طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 3990

لقاء مع الداعية الشيخ سالم النعماني ومسيرة حياته وجهوده الخيرة

لشيخ سالم النعماني: لغة الخطاب الديني وراء عزوف الشباب عن المحاضرات الفقهية..

والإعلام يتحمَّل مسؤولية كبيرة في توعية المجتمع

◄ الدعوة إلى الله واجب على كل مسلم مهما تغيَّر الزمان والمكان

◄ تجديد الخطاب الديني ضرورة حتمية في نطاق الشرع

◄ على أولياء الأمور الاهتمام بالغذاء الروحي لأبنائهم

◄ أدعو "الوطنية للشباب" إلى التركيز على رفع معنويات الشباب أكثر من الجانب المادي

◄ الشباب يُعاني الفراغ الروحي والعاطفي.. ومعالجته ضرورة حتمية

◄ القراءة لدى الشباب معدومة

أكد الشيخ سالم النعماني المحاضر والواعظ الديني، أن لغة الخطاب الديني هي السبب في عزوف الشباب عن المحاضرات الفقهية.. موضحا أن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في توعية المجتمع.

وأكد النعماني -في حوار خاص مع "الرؤية"- أن الإعلام يُساهم بدور فاعل في تسهيل وصول المعلومة إلى الناس، موضحا أن المجتمع في أمسِّ الحاجة إلى إعلام يتفاعل مع الجمهور، ويتمتع بالمصداقية فيما يطرحه. وعبَّر عن حزنه لعزوف الشباب عن البرامج والمحاضرات الدينية، لكنه يُؤكد أنه يسعى لجذب الشباب إلى المحاضرات عبر تنويع أسلوب الوعظ والإرشاد.

والشيخ سالم النعماني هو أحد مشايخ السلطنة، ويتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة من فئة الشباب والمتابعين، وتنتشر له العديد من مقاطع الفيديو الدعوية على موقع "يوتيوب".

 

نشأته وحياته:

وتحدث النعماني عن نشأته؛ حيث قال إنه نشأ في بيئة متوسطة بين المزارعين؛ حيث إن والده الراحل اشتغل بالزراعة، وعاونه الشيخ النعماني في تلك المهنة، وكان يعمل على الزاجرة (وهي طريقة قديمة في استخراج الماء من الأرض). وأوضح أن الزراعة كانت في ذلك الوقت تعتمد على وسائل بدائية ولم تكن تتمتع بهذه التكنولوجيا الموجودة حاليا، وكنا نعيش في قرية اسمها وادي الحمامدة، وما زلت أحافظ على أصدقاء الطفولة هناك.

 

مراحل دراسته:

 وأضاف: ثم انتقلت إلى قرية المنفش، ودرست المرحلة الابتدائية بمدرسة الوارث بن كعب في البطحاء؛ وذلك حتى الصف الثالث الإعدادي، ثم مدرسة جميل بن خميس السعدي بالبداية، ودرست فيها لمدة شهر ثم انتقلت إلى معهد العلوم الشرعية، وكان يسمى معهد الإمامة والخطابة سابقا، ثم درست المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية هناك، وتوظفت في ولاية مطرح إماما لمسجد لمدة ثلاثة سنوات. ويتذكر النعماني قائلا: "عشت أيامًا جميلة هناك مع الشباب، وأخيرا التحقت للعمل بجامعة السلطان قابوس بدائرة الارشاد الديني بعمادة شؤون الطلاب، وهذا كتب لي محبة الناس من جميع الشباب، وهذا ما اشعر به دائما واشكر الجميع على حسن الظن بي ودائما اسعى لتقديم الافضل.

