طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 1970

السيابي: ان اتباع المنهج النبوي حصانة من الأزمات والنكبات التي يرضخ تحتها المجتمع الإنساني في هذه الآونة

أكد سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي أمين عام مكتب الافتاء أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مولد بشر عادي إنما هو مولد للبشرية ومولد للإنسانية.

وأوضح أن مولد سيد البشرية وخير البرية نبي الرحمة ورسول الهداية ليس حدثا عابرا وإنما هو حدث بحجم الكون العظيم من مجراته الى ذراته لأنه رحمة للعالمين.

كما أكد سعادته ان اتباع المنهج النبوي حصانة من الأزمات والنكبات التي يرضخ تحتها المجتمع الإنساني في هذه الآونة.

جاء ذلك خلال لقائنا بسعادته حول هذا الحدث العظيم الذي تحتفي به السلطنة والعالم من اقصاه الى اقصاه في كل عام استبشارا وابتهاجا بهذه المناسبة العطرة المباركة ولتزداد قربا من نبيها ذي الخلق العظيم الرحمة للعالمين.

 

يقول السيابي، إن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مولد بشر عادي إنما هو مولد للبشرية ومولد للإنسانية فكون مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مولد للبشرية فلأنه جاء والبشرية هائمة على وجهها لا تدري وجهتها وليست عارفة لمصدرها وموردها فقد كانت بين عابد للحجر وعابد للبشر.جاء والبشرية تائهة في صحراء الجهل ومهامه الخرافة يعبد الانسان منهم ما يصنعه بيده ويأكله ويعتقد في الحجر والمدر والشجر وغيرها من الاجسام والاجرام الخوارق والنفع والضر.

يقول الشاعر:

 

أتيت والناس فوضى لا تمر بهم

إلا على صنم قد هام في صنم

 

ويقول آخر:

 

وجئت وأرواح الوجود صدية

إليك وروض الصالحات هشيم

فآنست الأرواح منك رواءها

وفاح لهاتيك الرياض شميم

 

ويضيف سعادته: الكون بأسره كان مصيخا مصغيا لتلك الرسالة التي خرج فيها محمد الى الوجود، والوجود كان يترقب ذلك الحدث النوراني يترقب مولد محمد صلى الله عليه وسلم، ليلة المولد التي هي في تلك الليالي الفريدة الزهراء.فقد كان مولد محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وما ترتب عليه من مقام النبوة إنقاذا للبشرية وتصحيحا لمسارها فبعد أن كان ذلكم العربي يتغنى بالعداوة لأخيه صار يردد قول نبيه عليه الصلاة والسلام «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، ومصداقا لقول الحق تبارك وتعالى «واعتصموا بحبل الله…تهتدون».

وأما كون مولده صلى الله عليه وسلم مولدا للإنسانية فقد تجلت فيه عليه الصلاة والسلام معاني الانسانية الكاملة رحمة وخلقا وتواضعا ورفقا ووفاء وعدالة الى غير ذلك من مفردات المعاني الانسانية فهو رحمة للعالمين « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ « وهو رحيم « لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ».

وهو عليه افضل الصلاة والسلام ذو الخلق الواسع العظيم فقد أثنى عليه هذه الصفة العالية بقوله «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ولا ريب ان صاحب الخلق العظيم يعامل الآخرين بمنتهى المعنى الانساني لذلك فهو عليه الصلاة والسلام يأمر الناس بقوله «واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» وكيف لا يكون ذلك ألم يأمره ربه عز وجل بقوله «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ».

وأما عن بقية الصفات الحميدة العظيمة من عدل ووفاء وتواضع الى غير ذلك فقد نقل عنه صحابته الكرام رضي الله عنهم الشيء الكثير الكثير الذي لا يتسع له هذا المقام، وليتحدث الانسان عن ذلك ولا حرج.

 

ميلاد أمة

ويضيف سعادة الشيخ امين عام مكتب الافتاء، ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم هو ميلاد أمة؛ لان الامة التي عرفت فيما بعد بالامة الاسلامية قد ولدت وتكونت بمولده صلى الله عليه وسلم وذلك لان الله اراد لها بهذا الدين الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ان تكون قائدة ورائدة وموجهة ومرشدة للأمم والشعوب، كيف لا يكون ذلك؟ والله تعالى ناط عليها مسؤولية الشهود الحضاري «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ»، فالشهود الحضاري معناه التوجيه والارشاد والقيادة العامة للبشرية الى ما فيه خير الدنيا والآخرة على اسس ربانية صحيحة المصدر سليمة المورد ولذلك استحقت هذه الامة ذلكم الوصف الرباني العظيم الذي هو مجد وشرف لها إلى ان يرث الارض ومن عليها فقد وصفها رب العزة والجلال بقوله «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ».

