره باسمه وشأنه، واعترف الضالة: وصفها من غير أنْ يراها بصفة يعرفها هو وحده ويعلم بها أنه صاحبها، واعترفه: سأله عن الخبر، واعترف به: دل عليه، واعترف للأمر: صبر، واعترف: ذل وانقاد ([1]).

 والتعارف اصطلاحاً: يهدف للتكاتف حسب المواهب والقدرات المتنوعة، للنهوض بالعرف الحسن والمعرفة الرشيدة؛ وفاءً بالحاجات، وتعاوناً على التكاليف والأعباء، فبناء الفرد لذاته، ونضوجه الشخصي تعرُّف وتعارُف، وتكوين الأسرة وتربية الأبناء واستكمال شخصياتهم، تعرُّف وتعارُف، وتفاعلات المجتمع تعرُّف وتعارُف، وعلاقات الشعوب والقبائل الإنسانية تعرُّف وتعارُف، ولن يتحقق ذلك تحققاً فاعلاً إلا بنهج الإسلام وصبغته، فهو أصل التعارف وأساسه.

     إنَّ مفهومَ التعارفِ مأخوذٌ من المعرفة ومن العرفان, وهما يفيدان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، والتعارف مزيج من التعرّف والتعريف، فمفهوم التعارف ذو سعة يمكن أنْ يشمل كل المعاني التي تدل على التعاون والتساكن والتعايش، ويمكن أيضاً أن يستوعب قيم الحوار، والجدل بالتي هي أحسن، والاحترام المتبادل.

 

ثانياً: الإطار النظري للتعارف والاعتراف:

       تعدُّ مسألة التعارف والاعتراف من المفاهيم التأسيسية لصلة المسلم بالمسلم أولاً، ثم صلة هذا المسلم بالآخرين من أهل الكتاب، وأهل الأديان والملل والنِّحل الأخرى؛ لذلك لابد من توضيح الإطار النظري للتعارف والاعتراف عند كل من الشيخ علي يحي معمر، وسماحة الشيخ أحمد الخليلي، حيث يتأسس الإطار النظري للتعارف، وفلسفته وأبعاده الكبرى عندهما على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13] إذ تتأكدُ قيمٌ عديدةٌ لدى كل منهما بناء على هذا المبدأ الرباني العميق "التعارف" مثل: "قيمة الإنسان وتكريمه"، و"قيمة التفاعل والتواصل الإنساني من أجل الحق"، و"قيمة التقوى" بوصفها مقياساً للتفاضل والتكريم، كما يؤكد ذلك النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: "يا أيها الناس: إنَّ ربكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألاَ لا فضلَ لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى"([2]).

      ومن هذا المنطلق نجدُ أنَّ "التعارف" بوصفه مفهوماً إسلامياً تأسيسياً للعلاقة مع الذات ومع الآخر، يخصُ العالم كله، بشعوبه وقبائله، ويدور حول قيمة "التكريم الرباني" للناس، وهو من باب أولى يخص المسلمين فيما بينهم، فيحكم بينهم بقاعدة التقوى بوصفها معياراً وميزاناً ربانياً يُميَّز على وفقه العمل الصالح والعمل الفاسد، فـ" بالتعارف يشتركون في السلوك والأداء الجماعيِّ للعبادات وبالاعتراف يتقبَّل كلُّ واحد منهم مسلك الآخر برضىً ويعطيه مثل الحقِّ الذي يعطيه لنفسه (اجتهد فأصاب أو اجتهد فأخطأ) ، وفي ظلِّ الأخوَّة والسماح تغيب التحدِّيات وتجد القلوب نفسها تحاول أن تصحِّح عقيدتها وعملها بالأصل الثابت في الكتاب والسنَّة..."([3]) .....

       وعلى هذا الأساس يشعر الجميع أنهم يسيرون في خط واحد، ويهدفون إلى غاية واحدة، وهي خدمة الإسلام، ورفع كلمة الله، وبالتالي يؤمنون بضرورة الترفع عن سفاسف الأمور، وعدم البقاء في الأمور الهامشية، والارتفاع إلى مستوى عظمة الرسالة.

       كما بين سماحة الشيخ الخليلي حقيقة التعارف من خلال إبراز الأهداف العامة للتعارف الإسلامي، وكيف أنَّ نهايته القصوى في عالم الشهادة تدور حول معرفة الله سبحانه وتعالى، وتكون تجسيداته العملية الواقعية على مستوى قيام الإنسان بواجب الاستخلاف والعمران والحضارة المستقيمة على الطريقة، كما أمر الحق تبارك وتعالى، وكيف أنَّ التعارف في مستوياته المتنوعة يهدف إلى تحقيق الوحدة والتآلف والتواصل والتعايش والتدافع والتداول بين الناس، حيث يقول: "والتعارف يؤدي إلى التآلف والتواصل والتراحم والتلاحم وليس معنى هذا أن يستعلي الإنسان على الآخرين بنسبه فلا قيمة لهذا النسب ... ومن أجل هذا نجد أن المؤمنين إنما يتعارفون لا بالأحساب والأنساب وإنما يتعارفون بما يكون بينهم من صلة التقوى... فكل ما يكون من خلة في هذه الدنيا ومن تواصل بين الناس يتحول يوم القيامة إلى عداوة ساخنة وإلى قطيعة بينهم إلا ما يكون بين عباد الله المتقين فأولئك كما تواصلوا في هذه الدنيا بتقوى الله سبحانه وتعالى يظلون متواصلين يوم القيامة بالتقوى"([4])، وقال في موضع آخر: " والمسلمون عندما التزموا هذه الآداب التي شرعت لهم وهذه العبادات التي فرضت عليهم ... على النحو المشروع كما فرضها الله سبحانه وتعالى وقاموا بحقوق هذه الآداب ... عندما قاموا بذلك كان لهم التمكين وكان لهم النصر في الأرض فكانت قلوبهم كقلب رجل واحد لأنهم توادوا في ذات الله سبحانه وتعالى فتآلفت قلوبهم وتناصروا على البر والتقوى ... وبسط عليهم من نعمته واستخلفهم في أرضه ومكن لهم فيها ومكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وأبدلهم بخوفهم أمنا " ([5]

       فالإطار الأخلاقي في نظر الشيخين يجعل من مفهوم التعارف الإسلامي ضابطاً يضبط علاقات الناس وتواصلاتهم وتفاعلاتهم وحواراتهم بجملة من القيم والمبادئ، ويجعل التعارف والاعتراف قيمة أساسية من قيم عالمية الإسلام وخصائصه العامة الأخرى.

        وعندما يُؤسس التعارف والاعتراف بكل قيمه وأخلاقياته وضوابطه وشروطه، بوصفه مقصداً من مقاصد الوجود الحضاري للبشرية على "منظومة التقوى" ومفرداتها الأخلاقية، والتشريعية، والعملية، والتربوية، فإن هذا التعارف يتحول إلى إطار لنفي الخبث، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإزالة الأحقاد التي خلفتها رواسب التعصب والإقصاء، واستبدالها بالتسامح والتفاعل والتواصل، الذي من خلاله يتعارف الناس ويتفاعلون من أجل تحقيق مصالحهم الدنيوية والأخروية، كما أمر الحق تبارك وتعالى، فيعيشون إخوة متحابين، وفي ذلك يقول الشيخ علي يحي معمر: "وفي ظلِّ الأخوَّة والسماح تغيب التحدِّيات وتجد القلوبُ نفسُها تحاول أنْ تصحِّح عقيدتها وعملها بالأصل الثابت في الكتاب والسنَّة غير خائفة أنْ يقال عنها تركت مذهباً أو اعتنقت مذهباً. ولن نصل إلى هذه الدرجة حَتَّى يعترف اليوم أتباع جابر وأبي حنيفة ومالك والشافعيِّ وزيد وجعفر وأحمد وغيرهم مِمَّن يقلِّدُهم الناس أنَّ أئمَّتهم أيضاً يقفون في صعيد واحد لا مزيَّة لأحدهم على الآخرين إِلاَّ بمقدار ما قدَّم من عمل خالص لله" ([6]).

       من هذا التحليل المقتضب للإطار النظري للتعارف والاعتراف المبني على الحوار الهادف المثمر يتبين أنَّه يصلح أنْ يكون إطاراً للتواصل والحوار والتفاعل بين المسلمين والناس أجمعين، فعندما ينضبط الحوار بإطار التعارف، الذي يحقق وجود الآخر ولا يلغيه، ويؤسس العلاقة والشراكة والتواصل معه فلا يقطعها أو يمنعها أو يقاومها، عندئذٍ نجدُ أنَّه تلقائياً ينـزع نحو الاعتراف بالحق والتدافع بدل التمسك بالباطل والصراع، وهذا يؤكد لنا أنَّ التعارف هو أحد أرقى المفاهيم، وأكثرها قيمة وفاعلية، ومن أشد وأهم ما يحتاج إليه الأفراد والجماعات والأمم والحضارات، وهذه دعوة نبيلة للإسلام على لسان الشيخين لأنْ يكتشف كل منا الآخر ويتعرف عليه، وتكتشف وتتعرف كل أمة وكل حضارة على الأمم والحضارات الأخرى، بلا سيطرة أو هيمنة، أو إقصاء أو تدمير .