 

طريق الدعوة:

وتابع النعماني يقول: إن الدعوة الى الله واجب كل مسلم، مهما تغير الزمان والمكان والناس؛ لذا لابد من تجديد الخطاب الديني، وفقا لما شرعه الله تعالى، موضحا أنه يرى أهمية هذا التجديد رغم ما يلاقيه من انتقادات. وأوضح النعماني أن هناك من تحدث عنه بالسوء نتيجة آرائه ودعوته الفقهية، وقد ألقيت محاضرة قلت فيها إني راضٍ عما أقدمه، بما أنني لم أقع في ثلاثة أخطاء: وهي الكذب على الله ولا على رسوله (صلى الله عليه وسلم)، كما لم أخدش عرض مسلم، مشيرا الى ان ارضاء الناس غاية لا تدرك. وتابع بأن مثل هذه الأمور طبيعية، ويبنغي على الداعية أن يدركها ويحسن التعامل معها، قائلا: الناس أذواق وأسأل الله أن أكون صادقا ومخلصا وأن اقول الحق. وفيما يتعلق بطبيعة الألفاظ التي يستخدمها النعماني، قال إن هذه المصلطحات من واقع لغة الشباب، ولنكون أكثر واقعية نحن في مجتمع نعاني من نفور الشباب عن المحاضرات الدينية، وقد قرأت في إحدى الصحف اليابانية أنه نظرا لابتعاد الناس هناك عن المعابد الوثنية، دفعهم إلى فتح مطاعم داخل المعابد وأماكن جلوس وأماكن استرخاء؛ لذلك ما الذي يمنع أن نتبع طرقا مختلفة لجذب الشباب نحو المحاضرات الدينية، وأن نقدم لهم المعلومة الدينية بشكل مختلف عن ذلك النمط التقليدي الذي يتسبَّب في حالة من الملل لدى الشباب، نتيجة لمعطيات العصر، وسرعة الكون من حوله.

وشدَّد النعماني على أن طريقة توصيل المعلومة تختلف من شخص إلى آخر؛ فبعض المشايخ لديهم أسلوب أدبي مميز في إيصال المعلومة، ويستخدمون السجع والجناس والمحسنات البديعية، لكني ربما أكون مفتقدا لهذا الأسلوب، غير أني ألجأ الى وسائل أخرى أقرب إلى طريقة فهم الشباب.

وزاد النعماني بأن الشباب لديه النذر اليسير من العلوم الشرعية؛ لذا فإن استخدم الأسلوب الفكاهي يساهم في توظيف الموقف وبعث رسالة تناسب طريقة تفكير الشباب. ومضى يقول إن أحد الأخوة أخبرني بأن محاضراتي كوميدية تضحك وتبكي، وفي سياق الموضوع نحصل على معلومات جيدة، لم نكن نتصورها. وأكد النعماني أن طريقة الدعوة تختلف من داعية الى آخر، والموافقة عليها تتباين كذلك بين شباب وآخرين، لكن يظل الهدف الأسمى واحدًا، وهو الدعوة الصادقة الى الله. وقال: "لست متطوعا أو متبرعًا، وإنما هو واجب عليَّ وأرد الجميل لوطني ولأمتي ولإخواني وأخواتي، وأنا لا أجبر الناس على أفكاري، وأدعو الآخرين لانتهاج أسلوب أفضل في الدعوة الى الله، فالهدف هو دعوة الناس لا استعراض العلوم".

 

أخطاء الشباب:

وردًّا على سؤال حول كيفية معالجة أخطاء الشباب، قال النعماني إن أهم ما في هذا الأمر هو الوقاية، فكما يقال "الوقاية خيرٌ من العلاج". وضرب النعماني مثلا بكيفية الوقاية بدلا من الإصابة بالمرض وتلقي العلاج بعدها، فقال: "التقيت شخصًا يتحدث عن زراعة الفجل الأحمر بإحدى الدول الأجنبية، وأخبرني عن سبب إنفاق الدول الأجنبية الأموال الطائلة على زراعة الفجل الأحمر، لأنه في حقيقة الامر يحمي الإسنان من التسوس وبه فوائد صحية؛ لذا عندما يكبرون لا يضطرون إلى استخدام أموال إضافية لعلاجهم. وأوضح النعماني ان الدعاة في عملهم يسيرون على نهج النبوة، ومحبة الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم. وأشار إلى أن العاملين في مجال الدعوة دائما ما يتحدثون إلا عندما يقع الشباب في الأخطاء، ولا يتحدثون عن المشكلات قبل وقوعها، وهذا هو المقصود بأن الوقاية خير من العلاج.