ويضيف، ان هذا الوصف العظيم بالخير والخيرية لا يتحقق لها ومنها إلا بالإيمان بالله عز و جل وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي مسؤولية قيادية وعلى أمة الاسلامية القيام بها خير قيام والمفهوم المخالف لذلك معناه التفريط الذي يترتب عليه ان تصير هذه الامة هي المقودة بدلا من ان تكون قائدة وان تصير في مؤخرة الركب بين الأمم بدلا من ان تكون في المقدمة كما اراد الله تعالى لها وهذا مع الاسف هو واقعها المعيش والسبب في ذلك انها تركت الخيار الرباني لها الذي امرها الله به في قوله «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، وكلمة «من» في الآية هي للبيان وليس للتبعيض، لمعنى أن الله تعالى أمر المسلمين جميعا بمقتضى الآية مبينا لهم ذلكن وليس أمره لبعض دون بعض فلا اختيار للأمة الاسلامية للهروب من هذا التكليف الالهي الشريف.

 

مولد حضارة

كما ان مولد النبي عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم يعتبر مولد حضارة، فإن الحضارة الاسلامية بمعانيها الانسانية الواسعة ومفرداتها المادية الكبيرة فقد وجدت وتكونت ايضا بمولده الشريف المبارك لأنها ربانية المصدر أساسها القرآن العظيم، الذي هو كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين على محمد عليه الصلاة والسلام وأردفه بالوحي الخفي المتمثل في السنة الشريفة المطهرة، ولكون الحضارة الاسلامية ربانية المصدر فإن اللبنة الأولى في بنائها هي الايمان بالله خالق الوجود ومصرف الكون «بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».

ذلك الايمان القائم على جملة «لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» قولا وعملا واعتقادا فحررت الانسان من العبادة والعبودية للجبت والطاغوت الى العبادة والعبودية لله وحده فهو المعبود بحق لا سواه، فلذلك سعدت الدنيا وازدهرت الحياة واستنار الوجود واستحقت هذه الامة مسؤولية الشهود – كما اسلفنا – وصارت حضارتها  واسطة العقد بين الحضارات.

هل كان دين ابن عدنان سوى فلق

شق الوجود وليل الجهل يغشاه

سل الحضارة ماضيها وحاضرها

هل كان يتصل العهدان لولاه

هي الحنيفة عين الله تكلؤها

فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

 

ومولده الشريف عليه افضل الصلاة وازكى السلام ليس حدثا عابرا وانما حدث بحجم الكون العظيم من مجراته الى ذراته لأنه رحمة للعالمين فقد شملت رحمته عليه الصلاة والسلام الانس والجن والشجر والدواب والجماد والنبات ليكون الوجود كله منظومة واحدة تتفاعل فيما بينها.

 

اتباع منهج النبي r عليه وسلم:

ويوضح سعادة امين عام مكتب الافتاء، لو اتبعت البشرية منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسارت على هديه لما حصل لها ما حصل من أزمات ونكبا وما الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يشهده العالم حاليا إلا واحدة من سلسلة من الازمات والنكبات ولو ان البشرية فهمت ما انزل الله إلى نبيه لما وقعت في هذه الهوة السحيقة في السياسة الاقتصادية ولو فهمت واتبعت قولك «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» لما وقعت فيما وقعت فيه من أزمات في أرزاقها وأقواتها.