 

 

 

المحور الثاني: جوانب التعارف وضوابطه.

أولاً: جوانب التعارف:

     إنَّ التعارف من المنظور الإسلامي عند الشيخين يمكن أن يُدرس من جوانب متعددة، ويمكن أنْ يُنظر إليه من زوايا نظر متكاملة ومتداخلة.

الجانب الأول: التعارف رسالة وواجب ينبغي أنْ يقوم به المسلم:

      يُعدُّ التعارفُ رسالةً وواجباً ينبغي للمسلم أنْ يقوم به إزاء نفسه ومجتمعه وأمته والآخرين الذين يعيشون معه في هذا العالم، من أجل التعريف بنفسه، ودينه، وحضارته، وقد حدد الشيخ علي يحي معمر طبيعة هذه الرسالة وكونها من أوكد الوجبات عند علماء الأمة :" إنَّ أولئك الأعلام الذين تركوا في حياة الإسلام هذا الأثر العظيم ... كانوا معلمين من الدرجة الأولى، فكانوا يحاولون بما أوتوا من جهد وقوة، أنْ يوجهوا قلوب الناس إلى الإيمان الحق بالله، والفهم الحق لأسرار الشريعة والعمل الحق بما جاء به الإسلام ... وهبوا أنفسهم وجهودهم للعلم، فكانوا يحرصون على إفادة الناس في كل مجتمع: في المسجد، والشارع، والسوق ... لذلك كانوا حرّاصاً أشد الحرص أنْ يكون ما يعلمونه حقاً ثبت لهم بالدليل، وصح عندهم بالبرهان، فإنَّ هداية الناس إلى دين الله، وتعليمهم أسرار شريعته، وتنوير قلوبهم وبصائرهم بنور الله، أفضل القربات عندهم، وأزكى الأعمال لديهم، وأحب الواجبات الى نفوسهم"([7]).

        ويحدد سماحة الشيخ الخليلي الواجبات والمطالب التي يصل من خلالها المسلمون إلى المعرفة والتعارف، فيقول: "المسلمون مطالبون بأن يكونوا على معرفة بشؤون الحياة الدنيا حتى لا يكونوا عالة على أعدائهم في شيء... ونحن بجانب هذا أيضاً بحاجة إلى الكثير من المهارات الدينية، حتى يكون الشباب متسلحين بعلوم الدين بحيث يتمكنون بهذا التسلح من شق طريق هذه الحياة بأمان، حتى لا ينحرفوا عن سواء الصراط ... ومع هذا أيضاً لا بد من أن يكون هؤلاء الشباب على بينة بمكر أعدائهم وأساليبهم، وكيف يواجهون هؤلاء الأعداء سواء من الناحية المعنوية أو من الناحية المادية... والدعوة إلى الله يجب أن تكون نصب عيني كل شاب مسلم" ([8])

       بل يجب عليهم التعرف إلى دين الأمم الأخرى وثقافتها وحضارتها، ومن أجل بيان الحق وبيان منهجه في التوحيد، والعبودية، والدعوة، والإصلاح وغيرها وذلك من خلال القيام "بتقديم الإسلام المشرق الذي أنزله الله تعالى، وأنْ يحلل الصراع بين المسلمين والغرب في إطاره التاريخي، وأن تكون الدعوة بالأسلوب الأمثل والحكمة المؤثرة والحجة الواضحة ... وأن المسلمين بإمكانهم أن يقدموا الحل السلمي من خلال الطرح العادل بين الأمم، وأن يثبتوا بذلك أن ما يمارسه القطب الرأسمالي المنفرد بالساحة العالمية هو عين الظلم والاستفزاز للمستضعفين... لا بد من تحسين الواقع الإسلامي من خلال مشروع حضاري دعوي تقوم به الأمة... وهذا الصراع يجب أن يكون عبر طريق الحوار الحضاري الواعي المدروس من قبل علماء الأمة، لا من قبل المتخاذلين أمام الهيمنة الغربية أو المنخدعين ببريقها... ويجب أن نرسخ في أذهان غير المسلمين أن الدين الإسلامي هو دين الفطرة الذي يجذب بتأثيره قوى الإنسان المختلفة، الروحية والنفسية والعقلية والفكرية، ويوازن بينها في غلاف من الجسد السليم والنظيف. ونوجد وحدة الكلمة في تقديم الإسلام إلى البشر، وأن لا تتوزعنا العصبيات الإقليمية والمذهبية في ذلك، وإلا كيف نعالج الناس ونحن أنفسنا بحاجة إلى أن نتخلق بخلق الدين القويم. وعلينا في كل ذلك، بل في مسير حياتنا، أن نقدم الدليل من الكتاب العزيز والسنة الثابتة على أقوال البشر، مهما علت منزلتهم في قلوبنا" ([9]).

 

الجانب الثاني: التعارف إطارٌ للحوار والتواصل والتفاعل والتكامل والتعلُّم:

      سبق أنْ أشرنا إلى أنَّ التعارف وسيلة من الوسائل المهمة في تحقيق أهداف الإسلام ومقاصده الكبرى، وذلك بوصفه إطاراً للحوار والتواصل والتفاعل والتكامل والتعلُّم؛ يجمع كل العناصر والجوانب المتداخلة والمتكاملة له، بمعنى أنَّ التعارف أوسع وأشمل من تلك الأطر, فالحوار قد يكون هادفاً ومثمراً لأجل المعرفة والتعارف، وقد يكون لمجرد الِمرَاءِ والجدل والتنابز والتنافر، أما التواصل فقد يكون بتعارف أو بدون تعارف، فالاختلاف الثقافي والعرفي والديني والمذهبي باقٍ حتى قيام الساعة، والحكم فيه يومئذ لله، والتعامل مع بقائه لا يكون بإلغائه ولا بتجاهله، بل بالتعرّف إليه وتقبّله واحترامه كسنّة دائمة من سنن الكون.

      فعندما يكون الحوار مثمراً مؤسساً على تكريم الإنسان وتقوى الله سبحانه وتعالى، يصبح الحوار محكوماً بمنظومة من القيم والأخلاقيات والمقاصد التي تحاول أنْ تنأى به عن الاستغلالية، والاستهزاء بالآخرين، وعدم احترامهم، والتكبر، وامتهان الآخرين وتسخيرهم ليكونوا وسائل لتحقيق مصالح خاصة، ونشر الفساد والظلم وسفك الدماء بغير وجه حق، فإذا اختفت تلك المنظومة القيمية الخُلُقية في الحوار استقوي منطق القوة، وتضخم النـزوع نحو الصراع، والعنف المقنن بوصفه فلسفة، ومنطقاً للتعامل مع الآخرين، وهنا يتحول الحوار إلى نفي للآخر، وإلى صدامٍ معه وتعدٍّ عليه، وإلى فرضٍ لمنطقِ الذاتِ وقيمها وأهدافها على الآخرين، سواء اقتنعوا أم لم يقتنعوا، يقول الشيخ علي معمر:" لكن هذه الحرية الدينية التي فهم حدودها الأقدمون، وهذه السماحة الإسلامية، التي أتاحت لتلك العقول الجبارة أنْ تحلق في أجواء البحث والاطلاع والاستطلاع- أصبحت فيما بعد سبباً من أسباب الشحناء والخلاف والتنابذ، عندما سيطر الجهل على الناس، وأعمى التعصب الجامد نور البصائر، ولعبت أهواء الحكم والسياسة بالمفاهيم الحقيقية لتعاليم الدين القويم، واستغل الطغاة والجبابرة من الحكام، أطماع ضعاف النفوس والعقائد، ممن تثق بهم الشعوب، وتكل إليهم أمر دينها، فانطمست الروح الحية، وأصبحت الحقائق الدينية، والأصول التي تبنى عليها العقائد والأعمال، مظاهر جدلية للقول لا للعمل، وميدانا يتسابق فيه طلاب الشهرة العلمية للظهور لا للحق، وللناس لا لله"([10]).

      وهنا يفقد الحوار قيمته الحضارية والتربوية الإنسانية المستمدة من روح الشريعة ومبادئها ومقاصدها العامة، ويتحول إلى أداة ووسيلة فحسب في يد من يريد استغلاله لمطامحه أو ثقافته أو نموذجه لمذهبه أو حزبه وغير ذلك. ولهذا نجد الإسلام يضبط مسألة الحوار مع الذات ومع الآخرين ضمن نسق تعارفي إنساني هادف، يقول سماحة الشيخ الخليلي: "ولا ريب أنّ الأمة الإسلامية مقومات اتحادها كثيرة، وهي قائمة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وإنما غلبة العصبيات والجهل، أججت الأحقاد في نفوسها وهي عوامل مدمرة لاتحادها منذ قديم الزمان، والموروثات الفكرية الخاطئة أدّت بالأمة إلى الاختلاف والتنازع والتشتت، وقد تعمَّقت هذه المؤثرات في نفوسهم إلى أنْ أصبحت كل طائفة منهم تحرص على أنْ تستمسك بمواريثها مهما كان خطؤها وبعدها عن هدي الإسلام، ولا تحاول أنْ تعرض هذه المواريث على الأصول التي يجب أنْ يُرْجعَ إليها، وهي كتاب الله أولاً، ثم الثابت الذي لا خلاف فيه من السنة الصحيحة..." ([11]).