ودعا النعماني اولياء الامور إلى الاهتمام بالغذاء الروحي أكثر من الاهتمام بالطعام والشراب، لا شك أن كلاهما مهم، لكن يجب الموازنة بين الاثنين، وألا يطغى أحدهما على الآخر؛ فيجب تعليم أطفالنا حب القرآن وتلاوته وحفظه، ومن ثم تعليمهم باقي الجوانب الدينية. وأضاف: صادفت طبيبا عمانيا لديه طفلان، وهم لا يجيدون التحدث باللغة العربية، وهي لغة القران، والسبب أنه عاش في الولايات المتحدة او كندا او المملكة البريطانية، وهذا في حقيقة الأمر شيء مؤلم ومؤسف من بعض أولياء الأمور، وفي إحدى المرات سافرت إلى زنجبار وهناك يمنع منعا باتا التحدث باللغة السواحيلية داخل المنازل، بحيث يعوَّد الطفل هناك كي يكسب اللغتين ودائما في محاضرتي أقول للأبناء والشباب بأنكم تحملون رسالة سامية وليس فقط وظيفة، فالطالب يقضي مع المعلم أكثر ما يقضيه مع الوالدين، إذاً هنا يكمن الدور الثاني وهو دور المدرسة وهو لا يقل أهمية عن دور أولياء الأمور والآباء.

ودعا النعماني اللجنة الوطنية للشباب إلى التركيز بشكل أكبر على رفع معنويات الشباب، أكثر من الجانب المادي، وأن يركزوا على عملية تأسيس الخلق؛ لأن هذا ما يحتاج إليه شبابنا. وقال: "نحن في عمان منذ عهد النبي الكريم مخلصون للدين، لكن أين ذهب ذلك كله، إذا كنا لا نعرف ديننا، فالمسلم في الشارع وفي البيت وفي المسجد وفي كل مكان يمارس دين الحياة للأسف، والكثير بعدوا عن الدين الحق والعمل للآخرة، لا نقول بإغفال الجانب الدنيوي، بل يجب أن نوظف الجانب الدنيوي في نيل ثواب الآخرة.

وأكد النعماني أن التخصص الشرعي مطلوب أيًّا كان تخصص الإنسان، وأتمنى من صديقي الدكتور حمد بن حمود الغافري رئيس اللجنة الوطنية للشباب، مشاركتهم في إحدى فعالياتهم، وأن نولي المبادئ الاسلامية تركيزا أكبر، وأن نتعاون بشكل جماعي.

وحثَّ النعماني لاعبي كرة القدم ونجوم المجتمع على توظيف شهرتهم في الدعوة إلى الله، ودعوة الناس إلى فعل الخير، وقال: أشيد بالأمين علي الحبسي حارس مرمى منتخبنا الوطني، فهذا اللاعب لديه فكر وحس وطني عالٍ، وعلى الرغم من أنه لاعب رياضي إلا أنه لم ينس الجوانب الدينية والروحية، وأتمنى من الفرق المسرحية أن تقوم بهذا الدور والدعوة إلى الله".

 

تأليف الكتب:

وتحدَّث النعماني عن الاتجاه نحو تأليف الكتب، لكنه أبدى دهشته من الواقع الحالي، قائلا: للأسف الشديد أنا أرى الآن هناك توليفًا، لا تأليفًا، فتجد البعض يحصل على معلومات من هنا وهناك، ثم ينسبها إلى نفسه، والجميع طلب مني أن أجمع محاضراتي وأفرغها في كتاب، لكن التأليف يختلف عن جمع المحاضرات في كتاب". وأضاف: "حاليا أفضل إلقاء المحاضرات للشباب في جميع أنشطتهم، فجدولي مزدحم بالمحاضرات طيلة أيام الاسبوع، ولا افكر في تأليف الكتب او جمع محاضراتي في كتاب".