لكن البشرية لم تعد تسمع هاتين الكلمتين اللتين هما الركنان العظيمان والقسمان الكبيران للمال والاقتصاد وهما «الحلال و الحرام» ولم تعد متداولتين سوى في فئة معينة من الناس ولذلك كانت الازمة المالية الكبيرة التي كان سببها الجشع ورداءة الاخلاق وغياب الضمائر السليمة حتى اصبح عدم الثقة هو سيد المواقف بين البائع والمشتري بل بين كل متعاملين وحتى اصبح الوضع الاقتصادي العالمي دائرا ومترددا بين ازمة اخلاق وازمة ثقة ورحم الله أبا مسلم عندما قال قبل حوالي مائة عام:

وليتهم إذ عطلوا الدين سايروا

طبيعة تكوين العمار وتابعوا

فأي عمار قام والظلم أُسّه

وتلك ديار الظالمين بلاقع

وليت بني الاسلام قرت صَفاتهم

لما زعزعتها للغرور الزعازع

وليتهم ساسوا بنور محمد

ممالكهم إذ باغتتها القواطع

 

اساءات وكيد

وحول وجود اصوات تسيء الى النبي صلى الله عليه وسلم بين حين وآخر، يقول السيابي هذه الاصوات البذيئة والاعمال الشائنة التي تظهر بين الحين والآخر من زعانف البشر تسيء الى النبي وأمته ما هي الا نفثات مصدور وكيد مسعور آلمهم الزحف الاسلامي الذي اخذ يجتاح المعمورة شرقا وغربا جنوبا وشمالا يرتفع فيها نداء الحق كل يوم وليلة خمس مرات مرددا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، قارنا اسم النبي مع اسم الله جل جلاله الذي ارسله الله رحمة للناس وحتى أولئك الذين يؤذون امة النبي بالإساءة إلى نبي الرحمة جاء رحمة لهم وقد اعماهم الحقد واصمهم التعصب المقيت.

ومما قاله أحد الشعراء:

ولكن دولة الأغراض تعمي

وتلقي فوق أعينهم سحابا

لقد جحدوا ضياءك وهو سار

يشق البيد أو يطوي الهضابا

وكان من الهدى فيه سراجا

ومن وضح اليقين به شهابا

ومن تكن المآرب ضللته

 

يجد في الحق زيغا واضطرابا

-----------------------------

جريدة عمان: الجمعة, 11 ربيع الأول 1436هـ. 2 يناير 2015م

 

 

***********************************************

أحمد السيابي:

الله تعالى أكرم بميلاده الأمة البشرية بل هذا الكون، فكان ميلاده حدثاً غير عادي

ـ لابد من تهيئة كونية تستقبل هذا الحدث لأنه ارتباط للبشرية بالله تعالى عن طريق هذه الرسالة وصاحبته إرهاصات

ـ (العصمة) من إرهاصات النبوة، فالله تعالى عصم نبيه محمداً من المعاصي إرهاصاً لتحمل هذه الرسالة

ــ “اليتم” كان تهيئة من الله تعالى لنبيه لكي يكون عطوفاً بالناس، رفيقاً ورحيماً بهم، وشفيقاً عليهم

ـ اشتهر منذ نعومة أظافره بالسيرة الطيبة الطاهرة النظيفة مبتعداً عن ضجيج الجهلاء وعن صخبها في حياة مكة

التقى به ـ علي بن صالح السليمي:

يقول سعادة الشيخ احمد بن سعود السيابي ـ الأمين العام بمكتب الإفتاء ـ حول هذه المناسبة العظيمة: إن مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو ميلاد للإنسانية، فالله تعالى أكرم به الأمة البشرية بل هذا الكون، فكان ميلاده حدثاً غير عادي.

مضيفاً: إننا نستطيع القول: انه حدث مقدس لما فيه من الأمور الاعتبارية والعظات والحكمة، من هذا المنطلق رأت الأمة على اختلاف فيما بينها أن تحتفي بذكرى ميلاده (صلى الله عليه وسلم) لما في ذلك من تمسك بالرسالة التي جاء بها هذا النبي الكريم.

* اختلاف في الاحتفاء بالمولد

وقال: لقد وقفت على اختلاف في الاحتفاء بهذا الحدث، فمنهم من لم يجزه مطلقاً ومنهم من عمل فيه ممارسات وطقوسيات لا يقرها الإسلام أو لا يقر كثيرا منها، ومنهم من وقف في الوسط، حيث اخذ العبرة والارتباط بذكرى هذا السيد العظيم وتذكر رسالته وهذا الذي سار عليه الإباضية إذ إن موقفهم كان وسطاً، فالمشارقة من الإباضية ما كانوا يحتفلون بهذه الذكرى ولكنها وفدت إليهم من أقطار أخرى، أما الإباضية المغاربة فالظاهر أن الاحتفال بالذكرى كان عندهم من زمن لا بأس به، مشيرا هنا إلى انه يقال أن أول من ابتدأ الاحتفال بمولده (صلى الله عليه وسلم) هم الفاطميون الذين حكموا الشمال الإفريقي إلى مصر وامتد نفوذهم في بعض الاحيان الى اليمن والشام ولكن ذلكم الاحتفال ما كان على المستوى الرسمي ، وأول من احتفل به احتفالاً رسمياً على مستوى الدولة حاكم (إربيل)، وإربيل مدينة في شمال العراق حالياً من قبل الأيوبيين في عهد صلاح الدين الأيوبي.

