طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 2515

الندوة الطبية الفقهية تدعو إلى مقرر دراسي معني بالفقة في كلية الطب

الخليلي: لا يجوز الإجهاض لتشوه خلقي إلا عند التيقن من تهديد حياة الأم

دعت الندوة الطبية الفقهية الأولى التي أقامتها إدارة مستشفى الجامعة صباح أمس بالقاعة الكبرى بالمركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس الى إيجاد مقرر دراسي لطلبة كلية الطب يعنى بالفقه الطبي والمسائل الطبية الدقيقة التي تتطلب الرأي الشرعي فيها حسب الحالات الطبية الضرورية خصوصا مع تنامي التطور الحديث والمتسارع للأجهزة الطبية موازاة لتنوع الحالات المرضية التي تتطلب كذلك قرارات حاسمة تتعلق بحياة المرضى مقرونة بمشاركة ذوي المرضى في الكثير من الحالات.

 

وكانت الندوة التي اقيمت بحضور سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وجمع كبير من الاطباء العمانيين والوافدين قد سلطت الضوء على ثلاثة محاور رئيسية قدمت من قبل أطباء عمانيين عرضوا خلالها عددا من الحالات المرضية الدقيقة والتي افتى فيها سماحته بالرأي الشرعي تخللها مداخلات الاطباء العارضين وبعض الاسئلة من الاطباء الحضور.

 

مرضاة الله

واستهلت الندوة بتلاوة آيات عطرة من سورة المؤمنين اوضحت مراحل خلق الانسان ونموه ونهايته بعدها القى الدكتور هلال بن علي السبتي نائب مدير عام مستشفى جامعة السلطان قابوس للشؤون الطبية كلمة رحب بها بمفتي عام السلطنة واكد انه إيماناً من مستشفى جامعة السلطان قابوس بضرورة متابعة ما يستجد على الساحة الطبية من مستجدات، وضرورة التعرف على الرأي الشرعي الإسلامي فيها، فقد أتت هذه المبادرة من الجامعة لطرح ما يستجد من مشكلات طبية معاصرة يلتمس الطبيب المسلم لها الحكم الشرعي والرأي الفقهي عبر هذه الندوة والتي بإذن الله سوف تتبعها ندوات أخرى في المستقبل.

 

واضاف ان هذه الندوة التي يساهم في إثرائها شيخنا الجليل مع عدد من كبار الأطباء سوف تسعى جاهدة بإذن الله إلى توحيد الكلمة والرأي وفقاً لتصورٍ طبيٍ صائب، لتبنى على أساسه الأحكام الفقهية التي سوف يستنير بها الطبيب المسلم في أداء عمله بأكمل وجه بغية مرضاة الله وخدمةً للمريض، حيث أن معرفة الأطباء للقواعد الفقهية الطبية هي بنفس أهمية معرفتهم كيفية استخدام السماعة الطبية، ومن هنا تأتي هذه الندوة إلى توجيه أنظار الباحثين وطلبة العلم نحو تطبيق القواعد الفقهية في المسائل الطبية وتوعية العاملين في المجال الصحي بذلك.

 

حالات إجهاض الأجنة

وقد تصدر أولى محاور الندوة قضية إجهاض الاجنة، فقد استعرضت الطبيبتان نهال بنت محمد الريامية وفتحية بنت محمد الراشدية من مستشفى الجامعة حالات طبية خاصة بإجهاض الاجنة وجاء في مقدمة العرض ان الإجهاض العلاجي أصبح واقعا في العمل الطبي وتفاوتت أراء الفقهاء والمجامع الفقهية في هذه القضية نظرا لاختلافهم في وقت نفخ الروح وأحقية الجنين في الحياة كإنسان ولذا كان لزاما علينا طرح هذه القضية للمناقشة مع العلماء الأجلاء للوصول إلى رأي متفق عليه ويمكن تطبيقه في الواقع وان الاجهاض العلاجي يعرف من الوجهة الطبية بأنه إسقاط الحمل من داخل الرحم بتدخل طبي قبل ان يصبح قادرا على الحياة بذاته أي قبل الأسبوع العشرين .