وأشار النعماني إلى التحديات التي يواجهها الشباب، وأوضح أن الشبابَ يعاني الفراغ، وهذا كله يتسبب في إفساد الشباب، وهناك فراغ روحي وفراغ عاطفي، وبعض الشباب تجده متعلم ويعمل وعندما تسأله ماذا تقرا يجاوبك بأنه لا يقرأ. وشدد أنه دائما ما يدعو الشباب الى القراءة المستمرة وان يحملوا كتابا في الجيب لقراءته وقت الفراغ، فقد أصبحت القراءة لدى شبابنا شبه معدومة، وهذا خطر على الامة وهذا ينعكس سلبا على الشباب. وتابع بأنه ذات مرة صادف شابًا لا يجيد أبسط الأمور في الصلاة، وهذا بسبب انعدام القراءة، موجها الشكر في هذا الإطار الى معهد العلوم الشرعية الذي أطلق مشروع التعلم عن بُعد، وهي مبادرة ممتازة. وقال إن الطالب من خلال هذه المبادرة، يستطيع ان يقرا الكتب بنفسه دون الحضور الى المعهد وفي نهاية الفصل يحضر للامتحان.

---------------------------------

جريدة الرؤية : الخميس, 23 يناير 2014

 مالك بن أحمد الهدابي

 

              *********************************

النعماني: الدعوة إلى الله "فن".. والاعتدال في الخطاب الديني يُحبِّب الناس في الداعية

 

أكد أن دروس سماحة المفتي تركت أثراً عظيماً في تكوينه المعرفي

 

◄ اللغة العربية أهم أدوات الداعية لإيصال المعلومة وفهم المراد من البيان الإلهي

◄ الدراسة في معهد العلوم الشرعية عصرية وعميقة.. ومخرجاتها مشرفة

◄ التنويع في إلقاء الدروس من باب الترفيه عن المستمع واجب.. والتلقائية ليست عيباً

◄ اكتفاء الداعية بالتعلم من الكتب خطأ.. ولا بد من مُجالسة العلماء والسماع منهم

للشيخ سالم بن علي النعماني إمام وخطيب مسجد جامعة السلطان قابوس، سمتٌ يُميِّزه عن غيره من الدعاة، له ثقافة الحكيم، وحكمة المثقف، واللذان استطاع من خلالهما كسب شريحة كبيرة من فئة الشباب في المجتمع.. ويقول: إن حياة كل إنسان هي ما يقدمه لنفسه ولمجتمعه بعد رضوان الله -سبحانه وتعالى. وعن نشأته أوضح بأنه نشأ في بيئة طبيعية ومتواضعة بين يدي أبوين صالحين، عمل مُزارعا في مزرعة وحقل بلدته، وهذا -حسب وجهة نظره- دافع ليعرف كلَّ واحد قدره وقدر الناس؛ فحياته كانت كلها في طلب العلم منذ المرحلة الابتدائية إلى السنة الجامعية الأخيرة في مرحلة البكالوريوس أو الإيجاز العالي بمعهد العلوم الشرعية.

 

◄ فضيلة الشيخ، كيف سلكتم طريق الدعوة بشكل منتظم؟

- أتذكر أنه في الأيام الأولى منذ أن وطِأَت قدماي معهد العلوم الشرعية، قال لنا أستاذنا المصري الشيخ فتحي شحاتة أبو الحسن من سيلقي خُطبة؟ فتقدمت أنا وألقيت خطبة فيها نصح لإخواني الطلاب عن الجد والاجتهاد؛ ومنذ ذلك اليوم ولله الحمد بدأت في هذا المجال وهو إلقاء الخطب والدروس والمحاضرات والمشاركة في الندوات وغير ذلك من المناشط الدعوية التي كان لها الأثر الإيجابي في حياتي وحياة الآخرين ولله الحمد.

◄ وما هو مفهوم الدعوة كما تعلمته ومارسته عمليا؟

- الدعوة هي إبلاغ رسالة الحق إلى الخلق بجانبيها، وهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، وقال أيضا: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، والدعوة بمعنى آخر هي تخليص الناس من السلوك السيء، وتحليتهم بالسلوك الحسن، وهذه لا تقتصر على الدعاة فقط؛ بل هي مسؤولية كل مسلم.

◄ وكيف يُساعد إتقان اللغة العربية على أداء الداعية لوظيفته؟

- هذا هو الأساس؛ لأن اللغة العربية لغة القرآن، والقرآن وعاء اللغة العربية، ولكن في نفس الوقت لا يعني ذلك إن لم يتقن الإنسان اللغة العربية بفروعها وأقسامها التوقف عن الدعوة، ففي بعض الأحيان يكون كافيًا حديثُ الإنسان بالسليقة دون أن يكلف نفسه فوق طاقتها؛ لأن لكل مقام مقال واللهجة العمانية -ولله الحمد- أقرب ما تكون للغة العربية الفصيحة.