* تاريخ المولد

وحول تاريخ مولد المصطفى (عليه الصلاة والسلام) قال سعادته: اختلف في تاريخ مولده (صلى الله عليه وسلم) والجمهور على انه كان في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وقالوا انه بعد خمس وخمسين يوماً من حادثة الفيل، وحددوا ذلك بأنه في عام (570 للميلاد)، لكن الشيخ أبا إسحاق اطفيش ـ رحمه الله تعالى ـ ينقل في تعليقه على كتاب (النشأة المحمدية) عن أحد الفلكيين المصريين الكبار وهو محمود باشا الفلكي تحديد مولده (صلى الله عليه وسلم) بيوم الاثنين التاسع من ربيع الأول عام (571 للميلاد).

* تهيئة كونية

موضحاً سعادته بأنه وعلى أي حال هذه خلافات لا تقدم ولا تؤخر، النبي (صلى الله عليه وسلم) ولد .. والحدث وقع، وهذا الاختلاف ليس اختلافاً مهماً فهذا يحدث في الأمور التاريخية ولأن العقل البشري يختلف في تحمل الأحداث.

وقال: لا شك أن هذا الحدث العظيم ليس حدثاً عادياً، فلابد له من تهيئة كونية تستقبل هذا الحدث لأنه ارتباط للبشرية بالله تعالى عن طريق هذه الرسالة، فالقضية عظيمة غير عادية، مبيناً بأن هذا الحدث العظيم صاحبته إرهاصات، والإرهاص هو تأسيس وتهيئة لأمر ما بحيث يكون الحدث منساقاً ومنسجماً مع ذلكم التأسيس والتهيئة، فهناك تهيئة لحدث المولد وتهيئة للنبوة، وقد ترابطت هذه الإرهاصات.

مشيراً إلى أن المستشرقين أرادوا من ذلك القدح في نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن هذا الرجل إذا كان ينتمي إلى هذه الأمة الوحشية والهمجية غير الحضارية التي يأكل بعضها بعضاً، هل يعقل أن يأتي إلى قيادة البشرية؟! وان هذه الرسالة يستحق لها أن تكون رسالة عالمية لجميع الأمم والشعوب إلى أن يرث الله الدنيا ومن عليها؟!، فالمفكرون المسلمون تلقوا الفكرة وأخذوا يرددونها يريدون إظهار فضل الإسلام وفضل محمد (صلى الله عليه وسلم) مما حدا بهم إلى المبالغة في ذلك.

* التوحد في اللغة

مضيفاً بقوله: وكذلك تهيئة لهذا الحدث العظيم مولد النبي الشريف وإرهاصاً للنبوة الإسلامية فقد توحدت الجزيرة العربية على لغة واحدة وهذا التوحد في اللغة غير موجود في الأمم الأخرى التي نجد فيها لهجات متباينة كالصين والهند وفارس، أما اللغة العربية فقد توحدت بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها وهيأ الله تعالى لها شعراء جابوا أقطار الجزيرة العربية وهم أصحاب المعلقات السبع أو العشر .. وغيرهم.

مؤكداً أن ذلك كله تهيئة وإرهاص لمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ولرسالته، فلو نزل القرآن الكريم من غير توحيد لأمة العرب في لغتها لكان كثير من العرب لا يفهمونه، وقبل فترة زمنية قصيرة من مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) عمل شعراء العصر الجاهلي الفحول على توحيد اللغة العربية، فقد كانوا يقومون بجولات في أصقاع الجزيرة العربية.

وقال سعادة الأمين العام: لقد شاء الله تعالى أن هزم أبرهة في هدم البيت وذلك مما زاد من مكانة العرب ومن مكانة النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما بعد، وتلك الأمور هي إرهاصات جعلها الله تعالى لتكون البشرية على أهبة الاستعداد لمولده (صلى الله عليه وسلم) وللرسالة الإسلامية والبعثة المحمدية.