- الحوار والتعارف والاعتراف:

       يتضح لنا مما سبق أنَّ التعارف والاعتراف في الإطار الإسلامي كما يرى الشيخان هو توجه حضاري عام في بنية الإسلام، وتوجيهاته، وتصوراته الكونية العامة.

      فالحديث عن التعارف والاعتراف يتطلب إدراكاً لمختلف أنواع الحوار ودوائره: فهماً، وسُنناً، ومناهج، ووسائل، وممارسة.

       وقد أشار الشيخ العلامة علي معمر إلى أنّ قاعدة التعارف والاعتراف مبني في النسق الإسلامي على حوار متنوع ومتعدد ومتداخل ومتصل، يبدأ ويدور في دوائر كثيرة متداخلة يمكن حصرها في ثلاث دوائر رئيسة لو تمسك بها المسلمون لنعموا بالتواصل والتواد والتراحم فيما بينهم، هذه الدوائر هي: المعرفة والتعارف والاعتراف، وقد جعلها الشيخ وسائل لوحدة الأمة وحفظ الأخوة والتسامح بين أفرادها وجماعاتها، فقال: "أنَّ المذهبيَّة في الأمَّة الإسلاميَّة لا تتحطَّم بالقوَّة ولا تتحطَّم بالحجَّة. ولا تتحطَّم بالقانون، فإنَّ هذه الوسائل لا تزيدها إِلاَّ شدَّة في التعصُّب، وقوَّة ردِّ الفعل؛ وإنَّما تتحطَّم المذهبيَّة بالمعرفة والتعارف والاعتراف، فبالمعرفة يفهم كلّ واحد ما يتمسَّك به الآخرون، ولماذا يتمسَّكون به. وبالتعارف يشتركون في السلوك والأداء الجماعيِّ للعبادات. وبالاعتراف يتقبَّل كلُّ واحد منهم مسلك الآخر برضى ويعطيه مثل الحقِّ الذي يعطيه لنفسه (اجتهد فأصاب أو اجتهد فأخطأ) وفي ظلِّ الأخوَّة والسماح تغيب التحدِّيات وتجد القلوب نفسها تحاول أن تصحِّح عقيدتها وعملها بالأصل الثابت في الكتاب والسنَّة غير خائفة أن يقال عنها تركت مذهباً أو اعتنقت مذهباً.

      ولن نصل إلى هذه الدرجة حَتَّى يعترف اليوم أتباع جابر وأبي حنيفة ومالك والشافعيِّ وزيد وجعفر وأحمد وغيرهم مِمَّن يقلِّدُهم الناس أنَّ أئمَّتهم أيضاً يقفون في صعيد واحد لا مزيَّة لأحدهم على الآخرين إِلاَّ بمقدار ما قدَّم من عمل خالص لله"([12]).

      وكذلك الأمر بالنسبة لسماحة الشيخ فبعد أنْ بين الأساس الذي يجمع شتات الأمة ويؤلف بين فئاتها ويوحد صفها وهو اتفاقهم على الأصول، فهو يرى أنّ معرفة اتفاق الأمة على ذلك واختلافهم فيما سوى ذلك من الجزئيات وفروع المسائل هو الأساس " فالمعرفة هي الأساس، ثم التعارف؛ بحيث إنَّ كل فريق يُبدي ما عنده للفريق الآخر، ثم بعد ذلك يتمُّ الانسجامُ مابين الجميع، فالأمةُ بحاجة إلى أنْ تأخذَ بهذه الوسائل للتوصل بمشيئة الله إلى الوحدة العامة الشاملة التي تجمع فئاتها وتجمع شتاتها"([13]).   

الدائرة الأولى: المعرفة التي تؤدي أولاً إلى الحوار مع الذات في إطار الذات بوصفها فردا وجماعة، ثم الحوار مع الآخر ثانياً، أي يفهم كل واحد ما عنده وما يتمسك به الآخرون، ولماذا يتمسكون به([14]).

     في هذه الدائرة يتحاور المسلم مع نفسه ليكتشف حقيقة توجهه، ومدى مصداقية المنهج الذي يتبعه، ومدى التزامه به في قلبه ونفسه وفؤاده وجوارحه وأفعاله وسلوكياته إلخ، فإذا كان يعاني من إشكاليات فكرية فحلها هو ربط عالم الشهادة بعالم الغيب، ووصل المخلوق بالخالق، والربط بين الدنيا بالآخرة، وما بين الحياة بالممات، وما بين الفناء والخلود، فتنحل تلك الإشكالات التصورية، ولذلك كانت الضرورة داعية إلى إعادة صياغة الشخصية الإسلامية وتصورها الصحيح حتى يكون تصوراً قرآنياً مبنياً على الأدلة اليقينية لا على الأوهام والأفكار الخاطئة وبذلك يصبح المسلم قادراً على اكتشاف هويته وشخصيته، فيصبح متبوعاً لا تابعاً، قائداً لا منقاداً، مؤثراً لا متأثراً ([15]).

الدائرة الثانية: التعارف الذي يؤدي إلى الحوار مع الذات في إطار حضور الآخرين، وهو التعارف الذي يشتركون فيه من حيث السلوك والأداء الجماعي للعبادات ([16]).

     وفي هذه الدائرة يتحاور المسلم مع ذاته في تنوع مستوياتها، لكن في حضور الآخرين؛ أي في حضور جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، والأجناس والجماعات الأخرى المغايرة له في الرؤية والعقيدة والتصور. وهنا يجب أن يكون كل من المتحاورين على اطلاع على ثقافة الآخر ومنطلقاته العقدية والفكرية.

     وكذلك يتحاور المسلم مع أخيه المسلم بعيداً عن اللزوميات الكلامية وسبق إصدار الإحكام والتوجس والتشنج من الآخر أو التشنيع عليه حتى يخلق مجالاً حيوياً للتأثير في الآخرين " فإذا استقام التاريخ الإسلامي، وعَرَضَ كلُّ أصحابِ فرقةٍ من فرق الإسلام عقائدَ تلك الفرقة، وأحداثَ تاريخها، ومدى ارتباطها بمصدرها الأول عرضاً واضحاً صريحاً، وأُزيلتْ عنها ما ألصقته بها الدعاية المغرضة، أو الجاهلة، أو المستغفلة، وجد جميع أصحاب الفرق في جميع مواطن الإسلام، أنهم متشابهون كل التشابه، فهم منطلقون لتحقيق الرسالة الخالدة التي أُنيطت بهم، في طريق واحدة، أوفي طرق متشابهة، منتهية إلى غاية واحدة"([17]).

ومن ثم ينتقل المسلم بقيمه الحوارية إلى المستوى الحضاري العالمي؛ إذ الحوار الشامل مع الثقافات، والحضارات المختلفة والمتغايرة "فحيثما توجد المؤسسات الإسلامية فالجسور مُدّت، والعلاقات توطّدت، والتعارف حصل، وتبع ذلك التعاون"([18]).

     وقد أكَّد سماحة الشيخ الخليلي عند حديثه عن التقريب بين المذاهب الإسلامية أنَّ القضيةَ هي قضيةُ تعارفٍ، وذلك باطلاع كل فريق على ما عند الآخر، وإزالة الحواجز النفسية والاجتماعية التي فصلت الأُمة بعضها عن بعض ردحاً من الزمن، وأوجدت الوحشة، فإنَّ إزالة هذه الحواجز يُبدِّل هذه الأُمة بالوحشة والنفور ألفةً وتقارباً، وهذا الذي حصل فعلاً، عن طريق مؤسسات عديدة عملت على مدِّ الجسور بين فئات الأمة ليتم التعاون بينها بعد التعارف والتفاهم فيما بينها([19]).

- الدائرة الثالثة: الاعتراف الناتج عن الحوار مع الآخر وفي إطار الآخر بوصفه فرداً وجماعةً، أو عن طريق تقبُّل كل واحدٍ منهم مسلك الآخر برضى، وإعطائه مثل الحق الذي أعطاه لنفسه، اجتهد فأصاب أو اجتهد فأخطأ فـ" يتقبَّل كلُّ واحد منهم مسلك الآخر برضى ويعطيه مثل الحقِّ الذي يعطيه لنفسه ... وفي ظلِّ الأخوَّة والسماح تغيب التحدِّيات وتجد القلوب نفسها تحاول أن تصحِّح عقيدتها وعملها بالأصل الثابت في الكتاب والسنَّة غير خائفة أن يقال عنها تركت مذهباً أو اعتنقت مذهباً"([20]).