 

كما جاء في العرض مراحل نمو الجنين وان أول عضو يبدأ بالعمل هو القلب، حيث يبدأ القلب بالنبض في الأسبوع الخامس ويتم تسجيل أول تخطيط لدماغ الجنين في الأسبوع السادس ومن ثم يبدأ الجنين بالتمايز وتكوين الصورة البشرية في الأسبوع الثامن وبالحركة في الأسبوع التاسع،

 

وهنا تم طرح تساؤل الاطباء على المفتي بالقول في ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والعلم بمراحل وأطوار نمو الجنين، فما القول الذي ترجحونه في موعد نفخ الروح؟ وهل حرمة الجنين قبل نفخ الروح كحرمته بعد نفخ الروح؟

 

بعدها تم التطرق الى الجزء الثاني من الإجهاض وهو إجهاض الجنين المشوه حيث طرح مثالين لتلك الحالة ففي الاولى امرأة حامل بجنين (بدون دماغ)، تم تأكيده على أيدي طبيبين ثقة في هذا المجال وذلك بواسطة موجات فوق الصوتية مفصلة، مع العلم أن نسبة حياته هي 0%، حيث أن 75% من هذه الأجنة تموت داخل الرحم، وما بقي يعيش لساعات ومن النادر جدا أن يبقى المولود لعدة أيام .

 

وفي الحالة الثانية يتم تشخيص حالات فيها الجنين مشوها تشويها يحد من الحياة بالموجات الصوتية ثم يؤكد بعمل فحص عينة من السائل الأمنيوني بإصابة الجنين بالتثلث الصبغي ١٣ أو ١٨ ونسبة البقاء على قيد الحياة بإعاقة حادة هي من 0-10% خلال السنة الأولى مع متوسط عمر ٣-١٤ يوما لأغلب المواليد علما أن بعض الأجنة تموت قبل الولادة.

 

فجاء السؤال من قبل الأطباء بالقول في الحالتين السابقتين هل يجوز الإجهاض الطبي وفي أي مرحلة من الحمل نظرا لتحمل الأم والأسرة أعباء نفسية وجسدية لحمل نهايته مولود حياته محدودة؟

 

الرأي الفقهي

وهنا اوضح سماحة المفتي العام للسلطنة بان الله قد كرم الانسان وميزه عن باقي المخلوقات ولا ريب ان الجنين عندما يتخلق في مراحله الاولى يعد ذلك هو بداية لوجود الانسان وهو نواة له ومن هذا المنطلق يجب احترام هذا المخلوق وان تراعى حرماته وان لا يعتدى عليه وان حديثا لابن مسعود يدل على ان نفخ الروح بعد 121 يوما من الحمل بعدما يرسل اليه ملك من الملائكة ينفخ فيه الروح وانا – والحديث للخليلي – لا استطيع القطع بان الروح تنفخ بعد 121 يوما وانما الاستئناس بحديث ابن مسعود لذا نحن لا نتجرأ بالقول في اجهاض الجنين لأن فيه اعتداء على نفس كونها الله سبحانه وتعالى .

 

وعن اجهاض الاجنة المشوهة خلقيا رأى سماحته ان التشوه ليس بفعل فاعل واذا كان كذلك فهو مسؤول عن ذلك التشوه، لذا فالتشوه الخلقي ليس امرا اختياريا او يتسبب فيه الاب او الام او الطبيب وانما هي ارادة الله،

 