* العصمة والنزاهة

منوهاً أنه ومن تلك الإرهاصات أيضاً (العصمة) وهي من إرهاصات النبوة، فالله تعالى عصم نبيه محمداً (صلى الله عليه وسلم) من المعاصي إرهاصاً لتحمل هذه الرسالة، وليست هناك عصمة لمخلوق إلا الأنبياء والرسل عليهم السلام.

ومؤكداً بقوله: إذن شخص محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يتهيأ لاستقبال الرسالة العظيمة لا بد أن يكون منزهاً ومعصوماً مما تتلوث به عظمة هذه الرسالة الخالدة والله تعالى قد رباه على كثير من الأمور، فهيأ له أن يرعى الغنم وفيه سياسة الأوابد والماشية وفيه السكينة واخذ العبرة واشترك في الأمور العسكرية كحرب الفجار واشترك في اللقاءات والاجتماعات السياسية في دار النبوة واشترك في حلف الفضول الذي كان يشيد به ويتمنى لو حصل ذلك في الإسلام لأن فيه رداً للمظالم وأخذاً بيد الظالم ثم اشتغل كذلك بالتجارة.

* حادثة اليتم

وقال: إن الله تعالى شاء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يقدر اليتم عليه ، حيث توفي والده (عبدالله بن عبد المطلب) وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب القرشية وهو في العام السادس من العمر عند عودتها بولدها الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من المدينة المنورة حيث توفيت بالأبواء بين المدينة ومكة ثم توفي جده عبد المطلب الذي رباه وكان يعطف عليه عطفاً شديداً ويلاطفه ملاطفة كبيرة وقد أحس بفقد جده أيما إحساس.

منوهاً إلى انه ذلك اليتم وما فيه من مرارة الحياة ولوعة الفراق كان تهيئة من الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) لكي يكون عطوفاً بالناس، رفيقاً ورحيماً بهم، وشفيقاً عليهم.

* سيرته بين قومه

وقال سعادة الأمين العام: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) اشتهر منذ نعومة أظافره بالسيرة الطيبة الطاهرة النظيفة مبتعداً عن ضجيج الجهلاء وعن صخبها في حياة مكة حتى عرف عنه ذلك بين العام والخاص، وقد عصمه الله من الوقوع في شئ من لوثات الجاهلية وفسادها، فعندما تحاول البيئة الاجتماعية جرّه إلى شئ من ذلك سرعان ما تتدخل العناية الإلهية لتصرفه عن ذلك وليستقبل منصب النبوة العظيم وهو طاهر النفس، نقي الجوارح، خالص القلب.

مضيفاً بأنه (صلى الله عليه وسلم) قد اشتهر بالأمانة والصدق بين قومه وسمي بـ (الأمين) وقد عصمه الله من عبادة الأصنام والاقتراب منها بأي نوع من أنواع القربات والعبادات، وانزل عليه الوحي في غار حراء يعلمه (القراءة) ولا ريب أن هذا تشريف لأمة الإسلام، ومن هناك كان الإسلام دين العلم والقلب وسيلته، وبعد انجلاء الوحي أصبح محمداً منذ تلك اللحظة (نبياً ورسولاً) من رب العالمين ورجع منزله وهو يرتجف من هول ما شاهد وشدة ما رأى، وقال لزوجته السيدة خديجة (زملوني .. زملوني) أي (لفوني) لذلك خاطبه ربه بـ(أيها المزمل)، كما بشره ورقة بن نوفل بـ(النبوة) وذلك عندما اخبره بما شاهده في أمر الوحي عن طريق جبريل (عليه السلام) في غار حراء، فقال له ورقة: (إن هذا أمر رباني)، حيث أكد له مما عرفه من استقراء شأن النبوات والأنبياء.

واختتم سعادته حديثه بقوله: إن النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) كان بحق الرحمة المهداة فكان رحيماً بأقاربه وبالأطفال والضعفاء.

موضحاً بقوله: أنه بعد أن أمضى على البعثة ثلاث سنوات كانت الدعوة إلى الإسلام في غاية السرية والكتمان أمر الله رسوله أن يعلن تلك الدعوة للإسلام جهاراً نهاراً قائلاً له:(فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين)، وكان الإعلان للانطلاق للدعوة إلى الإسلام، وكان قومه يحسدون النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) ويغارون منه.

--------------------

 

جريدة الوطن: الجمعة 2 يناير 2015 م - ١١ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