      وهنا يتحاور المسلم مع الآخر المغاير، لكن في ظل نموذجه وتراثه وثقافته. فالمسلم الحق هو الذي يتحاور مع الآخرين من أجل الحفاظ على هُويته وثقافته مخافةَ ذوبانها، وتحللها بفعل ضغط الثقافات والأنساق الأخرى، لا من أجل إقصاء الآخر أو محوه من على ظهر الأرض "ولن نصل إلى هذه الدرجة حَتَّى يعترف اليوم أتباع جابر وأبي حنيفة ومالك والشافعيِّ وزيد وجعفر وأحمد وغيرهم مِمَّن يقلِّدُهم الناس أنَّ أئمَّتهم أيضاً يقفون في صعيد واحد لا مزيَّة لأحدهم على الآخرين إِلاَّ بمقدار ما قدَّم من عمل خالص لله"([21])، وبهذا ينجح المسلم في تحقيق حوارٍ مثمرٍ وفاعلٍ وبنّاءٍ مع الآخر، يصلُ إلى الاعتراف والتعايش والتفاهم، سواء أكان فرداً أم جماعة، فرقة أم مذهباً، مجتمعاً أم ثقافة أم حضارة.

       وعندما يصبح حوار التعارف ثقافة وجزءاً من التربية العامة للمسلم، ويتحول إلى نمط في حياته، وقيمة حضارية في وجوده وسلوكه وتفاعلاته، يكون أكثر تأهّلاً لتحقيق الاعتراف ومن ثَمّ التفاعل مع الآخرين، من أجل تحقيق أهدافه الحضارية والاستخلافية، بوصفه مكلفاً بواجب الاستخلاف والإعمار والإنقاذ والشهود "فلا ينبغي أنْ يكونَ الإنسانُ متقوقعاً علة نفسه، يُصرُّ على أنَّ ما يقوله هو وحده الحق، فالحق يعرف بالرجوع إلى الأصول من الكتاب والسنة النبوية الثابتة الصحيحة – على صاحبها أفضل الصلاة والسلام-، لا بمجرد الدعاوى. ثم مع هذا نجد أنَّ علمائنا السابقين، كانوا حريصين كل الحرص على ما يوحد الصف، ويرأب الصدع، ويجمع الكلمة... فنحن لا ندعو أحداً إلى أنْ يتخلى عن مذهبه، سواءً من الناحية الفكرية، أو من الناحية الفقهية "([22]).

       والمسلم يكون فاعلاً في الحوار الحضاري العالمي، كلما كان ممتلكاً زمام الحوار مع ذاته ومع الآخر، سواء في مجتمعاته هو أو في مجتمعات الآخرين، وسواء أكان أقلية أم أكثرية.


 

الجانب الثالث: التعارف معيار وميزان لقياس علاقات الناس:

       إنَّ التعارف معيارٌ وميزانٌ لقياس علاقات الناس وصلاتهم وتفاعلاتهم ومدى تحقيقهم لمراد الله في وجودهم واستخلافهم الأرضي، يرى الشيخ علي معمر أنَّ الكتاب والسنة هو المقياس الحقيقي لمعرفة مقدار صحة الأشياء وصوابها، وذلك باعتباره مقياساً لا تشوبه أيُّ شائبة فهما الطريق الأمثل للتعارف والاعتراف، فقال: "المقياس الحقيقي الذي نقيس به الخطاء والصواب، والميزان الصادق الذي نزن به العقائد والمذاهب والآراء والأعمال، فنعرف مقدار صحتها، ومدى قربها أو بعدها من الصواب، فإنما هو الميزان الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)) هذا هو المقياس الصحيح، الذي لا يتغير، ولايتهم، ولا يخطئ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. من أراد أنْ يعرف صحة عقيدة أو زيغها، وقربها من الحق أو بعدها، فليعرضها على هذا المقياس، وليحكم حينئذ بما يتبين له..." ([23]).

الجانب الرابع: التعارف قيمة أخلاقية يتجسد من خلالها التوافق والانسجام:  

       يعدُّ التعارف الذي يؤدي إلى الاعتراف والتحاور والتواصل بين المسلمين وغيرهم قيمةً أخلاقية إسلامية إنسانية عالية يتجسد من خلالها التوافق والانسجام والتساكن والتعايش والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين رغم اختلافهم فيما بينهم وبين غيرهم، كما أنه يؤدي إلى تكريمهم، واحترامهم لقدرات وإمكانات الآخرين، وتتمثل القيم الأخلاقية التي يؤدي إليها التعارف عند سماحة الشيخ في التآلف والتواصل والتراحم والتلاحم المبني على التقوى، فقال: "التعارف يؤدي إلى التآلف والتواصل والتراحم والتلاحم... ومن أجل هذا نجد أن المؤمنين إنما يتعارفون لا بالأحساب والأنساب وإنما يتعارفون بما يكون بينهم من صلة التقوى ... فكانت قلوبهم كقلب رجل واحد لأنهم توادوا في ذات الله سبحانه وتعالى فتآلفت قلوبهم وتناصروا على البر والتقوى كان المسلم يحس بمشاعر إخوانه المسلمين ولو كان بعيدا عنهم، فمن بالمشرق يحس بأحاسيس من بالمغرب ومن بالمغرب يحس بأحاسيس من بالمشرق إذ الكل يحبون الله تعالى ويطيعونه ويطيعون رسوله صلى الله عليه وسلم" ([24]).

      فسماحة الشيخ لا يهتم كثيرا بجانب التعارف كغاية في حد ذاته, بل وأيضا كوسيلة للتواصل حيث يلتقي مفهوم التآلف والتواصل والتراحم مع مفهوم التعارف في نسق معرفي مشترك. فمجموع هذه الأطر يتضمن بناء الجسور والوصول إلى الآخر وتجاوز الذات.

      ويقول الشيخ علي يحي معمر: " ولكنني أحب أن ألغي تلك المسافات الطويلة التي خلقتها بين فرق الأمة أقلام مسيرة لتعود كلّ فرقة إلى موقفها القريب تمسك يدها وتتعاون معها على البرّ والتقوى، ولأصحّح بعض تلك الأخطاء التي ارتكبتها الأقلام المدفوعة في غفلة من الزمن ضدَّ فرق من الأمة فقطعت بينها الوشائج، وأفسدت العلاقات وحكمت فيما بينها أهواء الساسة والمتسلطين ثُمَّ مكائد المبشرين والمستعمرين" ([25]).

      فالتعارف عند الشيخ علي معمر هو الذي يحدد مستويات الحوار والتعاون, ويثريهما ويثمرهما، هذا إلى جانب الدور الوقائي الذي يلعبه في منع النزاع والصدام على مستوى الأفراد والجماعات والأمم والحضارات؛ لهذا فإن اختيار مفهوم التعارف الذي يصل بنا إلى الاعتراف المؤدِّي إلى التآلف والتواصل والتعاون على البر والتقوى هو أكثر دقة وأكثر فاعلية.

 

ثانياً: ضوابط التعارف والاعتراف:

      سبق وأنْ أشرنا إلى جملة من القيم والأخلاقيات، التي تضبط الحوار حتى يكون مثمراً ومن ثَمَّ يُؤدي إلى التعارف والاعتراف، وبناء على ما سبق ينبغي للمتحاور - من أجل التعارف للتآلف والتسامح لا للجدال والتخاصم والتنافر - أنْ يكون مُخلصاً متفاعلاً تحكمه قيم الإخلاص، والصدق، والأمانة، والحكمة، والحق.

      ولا شك أنَّ إطار التعارف الذي يحدد أفق الحوار وامتداداته، وغاياته، ومعانيه، وقيمه، يتأسس أصالة على تكريم الآخرين واحترامهم، والمساواة والتفاعل معهم، وعلى الإقناع بالحجة، والدليل، والبيان، والتبليغ، والدعوة بالتي هي أحسن، والإصلاح والإرشاد.

        كما أنَّ هذا الإطار التعارفي الإنساني مؤسَّس على معيار رباني عادل، لا فرقَ فيه بين عربي وأعجمي، وبين متحضر ومتخلف، وبين قوي وضعيف إلا بالتقوى "ومن أجل هذا نجد أنَّ المؤمنين إنما يتعارفون لا بالأحساب والأنساب وإنما يتعارفون بما يكون بينهم من صلة التقوى ... فكانت قلوبهم كقلب رجل واحد لأنهم توادُّوا في ذات الله سبحانه وتعالى فتآلفت قلوبهم وتناصروا على البر والتقوى، كان المسلم يحس بمشاعر إخوانه المسلمين ولو كان بعيداً عنهم، فمَنْ بالمشرق يحسُّ بأحاسيس مَنْ بالمغرب ومَنْ بالمغرب يحسُّ بأحاسيس مَنْ بالمشرق إذ الكل يحبون الله تعالى ويطيعونه ويطيعون رسوله صلى الله عليه وسلم" ([26]).