وهنا شدد سماحته ان لا يستطيع ان يجيز اسقاط الجنين بسبب هذا التشوه الخلقي الا اذا اقر الفريق الطبي بتيقن ان حياة ام الجنين في خطر وان بقاءها مهدد فالحفاظ على حياة الاصل اولى وهنا لا حرج من اسقاط الجنين مع الاخذ بأسباب العلاج ان كان منها فائدة مع تفادي الاخطاء الطبية واستدل سماحته بحادثة ان ابا قد طلب منه الاطباء بإسقاط الجنين الذي تحمله زوجته للتشوه الخلقي الذي اصيب به حتى ان ام الجنين تتناول ادوية كيماوية فرفض الاب وانجبت الام ذلك الجنين وظهر بصورة حسنة جميلة بل اجمل من اخوته كثيرا ومن هنا اكد سماحته على ضرورة ان يكون الفريق الطبي متيقنا بمدى خطورة الحمل على الام وهذا ما اقر في مجمع الفقه الاسلامي حول هذه القضية مشيرا سماحته الى انه اذا تعمد احد اسقاط الاجنة فعليه كفارة نصف عشر الدية وان على الطبيب لا يجب عليه ان ينصاع الى طلب الابوين بالإجهاض ما لم تكن هناك خطورة على حياة الام الحامل .

 

الحالة الوراثية والمعوقة

كما تم استعراض حالة مرضية حول أسرة لديها ثلاثة أطفال مصابين بأحد امراض تحلل الدماغ، بدأت الأعراض على الطفلة الاولى عند سن ١١ شهرا حيث فقدت القدرة على المشي، وعند سن سنتين ونصف السنة فقدت القدرة على الجلوس وفي عامها الثالث فقدت القدرة على تحريك كل أطرافها، وأصيبت بتيبس شديد في الأطراف، مع ظهور نوبات صرع متكررة ، أيضاً فقدت بصرها وفقدت القدرة على البلع حتى توفيت في الثامنة من عمرها. علما بان بداية ظهور اعراض أمراض التحلل الدماغي متفاوتة، يظهر بعضها منذ الولادة والبعض الاخر في سنوات الطفولة المتأخرة او حتى بعد البلوغ .

 

فكان التساؤل انه يمكن عمل تشخيص وراثي دقيق بأخذ عينة من المشيمة من الأسبوع 11 أو الغشاء الأمنيوني من الأسبوع 15 من الحمل فهل يجوز إجراء هذا الفحص للتأكد من إصابة الجنين، باعتبار أن طمأنة الوالدين بصحة الجنين لها أبعاد كبيرة على الصحة النفسية للأبوين؟ وهل يجوز إجهاض هذا الحمل في حالة التأكد من إصابة الجنين ؟

 

فجاء جواب سماحته بان كل الاحوال بحاجة الى ضبطية وتيقن وانه اذا كان هناك تيقن من تكرار هذه المواليد فلا مانع من إجراء ذلك الفحص خاصة اذا عرف ان الام تلد مثل ذلك الابناء لكن اذا تيقن ايضا بان 75% او حتى 50% ان يكون المولود سليما فلا يجوز الاجهاض مع مراعاة نسبة المضرة من عدمها وامكانية علاجها وهنا اشار سماحته كذلك بضرورة الفحص الطبي قبل الزواج وهذا ما اقره مجمع الفقه الاسلامي بخصوص الامراض الوراثية وانه يجب التوعية بذلك .

 

وكان اخر الاسئلة الطبية في الورقة الاولى هو حول حكم استئصال رحم البنات المعوقات عقليا أو جسديا بحيث لا تستطيع معها العناية الذاتية حتى في النجاسات والفضلات وذلك لأنه لا يُرجى حملهن، ولصعوبة الاعتناء بنظافتهن، والخوف من الاعتداء عليهن؟

 

فرأى سماحته انه اذا كان العلاج مستحيلا للإعاقة او البلاء الذي انزله الله عليها وترتب من ذلك البلاء مشكلات كضعف الرقابة وبالتالي خوفا من الاعتداء عليهن او سوء تعامل المريضة مع الفضلات وليس هناك ضرر من ازالة الرحم فانه لا حرج من ازالته وان ازالة الرحم ايسر وافضل من استخدام الموانع الطبية للمريضة او المعاقة .

 

ومن ضمن الاسئلة في هذا السياق والتي طرحت من قبل الاطباء الحضور اجاز سماحته اذا تيقن ان الام تلد ابناء مشوهين خلقيا ان تتناول الموانع المجنبة للحمل كما اجاز سماحته ان تمنح البنت المغتصبة موانع الحمل اذا لم تحمل بعد .