◄ ولمن تدين بالفضل في توجيهكم نحو المسيرة الدعوية وتشجعيكم على الاستمرارية فيها؟

- أولا الأساتذة الذين درّسونا في المعهد؛ فنحن لا ننكر فضلهم وجهدهم الكبير، ومن ثَم الأنشطة التي تطرح من خلال المقررات الدراسية؛ فمن ضمنها أساليب الدعوة وأساليب الخطابة وغيرها، وأيضا القدوة من المشايخ وعلى رأسهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي -حفظه الله- فقد كنت أحضر محاضراته وأستمع إليها باستمرار، فمرة كان يتحدث عن قوله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، فتعلمت من تفسير سماحته للآية الكريم أنه يجب على الإنسان أن يُبادل غيره بالكلمة الطيبة ليجد منها الأثر العظيم عند الله تعالى.

◄ حدثنا عن العلماء الذين تتلمذت على دروسهم بانتظام؟

- في البدايات، تعلمت مع الشيخ ناصر بن سعيد النعماني -رحمه الله- في الشرقية، تقريبا في سنة 1406/1407 هجرية، وكذلك على أيدي أساتذة معهد العلوم الشرعية لمدة 7 سنوات وحضوري في مجالس العلم، ولكن لم أنتظم مع شيخ معين طيلة هذه الفترة.

◄ وكيف ترى الدراسة في معهد العلوم الشرعية؟

- لو نلاحظ خريجي معهد العلوم الشرعية سنجدهم من أكبر القضاة والعلماء في عمان، فمثلا رئيس المحكمة العليا وفضيلة الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي -مساعد المفتي- والشيخ محمد الغاربي والشيخ جابر السعدي والشيخ سعيد بن مبروك القنوبي وكذلك دكاترة بلغوا من العلم وغيرهم من خريجي المعهد، فلو كانت المناهج ضعيفة لما وصل هؤلاء إلى ما هم عليه، فهذا يعود إلى الطالب نفسه واجتهاده؛ فالمقررات مفاتيح للانطلاق نحو القمة وفتح خزائن العلم "ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله".

◄ وماذا عن أول كلمة ألقيتها من المنبر؟

- أول خُطبة ألقيتها من فوق المنبر في مطرح كانت أثناء دراستي، ولا أتذكر صراحة ما هو موضوعها؛ فقد بدأت إلقاء خطب الجمعة عندما أمرت الدولة -ممثلة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية- إقامة صلاة الجمعة في مسجد "الشجيعية" بمطرح، وبعد أن طوَّرت ذاتي أصبحت أخطب بفضل الله مرتجلا.

◄ وما الدور الذي يقوم به مسجد جامعة السلطان قابوس؟

- قضيت 24 عاما في هذا المسجد، وأعتبره من المساجد التي لها أثر عظيم وبالغ في نفوس الطلاب والأساتذة والناس جميعا؛ فمن المعلوم أنه يأتي أناسًا كثر من مناطق شتى لحضور خطبة وصلاة الجمعة، وبالإضافة إلى المحاضرات والخطب تقام فيه جميع الصلوات كصلاة الجمعة والعيدين والتراويح والخسوف والكسوف وغير ذلك مما شابه.

◄ اشتهرت فضيلتكم بإلقاء بعض "النكات" و"الدعابات" أثناء المحاضرات، ما السر وراء ذلك؟

- يقول الرسول: "ما دخل الرفق في شيء إلى زانه وما نزع عن شيء إلى شانه"، ويقول: "بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا"، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخاطب الناس بما يفهمون وبما يعقلون، وقد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم فلكل مقام مقال، فعندما أتحدث مع ناس ذوي صفة من العلم يكون حديثي آخر، وعندما أخاطب عامة الناس والشباب لابد أن أستعمل هذا الأسلوب؛ لما وجدته من نفور عن المحاضرات الدينية.