      وضمن ضوابط إطار"التعارف والاعتراف" بكل قيمه، وأخلاقياته، نستطيع أنْ نضعَ وسيلة الحوار في سياقها الصحيح، ونُحدِّدَ لها الهدف المناسب، ونضعَ لها الشروط الصحيحة، والمنظومة الأخلاقية والقيمية التي ينبغي أنْ تحكمَه ليكونَ مثمراً، ومحققاً لمقاصد الناس ومصالحهم المشروعة.

      وبذلك نبتعد عن كل ما يؤدي إلى العصبية والجهل والتشاحن والتباغض والفرقة والتشتت؛ فيغيبُ ويختفي الحوارُ المثمرُ، وفي هذه الحالة مهما التجأنا إلى الحوار من أجل التعارف والاعتراف، فلن نصل إلى النتيجة المرجوة له، نعم قد نصل إلى التسامح المبني على فوقية المتسامِح تجاه المتسامَح معه؛ لأنَّ البعضَ يعدُّ التسامح إهانة للآخر؛ لذلك اختار الشيخ علي معمر مصطلح التعارف بين المذاهب والفرق الإسلامية، ولم يخترْ التسامح؛ لأنَّ علاقة المسلمين فيما بينهم علاقة إيمانية، توحدهم تحت بوثقة الإيمان بالله الواحد الأحد، وليست علاقة تسامحية، وشتان بين العلاقة القائمة على الإيمان، وتلك القائمة على التسامح، فالعلاقة الأولى نديّة تقوم على الاعتراف بالحق واحترام الاختلاف. بينما الثانية فوقية، تقوم على إنكار الحق والاستعلاء على المختلَف معه، فلن يعترف أحدٌ بالآخر ما لم تصحح بعض المصطلحات والمفاهيم الخاطئة العالقة في أذهان أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية وفي ذلك يقول الشيخ: "وقد كانت العصبياتُ المذهبية وأصابع السياسة، وبُعد بعض المسلمين عن بعضٍ، وجهلُ أهل ِكلِّ مذهبٍ بما عليه الآخرون، حواجزَ تحولُ دون تعرُّف المسلمين بعضهم ببعض. أمَّا الآن - وقد اختلط المسلمون بعضهم ببعض وعرف الكثير منهم الكثير عن الآخرين - فإنَّه ينبغي أنْ تختفي بعضُ المصطلحات أو بعض المفاهيم، وتنشأَ بدلاً منها مفاهيم أو مصطلحات أخرى، تكون أقربَ إلى توحيدِ جميع صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم. فلا معنى أبدًا أنْ يأتيَ إنسانٌ يسهل عليه تماماً أنْ يستخفَّ بأحكام الله فيرتكِبَ ما نهاه عنه، ويهمل ما أوجبه عليه، ثمَّ يزعم - في تبجح ظاهر - أنَّه سنِّي أو من أهل السنَّة؛ فإذا قابله إنسانٌ آخر لا يتَّفق معه في المذهب رماه بأنَّه مُبتدعٌ رغم الصلاح والتقوى، والحقيقة عكس ما يقول"([27])، ويسير سماحة الشيخ الخليلي بالموضوع في السياق نفسه قائلاً: "ولا ريب أنّ الأمة الإسلامية مقومات اتحادها كثيرة، وهي قائمة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وإنما غلبة العصبيات والجهل، أججت الأحقاد في نفوسها وهي عواملٌ مدمرة لاتحادها منذ قديم الزمان، والموروثات الفكرية الخاطئة أدّت بالأمة إلى الاختلاف والتنازع والتشتت، وقد تعمَّقت هذه المؤثرات في نفوسهم إلى أنْ أصبحت كل طائفة منهم تحرص على أنْ تستمسك بمواريثها مهما كان خطؤها وبعدها عن هدي الإسلام، ولا تحاول أنْ تعرض هذه المواريث على الأصول التي يجب أنْ يُرْجعَ إليها، وهي كتاب الله أولاً، ثم الثابت الذي لا خلاف فيه من السنة الصحيحة..." ([28]).

 


 

العلاقة التكاملية بين الاختلاف والتعارف والاعتراف.

     يعد الاختلاف بين أفراد الجنس البشري سنة من سنن الخالق، لتنويع الخلق، فهو من الأمور الطبيعية التي تأبى أنْ يكون هذا الجنس على مستوى واحد في التفكير والذكاء والميول والرؤى والقيم والموازين حتى لا تصطدم بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، لتقابل هذه الاستعدادات المختلفة وظائف الخلافة المختلفة المتعددة المتنوعة، فلا بد إذن من تنوع في المواهب يقابل تنوع تلك الوظائف؛ ولا بد من اختلاف في الاستعدادات يقابل ذلك الاختلاف في الحاجات، فالحياة قائمة على ذلك التنوع " فلذلك تجدهم متفاوتين في المدارك، مختلفين في المشارب، متعاكسين في الأحاسيس، وإلى ذلك يرجع تعدد مذاهبهم في الأمر الواحد، وتباين تصوراتهم في القضية الواحدة {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} 4، وكثيراً ما تتأصل الحَمِيَّةُ في نفوسهم فلا تلبث مع استمرار الوقت وعوامل الزمن أن تتحول إلى عقيدة راسخة مستحكِمة في العقل والوجدان، مستعصية على الحجة والبرهان، لا تتزعزع لمحرك، ولا تنقاد لداع" ([29])، فتتفاوت مراتب عقولهم ومداركها وبناء على هذا التفاوت تختلف التصورات، وتتباين وجهات النظر، وتتعدد المناهج، وتتنوع المعتقدات، وبقبول الهدي وإقامة مراد الله تعالى في هذه الحياة يكون منتهى ارتقاء العقل، وبذلك يكون التميز بين أفراد الجنس البشري، وما تماثل أحوال الأمم تلقاء دعوة أنبيائها مع اختلاف العصور إلا دليلاً على تفاوت مراتب العقول البشريّة، وأنَّ قبولها الهدي هو منتهى ارتقائها، فنعلم " أنَّ الاختلاف شنشنة قديمة في البشر، وأنّ المصارعة بين الحق والباطل شأن قديم، وهي من النواميس التي جُبِلَ عليها النظام البشري "([30])، فنتعظ ونعتبر ونحذر مما وقعت فيه الأمم السابقة.

       وبهذا يعدُّ الاختلاف عاملاً من عوامل ثراء الفكر البشري الذي يبقى على الدوام موزعاً بين أفراد الجماعة الإسلامية بل والإنسانية جمعاء، وعلى أجيالها المتعاقبة وثقافاتها المتنوعة، وهو أيضاً أصلٌ من أصول الاجتماع الإنساني، وعاملٌ لا يستغني عنه الناس في أمور دينهم ودنياهم، بالتناظر والتشاور وإعمالهم الرأي وإجلائهم الفكر في الأسباب الموصلة إلى درك الصواب، فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره وأدركته قوة بصيرته.

        وقد عدَّ الشيخ علي معمر حركة الاختلاف بين المذاهب، من الخصائص الحيويَّة في الإسلام، ودليل انفساحه للعقول والأفهام، وأسُّ صلاحيَّته لكلّ زمان ومكان([31])؛ وبذلك يكون الحوار الفكري بتبادل الآراء، وبالنقد البناء قوام الحياة الفكرية التي تصل بنا إلى التعارف والاعتراف الذي يؤدي كما يرى سماحة الشيخ الخليلي أنَّ التسامح بين فئات الأمة الإسلامية الواحدة واجبٌ دينيٌّ، وفرض وطنيٌّ واجتماعيٌّ، فالأمة هي أمة واحدةٌ مهما اختلفت في التصورات والاجتهادات([32]).

أنواع الاختلاف الفقهي وضوابطه.

      يعد الاختلاف - بالوصف الذي ذكرناه - رياضةً للأذهان، وتلاقحاً للآراء، وفتحاً لمجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها للتعارف والاعتراف بين المسلمين، لا كما يُخيّل إلى بعض الناس أن الخلاف والاختلاف في الفقه مظهر من مظاهر التفرقة والشقاق بينهم؛ وذلك بسبب علوقها في أذهانهم بالملابسات التاريخية التي عرفها الفقه الإسلامي ضمن المدارس والمذاهب التي نشأت في فتراته التي كثر فيها التقليد من تعصب المقلدين لها، بدافع الجهل، أو الدعاية السياسية المغرضة، فأساؤوا فهم الاختلاف وحقيقته، وشوهوا معنى المذاهب الفقهية " وقد كانت العصبيات المذهبية وأصابع السياسة، وبُعد بعض المسلمين عن بعضٍ وجهل أهل كلّ مذهب بما عليه الآخرون، حواجز تحول دون تعرُّف المسلمين بعضهم ببعض "([33])،

       أضف إلى ذلك عدم تفرقتهم بين أنواع الخلاف، وعدَّها شيئاً واحداً يستوجب حكماً واحداً هو الذم؛ لذلك لابد من تحديد تلك الأنواع ومعرفة طبيعتها ومدى علاقة كل نوع بالتعارف، فالخلاف إما أن يؤدي إلى التعارف والتواصل والتسامح، فيكون محموداً، وإما أنْ يؤدي إلى التعصب والتنافر والخصومة، فيكون مذموماً، فهو نوعان لا ثالث لهما.