 

وقف الانعاش والموت الدماغي

وفي المحور الثاني والثالث للندوة قدم الطبيبان خلفان العمراني الاستشاري ورئيس قسم الطوارئ بمستشفى الجامعة وعبدالحكيم الهاشم استشاري الطب الباطني بمستشفى الجامعة وجاءت الاسئلة التي طرحت على المفتي مقننة وواضحة بعد تقديم شرح واف لمفهوم الانعاش الطبي او الرئوي والحالات المرضية لها فكانت وكذلك ما يعرف بحالات الموت الدماغي وتقديم حالات مرضية له فجاءت صيغة السؤال هل هناك حرج شرعي على الأطباء في اتخاذ قرار عدم الانعاش في مثل هذه الحالات الميؤوس من علاجها والتي وصل بها المرض إلى مشارف الموت ؟ هل يستدعي هذا القرار موافقة أهل المريض؟

 

وعن ما يعرف بالموت الدماغي طبيا جاء تساؤل الاطباء فهل يجوز شرعا نزع الاجهزة الانعاشية علما بان المصاب يعتبر طبيا متوفى دماغيا حيث ان ذلك الاجراء سيؤدي الى توقف القلب مباشرة بفترة وجيزة؟ علما بأن هناك مرضى هم أحوج إلى تلك الأجهزة ؟ هل يستدعي هذا القرار موافقة أهل المريض ؟

 

فجاء جواب الخليلي بقوله انه على حد علمه بان اجهزة الانعاش تظل محدودة فالأمور يجب ان تراعى فيها الاولوية فانعاش من يرجى حياته ليس كحال من لا يرجى حياته وان استخدام هذه الاجهزة لإنعاشه يرهق الميزانية المادية لوزارة الصحة او حتى اذا كان المريض في مستشفى مستأجر يرهق ميزانية اهل المريض لذا يجب مراعاة الاولويات ولا يجب الالتفات الى اخذ موافقة اهل المريض فلا حرج من اتخاذ قرار عدم انعاشه الحالات المرضية الميؤوس منها وكذلك لا حرج من نزع الاجهزة من على المريض اذا كان هذا المريض قد فقد التنفس الطبيعي وهو يتنفس تنفسا صناعيا واذا كان هذا ما يعرف بالموت الدماغي طبيا فلا مانع من نزع الاجهزة عنه فالقرار يرجع الى اهل الخبرة من الاطباء وليس اهل المريض الذين تجرهم العاطفة غالبا فمن باب اولى نزع الاجهزة عن الحالات التي فقد التنفس الطبيعي حتى يتم الاستفادة من تلك الاجهزة لحالات مرضية اخرى تتنفس تنفسا طبيعيا .

 

حوادث السير

وكون حوادث السير هي الاخرى مرتبطة بالحالات المرضية فقد طلب من سماحته التطرق الى هذا الموضوع الخطير فقد اوضح مفتي السلطنة بان حوادث السير تأتي من أسباب عدة منها تناول المشروبات الكحولية وهنا كشف سماحته بانه وجه رسالة الى صناع القرار بالسلطنة طالبهم بمنع بيع الخمور ودخوله الى السلطنة الا انه ابدى استياءه من عدم اتخاذ هذا القرار الذي سماه بالقرار السياسي مبديا استياءه من ذلك وان الرد جاءه عبر اشخاص زاروه في مكتبه وقالوا له سيتم ذلك بطريقة افضل وحضارية مبديا استغرابه من عدم اتخاذ قرار منع الخمر وما الفائدة من السماح بوجوده مع انه يكلف الدولة ميزانية كبيرة عندما يتسبب شارب الخمر في حوادث السير التي تستنزف ميزانية وزارة الصحة والجهات الاخرى وايضا ذكر سماحته من اسباب حوادث السير ضعف التحلي باخلاق نظام السير واستهتار بعض السائقين والسرعة الجنونية .

_________________________________________

جريدة عمان: الجمعة 18 ذي القعدة 1433هـ / 5 أكتوبر 2012م

تغطية: إبراهيم بن علي البلوشي