◄ مُمارسة الدعوة إلى الله موهبة بالفطرة أم علم وتعلم وممارسة؟

- قد يكون علم وقد تكون فطرة وقد تكون ممارسة أيضا؛ فيجب على الفرد التعلم والتطور من جميع المنابع المفيدة المختلفة؛ فالتعليم للداعية مهم جدا لكي يكون على بصيرة ولا يوقع الناس في المهالك، وكذلك يجب التعلم من الأساليب عن طريق القراءة أو النظر للآخرين والممارسة.

◄ وما هي المهارات التي يجب على جميع الدعاة اكتسابها لتطبيق الممارسات الدعوية المثمرة؟

- المهارة الأولى أن يعرف الداعية كيفية الأخذ بألباب الناس ومجامعهم، "فإن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة"، فمرة جاء النبي عليه الصلاة والسلام اثنان من أهل المشرق فخطبا وأعجب الناس ببيانهما، فقال عليه السلام: "إن من البيان لسحرا"، ثانيا كيفية التعامل مع المعلومة، فمهارة توصيل الرسالة علاقة تكاملية بين المرسل والمستقبل تجعل الشخص ينتبه وينجذب للاستفادة والحوار والنقاش، وكذلك مهارة حسن اختيار الموضوع المناسب في المكان والزمان المناسبين، ومهارة التواصل ومهارة الأخذ باليسير كلها مهارات مهمة.

◄ وهل لا بد للداعية من مزاحمة أهل العلم في مجالسهم؟ أم تكفي الدراسة في المعاهد والجامعات؟

- بالتأكيد لا، فمن كان علمه من كتاب كان خطأه أكثر من صوابه، فكثير من الناس ممن أغلقوا على أنفسهم الغرف وقرأوا الكتب اصطدموا بالواقع، وهذا الذي ترك انفصاما وعدم مقدرة على مواجهة الجمهور، فلا بد من مخالطة أهل العلم والناس ومجالستهم، فقد قال الإمام السالمي: (مزاحما أهل العلوم بالركب... وطالبا لنيله كل الطلب).

◄ هلّا وضحتم لنا بعض الأخطاء التي من الممكن أن يستفيد منها المبتدئون في طريق الدعوة؟

- من الأخطاء أن تريد الناس أن يكونوا على فكرك، فللناس فيما يعشقون مذاهب، وكذلك احتقار الآخرين والشعور بالاكتفاء والعظمة والفخر وتجهيل الناس ونصحهم في العلن "فالنصيحة على الملأ فضيحة" وذكر عيوب الآخرين، فلا بد للداعية أن يكون متواضعا.

◄ وهل الدعاة محتاجون في الوقت الحالي إلى تجديد أسلوبهم عند الخطاب الدعوي؟

- قبل الرماء تملأ الكنائن، يجب على الداعية التدرب والممارسة والتطوير وعدم الاستعجال؛ وذلك عن طريق الاستماع للنقد البنّاء وليس النقد الهدّام حتى يكتسب خبرات أوسع.

◄ بالرغم من العدد الهائل من المحاضرات والخطب وغيرها مما شابه، إلّا أننا لا نجد لفضيلتكم مؤلفات "أي كتب"، فما السبب؟

- لا يوجد لدي الوقت ولا الأسلوب ولا المادة للكتابة، فأنا أفضل إلقاء العلم والمعارف عن طريق المحاضرات والخطب، فما فائدة كثرة الكتب والقراءة قليلة، فأنا أحاول تجديد أساليب الدعوة بطرق أخرى أكثر جذبا للناس في الوقت الحاضر، ولكن إن وجدت في نفسي القدرة مستقبلا فعسى أن أوفق في التأليف.

◄ وكيف يكسب الداعية حبَّ الناس بمختلف معتقداتهم ورغباتهم واتجاهاتهم؟

- على كل داعية أن ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وسنته وتعامله مع الناس، فمن أراد الإخلاص عليه اتباع النبي، فلو سألنا أنفسنا سؤالا وهو لماذا أحب أعداء النبي رسول الله؟! فقد قال تعالى: "فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ"، فقد كان قدوة، وتعامله مع كل الناس تعاملًا نصوحًا حسنًا.

---------------------------------

 

مسقط - محمد الإسماعيلي

 

جريدة الرؤية : الجمعة, 25 /4/ 2014