أولاً: الاختلاف المحمود رافدٌ من روافد التعارف والاعتراف في الإسلام.

      اختلاف الفقهاء في الفروع أمر طبيعي، اقتضته طبيعة الاستنباط وتفسير النصوص الشرعية، فهو اختلاف توسعة ورحمة، وهو: الاختلاف المحمود الذي يفتح الباب أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلى الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يتناسب ويُسر هذا الدِّين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم.

      وقد حدد الشيخ علي معمر هذا  النوع من الخلاف، واضعاً الضوابط والملامح المنهجية لهذه الظاهرة قائلاً: " فقد تختلف أنظار المجتهدين في مسألة فيذهب كلٌّ إلى رأيٍ يعتمدُ فيه على دليل صحَّ عنده، وقد يعمل الناس بقول في جهة أو في زمان ثُمَّ يترجَّح غيره عليه فيعملُ به الناس ويموت القول الأوَّل أو يبقى في بطون الكتب فقط. وهذه حالة توجد عند جميع المذاهب، بل قد تقع للعالِم الواحد كما اشتهر للشافعي قديمٌ وجديدٌ، وكذلك غيره..." ([34]).

     فضابط الاختلاف المحمود عند الشيخ علي هو ما لا ينقض أصول الشريعة، ولا يخالف نصوصها الناتج عن إعمال لأصولها ولأدلتها في الأحوال المناسبة لها، وحمل متعارضها بعضه على بعض، وهو الناتج عن الاجتهاد في طلب الحق؛ لأن أصل الاختلاف الاجتهادي لا يقتضي الفرقة والعداوة، وإنما يقتضي التعارف والاعتراف خاصة إذا بني على أسس علمية منهجية، ولذلك أرجع الشيخ مجموع صور وموضوعات الاختلاف إلى أساسين ليس فيهما ما يبرر الخصومة والقطيعة، فقال: "ولكن يهمُّني أيضًا أنْ أذكر أنَّ هذا الخلاف في مجموع صوره وموضوعاته إِنَّمَا نتج عن أساسين: الأوَّل: فهم الأئمة والعلماء للأدلَّة في نصوصها الثابتة من الكتاب والسنَّة. الثاني: حرص أولئك العلماء والأئمَّة على إصابة الحقِّ في الفهم والاستدلال والعمل بالمقاصد الحقيقيَّة للشريعة الإسلاميَّة. وليس في هذين الأساسين اللذين نتج عنهما الخلاف ما يدعو إلى الخصومة أو القطيعة"([35]).

     كما حرص سماحة الشيخ الخليلي على التفريق بين نوعي الخلاف، فلا يذم الخلاف عنده متى كان في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد وإبداء الرأي، وهو ما لا يعارض أصلاً من أصول الشريعة، كالاختلاف في الفروع المبنيّة على اختلاف مصالح الأمَّة في الأقطار والأعصار، وهو المعبّر عنه بالاجتهاد، فقال:"فمسائل الرأي هي المسائل التي ربما تعارضت فيها الأدلة، أو كانت أدلتها فيها أخذ ورد من حيث ثبوتُها، فقد يرى بعض العلماء ثبوت رواية من الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم – ويرى آخرون عدم ثبوتها، فمن هنا يكون الاختلاف بينهم، ولا يفسق بعضهم بعضاً، ولا يضلل بعضهم بعضاً، ولا يقطع بعضهم عذر بعض؛ لأنَّ قطع الأعذار إنما هو مخالفة القطعيات، أما قضايا الفروع فالاختلاف فيها لا يفضي إلى الشقاق بل يجب التسامح فيه؛ فلذلك لا يُفسِّق ولا يُضلِّل الناس فيها بعضهم بعضاً، ونحن نرى إقرار النظر والاجتهاد في مثل هذه الأمور في القرآن الكريم وفيما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم "([36]).

     والظاهر من كلام سماحة الشيخ أنَّ المقصود من الفروع هنا المسائل الفرعية الشرعية التي تعتمد غالباً على الأدلة الظنية، سواء من حيث ثبوتها أم دلالتها، عقدية كانت أم فقهية، ويعني بالأصول هنا: المسائل الأصلية أو كبرى المسائل العلمية وأمهاتها، والتي تعتمد غالباً على الأدلة القطعية، سواء من حيث ثبوتها أو دلالتها، وسواء أكانت هذه المسائل عقدية أم فقهية.

       فالتعارف والاعتراف يمكن أن يتحقق ويُكوِّن علاقة تكاملية مع الاختلاف إذا بقي الاختلاف ضمن الحدود والضوابط التي حددها كل من الشيخين وغيرهما من علماء الإسلام، ولكنه إذا جاوز حدوده، ولم تراع ضوابطه فيتحول إلى جدال وشقاق يكون سيئ العواقب يحدث شرخاً في الأمة - وفيها ما يكفيها - فيتحول الاختلاف من عامل بناء وتحاور وتنوع وتعارف إلى معاول للهدم.

الاختلاف المذموم مدعاة للتفرقة والتضليل والتكفير والتنافر والتناحر

     الاختلاف المذموم هو ذلك الاختلاف الذي يترتب عليه عدُّ المخالف خارجاً عن الدِّين، ويؤدي إلى التضليل ويفضي بأصحابه إلى تكفير بعضهم بعضاً، ومقاتلة بعضهم بعضاً في أمر الدّين، وهذا مما حذّرنا الله منه قال تعالى: {}.

     وقد تصدّى الشيخ علي معمر لمقالة التكفير - التي اتخذت سلاحا في وجه المخالفين، ومسوغاً لإشهار السيف في وجوههم استناداً إلى ذرائع ظاهرها ديني، وباطنها سياسيّ عشائري نفسيّ - وذلك في كتابيه (الإباضية بين الفرق الإسلامية، والإباضية في موكب التاريخ) تصدى إلى هذا النوع من الخلاف وناقش فيه أصحاب المقالات الذين جنوا على المذهب الإباضي وغيره من المذاهب الإسلامية، فـالتكفير في رأيه (قولة ناشئة عن قلّة تأمّل وإحاطة بموارد الشريعة وإغضاء عن غرضها) وإنّ التوسّل بهذه المقالة لدليل قاطع على عدم المعرفة الصحيحة بما عند الآخر وضعف حجة أصحابها وقصورهم عن إقامة الحق، إذ تنطوي في حقيقتها وجوهرها على انتصارٍ للذات لا للدِّين.

     كما أنّها تسوّغ الاعتداء والظلم وتلبسه لبوس الدِّين، وتعطي للاستبداد طابع الشرعية وتحوّل مجال الحوار إلى مجال تنابز، وتنقل الاختلاف الفكري إلى صراع وتقاتل، وتصبح فئات المجتمع مشحونة ضدّ بعضها بعضاً، فتنقلب قوى المجتمع وطاقاته إلى عوامل تآكل داخلي بدل أنْ تكون عامل قوّة ومنعة، وذلك أبرز عامل من عوامل الضعف والانهيار، وقد بيَّن ما ينبغي على العلماء فعله إزاء هذا النوع من الاختلاف قائلاً: "فإنَّه ينبغي أن تختفي بعض المصطلحات أو بعض المفاهيم، وتنشأ بدلا منها مفاهيم أو مصطلحات أخرى تكون أقرب إلى توحيد جميع صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم. فلا معنى أبدًا أن يأتي إنسان يسهل عليه تمامًا أن يستخفَّ بأحكام الله فيرتكب ما نهاه عنه ويهمل ما أوجبه عليه ثمَّ يزعم ــ في تبجح ظاهر ــ أنَّه سنِّي أو من أهل السنَّة. فإذا قابله إنسان آخر لا يتَّفق معه في المذهب رماه بأنه مبتدع رغم الصلاح والتقوى. والحقيقة عكس ما يقول"([37])،

     فظاهرة تبديع وتكفير بعض المسلمين وتفسيق بعضهم الآخر، والحكم بالابتداع على كل من يخالف رأيًا فقهيًا معينًا، ظاهرة قديمة في تاريخ الإسلام؛ لأنها نتيجة طبيعية لانحراف بعض العقول، وضيق أفقها عن قبول الرأي المخالف " فأصبح كلّ مذهب من مذاهب المسلمين إذا نظرت إليه من زاوية أتباعه هو مذهب السنَّة ومذهب الحقّ ومذهب الاستقامة ومذهب العدل ومذهب الصواب وإذا نظرت إليه من زاوية مخالفيه فهو مذهب الأهواء ومذهب البدعة ومذهب الزيغ ومذهب الضلال. وينشأ الناشئ المسلم في أكناف أحدها فتعتاد أذنه على سماع هذه الأوصاف والنعوت ويتلقَّاها ويتشرَّبها في غير كُلفة حتَّى تُصبح عقيدةً غير خاضعة للنِّقاش أو المراجعة " ([38])،

     كذلك احتلت مقالة «الفرقة الناجية» حيزاً واسعاً في كتب الشيخ علي يحي معمر، فعندما صارت كل فرقة تدَّعي استئثارها بالحقيقة، وترى الفرق الأخرى سابحة في متاهات الضلالة، واستحال الاختلاف عاملاً من عوامل الصراع الداخلي بدل أنْ يكون مصدر قوة وثراء، وانصرف العقل الإسلامي في هذا الخضم عن أداء دوره الأساسي باعتباره مصدر توليد المعرفة وتطويرها وآلة إعمار الأرض وإثمارها.

      وضابط هذا النوع من الخلاف عند الشيخ علي معمر وسماحة الشيخ هو كلّ اختلاف يؤدي إلى نقض أصول الشريعة ويخالف نصوصها، " وإن أعظمه ضرراً، وأفدحه خطراً، وأعمقه أثراً، وأسوأه عاقبة ما كان في أصول الدين، فإنها قواعد الإسلام؛ بها تقوم أركانه، وعليها يُشاد بنيانه، وبقدر ما تكون قوتها تكون متانة الدين نفسه، ولأجل ذلك فإن الأمة كثيراً ما تتسامح في الخلاف الذي يكون بين فئاتها في فروع الشريعة، ولكن يشتد شقاقها، ويتعمق نزاعها عندما تختلف في الأصول، وبقدر ما يكون من التقارب أو التباعد فيها بين طائفة وأخرى بقدر ما بينهما من التلاقي أو الافتراق، "([39]).

      وهما بهذا الرأي يحاولان وضع حدّ لما عرفه المسلمون من فتن على امتداد تاريخهم بسبب الانتماءات المذهبية والاختلافات بين الفرق، والتي منشؤها في الغالب سوء التفاتهم الذي كان بينهم في خلافاتهم كالصراع بين السنة والشيعة أو الخلاف بينهم وبين المعتزلة والخوارج، أوبينهم وبين الإباضية، ويؤكد مفهوم التعارف الذي يؤدي إلى الاعتراف والتسامح والتعايش باعتباره قيمة من القيم التي تأسست عليها الرسالة الإسلامية " وهذا الجهل بالمذاهب الإسلاميَّة، ومقالاتها الحقيقيَّة، والخلط بين ما يذهب إليه كلّ واحد منها ونسبته إلى الآخر، والتشويه الذي ينتج عن ذلك ــ سواء كان مقصودًا أو غير مقصود ــ هو ما يجب أنْ يربأ عنه حملة الشريعة الإسلاميَّة "([40]).

      فالخلاف الذي تكون أسبابه ذاتية أصلية، لا نستطيع رفعه وإزالته، والمخطئ والمصيب فيه من الفقهاء لا يعلمه إلا الله، فهذا النوع لا يخلٌّ بتوازن المجتمع في أي كيانٍ من كياناته، مما يسعف على إنجاز التقريب بالتعارف والاعتراف الذي يفضي إلى تحقيق الوحدة الإسلامية تلقائياً، بحكم وحدة الأصول العامة، والمفاهيم الكلية، والمقاصد الأساسية العليا، وهذا ما أشار إليه

       إذاً غاية ما يجب علينا فيه: أنْ نتعارف ونتأدب بآداب الإسلام، ونتحلى بمكارم أخلاقه، حتى لا يكون سبباً في الإخلال بتوازن المجتمع الإسلامي كله، إخلالاً يتناول مقوماته المعنوية والمادية على السواء وهذا ما لا يجوز شرعاً المصير إليه.

     وهذا لا يتأتى إلا بالرد إلى كتاب الله وسنة نبيه، وقد بيَّن هذا الضابط سماحة الشيخ عند استشهاده بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[ النساء: 59]، فقال سماحته: "ولا يكون الاحتكام إلى الله إلا بالرجوع إلى كتابه فتُسْتَلْهَم منه الحقيقة ويُسْتَبان به الحق، وكذلك الاحتكام إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لا يعني إلا بالرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة"([41])، فالشيخ الخليلي يرى أنَّ الرد إلى الله هو ردُّ إلى كتابه الكريم، وأن الردَّ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته، وحقيقة الرد إلى الكتاب والسنة هي الاحتكام إليهما وحسم النزاع بالنظر إلى الأمور المتنازع فيها في ضوء ما أسساه من قواعد عامة، وما تضمناه من مقاصد للتشريع وروحه.

      والذي يتبادر إلى الذهن من خلال ما عرضناه من مواقف وتقريرات للشيخين إزاء هذه الظاهرة من نفي لوجود أي اختلاف مذموم بين علماء الأمة وفقهائها، وعرضه للنتائج التي وصلت إليها الأمة جراء هذا النوع من الخلاف يستشعر تعصباً في الطرح، واهتماماً واضحاً بالمذهب الإباضي والدفاع عنه، واتخاذ موقف واضح ممن كتب عنه، إلا أنَّ جمع أقوالهم وتقريراتهم في القضية، وإعادة ترتيبها، وربطها بفكرة قطع الخلافات المذهبية التي هيمنت على الأمة، ومحاولة وضع حد لها، أضف إلى ذلك أنها امتزجت بالمشروع الإصلاحي الذي درج عليه الشيخين في تأليفهما للكتب والبحوث والدراسات إلى جانب المحاضرات والدروس، خاصة ما انطوى عليه كتابي (الإباضية بين الفرق الإسلامية، والإباضية في موكب التاريخ) للشيخ علي معمر حيث ضمن كل منهما أصول الإشكالات الرئيسة التي شغلته طوال حياته العلمية والعملية، وما تَوَّجَ به سماحة الشيخ الخليلي تلك الدراسات بكتابه (الاستبداد مظاهره ومواجهته) الذي كان غرضه منه تصحيح النظرة إلى الماضي؛ لأنَّ النظرة إلى الحاضر لاتستقيم إلا باستقامة النظرة إلى الماضي، ووضع كل شيء منه في نصابه السليم وإعطائه حكمه الشرعي استهداء بكتاب الله واتباعاً لهدي رسوله عليه الصلاة والسلام([42]).... وكذلك في لقاءاته التلفزيونية، والتي جمع بعضها في كتاب (لقاءات في الفكر والدعوة)، وكتاب (الدين والحياة) هذا إلى جانب برنامج الأسبوعي (سؤال أهل الذكر)، فدعى كلاهما من خلال هذه الكتب وغيرها من دراساتهم القيمة إلى الدعوة إلى وحدة المسلمين ونبذِ الفرقة، وذلك بإعادة صياغة الأمة من خلال تصح العديد من المصطلحات والمفاهيم، وبمراجعة  كتب المقالات وإخضاعها لميزان النقد والنظر، وتنقيتها ممّا اختلط بها من عناصر غريبة، ومغالطة تاريخية لا تزال تقف عثرة في طريق الوحدة بين المذاهب الإسلامية.

     وبهذا يتبيّن أنَّ التحاور مع الآخر المختلف والتعارف معه سنّة حضارية ماضية، وأنّ الإنصاف للمخالفين والأخذ منهم دليل على الثقة في النفس وعلى الرغبة في الاستزادة من العلم والحكمة والمنفعة التي تؤدي إلى التعارف والاعتراف ومن ثم التواصل والتعايش مع الآخر، وليس دليل نقص في العقل أو ضعف في الدّين، كما صوّرت ذلك بعض المذاهب والتيّارات في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، توهّما منها أنّ الانكفاء على الذات وغلق سبل التواصل مع الآخر المختلف هما «قارب النجاة» على قاعدة «أنّ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» وهذا الأمر أدى إلى تصنيف المذاهب الإسلامية من قبل المستشرقين ومن سار في ركبهم إلى معسكرات متناحرة، حيث نبه إلى ذلك الشيخ علي معمر قائلاً: " ومحاولة تصوير المذاهب الإسلاميَّة كمعسكرات متناحرة يسَّر لها المستشرقون كثيراً ويعملون على تركيزها وقد ساعدهم على ذلك بعض السطحيين من علماء المسلمين في القديم والحديث، وبمثل هذا صارت تلك المسائل بمثابة الشعارات التي يرفعها أصحاب المذاهب، وكان المتعلمون في المراحل الأولى من الطلب وأشباه العلماء من محبي الظهور يجدون فيها وسائل طيبة ومساعدة على الجدل والشغب والشهرة وحب الظهور تمامًا كما يجد العوام وأشباه العوام في بعض الخلافات الفقهيَّة العلميَّة ــ كرفع الأيدي عند التكبير، وتحريك السبابة عند التشهُّد، وقراءة البسملة في أوَّل الفاتحة ــ وسيلة لإظهار المعرفة وبيان شدَّة التمسك بالدين والمحافظة على السنَّة. فإذا ارتفعنا عن هذه المستويات قليلاً على مستوى أهل العلم وأصحاب التحقيق وجدنا هذه المسائل تدور فيما بينهم على طرفين متطرفين ووسط معتدل يلتقي عليه المذهبان" ([43])،

     وقد أدَّى ذلك إلى تكوُّن منظومة فكرية ثقافية لدى المسلمين على مدى قرون من الجمود على وحدة المعرفة والتوجس من الاختلاف والتنوع، واعتبارهما عنوان الافتراق والنزاع.

      وعلى قاعدة من هذا الفهم للاختلاف في الإطار الإسلامي يِرى الشيخ علي معمر أنَّه من الأفضل إلغاء التسميات المذهبية: "والأفضل من ذلك أنْ تلغى هذه التسميات كلها لا سنِّيَّةً ولا مبتدعة ولا شيعة ولا خوارج ولا مالكيَّة ولا إباضيَّة وإنَّما هم مسلمون يتفاضلون بالتقوى والعمل الصالح وكم يكون رائعًا حين يقف المدرِّس والواعظ والمحاضر فلا يحتجُّ إِلاَّ بقول الله أو قول رسوله فإذا احتاج إلى كلام الناس استشهد بكلام عالم من العلماء مقتصرًا على ما ذكر اسمه وامتنع كلّ الامتناع أن يجري على لسانه اسم المذهب أو الفرقة أو الطائفة فانمحت من المجتمعات الإسلاميَّة الألقاب المطلَّقة على مجموعات الفرق كالشيعة والسنَّة والخوارج والمعتزلة واختفت منه أسماء الفرق فلم يبق ذكر للحنفيَّة أو المالكيَّة أو والإباضية أو الزيديَّة أو الظاهريَّة أو غيرها وإنَّما كلّ ما يبقى أسماء علماء ضمن كشف طويل يتضمَّن من خدم الشريعة الإسلامية منذ البعثة إلى قيام الساعة. أمَّا الأمَّة الإسلامية فهي تتكوَّن من جميع من نطق بكلمة الشهادة وإليها يتَّجه النداء القرآنيُّ الكريم {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا} وتكون مجتمعا واحدًا لا انشقاق فيه فإذا شذَّ فرد فارتكب معصيَّة لاحقه المجتمع بالموعظة أو بالحكم الذي انزله الله حتَّى يتوب فيعود إلى مكانه أو يهلك على إصراره فيتولَّى الله تبارك وتعالى حسابه" ([44]).

      وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنَّ الإسلام سوَّغ الاختلاف والتنوع داخل منظومته، وأَّسس للتسامح والحوار مع الآخر أُسُساً راسخة في التعارف والاعتراف، فعقد له مواثيق متينة فيما يتعلق بعلاقة المسلمين بعضهم مع بعض، وجعل معرفة الأفكار واحترامها، واتباع الأسلوب العلمي في الجدل والحوار الذي يُعدُّ هو الفيصل في إدارة الاختلاف، وهذا الأمر وحده الذي يجمع ولا يفرق ويقدم ولا يؤخر.

 

 

المصادر والمراجع:

-       أحمد بن حمد الخليلي:الاستبداد مظاهره ومواجهته، الطبعة الأولى، 2013م

-                أحمد بن حمد الخليلي: الحق الدامغ، مطابع دار البعث، قسنطينة: الجزائر، الطبعة   الثانية، 1412هـ

-                أحمد بن حمد الخليلي: الدين والحياة، الخطاب الدعوي لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، إعداد خميس بن راشد العدوي،  المكتب الفني أجيال، الطبعة الأولى، 2007م،

-                أحمد بن حمد الخليلي: مقومات الأمة المسلمة، ص 8.

-                أحمد بن حمد: الخليلي معالم للجيل الواعد، هذا الكتيب أصله محاضرة ألقاها سماحة الشيخ الخليلي في أحد جوامع السلطنة.

-                أحمد بن حمد الخليلي: شعائر الإسلام ودورها في وحدة الأمة، محاضرة ألقاها سماحته في جامع إزكي عصر يوم الخميس 28/محرم / 1423هـ الموافق 11/4/2002م.

-                علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، مكتبة الضامري، السيب: سلطنة عمان، الطبعة الثالثة، 2014م

-                علي يحي معمر: الإباضية في موكب التاريخ، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، السيب: سلطنة عمان، الطبعة الثالثة ، 2008م محمد الطاهر ابن عاشور: التحرير والتنوير، تونس: الجمهورية التونسية، الدار التونسية للنشر، الطبعة الأولى، 1984م.

-                محمد بن مكرم بن منظور: لسان العرب، دار صادر: بيروت، الطبعة الأولى.

 

 

([1]) انظر محمد بن مكرم بن منظور: لسان العرب، دار صادر: بيروت، ط 1، ج9، 236، 237.

 

([2])أخرجه البيهقي، من حديث جابر رضي الله عنه، في خُطبة الوداع، وقال: في هذا الإسناد بعض من يجهل، انظر شعب الإيمان، باب في حفظ اللسان، فصل، ومما يجب حفظ اللسان منه الفخر بالآباء، ج11، ص130.

([3]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، مكتبة الضامري، السيب: سلطنة عمان، ط3، 2014م،ص2.

([4])  أحمد بن حمد الخليلي: شعائر الإسلام ودورها في وحدة الأمة، محاضرة ألقاها سماحته في جامع إزكي عصر يوم الخميس 28/محرم / 1423هـ الموافق 11/4/2002م.

([5])أحمد بن حمد الخليلي: المصدر نفسه.

([6]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية،ص2.

([7]) علي يحي معمر: المصدر نفسه، ص199.

 ([8])أحمد بن حمد: الخليلي معالم للجيل الواعد، هذا الكتيب أصله محاضرة ألقاها سماحة الشيخ الخليلي في أحد جوامع السلطنة.

 

([9]) أحمد بن حمد الخليلي: مقومات الأمة المسلمة، ص 8.

([10]) علي يحي معمر: الإباضية في موكب التاريخ،ص 49.

([11]) أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، الوحدة الإسلامية، أعده ورتبه: فهد بن علي بن هاشل السعدي، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية،2008 سلطنة عمان، ص 250.

([12]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 2.

([13]) أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، مصدر سابق ص 343.

([14]) انظر علي يحي معمر:الإباضية بين الفرق الإسلامية، مصدر سابق، ص 2.

([15]) انظر أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، مصدر سابق، ص 325.

 ([16])انظر علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 2.

([17]) علي يحي معمر: الإباضية في موكب التاريخ، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، السيب: سلطنة عمان، ط3، 2008م، ص 19.

([18]) أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، ص 324.

([19]) انظر أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، ص 324.

([20]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 2.

([21]) علي يحي معمر:الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 2.

([22]) انظر أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، التقريب بين المذاهب الفكرية، ص 229، 230.

([23])علي يحي معمر: الإباضية في موكب التاريخ،ص 40.

([24])  أحمد بن حمد الخليلي: مقومات الأمة المسلمة، مصدر سابق.

([25]) علي يحي معمر:الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 424.

([26])أحمد بن حمد الخليلي، شعائر الإسلام ودورها في وحدة الأمة، محاضرة ألقاها سماحته في جامع إزكي عصر يوم الخميس 28/محرم / 1423هـ الموافق 11/4/2002م.

 

([27]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 317.

([28]) أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، الوحدة الإسلامية، ص 250.

([29]) أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، رؤى فكرية، ص 323.

([30]) محمد الطاهر ابن عاشور: التحرير والتنوير، تونس: الجمهورية التونسية، الدار التونسية للنشر، ط1، 1984، ج12، ص 192

([31]) انظر علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 93.

([32]) أحمد بن حمد الخليلي: لقاءات في الفكر والدعوة، رؤى فكرية، ص 323.

([33]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 317.

([34]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 6.

([35]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 93.

([36]) أحمد بن حمد الخليلي: الدين والحياة، الخطاب الدعوي لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، إعداد خميس بن راشد العدوي،  المكتب الفني أجيال، ط1، 2007م، ص 145.

([37]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 317.

([38]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 316.

([39]) أحمد بن حمد الخليلي: الحق الدامغ، مطابع دار البعث، قسنطينة: الجزائر، ط2، 1412هـ، ص7.

([40]) علي يحي معمر، الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 94، 317.

([41]) أحمد بن حمد الخليلي: الحق الدامغ، ص 6.

 

([42]) انظر أحمد بن حمد الخليلي:الاستبداد مظاهره ومواجهته، ط1، 2013م، ص 8.

 

([43]) علي يحي معمر: الإباضية بين الفرق الإسلامية، ص 215، 216.

([44]) المصدر نفسه: ص 320.